* خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية: أقاليم العالم كله قابلة للتحول الديمقراطي ما عدا المنطقة العربية... وحل مشكلة التحول الديمقراطي يجب أن تكون ضمن إصلاح شامل اقتصادي واجتماعي وثقافي وسياسي وديني في وقت واحد
* باحث في شؤون الجماعات الإسلامية: المشكلة الكبري التي تواجه الديمقراطية بالشرق الأوسط دينية وليست سياسية، لوجود عدد كبير من تيارات الإسلام السياسي بالمنطقة
* يجب حل المشكلات الاقتصادية بالشرق الأوسط أولا لوضع ركائز الديمقراطية لتطبيقها
القاهرة: مما لا شك فيه أن الديمقراطية في الوطن العربي تواجه مشكلات كثيرة وكبيرة والبعض يختزل تلك المشكلات في الناحية الاقتصادية والسياسية في حين أن المشكلات أعمق من هذا بكثير، ولعل أبرزها ارتباط صورة الدول العربية لفترة طويلة في نظرة المجتمعات الغربية واقتصارها على ثروات النفط ومشاكل الإرهاب والحروب أو سياحة الاستجمام، لكنّ تلك النظرة تغيرت تدريجيا بعد ما سمي فوضى الربيع العربي التي عصفت بالكثير من دول المنطقة العربية، حيث جاءت موجة الانتفاضات في عدد كبير من دول المنطقة العربية لتتسبب في حدوث تصدع كبير في نظرة الغرب تجاه المنطقة العربية لتثار المخاوف والتساؤلات بشأن المخاطر التي تواجه الدول العربية هل هي مقتصرة على الأمور الدينية والسياسية أم أن هناك مشكلات ومخاطر أخرى أعمق يجب أن يتم احتواؤها لخلق بيئة مناسبة تستطيع أن تفرز أجيالا قادرين على تقبل الديمقراطية.
هناك عدد كبير من المؤلفات التي رصدت المشاكل التي تواجه الديمقراطية، خاصة المتعلقة بالدين والسياسة لتعارضهما مع بعضهما البعض، ففي كتاب لألكسيس توكفيل (1805–1856) السياسي الفرنسي والذي شغل منصب وزير الخارجية الفرنسي عام 1851، بعنوان «الديمقراطية في أميركا» والذي يعد من أهم المراجع التقليدية المؤسسية لعلاقة إيجابية ممكنة بين الدين والديمقراطية، حيث شغل توكفيل نفسه بتجربة الولايات المتحدة باعتبارها كانت بلدًا حديثًا يمثّل تحديًا للمنظرين، وقدمت نموذجًا في العلاقة بين السياسة والدين في عملية بناء الديمقراطية، مختلفًا عن النموذج الفرنسي، حيث كانت فرنسا تخوض صراعًا مريرًا مع ذاتها لم يتوقف منذ الثورة الفرنسية التي وقعت عام 1789. وفي الوقت الذي دخلت فيه الثورة الفرنسية في صراع عدائي مع الدين، فإنّ الثورة الأميركية (1776) أنشأت توافقًا فريدًا بين الديمقراطية والدين.
وفي كتابه «الديمقراطية في أميركا» يقول توكفيل: «إنّ أجمل حلم في حياته عندما دخل معترك الحياة السياسية، كان المساهمة في التوفيق بين روح الحرية وروح الدين، ويتساءل بعدها: هل ستتراجع الديمقراطية أمام البورجوازيين والأغنياء كما تراجعت أمام الإقطاع؟».
توكفيل في كتابه تحمس بشكل كبير لفصل المؤسسة الدينية عن الدولة، حيث رأى جيدًا الخطر الذي يحيق بالديمقراطية، بتغليبها السياسة على ما هو ديني، أو الديني على ما هو سياسي، ولذلك فإنّه تميز في كتابه برؤية الإمكانية العملية لتهدئة المشاعر الديمقراطية الجامحة بكلّ كفاءة، كما أنه رأى في الدين الإمكانية النظرية في إطار المجتمع الديمقراطي للقدرة على بلوغ مجال خارجي، وهو أمر مختلف عن الديمقراطية الطبيعية الصافية النقية المنافية لطبيعة الإنسان المتدين المتخلص من كلّ اعتقاد عن المساواة ذاتها، والنتيجة أنّه لا يشيد هذه الإمكانية العملية إلا من خلال انتزاع هذه الإمكانية النظرية منها، لكن تظلّ هناك حاجة دائمة إلى تطوير الفهم الديني وقدرته على مواكبة واستيعاب التحولات الاجتماعية والحضارية التي تمر بها الأمم.
