* أستاذ علوم سياسية: المحاولات المستمرة لتعزيز المذهبية في دول الجوار أكبر هزيمة للمشروع السياسي الإيراني
* نطاق كبير داخل المجتمع الإيراني يرفض سياسات طهران
* موارد الشعب الإيراني يتم توجيهها إلى إثارة التوترات لدى دول الجوار
* تصفية المتظاهرين العزل سقوط جديد لمرتزقة طهران
* إنهاء السلطتين الدينية والسياسية للمتحالفين مع إيران من الداخل هدفاً للشارعين العراقي واللبناني
* الشعارات المناهضة للرموز الإيرانية بالمدن الشيعية تمثل تغيراً سياسياً واضحاً
* السلوك العدائي ضد طهران في النجف وكربلاء يؤكد فشل المشروع الإيراني
القاهرة: كشف الموقف الإيراني من المظاهرات في كل من العراق ولبنان، والتي كان قوامها كل أطياف الشعب بمن فيهم المواطنون الشيعة عن محاولات طهران استخدام المذهبية والطائفية كأساس للتضامن السياسي للسير قدما في محاولات تنفيذ مشروعها في المنطقة، ورغم محاولات أذرع طهران السياسية في الداخل العراقي واللبناني التأثير وكيل الاتهامات للمتظاهرين ومن بينها تهم العمالة لإسرائيل وأميركا إلا أن استمرار المظاهرات وإصرارها على مطالبها التي تحقق عدد منها بالفعل، أكد أن سياسة طهران ومحاولاتها تنفيذ أجندتها في الإقليم وإثارة الاضطرابات داخل المجتمعات العربية لم تعد ذات جدوى، خاصة بعد إدراك الكثير من المواطنين الشيعة في الدول العربية أهداف إيران السياسية الرامية إلى التحكم في دولهم.
تدخل خارجي
تواصل المظاهرات العراقية المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ولأكثر من شهر يوميا، والإصرار الكبير من المتظاهرين على مطالبهم، ومنها محاكمة كل من أراقوا دماء العراقيين خلال المظاهرات يؤكد وضوح الرؤى لدى الشعب العراقي الذي أيقن مشاركة طهران في عمليات القمع التي تمت بأسلحة إيرانية من خلال ميليشيات ومرتزقة يحملون السلاح ويقومون بتصفية المتظاهرين السلميين، وكذلك تيقنه الكامل من كذب ادعاءات المرجعيات الدينية التي تحدثت من جديد عن تدخل خارجي وعمالة من المتظاهرين لدول أجنبية، وكيل نفس الاتهامات التي تسوقها دون دليل والتي استندت إليها في تصفيه ما يقرب من 400 بالإضافة إلى جرح نحو 14 ألف مما زاد من وتيرة الاحتجاجات يوميا، والتمسك بالسلمية من قبل العراقيين رغم ما تعرضوا له من انتهاكات وقتل.
مرجعيات دينية
وزاد من استياء المتظاهرين في العراق ولبنان خطابات المرجعيات الدينية خاصة مع عدالة المظاهرات التي تتحدث عن العدالة الاجتماعية، والقضاء على نظام المحاصصة والتعيينات الجائرة في المناصب العليا، وإيقاف عملية الفساد الممنهجة والتي تهدر المليارات من ثروات الشعب العراقي، ومحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين، وكذلك إصلاح النظام السياسي الراهن الذي يفضي إلى تقلد سياسيين غير أكفاء ولا يتمتعون بحاضنة شعبية تجعل من المواطنين مصدرا للسلطات بصرف النظر عن انتمائهم العرقي أو الطائفي.
إنتماء مذهبي
الدكتور جمال عبد الجواد، أستاذ العلوم السياسية ورئيس وحدة السياسات بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية قال لـ«المجلة»: «ما يحدث في لبنان والعراق من مظاهرات ورفض توجهات طهران يعد نقطة تحول في الهيمنة الإيرانية على دول الجوار اعتمادا على الانتماء المذهبي والطائفية، وما نشاهده في العراق أمر صريح وواضح جدا، وأيضا إلى حد ما في لبنان يحدث نفس الأمر، فهناك جماعات وأشخاص ممن تصورت إيران أنهم يشاركونها نفس الهوية يتصرفون بشكل يحمل احتجاجا ورفضا، وتحاول أن تضع حدا لإمكانية استخدام الهوية المذهبية كأساس للتضامن السياسي، وهذ الأمر يعد هزيمة للمشروع السياسي الإيراني كله وليست مجرد تطور يحدث في بلد أو اثنين، لأن المشروع السياسي الإيراني يقوم على هذه الفكرة، وهي أن إيران هي دولة الشيعة، وهي المتحدث الشرعي باسم الشيعة في العالم خاصة في الشرق الأوسط، وعندما يواجه ذلك أزمة فهذا يضعف شرعية النظام الإيراني».
