* إثارة النزعات القومية والمذهبية يتم استغلاله لنشر الفوضي بالمنطقة
* تركيا وإيران يتجاهلان حقوق القوميات داخل أراضيهما وخارجها
* أستاذ علوم استراتيجية: الفرس لا يمثلون سوى 35 في المائة من الشعب الإيراني والباقي عرقيات متنوعة
* بعض الدول تستغل القوميات لتحقيق أهداف سياسية وإقليمية
* سياسة الاحتواء المؤقتة للقوميات بسبب التخوف من النزعات الانفصالية
* تركيا ترى في الاتحاد الكردي تهديداً لها
* الصراعات العرقية تهديد لـ«الشرق الأوسط» والمجتمع الدولي
* استمرار التعسف ضد القوميات يمثل خطراً على دول المنطقة
القاهرة: تعد قضية القوميات في منطقة الشرق الأوسط من الإشكالات الإقليمية والدولية المعقدة والمهمة، لما تثيره من سخونة واضطراب للأجواء السياسية والاستراتيجية من حين لآخر، وما تسببه من تأثيرات قومية وعرقية منذ عقود من الزمن ما زالت تداعياتها حاضرة حتى الآن بسبب ارتباطها بالملايين من المنتسبين لهذه القوميات والذين يسكنون دولا قد تحتويهم في أوقات معينة ولأسباب بعينها منها الخوف من النزعات الانفصالية لهذه القوميات، وأخرى لا تمتلك سياسة الاحتواء وفي هذه الحالة قد تصبح هذه العرقيات أو القوميات قنبلة موقوتة مستعدة للانفجار متى تهيأت لها الظروف لذلك.
إشكالية العرقيات المنتشرة في ربوع الإقليم تشابكت مسبباتها عبر سنوات طويلة وخلال حقب زمنية ممتدة شهدت تحولات إقليمية ودولية وارتبطت بعوامل ثقافية وجغرافية وتاريخية معقدة بسبب طبيعة الإقليم، والأحداث الملتهبة التي مر بها خلال فترات طويلة، وهو ما يلقي بتساؤلات عميقة عن كيفية حل هذه الأزمات خاصة مع المشاكل الكثيرة الموجودة بين دول المنطقة والتي يراها البعض عصية على الحل في ظل حالة التربص الموجودة بين الدول الموجودة فيها، وكذلك حالة الاستقطاب من الدول الكبرى التي تسعى إلى تحقيق مصالحها بصرف النظر عن مصالح الآخرين بما فيهم الدول الداعمة لها.
نزعات مذهبية
وتستفيد دول بعينها من سياسة نشر الفوضي، وإثارة النزعات المذهبية والقومية في المنطقة بشكل عام وذلك نكاية في الدول الموجود فيها بعض العرقيات، واستغلال التعسف ضد هذه العرقيات بهدف تقويض أمن خصومها، وتعد هذه السلوكيات من الأسباب التي تهدد الأمن في الإقليم ككل، وتستغل هذه الدول عملية التحريض بين الجانبين لتحقيق مآرب خاصة منها السيطرة على دول بعينها، أو استمرار احتلال دول أخرى، والسيطرة على الثروات الطبيعية لأخرى يتم شغلها بمثل هذه الأمور، ويتم استغلال الأحداث من قبل آخرين لاستعادة أمجاد إمبراطورية زائلة، أو دعم فصيل نكاية في آخر أو قومية أخرى.
ومن أبرز القوميات في منطقة الشرق الأوسط تلك الموجودة داخل الأراضي الإيرانية التي تمتلك خليطا من العرقيات من الكرد والعرب والأحواز والترك والتي مارست ضدهم السلطات الإيرانية ظلما كبيرا وصل إلى مستويات مرتفعة من التعسف في حقوقهم الاقتصادية والدينية والسياسية وكذلك الاجتماعية، ووصل أمر الانتهاكات ضدهم إلى معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، والاستيلاء على ثروات الأراضي التي يعيشون فيها وتهجيرهم من مدنهم وقراهم المختلفة في أوقات كثيرة، والرد بعنف من خلال إجراءات عدائية على كل مطلب لهم يفرضها واقعهم الديني أو الاجتماعي والثقافي.
ممارسات إيرانية
وتثار التوترات العرقية من آن إلى آخر بسبب الممارسات الإيرانية بحق الأكراد والبلوش والعرب وكذلك الترك داخل الأراضي الإيرانية حيث لا تحصل هذه العرقيات على أدنى حقوقها، حيث تعاني الأقليات داخل إيران تحديدا من القيود التي تفرض على ممارسة حقوقها السياسية، بالإضافة إلى الكثير من الانتهاكات الأخرى والتي وصلت إلى حد التهجير من أراضيها وتعد قضية الأحواز داخل إيران نموذجا لهذا التعسف والسلوك الإيراني حيث تم تهجير سكان المناطق العربية من أراضيهم، كذلك التعسف ضدهم والذي وصل إلى حد القتل والسجن ظلما تحت ذرائع متعددة منها الإخلال بالأمن القومي لإيران، ووصل الأمر إلى تنفيذ عقوبة الإعدام نتيجة لمثل هذه الاتهامات، ولا يمكن إغفال أكراد العراق الذين يعيشون في إقليم كردستان العراق والذي رفضت إيران من قبل فكرة استقلاله لما في ذلك من تهديد لنفوذها في المنطقة وخاصة في سوريا.
