* تعتمد المحافظ النقدية الرقمية على أنظمة برمجية مشفرة عالية الأمان، يصعب اختراقها وتتبعها، إلى جانب استخدامها لتقنيات التعرف على الوجه أو البصمة للدخول إلى تطبيق المحفظة لزيادة عناصر الأمان والتحقق من المستخدم
* لا يمكن التنبؤ متى يمكن أن تبلغ مستويات التعاملات النقدية الرقمية نظيراتها في الدول الاسكندنافية حيث يقارب الكاش على الانقراض، لكن الفرص متاحة وممكنة مع توفر الإرادة.
جدة: هل جربت أن تطلب الغداء مع زملائك في العمل ولم تجد معك فئة نقدية صغيرة لتسدد ثمن الطعام لزميلك الذي تكفل بإنجاز الطلب للجميع؟
وهل طلب منك حارس العمارة التي تسكن فيها سداد مستحقاته الشهرية البالغة 50 ريالاً (13 دولارًا) نظير التخلص من القمامة مثلاً ولم تجد معك النقود الورقية لتعطيه إياها؟
قد لا يكون لدى الجميع حسابات مصرفية لتحويل النقود، أو أن المبلغ المطلوب زهيد جدًا ولا يستحق إجراء تحويل مصرفي. فما هو الحل؟
الحل بسيط للغاية ولا يحتاج إلا إلى تحميل نوع محدد من التطبيقات، يغنيك عن حمل الفئات النقدية الصغيرة.
المحفظة النقدية الرقمية (Digital Wallet)
إنها ببساطة تطبيق على الهاتف الذكي، يمكنك من إجراء مدفوعاتك اليومية، وبخاصة بالغة الصغر، للخدمات والاحتياجات اليومية، وكذلك تحويل الأموال بين الأفراد أو إلى الحسابات المصرفية داخل وخارج البلاد؛ دون المرور بالقنوات المصرفية التقليدية أو استخدام المنتجات المصرفية مثل البطاقات أو الشيكات أو الحاجة للسحب النقدي.
وتعد المحفظة النقدية الإلكترونية إحدى الاستخدامات العملية لما يسمى «الفنتك»، وهو لفظ مشتق من كلمتين إنجليزيتين هما Financial Technology(FinTech) تعني التقنية المالية، إذ إن أدواتها هي المواقع الإلكترونية والتطبيقات الهاتفية التي تدمج بين التعامل المالي والتقنية. فمثلاً، التطبيقات البنكية التي تتيح تحويل الأموال وسداد فواتير الخدمات العامة وخدمة Apple Payالتي تخزن عبرها نسخة رقمية من بطاقتك الائتمانية أو بطاقة الصرف الآلي في هاتفك الجوال لتستخدمها في عمليات دفع المشتريات، تقع ضمن استخدامات «الفنتك».
وتعتمد المحافظ الرقمية على أنظمة برمجية مشفرة عالية الأمان، يصعب اختراقها وتتبعها، إلى جانب استخدامها لتقنيات التعرف على الوجه أو البصمة للدخول إلى تطبيق المحفظة لزيادة عناصر الأمان والتحقق من المستخدم. وعلاوة على ذلك، تطلب التطبيقات بشكل إلزامي تشغيل خدمة تحديد المواقع على الهاتف الذكي كشرط لتسجيل الدخول في إجراء احترازي لمضاعفة الحماية من الاختراقات الإلكترونية. أما بالنسبة لآلية تنفيذ المدفوعات، فهي معقدة لدرجة لا تسمح للتاجر/ مزود الخدمة بنسخ أي معلومات حساسة من صاحب المحفظة.
البيئة التجريبية التشريعية السعودية
قبل نحو عام من الآن، أطلقت 3 محافظ نقدية رقمية هي STC Pay، وهللة، وبيان Pay، وهي متوفرة على متجر آبل، وغوغل بلاي. وتأتي هذه المحافظ الرقمية كترجمة فعلية لما يسمى «البيئة التجريبية التشريعية»، إحدى مبادرات برنامج تطوير القطاع المالي ضمن رؤية 2030. التي تجري تحت الإشراف المباشر لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، ويعد «الفنتك» عمودها الفقري. وتستند هذه البيئة الرقمية في أحد أوجهها على الحد من التعاملات النقدية والتوجه نحو مجتمع «بلا كاش»؛ حتى في التعاملات النقدية بالغة الصغر، أي إمكانية تحويل هللة واحدة فقط (الريال السعودي يحتوي على 100 هللة). وجميع تلك التطبيقات تحمل تراخيص «ساما» وتتمتع بالمصداقية الكاملة وحفظ حقوق المستهلك.
