* خبير أمني إقليمي: النظام الإيراني في أزمة والتغيير قادم لا محالة
* دعم طهران لأذرعها الإقليمية سيتأثر بالاضطرابات الداخلية
* المزاج العراقي اكتوى بالنسخة الشيعية ويرفض الأذرع الإيرانية
* استثمار الاضطرابات في المنطقة سلوك إيراني مستمر وممنهج
* شعارت المتظاهرين أثبتت حالة السخط ضد نظام الملالي
* التدخل الإيراني أثر سلبياً على الأوضاع في دول المنطقة
* الخطط التوسعية الإيرانية أفرزت المزيد من التوترات
* دعم الميليشيات والطائفية والتوترات سلوك إيراني ممتد بالإقليم
* قطع الإنترنت ومقتل ثلاثة من الحرس الثوري من التطورات الخطيرة في إيران
القاهرة: كشفت الاضطرابات المتواصلة في إيران بعد استمرار المظاهرات التي خرجت عن السيطرة في معظم المدن والمحافظات الإيرانية، عن الخطر الحقيقي الذي بات يهدد كيان الدولة الإيرانية، والذي يزداد يوميا، أكثر من أي وقت مضى، بعد تنامي حالة الغضب الكبيرة التي ظهر عليها الشعب الإيراني والتي كان نتاجها إتلاف الممتلكات، وإضرام النار في كثير من المنشآت، وكشفت هذه الحالة بدرجة أكبر عن توجهات الإيرانيين الغاضبة من سلوكيات المرجعيات الدينية والميليشيات العسكرية التي تمثلها داخل الدولة، بعد حرق عدد من البنوك المملوكة للحرس الثوري الإيراني، وهو ما أوضح إلى حد بعيد حالة السخط على النظام الذي بدا تخبطه واضحا على مستوى الإقليم بعد تضرر أذرعه في دول الجوار والتي كان يعتمد عليها في إثارة الاضطرابات بشكل ممنهج، وزاد من هذا التخبط تجدد الاحتجاجات الرافضة لسلوكه في العراق وسوريا ولبنان، وزاد من الأمر سوءا تطور حالات التظاهر إلى أمور أكثر عنفا بعد مقتل ثلاثة من الحرس الثوري الإيراني في طهران طعنا، وهو ما يشير إلى تطور الأحداث وإمكانية خروجها عن السيطرة خاصة بعد قطع السلطات الإيرانية خدمات الإنترنت.
خطط توسعية
الخطط التوسعية الإيرانية في الإقليم أفرزت المزيد من التوترات التي عانت منها ولا تزال دول المنطقة وخاصة الدول العربية، وكشفت الكثير من الوثائق المخابراتية المسربة والتي نشرتها بعض المواقع والصحف الأميركية عن تجنيد عملاء طهران داخل دول التوترات، خاصة في العراق، وكذلك تعيين ضباط الحرس الثوري الإيراني في مناصب دبلوماسية داخل عدد من دول الإقليم، وتحديد السياسات الإيرانية عن طريق الحرس الثوري برئاسة قاسم سليماني بصرف النظر عن توجه الخارجية الإيرانية، وكذلك ارتباط الحرس الثوري بالكثير من أصحاب المناصب العليا خاصة في العراق، بل وصل الارتباط إلى أعلى رؤوس السلطة العراقية والذي أفرز تدخلات بالغة الأهمية في الشأن العراقي، بالإضافة إلى أدوار كبيرة للحرس الثوري أدت إلى زيادة التوترات داخل العراق وعدم استقرار الوضع.
تدخل إيراني
التدخل الإيراني المباشر أو من خلال أذرعها داخل الدول العربية في سوريا ولبنان والعراق شهد مدا وجذرا وإن كان واقعا موجودا امتد عقدا ونصف العقد من الزمان، وأثبتته أحداث كثيرة ارتبطت بالإرهاب وعدم استقرار الدول العربية، وشهد متابعة من أكبر سلطة في الحرس الثوري الإيراني وهو قاسم سليماني، الذي تردد بنفسه – بحسب مصادر إعلامية غربية وعربية – على العراق، خاصة في فترات الأزمات العراقية الأخيرة، وكان له دور من خلال رجاله بالحرس الثوري في تجنيد العملاء داخل العراق، ومراقبة عمليات مطاردة عناصر تنظيم داعش، وبدأ ذلك منذ الإنسحاب الأميركي من العراق عام 2011، بالإضافة إلى التدخل في الشأن العراقي والذي وصل إلى التغلغل في كل تفاصيل الحياة والأمن القومي بما في ذلك تفاصيل استخباراتية وأمنية حساسة كان لها بالغ الأثر في استمرار تدهور الأمور الأمنية والاقتصادية داخل العراق، وتوسيع النفوذ الإيراني هناك من خلال السيطرة على عدد من السياسيين، والمساعدة في تشكيل الحشد الشعبي الشيعي والذي يتمثل قوامه في عدد من الفصائل الشيعية الموالية لإيران أكثر من ولائها لدولتها الحاضنة، هذا بالإضافة إلى التحكم في صادرات العراق، خاصة من الغاز ووسائل الطاقة، وكذلك في وارداتها التي كانت الأولوية فيها للبضائع الإيرانية، ومحاولة جعلها دولة تابعة لإيران والإبقاء قدر الإمكان على الفصائل الموالية لطهران في الداخل العراقي لاستمرار هذه التبعية، بالإضافة إلى محاولات السيطرة على الأماكن المقدسة خاصة في كربلاء والنجف.