رفض داخلي
وتابع: «هناك شرائح واسعة ونطاق كبير يرفض سياسات النظام الإيراني بشكل واضح، وتنتهج من ذلك الرفض إشارة لتعزيز موقفها، وأن هناك فرصة في لحظة ضعف للنظام بالخروج عليه في هذه اللحظة، ونرى تبعيات تصور ما يحدث على إيران، وليس شرطا أن يحدث ذلك لحظيا، أو في الوقت الراهن تحديدا أو بشكل متزامن مع ما يحدث في العراق ولبنان، لكن توجد مؤشرات في تراكم السحب في الأفق الإيراني ومن الممكن أن يكون قوى جديدة من الاحتجاج في إيران خلال فترة ليست بعيدة بأثر من الاحتجاجات في العراق ولبنان».
حركات احتجاجية إيرانية
وأضاف: «المتظاهرين والحركات الاحتجاجية خرجت من قبل في إيران أكثر من مرة وذلك رفضا للسياسة الخارجية المكلفة التي تتبعها طهران، والتي يقوم من خلالها النظام الإيراني بدفع جزء من موارد الشعب الإيراني – والتي أصبحت محدودة حاليا – لدعم «حزب الله» والمنظمات في العراق، وذلك يتم (من وجهة نظر النظام الإيراني) بدعوى التضامن المذهبي أو التضامن الإسلامي، ولنرى ما يحدث في العراق والتظاهر ضد القنصلية الإيرانية وحرقها، ورفع العلم العراقي بدلا من العلم الإيراني، فهذه كلها رسائل تؤكد أن من تمد يدك للتضامن معهم يرفضون هذا التضامن، ويختارون بأنفسهم هويتهم الوطنية العراقية، ويعلو انتماؤهم الوطني فوق ما تتخيله (كنظام إيراني) من هوية مذهبية مشتركة وبالتالي فإن ذلك يشجع المعارضين في إيران لكل هذا التوسع الإقليمي وإنفاق أموال الشعب الإيراني على الحركات السياسية في العراق ولبنان والإقليم بشكل عام فبالتأكيد ذلك سيترك أثرا مهما على علاقات القوى وعلى الاتجاهات السياسية داخل إيران.
استغلال سياسي
القوى السياسية العراقية بتقسيماتها المتعددة والتي تستند إلى أسس طائفية وعشائرية ومن بينها الأعمدة الثلاثة للسلطة وهي الشيعة والأكراد والسنة، ينتهج عدد كبير من الشيعة فيها نهجا دينيا مذهبيا يعتمد على مرجعيات دينية لدى إيران تحاول استغلاله سياسيا من خلال توجهات طهران في المنطقة ومحاولاتها السيطرة على الإقليم من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية لدى الأقليات التي يتمسك الكثير منها برباط الأرض بصرف النظر عن التوجه المذهبي أو العرقي والطائفي وهو ما تحاول إيران مؤخرا انتقاده والتقليل منه.
ورغم تعزيز الغرب بقيادة الولايات الأميركية لنظام الطائفية وتوزيع الحصص في العراق وتخصيص الجانب الأكبر للشيعة الذين تعاقبوا على حكم العراق وتسببوا بحسب خبراء في إهدار ما يفوق 800 مليار دولار من ثروات العراق منذ عام 2003 ولمدة 16 عاما لم يتحول العراق رغم إهدار ثرواته إلى دولة متقدمة اقتصاديا أو تكنولوجيا، بقي المواطن العراقي يعاني من شظف العيش وفساد النخب الشيعية التي أهدرت الأموال دون طائل، وحتى بعد الانسحاب الأميركي (الشكلي) عام 2011 ظلت السيطرة الإيرانية حاضرة وتتحكم في مقدرات العراق من خلال أذرعها السياسة الموجودة بالداخل والتي تستند إلى المرجعية الدينية الشيعية التي تسيطر على الأمر وتوجه البوصلة العراقية بحسب أهدافها التوسعية والاستيطانية، ورؤيتها ومصالحها البعيدة عن مصالح العراقيين، وهو ما فسر بشكل كبير استمرار المظاهرات في المدن العراقية ورفض جانب كبير من المنتمين إلى الشيعة توجهات المرجعيات الدينية في طهران بعد اكتشافهم كم الخداع الذي تعرضوا له خلال سنوات من الفساد وإهدار مقدرات الدولة العربية.
وأثبتت المظاهرات التي انتشرت حتى داخل المدن الشيعية المقدسة بالعراق خاصة في النجف وكربلاء التحول الكبير في سلوك السكان الشيعة الرافضين لسياسات طهران، حيث انتقد المتظاهرون تعليقات السياسيين الإيرانيين ومنهم المرجعيات الدينية، وطالت الانتقادات أكبر رأس في المرجعيات وهو مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي وصف المظاهرات بأعمال الشغب وطالب بالسيطرة عليها، وزاد من غضب المتظاهرين بكل مذاهبهم وأطيافهم اتهامه بمسؤولية دول أخرى من بينها دول عربية وأجنبية عما سماه أعمال شغب، في استدعاء جديد لنظرية المؤامرة على الحكم الشيعي.
