* خبير في الاستثمارات الأجنبية في تركيا: أصدرت الحكومة التركية في 2018 قانونا جديدا بشأن التملك العقاري للأجانب، ينص على السماح للأجانب بالحصول على الجنسية التركية مقابل دخولهم في استثمارات عقارية بحد أدنى 250 ألف دولار أميركي
* تحولت تركيا إلى وجهة وممر لشركات إيرانية تسعى للالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران
لقد تسارعت وتيرة هروب رؤوس الأموال من إيران خلال الأعوام الأخيرة، حيث أخذ المستثمرون وأصحاب الأعمال يستثمرون في دول أخرى وذلك بسبب مستقبل مظلم للاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة والتراجع الحاد للاستثمارات الأجنبية في البلاد.
لقد ألقت العقوبات والانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي بظلالهما على الاقتصاد الإيراني وأدى تراجع الشركات والمستثمرين والمصارف الأوروبية عن التعاون مع إيران إلى تسارع وتيرة هروب رؤوس أموال الإيرانيين وانتقال استثماراتهم إلى دول أخرى.
وتعتبر تركيا- الجارة الغربية لإيران- من أهم الشركاء التجاريين لإيران. وباتت تركيا في الأعوام الأخيرة الوجهة الرئيسية للإيرانيين الذين يرغبون في النشاطات الترفيهية وشراء العقارات والقيام بالاستثمارات وذلك بسبب القرب الجغرافي من إيران وتمتعها بإمكانيات اقتصادية وحريات اجتماعية أكبر من إيران.
وأفادت الإحصائيات الرسمية بأن المواطنين الإيرانيين اشتروا ما يقارب 3650 شقة سكنية في تركيا في 2018. وتضاعف معدل شراء العقارات من قبل الإيرانيين في تركيا في الأشهر الأربعة الأولى في 2019 وبلغ 1278 شقة سكنية مقارنة بالفترة ذاتها في 2018.
ولقد قام الرعايا الأجانب بشراء 19.952 شقة سكنية من إجمالي الشقق التي تم بيعها في البلاد (505.796 شقة سكنية) في الأشهر الستة الأولى من 2019. وبالتالي سجل شراء العقارات من قبل الأجانب في تركيا في 2019 نموا بنحو 69 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها في 2018.
وكانت إسطنبول الوجهة الأفضل للرعايا الأجانب لشراء العقارات في تركيا: لقد اشترى الأجانب 9.903 شقق سكنية في إسطنبول في الأشهر الستة الأولى من عام 2019 تليها أنطاليا بـ4.093 شقة سكنية وأنقرة بـ1.111 شقة سكنية.
وقال حسن رانجبر الخبير في الاستثمارات الأجنبية في تركيا لـ«المجلة»: «أصدرت الحكومة التركية في 2018 قانونا جديدا بشأن التملك العقاري للأجانب، ونص القانون الجديد على السماح للأجانب بالحصول على الجنسية التركية خلال مدة تتراوح بين 3 و6 أشهر مقابل دخولهم في استثمارات عقارية في تركيا بحد أدنى قدره 250 ألف دولار أميركي».
وأضاف: «تختلف أسعار العقارات في تركيا من مدينة لأخرى ومن حي لآخر. على سبيل المثال، يتراوح السعر المتوسط للعقارات في مدينة إسطنبول بين 200 ألف و300 ألف ليرة تركية وترتفع الأسعار للأراضي الزراعية إلى 120 مليون ليرة تركية».
وتابع قائلا: «يمكن تقسيم فترة الهجرة من إيران إلى دول الجوار خاصة تركيا إلى فترتين: مثلت تركيا في العقدين اللذين تليا قيام الثورة الإسلامية جسرا يمر الإيرانيون من خلاله إلى الدول الغربية. ولم تكن تركيا الوجهة الرئيسية للإيرانيين للإقامة آنذاك. وكان الإيرانيون خلال العقدين بعد انطلاق الثورة يرغبون في الهجرة لدوافع سياسية والحصول على حريات سياسية أكبر والوصول إلى الدول الغربية وليس تركيا بحد ذاتها. ولكن الإيرانيين خلال العقد الأخير وخاصة الأعوام الأخيرة لم يهاجروا إلى الدول الأخرى وخاصة تركيا لدوافع سياسية بل تحولت أسباب الهجرة من سياسية إلى البحث عن حريات فردية والحصول على حالة اقتصادية مستقرة والهروب من الأزمات الاقتصادية الحاكمة في إيران. وهذه الموجة الجديدة للهجرة رافقتها المصادقة على قوانين جديدة تسهل شؤون الهجرة إلى تركيا في 2018».
