* «رؤية 2030» ... أضخم خطة اقتصادية واجتماعية ترمي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني السعودي وتطوير المجتمع عبر كثير من الخطط والركائز الأساسية
* ثمة أهداف وراء توطين الصناعات العسكرية، منها: تحقيق متطلبات الأمن القومي السعودي عبر توفير كافة احتياجات القوات المسلحة السعودية في أي وقت دون الاعتماد على الخارج، وهو ما يمثل ردعاً لأي محاولة للمساس بأمن المملكة واستقرارها أو تهديد مصالحها
* من أهداف توطين الصناعات العسكرية المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنحو 14 مليار ريال مع إمكانية التصدير إلى دول العالم وما يترتب عليه من تحقيق موارد إضافية للموازنة العامة
* الشركة السعودية للصناعات العسكرية، تم تأسيسها ككيان وطني في 17 مايو (أيار) 2017، لتطوير ودعم الصناعات العسكرية في المملكة وتعزيز اكتفائها الذاتي، تماشياً مع رؤية المملكة 2030
* الخطوة التي أقدمت عليها المملكة ضمن رؤيتها التنموية في مجال توطين 50 في المائة من الصناعات العسكرية بحلول عام 2030، تمثل نقطة ارتكاز رئيسية في مسار استكمال بناء الدولة السعودية العصرية
باكو: منذ الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) 2016. تعيش المملكة العربية السعودية حراكاً اقتصادياً واجتماعياً واسع المدى، وذلك بعد أن أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز: «رؤية المملكة 2030» بوصفها أضخم خطة اقتصادية واجتماعية ترمي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني السعودي وتطوير المجتمع عبر كثير من الخطط والركائز الأساسية. ومثّل توطين الصناعات العسكرية محورا رئيسيا ضمن تلك الخطط والمرتكزات، إذ أدركت المملكة أن الأثر الإيجابي لهذا التوطين لا يقتصر على مجرد تقليل الإنفاق العسكري فحسب والذي تشغل فيه المملكة مكانا متقدما حيث تحتل المركز الثالث عالميا خلال عام 2015 والرابع خلال عام 2016 وفقا لتقديرات المعهد الدولي لأبحاث السلام في استكهولم، مع الأخذ في الحسبان أن أقل من (2 في المائة) من هذا الإنفاق ينتج محليًا، ويقتصر قطاع الصناعات العسكرية المحلي على (7) شركات ومركزي أبحاث فقط، وإنما ثمة كثير من الأهداف التي تحققها عملية التوطين، منها:
- تحقيق متطلبات الأمن القومي السعودي عبر توفير كافة احتياجات القوات المسلحة السعودية في أي وقت دون الاعتماد على الخارج، وهو ما يمثل ردعاً لأي محاولة للمساس بأمن المملكة واستقرارها أو تهديد مصالحها.
- تعظيم الاستفادة من المواد الخام المحلية المستخدمة في هذه الصناعات، وما يترتب عليه من تحقيق مردودات اقتصادية كثيرة.
- مواجهة واحدة من أبرز المشكلات المجتمعية، وهي مشكلة توفير المزيد من فرص العمل للشباب السعودي، إذ من شأن هذه الصناعات توفير الآلاف من فرص العمل، وما يرتبط به من تطوير برامج بناء القدرات البشرية القادرة على التعامل مع هذا القطاع الصناعي المتخصص.
- المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنحو 14 مليار ريال مع إمكانية التصدير إلى دول العالم وما يترتب عليه من تحقيق موارد إضافية للموازنة العامة.
وفي سبيل تحقيق ذلك، تطلب الأمر بناء المؤسسات الوطنية التي ستتحمل عبء هذه المسؤولية والعمل على ضمان نجاحها، وهو ما تحقق بالفعل من خلال العمل هيكليا على محورين رئيسيين، هما:
الأول: تأسيس الهيئة العامة للصناعات العسكرية... كرافد مهم في توطين الصناعة
تأسست الهيئة العامة للصناعات العسكرية بموجب قرار مجلس الوزراء السعودي الصادر أغسطس (آب) عام 2017. وذلك بهدف العمل على تعزيز قدرات التصنيع العسكري الوطنية، والسعي لتوطين هذا القطاع، وجعله رافدًا مهمًا للاقتصاد الوطني من خلال توفير فرص العمل للشباب السعودي، ودفع عجلة التنمية عبر تعزيز العائدات غير النفطية، حيث تعد الهيئة الجهة المشرعة لقطاع الصناعات العسكرية في المملكة، والمسؤولة عن تطويره ومراقبة أدائه، عبر تحقيق 5 أولويات وطنية رئيسية؛ تمثلت فيما يأتي: رفع الجاهزية العسكرية، وتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية، وتعزيز التشغيل المشترك بين كافة الجهات الأمنية والعسكرية، وتطوير قطاع صناعات عسكرية محلية مستدام، ورفع الشفافية وكفاءة الإنفاق.