حالة التسارع المستعرة في الإقليم تشير بشكل كبير إلى عدم استقرار الوضع خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل التوترات الجارية في أربع دول متجاورة يربط بينها عوامل مشتركة تجعل ما يحدث في أي منها مؤثرا على باقي جيرانها في ظل تربص غربي، وتداخل وتشابك في المصالح ومحاولات السيطرة من الدول الكبرى التي تتفاوت في ردود أفعالها بحسب مصالحها في كل دولة بصرف النظر عما يمكن أن يترتب عليه داخل الدولة نفسها.
التغيير قادم
الدكتور محمد جمعة، الباحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، وخبير الأمن الإقليمي قال لـ«المجلة»: «ما يحدث في إيران من اضطرابات ومظاهرات عنيفة هو بداية النهاية للنظام الإيراني، فالتغيير قادم لا محالة، والمؤشرات كلها تدل على هذا الأمر بعد سلسلة الاضطرابات والمظاهرات التي شهدتها إيران خلال العامين الماضيين، فهناك عملية تغيير تختمر بشكل تدريجي في إيران وسوف تؤدي في النهاية بلا شك إلى تغيير داخل النظام، ورغم اختلاف المتخصصين على توقيت هذا التغيير إلا أنه قادم».
وتابع: «نمط الاستجابات الإيرانية تجاه بعض القضايا يعكس مأزق النظام الإيراني نتيجة العقوبات الأخيرة، وأنه يشعر بأزمة شديدة نتيجة الضائقة الاقتصادية التي يمر بها، والتي أثرت على كل مناحي الحياة وتأثر بها المواطنون بشكل كبير».
أذرع إيرانية
وحول تأثير الاضطرابات والمظاهرات في إيران على أذرع طهران في المنطقة وخاصة في العراق ولبنان، قال الدكتور محمد جمعة: «كلما شعر النظام الإيراني بأزمة اقتصادية تأثر حجم دعمه الاقتصادي لأذرعة الإقليمية في المنطقة، وسيظهر تأثير ذلك في العراق وسوريا باستثناء حزب الله في لبنان الذي يدير شبكة اقتصادية في بعض مناطق أميركا اللاتينية بما فيها من بعض النشاطات المشبوهة بالتداخل من الحرس الثوري الإيراني، وهو لا يعتمد بشكل أساسي على الدعم المالي الإيراني، ويعد حزب الله أهم الأذرع الإيرانية في المنطقة، وأتوقع أن يكون الحلقة الأخيرة التي سينالها التأثير السلبي كلما اشتدت الضائقة الاقتصادية على النظام الإيراني».
تأثر عراقي
وعن حجم تأثر الأذرع الإيرانية في العراق بضعف النظام في طهران نتيجة التوترات، قال: «الانعكاس الأهم على الأذرع الإيرانية يتمثل في المسارات التي يمكن أن يفضي إليها الحراك الشعبي في العراق، فتغيير المزاج العام بهذا الشكل ضد إيران هو العامل الأهم في التأثير على أذرع إيران في العراق بشكل أكبر من الضائقة الاقتصادية التي يمر بها النظام الإيراني، فنحن أمام عملية تغيير عميقة جدا في المزاج العام في العراق وفي الشارع العراقي ككل، ويرى الجميع ماذا تفعل المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، وما هي الشعارات المرفوعة حاليا، والتي تعادي كلها نظام خامنئي ونظام الملالي في طهران، وبالتالي فنحن أمام عملية تغيير عميقة تنضج تدريجيا داخل العراق ضد أحزاب الإسلام السياسي، وضد تجربة الإسلام السياسي في نسختها الشيعية بالعراق، ورغم أننا أمام معطيات على الأرض تفيد بعدم الاستقرار بعد (1.8 مليون) مواطن نازح داخليا لعدم إتمام عمليات الإعمار في العراق نتيجة الصراع مع داعش، ونرى نصف مليون ما زالوا موجودين في المخيمات... ورغم هذه البيئة المواتية لانتعاش داعش لكننا نرى أن المزاج العام في العراق حاليا مثلما يرفض داعش، هو أيضا رافض لتجربة الإسلام السياسي في صورتها الشيعية، ورافض أيضا للنفوذ الإيراني ولأذرع النظام الإيراني داخل الساحة العراقية، نتيجة اكتواء العراق بتجربة النسخة الشيعية من الإسلام السياسي، وبأذرع إيران والحكومات الموالية لإيران على مدار 15 عاما، وبالتالي فإن هناك واجبا حتميا حاليا على كل المهتمين بوجود العراق ضمن محيطها العربي بدعم الأطراف الشيعية ذات (النفس العروبي)، وعلى العرب جميعا التفتيش على هذه الأطراف ودعمها، والوقوف خلف تجربتها للحد من تمدد نفوذ إيران داخل العراق».
