* لجأت الشابّة لتربية الكلاب وتدريبها بعدما تعرض منزل عائلتها، الذي يقع في إحدى المناطق النائية غرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة لسرقاتٍ متعددة
غزة: على مقربة وقفت الشابّة تاليا ثابت تهز بيدها كرة صغيرة لتشدّ نظر كلبها «جوي». راحت مسرعة باتجاه أشجارٍ تقع في فناء منزلها وأخفتها، ثمّ عادت للكلب مشيرة بعلامة البحث. فانطلق مسرعًا يفتش بين الأعشاب المتناثرة على الأرض تارة، وأخرى في المحيط. غاب نحو دقيقة وعاد بالكرة رافعًا ذيله، قابلته بابتسامة عريضة. اقترب منها يطلب مصافحة خاصّة، وفعلت.
خلال الشهور الماضية كان على تاليا التي تعدّ أول مدربة كلاب في قطاع غزة، تخصيص وقت إضافي تتمكن ضمنه من الوصول بكلبيها «أوسكار وجوي» لمرحلة جيدة في أداء بعض الحركات الاستعراضية؛ ليكونا جاهزين بمستوى محترف يأهلهما للمشاركة في أي نشاطٍ يتطلب وجودهما، وليقوما بمهمة حراسة المنزل المطلوبة منهما بشكلٍ تام ومميز.
ولجأت الشابّة لتربية الكلاب وتدريبها بعدما تعرض منزل عائلتها، الذي يقع في إحدى المناطق النائية غرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة لسرقاتٍ متعددة، تقول في حديثٍ لـ«المجلة»: «كان لزامًا علينا كأسرة توفير وسائل للحماية، ورأينا في كلاب الحراسة خيارًا مناسبًا، وتوليت أنا الاعتناء بها من اللحظة التي أدخلت فيها للبيت»، موضحة أنّ سبب ذلك هو حبّها القديم للحيوانات ورغبتها بالولوج لعالمها واكتشاف تفاصيله «الجميلة».
يوميًا ومنذ ساعات الصباح، تلتزم العشرينية بمواعيد إطعام الكلاب المحددة والأوقات المناسبة للترفيه عنهم والنظافة حولهم، تردف: «أجد في اللعب معهم وتدريبهم على أداء الاستعراضات متعة كبيرة، تساهم في تحسين حالتي النفسية، وتكسبني طاقة وحيوية تساعد على التخلص من المشاعر السلبية»، لافتة إلى أنّ تدريب الكلاب في المنازل والسيطرة عليها ليس بالشأن السهل ويحتاج فطنة وذكاء عاليين.
وتذكر ثابت خلال حديثها أنّ عملية التدريب تعتمد بشكل أساسي على فهم الكلب والاقتراب منه نفسيًا قدر الإمكان؛ لأنّ ذلك يشعره بالأمان ويمنحه مساحة حرّة؛ لإبراز المواهب أو الحركات التي يمكن أن يؤديها باحترافية عالية، مبيّنة أنّ شغفها بالتعامل مع الكلاب استمدته من والدها، الذي اقتنى أنواعا متعددة خلال السنوات الطويلة الماضية في أماكن مختلفة داخل فلسطين وخارجها.
وفيما يتعلق بأنواع الكلاب التي ربتها تسرد أنّها امتلكت واحدًا من نوع «الهجين» أو البلدي وآخر ينحدر من سلالة «جوي فلسطين»، مشيرة إلى أنّها طورت مهاراتها من خلال الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي، التي ينتشر عليها بشكلٍ كبير مجموعات لـ«مربي الكلاب» تقدم نصائح مختلفة تساعد في عملية «ترويض الحيوان».
وتنوه إلى أنّ كلابها تمتلك قدرات في تنفيذ أوامر الطاعة والحيل التي تطلبها منها، كما أنّها تقوم بمهمات الحراسة والبحث عن المفقودات والهجوم.
وعن أكثر الأشياء سلبية التي تلاحق الشابّة في تعاملها مع الكلاب خلال التربية والتدريب، تروي لـ«المجلة» أنّ كثيرًا من الضيوف أو الغرباء الذي يصلون للمنزل يهابون التعامل معها وينفرون منها كما أنّها تهاجمهم أحيانًا. وفي بادئ الأمر عانت هي شخصيًا من الرهبة والإصابات، لكنّها ما لبثت أن حوّلت الأولى لإصرار وعزيمة والثانية لقوة وثقة بالنفس، واستطاعت كسر كلّ الحواجز.
على الرغم من ذلك تجد تاليا التي تعمل كاختصاصية نفسية سعادة كبيرة، كلما أشار لها الناس في الشارع وتحدثوا عن تربيتها للكلاب، وتتابع كلامها «فخورة جدًا كوني الفتاة الأولى التي تمكنت من كسر احتكار الرجال الغزيين لهذا المجال، كما أنّي فرحة بقدرتي على إثبات نفسي خلال فترة قصيرة». وترى إضافة لذلك أنّها استطاعت أن تكون نموذجًا محفزًا للنساء الفلسطينيات، يدفعهم لتجاوز حدود الواقع.
وتبدي الشابّة أسفها، على عدم وجود عيادات متخصصة ومجهّزة بالمعدات الطبية المخبرية التي تلزم لعلاج الحيوانات في قطاع غزة، حيث إنها عانت مرارًا من مرض كلبها الأول «أوسكار»، ولم تستطع حتّى اللحظة تشخيص مرضه بشكلٍ كامل؛ لعدم وجود الإمكانات، مؤكدة أنّها تعمل على رفع الوعي لدى الناس من خلال منصات التواصل الاجتماعي بأنواع الكلاب، وكيفية التعامل معها وأهمية وجودها.
«الكلب لديه قدرة عالية على الفهم، ويميز بين المعاني والكلمات، ولا يمكن أبدا أن يخالف أمر صاحبه، هذا عطفًا على أنّه يتمتع بصفة الوفاء الشديدة بكلّ تفاصيل حياته» تكمل قولها، مستدركة أنّها تطمح مستقبلاً للسفر خارج قطاع غزة للالتحاق بالمدارس الدولية المتخصصة في تأهيل مدربي الكلاب وإكسابهم المهارات اللازمة وفقًا للمعايير الدولية.