وفي سبيل تحقيق الهيئة لمنظومة أولوياتها الحيوية، حدد قرار إنشائها اختصاصاتها فيما يأتي: اقتراح الاستراتيجيات والأنظمة واللوائح ذات الصلة بقطاع الصناعات العسكرية والصناعات المكملة لها، وإدارة عمليات المشتريات العسكرية، مع مراعاة أن تكون الأولوية للشركات السعودية وفق ضوابط محددة تضعها الهيئة. كما تقوم الهيئة بإدارة وتطوير برنامج التوازن الاقتصادي فيما يخص قطاع الصناعات العسكرية والصناعات المكملة لها، والتفاوض مع الشركات الأجنبية لنقل التقنية وزيادة المحتوى المحلي، إلى جانب إدارة جميع عمليات البحث والتطوير في القطاع، بما في ذلك تخصيص ميزانيات البحث والتطوير ونقل التقنية. أيضا تقوم الهيئة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لمواءمة مخرجات التعليم والتدريب الفني مع احتياجات القطاع، والعمل على استقطاب الكفاءات الفنية إليه، ووضع حوافز لتطويره، ودعم المصنعين المحليين، ودعم تصدير المنتجات العسكرية المحلية.
ولضمان قيام الهيئة بدورها الوطني، نظم قرار إنشائها آلية إدارتها من خلال تشكيل مجلس إدارة برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء، وعضوية كل من: وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، ووزير المالية، ووزير التجارة والاستثمار، ورئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية، إضافة إلى ممثلين عن كل من: وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، ووزارة الحرس الوطني، و3 من ذوي الاختصاص في مجال عمل الهيئة.
ومع انطلاق عمل الهيئة القائم على ثلاث ركائز أساسية، وهي: الصناعة، والمشتريات العسكرية، والبحوث والتقنية. وسعيا إلى تشجيع الصناعات العسكرية عبر منح التراخيص للشركات العاملة في هذا المجال وذلك ضمن برنامجها للمشاركة الصناعية الذي يعد حجر الأساس لتوطين الصناعات العسكرية والأمنية في المملكة؛ نظمت الهيئة عددا من ورش العمل بحضور ومشاركة المستثمرين المحليين في قطاع الصناعات العسكرية لبحث سبل تطوير وتعزيز الصادرات عبر تخطيط طويل المدى للمشتريات العسكرية.
وقد بدأت الهيئة منذ الثامن من سبتمبر (أيلول) 2019 إطلاق استقبالها لطلبات إصدار تراخيص مزاولة أنشطة الصناعات العسكرية للشركات العاملة في القطاع، حيث تركزت التراخيص الممنوحة في ثلاثة أنواع، وهي: تراخيص التصنيع العسكري، وتراخيص تقديم الخدمات العسكرية، وتراخيص توريد المنتجات أو الخدمات العسكرية.
وقد بلغ عدد المستخدمين المسجلين عبر بوابة التراخيص الصناعية 180 مستخدمًا بإجمالي عدد طلبات التراخيص للتصنيع والخدمات وصلت إلى 95 طلبًا. وبالفعل سلمت الهيئة في مؤتمرها الصحافي الذي نظمته في نوفمبر (تشرين الثاني) (2019) بهذه المناسبة أول مجموعة من التصاريح لعدد من الشركات تتقدمها: الشركة السعودية للصناعات العسكرية، شركة الإلكترونيات المتقدمة، الشركة السعودية للتقنيات المتقدمة، وشركة سندس المتقدمة للصناعة.