تعسف تركي بحق الأكراد
ولم يقتصر التعسف ضد العرقيات على إيران ولكن مثلت تركيا نموذجا واضحا في انتهاك حقوق الأكراد سواء في الداخل أو في الخارج، واستغلت مؤخرا الأوضاع الإقليمية للهجوم عليهم من خلال عدوانها على سوريا بذريعة تجهيز منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا وهو الأمر الذي أدي إلى نزوح نحو 160 ألفا من المدنيين غالبيتهم من الأكراد بعد قصف أراضيهم من قبل القوات التركية التي لا تزال تمارس عدوانها على القومية الكردية.
إيران أقلية فارسية وأكثرية من العرقيات والمختلفة
اللواء أركان حرب الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية والاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في مصر، قال لـ«المجلة»: «القوميات العرقية بلا شك من القضايا المهمة والمحورية في المنطقة، حيث يمثل عدد القوميات المنتشرة في الشرق الأوسط بالتحديد نسبة كبيرة جدا من عدد السكان وبالتالي فإن لهم حقوقا لدى الدول التي يعيشون فيها، ولنضرب مثلا بإيران والتي تمثل نموذجا لهذه القوميات، فمعظم الأراضي الإيرانية تحوي عرقيات مختلفة حيث يتواجد بها أكثر من 13 جنسا مختلفا والفرس لا يمثلون أكثر من 35 في المائة من إجمالي عدد السكان، والباقي عرقيات متنوعة ومختلفة»، أما بالنسبة للأكراد مثلا فالهدف الأساسي لهم يمثل لغيرهم مشكلة، فتمركزهم في المنطقة الحدودية التي تشترك فيها كل من سوريا وتركيا والعراق وإيران يمثل هاجسا لهذه الدول، فالعراق مثلا تم تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: الشمالي للأكراد (بداية من كركوك إلى أعلى أو ما يسمى بادية الشام)، والقسم الأوسط من العراق موجود فيه السنة، والقسم الجنوبي موجود فيه الفرس أو الطائفة الفارسية الشيعية وفيه العتبات المقدسة بالنسبة للشيعة».
وتابع: «الأهم هو أكراد سوريا أو ما يسمون نفسهم (قسد) أو قوات سوريا الديمقراطية، أو قوات الحماية السورية، وكان هناك تعهد ومساعدة وتعاون واضح جدا بين قوات سوريا الديمقراطية مع الولايات المتحدة التي «سحبت نفسها» من هذه المنطقة وتركت إردوغان يعيث فسادا فيها بزعمه تفعيل منطقة آمنة أو ما كان يسميها (منطقة عازلة) ولم تصدق عليها أميركا حيث لم يتم اعتماد شرعيتها من المنظمات الدولية المعروفة فلا بد أن يكون لديها تصديق من الأمم المتحدة ومجلس الأمن».
تركيا ترى في الاتحاد الكردي تهديدا لها
وأضاف اللواء الدكتور مصطفى كامل السيد: «إذا اتحد أكراد العراق مع أكراد الشام في المنطقة الحدودية بين إيران وتركيا وسوريا والعراق مع دعم أميركي سيمثلون في هذه الحالة كتلة قوية جدا، ومن وجهة نظر تركيا فإن ذلك قد يمثل تهديدا للأمن القومي التركي، وفي نفس الوقت للأمن القومي الإيراني، والولايات المتحدة انسحبت من المنطقة حتى تعطي الفرصة الكاملة لإردوغان لتحقيق هدفه في سوريا، وهو استكمال إقليم أنطاكيا والإسكندرونة اللذين ضمتهما فرنسا لتركيا من قبل لاستمالة الأتراك وحتى لا تنضم إلى حلف ألمانيا وإيطاليا من قبل».
صراع ممتد
وحول المدى الزمني لاستمرار هذا الصراع قال: «أتصور أن ما يحدث سيكون صراعا ممتدا بين تركيا من جانب والأكراد من جانب، وسيحدث المزيد من التوتر وسيضاف إلى الصراعات الموجودة في المنطقة والتي تفاقم من أزماتها، وكل ما يتم بهدف تأهيل المنطقة لما أطلق عليه البعض (صفقة القرن) أو الشق السياسي الخاص بها الذي أعلنه جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي ترامب، دون إعلان الحدود السياسية للكيان الواقعي الذي سيتم التطبيق عليه، وتصوري – والحديث لا يزال للواء الدكتور مصطفى كامل – أنه يتم صنع عدو بديل للعرب عن إسرائيل، ويعد عدو آخر أكثر تهديدا وهو إيران الذي يتم الدفع بها كعدو رئيسي للعرب، وهذا كله سينضم لمجموعة الصراعات الموجودة في الشرق الأوسط الذي لن يستقر على الإطلاق إلا إذا اجتمعت دوله على تحقيق الأمن الإقليمي، وإن لم تستطع ذلك فعلى الأقل على الدول العربية أن تحمي نفسها بما يسمى الأمن الجماعي، والفرق بين الأول والثاني أن الأمن الإقليمي يشترط أن تكون جميع الدول الداخلة في النطاق الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط مشاركة في تحقيقه، وبالنسبة للأمن الجماعي لا يشترط ذلك».
