* لو تنفع العبرة لكنا ذكّرنا أهل الحل والربط في لبنان بما كتب محمود درويش يوما: «حذار حذار من جوعي ومن غضبي». ولكن من الواضح أن الأوان قد فات
أربع إطلالات لأمين عام «حزب الله» في أقل من عشرة أيام، للحديث عن الاضطرابات التي تعصف بلبنان، هي خير دليل على الأهمية التي يعطيها وحزبه لحراك الشباب المنتفض على وقع أزمة اقتصادية حادة افتعلتها منظومة فساد لم تشبع من سرقة تعب الناس.
الأزمة المعيشية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان هي أخطر ما يمكن أن يواجه الحزب، لأنه يعني بالآتي من الأيام تفكك الرابط بين «المقاومة» و«جمهورها» جراء امتناع الأخير عن تقديم الخدمات التي طالما أمنها لهم على شكل تقديمات اجتماعية ورعاية صحية إلى تسهيل عمليات تبييض الأموال والتهرب الجمركي... إلخ، لأنه وأعوانه وشركاؤه أصبحوا تحت مبضع العقوبات الأميركية. بمعنى آخر سيبدأ بعض من مناصريه أو حتى المستفيدين من سطوته يتساءلون: أين مصلحتهم في دعمه وهم أصبحوا وعائلاتهم يعيشون تحت خط الفقر؟
أمام غضب الشعب المبرر من الأزمة الاقتصادية، ليس هناك ما يمكن للحزب أن يفعله؛ فالعقوبات الأميركية باقية ما دامت هناك قناعة لدى تلك الإدارة أنها تطال «حزب الله» وتؤذيه، وما دام الحزب مسّلحا ولديه قدرة في أن يحارب في أكثر من ساحة إقليمية، وبالتالي فهو قادر على تشكيل خطر على حلفاء بلاد «العّم السام».
أما بالنسبة للمقاطعة العربية والخليجية تحديداً، فطالما أعمال «حزب الله» ومواقف وزير خارجيته صهر رئيس الجمهورية سيظلان معاديين، فلن تكون هناك إمكانية لمساعدة لبنان من قبلها في عز الأزمة الاقتصادية، وهي التي لطالما هرعت لنجدة هذا البلد إن كان من خلال ودائع مصرفية أو من خلال تمويل مشاريع بنى تحتية أو حتى في اعتبار لبنان الوجهة السياحية الأولى لمواطنيهم.
أما بالنسبة للفساد الذي ينخر الدولة ويعتبر أحد أسباب عجزها، فمحاربته من قبل «حزب الله» دونه مخاطر، إذ بالإضافة إلى استفادته من تلك المنظومة بشكل مباشر وغير مباشر، فهو لا يستطيع استعداء كل الطبقة السياسية التي تعتبر الدولة شركة مساهمة لتوظيف من يوليهم أمورهم في هذه الحياة وبالتالي ترسيخ زعاماتهم إلى أبد الآبدين.
فما هو فاعل «حزب الله» الذي اعترف بلسان أمينه العام بأنه هو الطرف الأقوى على الساحة اللبنانية؟ هل يفتح أبواب «ريتز» لبناني ليقاضي كل الفاسدين مثلا، ويضمن إذ ذاك عدم حصول حرب أهلية مذهبية وطائفية في لبنان؟ أم يترك الفوضى تعمّ وتصل إلى بلداته وضواحيه ويراقب الضغينة تكبر بوجهه من قبل أهالي لا يملكون ثمن ربطة خبز، بينما مقاتلوه، وأيضا حسب أمينه العام، سيقبضون رواتبهم بالكامل، بينما الآخرون يعانون لتحصيل لقمة عيش تسد جوع العائلة؟
هذا الواقع الاقتصادي المزري لا يستطيع أحد معالجته، خاصة أن بعض أهل الحكم الذين يريدون إعادة إنتاج نفس السلطة بنفس الوجوه والأحزاب في واد، والمعترضين الثائرين في واد آخر، فمن الواضح أن الأمور ستسوء أكثر مع مرور الأيام، ومع إمكانية انهيار العملة الوطنية، ما سيؤثر بشكل مباشر على نحو مليون موظف يقبضون رواتبهم بالعملة الوطنية، وهم يشكلون أكثرية القوى العاملة في لبنان، حيث إن انهيار الليرة اللبنانية إن حصل سيدفع هؤلاء الناس إلى الشارع لتزيد أعداد المنتفضين وتعم الفوضى، التي ربما لن تكون خلاقة جدا.
لو تنفع العبرة لكنا ذكّرنا أهل الحل والربط في لبنان بما كتب محمود درويش يوما: «حذار حذار من جوعي ومن غضبي». ولكن من الواضح أن الأوان قد فات.