الثاني: إنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية... محور ارتكاز في عملية التوطين
الشركة السعودية للصناعات العسكرية المعروفة اختصارا بـ«SAMI»، تم تأسيسها ككيان وطني في 17 مايو (أيار) 2017، يُعنى بتطوير ودعم الصناعات العسكرية في المملكة العربية السعودية وتعزيز اكتفائها الذاتي، تماشيا مع رؤية المملكة 2030الهادفة إلى توطين 50 في المائة من إنفاق المملكة عسكريا، فضلا عن أن تصبح هذه الشركة ضمن أفضل 25 شركة متخصصة في هذا القطاع على مستوى العالم، وهو ما أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقوله إن «هدفنا هو توطين ما يزيد على 50 في المائة الإنفاق العسكري بحلول عام 2030... وأن الشركة ستشكل نقطة تحول فارقة في نمو قطاع الصناعات العسكرية السعودي حيث ستصبح منصة مستدامة لتقديم المنتجات والخدمات العسكرية».
ومن الجدير بالإشارة في هذا الخصوص أن تأسيس هذه الشركة لا يعني أن المملكة لم يكن لديها اهتمام سابق بالصناعات العسكرية، بل تسجل صفحات التاريخ أن المملكة أولت منذ تأسيسها اهتماما كبيرا بهذه الصناعات، إذ يذكر أن الملك المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله – أصدر في عام 1949م أمرا بإنشاء المصانع الحربية، وبدأ أول خط إنتاج عام 1953، وفي عام 1985 تم تحويل المصانع الحربية إلى المؤسسة العامة للصناعات الحربية، وفي عام 2013 تم تحويلها إلى المؤسسة العامة للصناعات العسكرية وتضم خطوط إنتاج عدد 16 مصنعا تنتج أنواعًا مختلفة من الذخيرة الخفيفة والمتوسطة والقذائف وأجهزة التحكم والاستشعار والعربات العسكرية والناقلات والآليات المدرعة والطائرات من دون طيار والملابس والتجهيزات العسكرية المختلفة.
ولكن مع إطلاق رؤية 2030 والحاجة إلى جهود أكثر تطورا وتوسعا في ضوء تزايد التحديات وتنوعها، بما أوجب أهمية وجود شركة حكومية عسكرية تعمل وفقا لأحدث النظم الإدارية والفنية، لتصبح عماد الصناعة العسكرية السعودية، فجاء تدشين الشركة السعودية للصناعات العسكرية، التي حددت نطاق عملها في أربعة مجالات حيوية، وهي: الأنظمة الجوية ويشمل صيانة وإصلاح الطائرات ثابتة الجناح وصناعة الطائرات من دون طيار وصيانتها. ومجال الأنظمة الأرضية وتشمل صناعة وصيانة وإصلاح العربات العسكرية. ومجال الأسلحة والذخائر والصواريخ. ومجال الإلكترونيات الدفاعية وتشمل الرادارات والمستشعرات وأنظمة الاتصالات والحرب الإلكترونية.
وقد تحددت أهداف الشركة في السعي نحو تعظيم مساهمتها المباشرة في إجمالي الناتج المحلي للمملكة بأكثر من 14 مليار ريال سعودي، مع تخصيص نحو 6 مليارات ريال سعودي للاستثمار في عمليات البحث والتطوير، إضافة إلى سعيها لتوفير أكثر من 40.000 فرصة عمل في المملكة، معظمها في مجال التقنيات المتقدمة والهندسة، فضلا عن دورها في توليد أكثر من 30.000 فرصة عمل غير مباشرة وخلق المئات من الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفي سبيل تحقيق كل تلك الأهداف، حرصت الشركة منذ تأسيسها على اتخاذ حزمة من المبادرات الهادفة إلى توطين الصناعات العسكرية حرصا على تعزيز القدرات الذاتية للمملكة وأدوارها السياسية على الصعيدين الدولي والإقليمي، وهو ما يتطلب بدوره صعود مكانة الجيش السعودي في قائمة ترتيب الجيوش على مستوى العالم من حيث العدة والعتاد.
ولذا، فقد اتخذت الشركة كثيرا من المبادرات في هذا الخصوص، كان أبرزها ما يأتي:
- في يناير (كانون الثاني) 2018 تم توقيع عقد بنظام المشروع المشترك مع شركة تاليس الفرنسية بنسبة توطين 70 في المائة.