ويقع ضمن أهداف المحافظ الرقمية إتاحة خيارات إضافية للمدفوعات بأسلوب آمن، يصل إلى الأفراد الأقل تفاعلاً إلى النظام المصرفي التقليدي، إلى جانب منح الفرصة للمتاجر الصغيرة للدخول في دائرة الدفع الإلكتروني، وهو الأمر الذي لا يزال بعيدًا عنها بعض الشيء. ويفتح كل ذلك الباب واسعًا أمام ما يسمى «الشمول المالي» عبر إدماج مزيد من الأفراد وأصحاب الأعمال في العالم الرقمي الحديث.
مزايا المدفوعات وتحويل الأموال
بمجرد الانتهاء من عملية التسوق، كل ما عليك القيام به هو مسح QR Codeالخاص بالمتجر، مزود الخدمة - يكون موجودًا لدى صندوق الحساب - عبر تطبيق المحفظة الرقمية، فيظهر لك المبلغ المطلوب ليطلب منك النقر على زر «ادفع». أما بالنسبة لتحويل الأموال، فإنه ينبغي أن يكون لدى الطرفين التطبيق ذاته، ويكفي الذهاب إلى قائمة الاتصال وتحديد الاسم المطلوب وإدخال المبلغ المراد تحويله مع ضغط زر «تأكيد». ويمكنك أيضَا تحويل الأموال إلى الحسابات المصرفية المحلية أو الدولية.
كما يمكنك شحن التطبيق بالأموال عبر البطاقات الائتمانية أو بطاقات السحب المباشر (مدى) أو عبر خدمة سداد، وهي نظام مركزي لخدمات سداد الفواتير من خلال توفير الربط الإلكتروني بين المصارف ومصدري الفواتير أو الخدمات.
التنافس على 180 مليار ريال خارج المصارف
وفقًا لآخر التقارير السنوية الصادرة عن «ساما»، فإن حجم النقد المتداول خارج المصارف بلغ 180.15 مليار ريال (48 مليار دولار) عام 2018، وذلك ارتفاعًا من 172.07 مليارًا (45.9 مليار دولار) عام 2017 و170.34 مليار ريال (45.42 مليار دولار) عام 2016. ويمثل تصاعد الكتلة النقدية خارج المصارف تحديًا للتوجه نحو مجتمع خالٍ من الكاش.
أغلب هذا النقد هو ما يتم سحبه عبر أجهزة الصرف الآلي والشيكات ويجري تداوله بين الناس لإجراء المدفوعات النقدية للتعاملات المالية اليومية، وبخاصة الصغيرة ومتناهية الصغر كالمصاريف النثرية الصغيرة والبقالة والمطاعم والصيدلية ومحطة الوقود. هذه الكتلة النقدية هي المستهدفة في المقام الأول عبر المحافظ الرقمية للمساهمة في التحول المالي الرقمي لأفراد المجتمع.
تقييم موجز للمحافظ الرقمية السعودية
يعد تطبيق «STC Pay» الذي تملكه شركة الاتصالات السعودية (STC) هو الأضخم والأكثر استخدامًا والأوسع انتشارًا عبر سلسلة من الشراكات المتنوعة، حيث إنه يستفيد من البنى التحتية لعملاق الاتصالات السعودي. كما أنه يوفر ميزة تحويل الأموال دوليًا عبر خدمة ويسترن يونيون العالمية.
ويأتي بعده في الترتيب تطبيق «هللة» الذي أنشأه رواد أعمال سعوديون بجهود ذاتية، وهو يشق طريقه لتوسيع شراكاته وتعزيز انتشاره بين الأفراد وتقديم مزيد من العروض الجاذبة للمستخدمين، ومنها إمكانية التحويل إلى الحسابات المصرفية المحلية مجانًا، وهو ما توفره محفظة «STC Pay».
أما التطبيق الأقل انتشارًا فهو «بيان Pay»، ويبدو أنه يحتاج إلى المزيد من العمل على التطوير والتسويق والتعريف به في وسائل الإعلام.
ونظرًا للظروف الموضوعية المتعلقة بالخوف من التعاملات الرقمية والإيمان بالنقد في اليد، وبخاصة لدى الفئات الأكبر سنًا من السعوديين والمقيمين والعمالة الأجنبية الأقل تعليمًا، سيستغرق الوصول إلى مجتمع خالٍ من النقد وقتًا أطول، لكن الأمور تتغير مع تبني الأجهزة الحكومية السعودية المعنية لمزيد من القرارات الملزمة لمنافذ البيع بتوفير قنوات الدفع الإلكتروني. ولا يمكن التنبؤ متى يمكن أن تبلغ مستويات التعاملات النقدية الرقمية نظيراتها في الدول الاسكندنافية حيث يقارب الكاش على الانقراض، لكن الفرص متاحة وممكنة مع توفر الإرادة.