وأشار إلى أن الحصول على حالة الاستقرار الاقتصادي في تركيا هو الدافع الرئيسي وراء هجرة الإيرانيين هناك خلال الأعوام الأخيرة وهذا ما لم تشر إليه وسائل الإعلام إلا قليلا. وترسخت هذه الفكرة في عقلية الإيرانيين منذ فترة طويلة وهي أن الاقتصاد التركي يمر بحالة ثبات واستقرار وأن تركيا تعيش حالة اقتصادية أفضل من إيران.
وأضاف: «نظرة الإيرانيين إلى تركيا تغيرت تماما خلال الأعوام الأخيرة مما كانت عليه خلال العقود الماضية بسبب عوامل كثيرة منها التقارب الثقافي لدى البلدين. كما أن تركيا تتمتع بالأمن والتنمية الاقتصادية والحريات الفردية والاجتماعية. وبالتالي فإن تغيير نظرة الإيرانيين إلى تركيا هو السبب الرئيسي في زيادة أعداد السياح الإيرانيين في تركيا».
ويقول رانجبر: «أفادت وزارة الثقافة والسياحة التركية بأن عدد الزوار الإيرانيين إلى تركيا في 2018 بلغ مليونا و700 ألف إيراني توجهوا إلى إسطنبول والمدن الواقعة في غرب تركيا حيث الثقافة الغربية سائدة. لذا تحولت تركيا إلى وجهة وممر لشركات إيرانية تسعى للالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران. وارتفع معدل الهجرة إلى تركيا بسبب النظرة الإيجابية لدى الأتراك إلى الثقافة الإيرانية والتقارب الثقافي والركود الاقتصادي في إيران وارتفاع أسعار العملات وعدم استقرار السوق الإيرانية. وبلغت الشركات الإيرانية المسجلة في تركيا في 2018 أكثر من 3.500 شركة ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في 2019».
وقال مواطن إيراني اشترى مؤخرا شقة سكنية في إسطنبول لـ«المجلة»: «كنت أفكر منذ فترة طويلة في شراء عقار في تركيا. أنا موظف وسأتقاعد العام المقبل. لذا قمت أنا وصديقي المقيم في تركيا، ولديه أقارب هناك، بزيارة إلى غرب إسطنبول حيث اشتريت منزلا في منطقة اسنيورت. توجد جالية إيرانية كبيرة في هذه المنطقة ومنازلها منخفضة السعر بالمقارنة مع أسعار الشقق في إسطنبول وتتمتع بطقس أقل تلوثا من بقية المناطق في إسطنبول. وشهدت أسعار الليرة التركية هبوطا حادا ولذلك أصبحت الظروف أفضل لشراء العقارات. قمت بشراء شقة سكنية بمساحة 101 متر. بلغت النفقات لإكمال الإجراءات المتعلقة بشراء البيت إلى جانب الرسوم العقارية نحو 700 مليون تومان ودفعت 10 ملايين تومان للنقل وبالإجمال كلفني شراء شقة سكنية في أحد الأبراج 710 ملايين تومان».
وأشار رانجبر إلى هدفه من شراء شقة في إسطنبول قائلا: «لا نتمتع بالحريات في إيران. أريد أن أعيش بحرية. ورغم أن تركيا لا تتمتع بقدر كبير من الحريات غير أن مستوى الحريات فيها أفضل بكثير من إيران على جميع الأصعدة. فعلى أقل تقدير التشويش على القنوات الفضائية وحجب المواقع الإلكترونية في تركيا غير موجود وذلك خلافا لإيران. هذه قضايا يومية بسيطة ولكنها تثير انزعاجي. كنت أريد أن أهرب منهم (المسؤولين والأجهزة الأمنية) لكي لا يراقبونني وأعيش مرتاحا. فرص التطور متاحة لأبنائي في تركيا أكثر مما كان لدينا في إيران، فبدلا من البقاء في إيران والمراوحة في مكانهم يمكنهم الحصول على فرص أفضل للتعليم في تركيا ويمكنهم أن يهاجروا من تركيا إلى أوروبا وكندا لإكمال دراساتهم الجامعية والإقامة هناك. يراوح كل المواطنين مكانهم في إيران. لا يتمتع أبنائي بمستقبل في إيران. أريد أن يكون لنا مكان للعيش فيه ولن نعود إلى إيران. أريد أن أتخلى عن إيران وأسافر لبلد آخر».
وأضاف: «لقد تزايد عدد مكاتب العقارات الإيرانية في إسطنبول بشكل ملحوظ. كان هناك عدد كبير من الإيرانيين والعرب في كل مكتب عقاري زرناه كانوا ينوون شراء عقارات. على سبيل المثال، لقد توجه اثنان من زملائي اللذين تقاعدا إلى إسطنبول وقاما بشراء عقار هناك».