ولعل أبرز المشكلات التي تواجه الديمقراطية في الوطن العربي هي ما يسمى بتيارات الإسلام السياسي والتي أفرزتها ما يسمى ثورات الربيع العربي، حيث ظهر خطر تلك التيارات بعد وصول جزء منهم للسلطة كما حدث في مصر.
وفيما يرى عدد من الخبراء أن المخاطر التي تواجه الديمقراطية في المنطقة العربية أكبر من الأمور الدينية والسياسية، بل ثقافية واجتماعية واقتصادية، يقول الدكتور عاطف سعداوي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لـ«المجلة» إن المشاكل التي تواجه الديمقراطية بمنطقة الشرق الأوسط لها أسباب كثيرة وليست مقتصرة على الأمور الدينية أو السياسية فقط، موضحا أنه لا يمكن حصرها في هذين الأمرين فقط، مؤكدا أن هناك أسبابا ثقافية واجتماعية واقتصادية تعوق مسار الديمقراطية بالشرق الأوسط، مشيرا إلى أن هناك مقولة في السابق كانت تقول: «الاستثناء العربي» وكانت تعني أن أقاليم العالم كله قابلة للتحول الديمقراطي ما عدا المنطقة العربية، وهذا يرجع لأسباب كثيرة أقلها الأمور السياسية ولكن أعمقها وأكثرها تجذرا الأسباب الاقتصادية والثقافية والمجتمعية، وأخيرا الدينية، ولكن البعض يختزلها في الأمور السياسية نظرا لأسباب واضحة بشكل كبير.
وأضاف الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لـ«المجلة» أن هناك دولا عربية قامت بها ثورات مطالبة بالديمقراطية وبالفعل تحقق بشكل من أشكال التغيير في نظام الحكم ولكنها لم تصمد، نظرا لغياب البنية الثقافية التي تسمح بتقبل الديمقراطية وتجذرها موضحا أن حل تلك المشكلات يكمن في إصلاح شامل اقتصادي واجتماعي وثقافي وسياسي وديني بشكل ممنهج وفي وقت واحد عن طريق خطتين؛ الأولى قريبة الأمد، والثانية بعيدة الأمد، لوضع بنية بيئية قادرة على تقبل الديمقراطية.
وأوضح الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن النخبة العربية المثقفة على عاتقها دور كبير في هذا التحول الديمقراطي، مؤكدا أن النخبة جزآن، أحدهما غائب غيابا تاما عما يحدث بالمنطقة العربية، واختار التواري عن الأنظار بسبب فقدانه أي تأثير له بالشارع أو غيره، وهناك نخبة غُيبت لأسباب كبيرة أبرزها أنه تم إقصاؤها بشكل قصري.
من جانبه، أكد أحمد أبو العطا الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أن المشكلة الكبرى التي تواجه الديمقراطية في الشرق الأوسط خاصة بالمنطقة العربية التي طالها ما يسمى الربيع العربي وهي دينية وليست سياسية، بسبب وجود عدد كبير من تيارات الإسلام السياسي بمنطقة الشرق الأوسط، وهذه التيارات تفرض نوعا من المثالية السياسية وهذه المثالية يصعب توافرها بشكل كامل حتى تتحقق الديمقراطية ولكي تتوافر هذه الديمقراطية والمثالية يجب أن تمر بحقبة تاريخية معينة ومختلفة وآليات اقتصادية واجتماعية معينة وهو ما لا يتوافر في تيارات الإسلام السياسي.
وأضاف الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية لـ«المجلة» أن التيارات وتنظيمات الإسلام السياسي تريد أن تحكم من وجهة نظر بعيدة كل البعد عن الحداثة والمعاصرة، إضافة إلى تبنيها وجهات نظر متشددة، وهو ما يترتب عليه خلط في مفهوم الديمقراطية بين صناع السياسة وبين التيارات التي لها خلفية دينية.
وأكد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أن الديمقراطية بالشرق الأوسط لها شروط معينة يجب أن تتوفر فيها، حتى لا يتم إجهاضها في مهدها، أبرزها علاج شامل لكافة المشكلات الاقتصادية التي يواجهها الشرق الأوسط وليس دولة بعينها فالبداية مدخل اقتصادي وليس دينيا أو سياسيا لكي تتحقق بشكل كامل وطيب للمواطن العربي ووقتها يستطيع صناع السياسة وضع ركائز للديمقراطية بمنطقة الشرق الأوسط.