شعارات مناهضة
وزادت شعارات المتظاهرين المناهضة للمرجعيات الشيعية من تأكيد هذا الرفض، حيث عرضت تسجيلات للمتظاهرين وهم يهتفون ضد سياسات إيران ويطالبون برحيلها (بما تمثله من نفوذ من خلال عملائها) خارج الأراضي العراقية، وكان ذلك واضحا جليا في المدن الشيعية وهو ما يؤكد الرفض المستمر لسياسات طهران في الهيمنة والتوسع، ومحاولات الالتفاف على مطالب المتظاهرين المشروعة، التي تطالب بوقف سلوك طهران داخل الدول العربية التي تشهد احتجاجات مستمرة.
وظهر واضحا الرفض المستمر للهيمنة الإيرانية من خلال إحراق المتظاهرين للقنصلية الإيرانية في كربلاء وإغلاقها تماما، وكذلك إحراق صور خامنئي وقاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وتغيير المتظاهرين في النجف لاسم شارع الخميني إلى شارع الشهداء، وأسفرت هذه العدائية تجاه طهران إلى إيقاف السلطات الزيارات للعتبات الشيعية المقدسة، وكان ضمن رد الفعل على سلوك المتظاهرين المعادي لطهران الذي كان مثارا لتعليقات رافضة من قبل بعض وسائل الإعلام الإيرانية التي تحدثت عما سموه خيانات الشيعة العراقيين لإيران وزاد من الانتقادات الإعلامية حرق القنصلية الإيرانية في كربلاء.
الأهواز تنتفض
ولم يكن العداء ضد طهران في الداخل أقل منه في الخارج حيث تكررت المظاهرات في مدينة الأهواز مؤخرا ضد السلطات الإيرانية وذلك بعد تكرر استهداف الرموز العربية في المدينة وكان آخرهم الشاعر العربي الأهوازي حسن الحيدري الذي توفي في ظروف غامضة، واتهم بعض النشطاء الأهواز النظام الإيراني بالتسبب في مقتله في ظاهرة وصفها النشطاء بسلوك إيراني متكرر لنخب الأهواز وللمعارضين لتوجهات السلطات في طهران.
تأهب كبير
وكان التأهب كبيرا بين السلطات الإيرانية في إدراك لخطورة التظاهرت التي اندلعت في العراق ولبنان، وكان من بين مطالبها فك السيطرة الإيرانية على مقاليد السياسة في الدولتين العربيتين، وفك الارتباط بين الأذرع الإيرانية التي تحاول استمرار سيطرتها على دول ذات سيادة، وشملت المطالب القضاء على الفساد والبطالة، وتحسين الخدمات الأساسية خاصة بعد تدهورها، حيث لا يوجد مبرر لهذا التدهور في دولة مثل العراق تمتلك احتياطات نفطية هائلة.
وكان من أهم المطالب في لبنان الخروج من عباءة إيران، وتشكيل حكومة تكنوقراط يكون قوامها وزراء لا يرتبطون بطهران سواء حزبيا أو سياسيا أو مذهبيا، ثم تتم الدعوة لانتخابات برلمانية عقب هذه الخطوة تمهيدا لتشكيل حكومة أكثرية، وهي المطالب التي وجدت اعتراضات من بعض المنتمين إلى إيران داخليا وخارجيا والذين وجدوا في هذه المطالب تقويضا حقيقيا لنفوذهم في الداخل.
هيمنة إيرانية
وشهدت المظاهرات حشدا كبيرا من كل القوى العراقية واللبنانية بما فيهم المواطنون الشيعة خاصة في المدن التي تحتوي على أغلبية شيعية، ومن بينها مدن الشيعة المقدسة والذين تأكد رفضهم للسياسات الإيرانية، وهو ما تمت مواجهته بآلة عنف أسفرت عن سقوط عشرات من الشهداء وجرح الآلاف، وشهدت المظاهرات سلوكيات لم تكن موجودة من قبل أوضحت الرفض الكبير للهيمنة الإيرانية في الداخل العراقي واللبناني ومن بينها التنديد بالرموز الشيعية وحرق صورهم، وحرق القنصليات الإيرانية، ولم تفلح التنديدات الإيرانية في توقف المظاهرات يوميا رغم استنزافها للاقتصاد في الدولتين، وتعطيل الحياة العامة وتأثر خدمات الكهرباء والإنترنت، وكذلك غلق عدد كبير من المدارس والجامعات والمصالح الحكومية، وفشل الكثير من الموظفين في الذهاب لأعمالهم والدخول في عصيان مدني في أكثر من مدينة، وطالت الاحتجاجات عددا من النقابات المهنية.
وتمتلك طهران علاقات قوية مع الكثير من الفرقاء السياسيين على الساحتين العراقية والإيرانية، وكذلك بعض الميليشيات وهو ما مثل ضغطا مستمرا على الحياة السياسية وأدى إلى تذمر الشعب الذي ضاق ذرعا بالميليشيات والسياسيين المدعومين من طهران رغم فسادهم المعروف للجميع، وظهر أن أحد الأهداف الحالية للشارع العراقي واللبناني إنهاء السلطتين الدينية والسياسية للمتحالفين مع إيران من الداخل في محاولة للقضاء على الفساد والبطالة والسلبيات، خاصة بين من يدعمون القوى الفاسدة في العراق ولبنان.