داعش تهدد الإقليم مجددا
وأضاف اللواء مصطفي: «الخطير في الأمر والذي يعد من تداعيات ما يحدث هو إعلان تركيا خروج مجموعة من داعش من السجون في سوريا، لكن مكان توجهها لا يزال غامضا، وتصوري الشخصي هو توجهها إلى إحدى الدول التي قد تكون عائقا لتحقيق صفقة القرن، وهي الصفقة التي تعارضها مصر تماما، وإردوغان أعلن صراحة أنه سيتم تسكين جزء مما يسمى تنظيم الدول الإسلامية في ليبيا التي ما زالت تعاني من ذلك، وأن إردوغان يقوم بذلك لكي يستكمل الإمبراطورية العثمانية تحت راية العثمانيين الجدد، حيث إن الدول العربية في إقليم البحر المتوسط كانت موجودة ضمن هذه الإمبراطورية ومن بينها سوريا ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وهي كلها دول كانت ضمن حدود الإمبراطورية العثمانية القديمة، والرئيس التركي إردوغان يريد استعادة الأمجاد العثمانية القديمة، ومصر تقف عائقا أمام هذا التوجه لأنها دولة محورية تربط الشرق بالغرب، وفي عدم وجود مصر سينفرط هذا العقد، لذلك فكل ما يتم من قلق وتوتر في ليبيا يمثل قلقا وتوترا للأمن القومي المصري».
وتابع: «من صالح العرب بلا شك أن يكون هناك دولة كردية تمثل حاجزا مع تهديدات تركيا وإيران لجيرانهما، فالخريطة السياسية تفصل بادية الشام بين إيران وتركيا، وأسميها الدولة الحاجزة، وتركيا وإيران في المقابل لا تريدان دولا على حدودهما من الأكراد، ولكن ذلك سيكون في صالح العرب لأنها ستحمي سوريا والعراق من تركيا، وستحمي العراق من إيران، والدولة الكردية لا تشكل خطرا على العرب حيث إن الأكراد أقرب ما يكونون للعرب منهم إلى الفرس أو الترك».
دعوات حقوقية
ورغم الدعوات المستمرة من قبل المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية بضرورة الاعتراف من قبل الدول التي تمتلك عرقيات متنوعة وقوميات متباينة بضرورة الاعتراف بحقوق هؤلاء وعدم التعسف ضدهم، إلا أن السلطات الرسمية سواء في إيران أو تركيا تجاهلت كل هذه الدعوات ضاربة عرض الحائط بقوانين المنظمات الدولية والأمم المتحدة التي تكفل الحماية والعيش بسلام لجميع سكان العرقيات المختلفة داخل مناطقهم التي تواجدوا فيها منذ عشرات وربما مئات السنين خاصة أن معظم هذه المناطق مثل الأحواز على سبيل المثال التي تعد إقليما عربيا محتلا من إيران، ولكن فرضت طبيعته الجغرافية المتاخمة لإيران والعراق وملاصقة الإقليم للجبال من الشمال والشرق في وضعه الحالي والتعسف ضد سكانه من قبل السلطات الإيرانية الرسمية رغم أن أغلبية سكانه من العرب.
الأمم المتحدة تدعو لوقف سياسة التمييز
الانتهاكات ضد العرقيات والقوميات ما زالت مستمرة وتتنامي رغم القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي تنص بنوده التي وقعت عليها جميع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية على مبادئ الكرامة الإنسانية المكفولة لجميع البشر والتساوي في الحقوق والواجبات بين الجميع، كذلك تعزيز وتشجيع الاحترام والمراعاة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، ويؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن البشر جميعا يولدون أحرارا، ومتساوون في الحقوق والكرامة أمام القانون دون أي تمييز أو تحريض عليه، وأعلنت الأمم المتحدة ضرورة القضاء السريع على التمييز في جميع أنحاء العالم بكل أشكاله ومظاهره، وأن مذهب التفوق القائم على التفرقة العنصرية والتمييز خاطئ وظالم ويمثل خطرا اجتماعيا، ويشكل عقبة تعترض العلاقات الودية والسلمية بين الأمم وتعكير السلم الاجتماعي والأمن بين الشعوب والأشخاص داخل الدولة الواحدة.
وأعلنت الأمم المتحدة مرارا قلقها لاستمرار مظاهر التمييز العنصري في بعض مناطق العالم، واستمرار السياسات الحكومية القائمة على أساس التفوق العنصري والعزل والتفرقة بين السكان وهي كلها تنتهجها بعض الحكومات الموجود بها العرقيات المختلفة ومن بينها الحكومة الإيرانية ضد فصيل من سكانها في مخالفات صريحة وواضحة لميثاق الأمم المتحدة.