- في مارس (آذار) 2018 أبرمت الشركة اتفاقا مع شركة بوينغ الأميركية لتأسيس مشروع مشترك لتوطين أكثر من 55 في المائة من أعمال الصيانة والإصلاح وعمرة الطائرات الحربية، ونقل تقنية دمج الأسلحة على تلك الطائرات، وتوطين سلسلة الإمداد لقطع الغيار داخل المملكة. وقُدرت إيرادات المشروع بنحو 22 مليار دولار، مع توفيره لنحو 6 آلاف وظيفة بحلول 2030. ويذكر أن هذا المشروع يعد المزود الوحيد لخدمات دعم منصات الطيران الحربي بالمملكة، بما يدعم القدرات الدفاعية ويعزز إمكانيات الردع لديها.
- في أبريل 2018. وقعت الشركة اتفاقية مع شركة نافانتيا البحرية الإسبانية لتوريد عدد خمس سفن حربية بنسبة توطين قدرها 60 في المائة وإنشاء مشروع مشترك يدير ويوطن كافة الأعمال المتعلقة بأنظمة القتال على السفن.
- في يناير (كانون الثاني) 2019. وقعت الشركة اتفاقية لصناعة المركبات المدرعة مع شركة «سي إم آي» بنسبة توطين 50 في المائة.
- في فبراير (شباط) 2019. تم الاتفاق على إنشاء شراكة سعودية في مجال الدفاع البحري مع مجموعة نافال الفرنسية.
والحقيقة أنه رغم أهمية كل هذه الاتفاقات الموقعة إلا أن أبرزها هو تدشين الشراكة التجارية مع شركة نافانتيا الإسبانية الموقع في أبريل 2018، لأن هذه الشراكة من شأنها البدء في مشروع مشترك على الأراضي السعودية لبناء السفن، حيث تتولى الشركة الإسبانية توريد سفن حربية إلى المملكة. وبمقتضى هذا المشروع المشترك ستكون آخر سفينة حربية سيتم تسليمها بحلول عام 2022، لتبدأ مرحلة الإنتاج المشترك للبدء في بناء خمس سفن من طراز «أفانتي 2200»، وهو ما يمثل فرصة لتعزيز مكانة الأنظمة المتكاملة والحلول التقنية المتطورة التي تقدمها شركة نافانتيا في السوق السعودية ومنطقة نفوذها، وهو ما يصب في هدف توطين الصناعة العسكرية كما أشار إلى ذلك رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية أحمد بن عقيل الخطيب بقوله: «إن إنشاء هذا المشروع المشترك مع شركة نافانتيا سيوطن ما يزيد على 60 في المائة من الأعمال المتعلقة بأنظمة السفن القتالية بما في ذلك تركيبها ودمجها».
ولن يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل سيسهم هذا المشروع في توفير المزيد من فرص العمل، إذ من شأنه أن يوفر نحو 6 آلاف وظيفة مباشرة وغير مباشرة لمدة خمس سنوات منها 1.100 وظيفة مباشرة، وأكثر من 1.800 وظيفة في الصناعات المساعدة وأكثر من 3.000 فرصة عمل غير مباشرة. إضافة إلى المساهمة المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بقيمة تصل إلى 14 مليار ريال، من خلال جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. كما من شأن هذا المشروع أن يسهم في رفع قدرات القوات البحرية لمواجهة التهديدات والحفاظ على جاهزية أسطول القوات الملكية، حيث يركز المشروع المشترك على إدارة البرامج وتركيب ودمج نظام القتال وهندسة وبناء النظم وتصميم الأجهزة وتصميم أجهزة الحاسوب وتطوير البرمجيات والاختبار والتحقق والنمذجة المبدئية والمتقدمة والمحاكاة وخدمة تقديم الدعم طوال مدة العمر الافتراضي TLS. هذا بالإضافة إلى خدمات أخرى ضمن نطاق التوريد وهي الدعم اللوجستي المتكامل والتدريب على التشغيل والصيانة وتوفير مركز تدريب على نظام إدارة القتال الخاص بالسفن والنظام المتكامل لإدارة المنصات. وجدير بالإشارة في هذا الخصوص أن سفينة «أفانتي 2200» هي سفينة متعددة المهام مصممة خصيصًا للمراقبة والتحكم البحري والبحث والإنقاذ وتقديم المساندة إلى السفن الأخرى وغيرها من المهام، وتتمتع هذه السفن الحربية بقدرة هائلة على حماية الأصول الاستراتيجية وجمع المعلومات الاستخبارية كما أنها مضادة للغواصات والحروب الجوية والأرضية والإلكترونية.