سياق عنيف
تأثر النظام الإيراني ظهر واضحا مما يحدث، وسيطرت حالة من الرعب على الحرس الثوري اتضحت من خلال تحذيراته للمتظاهرين والتي خرجت عن سياقها الودي الذي طرحه عدد من رموز الحكومة الإيرانية في بداية الأزمة إلى سياق عنيف يحمل ترهيبا ووعيدا وصل إلى التهديد بإجراء «حاسم وثوري» ضد ما أطلقوا عليه التحركات المستمرة لزعزعة الأمن والاستقرار في إيران وهي التهديدات التي تضمنها بيان الحرس الثوري الذي في المقابل أدان ما سماه الدعم الأميركي لمثيري الشغب بعد المظاهرات العنيفة التي أدت إلى أعمال شغب واسعة من بينها إضرام النار في عدد من البنوك الخاضعة للحرس الثوري، ومبانٍ حكومية.
وحصدت ما أطلقت عليه وسائل الإعلام «انتفاضة البنزين» عشرات من القتلى ومئات من الجرحى والمعتقلين، وقامت قوات الأمن باستهداف المظاهرات بالرصاص، ولم تستثن المظاهرات والهتافات المناهضة الرموز الدينية الإيرانية وعلى رأسهم مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، واندلعت الاحتجاجات التي طالت عددا كبيرا من المدن الإيرانية بعد وقت قليل من إعلان الحكومة الإيرانية رفع أسعار البنزين، ووصلت المظاهرات إلى نحو 22 محافظة إيرانية من إجمالي 31 محافظة بنسبة فاقت 70 في المائة من المدن الإيرانية.
ردود أفعال
ردود أفعال الحكومات الغربية تشابهت من حيث قوتها في إدانة النظام الإيراني، وكان أعنفها تصريح البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأميركية عن دعم واشنطن لمظاهرات الشعب الإيراني ضد نظامه الحاكم الذي وصفته بالاستمرار في دعم الإرهاب، وتطوير برنامج نووي وصاروخي غير سلمي، منتقدا استخدام القوة المفرطة والقاتلة ضد المتظاهرين، وعلق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل بيان البيت الأبيض منتقدا ما يتعرض له المتظاهرون من عنف بسبب ما سماه ظلم النظام الحاكم في طهران والذي تسبب في خروج المظاهرات، وأن الولايات المتحدة الأميركية تقف مع الشعب الإيراني، فيما دعت ألمانيا الحكومة الإيرانية إلى احترام حق التظاهر وعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، وضرورة فتح حوار معهم معتبرة أن المظاهرات حق مشروع للتعبير عن الرأي، خاصة إذا كان يشتمل على مظالم سياسية واقتصادية، وفي المقابل نشرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا طالب بضرورة احترام السلطات الإيرانية لحرية التعبير والحق المشورع في الاحتجاج السلمي.
عنف كبير
العنف الكبير ضد المتظاهرين أفرز العشرات من القتلى وآلافا من الجرحى والمئات من المعتقلين، والذي قدره ناشطون بأكثر من ألف معتقل خلال يومين فقط.
هذا بالإضافة إلى الكثير من الانتهاكات التي تمت في أكثر من 100 مدينة إيرانية، وبلغت حدة المظاهرات إلى حد مطالبة عدد من النواب الإيرانيين باستجواب للرئيس الإيراني حسن روحاني، نظرا – بحسب البيان المقدم من النواب – لعدم كفاءته لإدارة البلاد بعد تنامي الاحتجاجات وممارسة العنف الأمني ضد المتظاهرين، وزاد من حالة السخط تأييد المرشد الأعلى علي خامنئي لقرار الحكومة الإيرانية بزيادة أسعار المحروقات وهو السبب المباشر في اندلاع الاحتجاجات
تداعيات متوقعة
التخوف الإيراني مما يحدث في دول الجوار من مظاهرات في العراق ولبنان كان له أثر كبير على أعلى سلطة في طهران، وهو ما ظهر في تصريحات الكثير من المسؤولين الإيرانيين، ومنهم رأس السلطة الإيرانية آية الله خامنئي الذي أظهر تخوفه مما يحدث لدى دول الجوار بعد أن وجه الاتهامات إلى الغرب، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، بالوقوف وراء الاضطرابات الجارية، وطالب قوات الأمن في الدولتين بضرورة السيطرة على الأوضاع هناك، وتشابه الأمر مع المرتبطين بالسلطة الإيرانية في لبنان بعد تأكيدات أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله بمحاولات البعض لتقويض المؤسسات في لبنان، وأشار أيضا إلى دور أميركي فيما يحدث.