وفي السياق ذاته، يصبح من الأهمية بمكان الإشارة إلى واحد من أهم الفعاليات التي عكست ما تستهدف الصناعة العسكرية السعودية تحقيقه، ويتمثل ذلك في تنظيم معرض القوات المسلحة لدعم التصنيع المحلي «معرض أفد» في دورته الرابعة لعام 2018، وذلك تحت شعار «صناعتنا قوتنا»، إذ حفل المعرض بإبراز ودعم المحتوى المحلي وتوطين الصناعات التكميلية، مــن خلال الشراكة مــع الشركات العالمية، بالإضافة إلى تدوير الموارد المالية وتشجيع برامج السعودة وجلب رأس المال الأجنبي للسوق المحلية، وتوعية المجتمع الوطني وكسب ثقته بالمنتج المحلي وإيجاد علاقة استراتيجية طويلة المدى مع القطاع الخاص فـــي مجـال التصنيع، حيث تم عرض أكثر من 80 ألف فرصة تصنيعية، وشهد الآلاف من طلبات التصنيع. ويذكر أنه على هامش هذا المعرض وقعت شركة «تقنية للطيران» مذكرة تفاهم مع شركة «انتونوف» الأوكرانية والشركة السعودية للمنتجات المتخصصة (وهج) في مجال التعاون الصناعي لتصنيع أجزاء وقطع غيار الطائرات. كما وقعت شركة السلام لصناعة الطائرات اتفاقية لتصنيع قطع غيار الطائرات، مع شركة التصنيع الوطنية وشركة فرنسية.
نهاية القول إن الخطوة التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية ضمن رؤيتها التنموية في مجال توطين 50 في المائة من الصناعات العسكرية بحلول عام 2030، تمثل نقطة ارتكاز رئيسية في مسار استكمال بناء الدولة السعودية العصريةالقادرة على التعامل مع التحديات الراهنة وخوض غمار المستقبل برؤى طموحة وإمكانات متعددة، وهو ما لفت انتباه التقارير الدولية بشأن تلك الخطوة المهمة، ونذكر في ذلك ما ورد في نشرة التقييم الشهرية التي أصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأميركي «ستراتفورد» في نوفمبر 2018، إذ ورد فيها أنه: «من أجل حماية نفسها من التأثير الخارجي، والابتعاد عن أي ضغوط سياسية مستقبلية، وتجنب الاعتماد على واردات الأسلحة من أوروبا والولايات المتحدة، عملت الرياض بجد من أجل بناء قدرات صناعية دفاعية خاصة بها، ستعزز من مكانتها الإقليمية والدولية».
وغني عن القول إن ما تحقق حتى اليوم في هذا الخصوص يمثل مؤشرا مهما على إصرار وتصميم القيادة السعودية على إنجاح خطتها في هذا المجال، وهو ما يستوجب الوعي بأن استكمال النجاح يتطلب إيلاء المزيد من الاهتمام بالعنصر البشري متمثلا في المواطن السعودي الذي يعد الأداة والهدف في الوقت ذاته لتطبيق الرؤية التي تطرحها القيادة السعودية نحو تطوير قدراتها العسكرية والتسليحية، وهو ما يستوجب بدوره أن يكون إسناد إدارة المصانع العسكرية إلى المتخصصين والمؤهلين علميا من ذوي الكفاءة والخبرة والحرفية العالية في إدارة جميع مفردات العمل وتحقيق التناغم المطلوب بينها، مع ضمان استمرار البرامج التدريبية لتطوير قدرات العاملين في هذا المجال من خلال تنظيم برامج تدريبية عالية المستوى بالشراكة والتعاون مع الشركات العالمية المتخصصة لإعداد كوادر بشرية قادرة على التعامل مع التطورات التكنولوجية المستمرة في مجال الصناعات العسكرية، مع إيلاء أهمية خاصة لإعادة النظر في المنظومة التعليمية الوطنية حيث تفتقد المناهج التعليمية اللازمة لهذا الميدان.
هذا بالإضافة إلى العمل على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص السعودي بغية توثيق التعاون المشترك بما يخدم هذه الصناعات واستثمار الطاقات والإمكانات المتوفرة لدى الصناعات الوطنية الخاصة دعمًا وتطويرًا للصناعات القائمة وإدخال صناعات جديدة، بل توسيع مجال الصناعات المساندة للصناعات العسكرية على غرار المعدات الصناعية والاتصالات وتقنية المعلومات مع إمكانية إقامة مجمعات صناعية متخصصة ومتكاملة تضم الأنشطة الرئيسية في هذا المجال.