* قدرة التنظيم على القيام برد فعل في أوروبا أصبحت ضعيفة وكذلك في الولايات المتحدة بسبب الجهد الاستخباراتي وحالة التأهب
* جنوب آسيا وشرقها ودول الساحل الأفريقي وخاصة ليبيا هي المرشحة أكثر للقيام بعمليات ثأر
* مقتل البغدادي، رأس الهرم، لا يضع نهاية لهذا التنظيم
* تحول التنظيم إلى مجموعات لامركزية مناطقية تخطط وتنفذ للعمليات الإرهابية وتمول نفسها ضمن الإمكانيات الذاتية، في الغالب على الإتاوات أو الحصول على التبرع مناطقيا
بون: ما زال الجدل قائماً، حول قدرة تنظيم داعش على الاستمرار، في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي ترامب مقتله يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، فبعد أن شغل أبو بكر البغدادي العالم بتنظيمه الإرهابي داعش، وإعلان ما يسمى دولة الخلافة عام 2014 في مدينة الموصل، اليوم العالم مشغول بـ«من يخلف البغدادي؟»...
ويحتدم الجدل بين المحللين والخبراء في قضايا الإرهاب والتطرف، حول مصير التنظيم بعد مقتل البغدادي.
هناك إجماع لدى الخبراء المختصين في قضايا الإرهاب والتطرف، بأن مقتل البغدادي لا يؤثر على ديمومة هذا التنظيم، رغم خسارته البغدادي، لكن مقتل البغدادي يمكن أن يؤدي إلى خسارة عوامل القوة التالية:
- «كاريزما التنظيم» التي تمثلت بشخص البغدادي، التي تميزت كثيرا بالغموض واختلفت كثيرا عن بقية قيادات الجماعات المتطرفة، فقد عرفت شخصية البغدادي بالغموض والتخفي وعدم الظهور.
- علاقات التنظيم: تنظيم داعش وكذلك بقية التنظيمات المتطرفة، أغلب علاقاتها مع أئمة التطرف وأصحاب الفتاوى، وكذلك مع بقية التنظيمات المتطرفة تعتمد على شخوص التنظيم وخاصة، رأس الهرم وقدرته على بناء علاقات وتحالفات مع الجماعات المتطرفة الأخرى. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إعطاء البيعة من قبل التنظيمات والأفراد الموالين إلى تنظيم داعش، ارتبطت بشخص البغدادي، وهذا ربما كان السبب الوحيد لظهور البغدادي لأول مرة عام 2014 في جامع النوري في الموصل، ليعلن خلافته، آنذاك، بعد تخفي سنوات طويلة. مقتل البغدادي يؤثر كثيرا على أنصار وتحالفات التنظيم، مع احتمالات خسارة التنظيم الكثير من تحالفاته وأنصاره، الأمر لا يتعلق فقط بمقتل زعيم التنظيم ولكن بتراجع تنظيم داعش وخسارة الوهج الذي كان يتمتع به.
- مصادر التمويل: مصادر التمويل ترتبط في قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات إرهابية، وما يعقد الأمر عند التنظيم، أن خسارة القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية، يمكن أن تستقطب اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام. التنظيم خسر عنصر الصدمة والمفاجأة في عملياته، وخسر عنصر «الترويع» من قتل ودموية عندما كان يعلن قطع الرؤوس بطريقة بشعة. خسارة رأس الهرم، يعني خسارة أغلب مصادر التمويل، كونها مرتبطة في رأس التنظيم، وهذا يعني أن تنظيم داعش سوف يشهد تراجعا أكثر.
- مصادر التجنيد والموارد البشرية: يحصل تنظيم داعش على أنصار وأعضاء من خلال الدعاية المتطرفة، ونشر العمليات العسكرية التي ينفذها، وفرض سيطرته على أراضي جديدة، لتكون مصدر موارده البشرية، واليوم داعش لم يعد يسيطر على أرض ولا ينفذ عمليات عسكرية، وخسر الكثير من منصاته الدعائية، وهذا يعني أن التنظيم اليوم في موقع دفاعي يحاول إعادة خلاياه واتصالاته، أكثر من أن يقوم بتنفيذ عمليات إرهابية.
الاستخبارات العراقية، أكدت أكثر من مرة أن التنظيم خسر اتصالاته وفقد الكثير من وسائل الاتصال، وربما عاد إلى الطريقة التقليدية (استخدام ساعي البريد) وهي طريقة صعبة لا تتماشى مع سرعة التطورات وعولمة الإرهاب، أفقدت التنظيم سرعة الحركة (الديناميكية).
- حدوث انشقاقات داخل التنظيم: التنظيم في وضع لا يحسد عليه، وتوقيت مقتل أبو بكر البغدادي، جاء في أعقاب تراجع التنظيم وبفترة قصيرة من خسارة التنظيم آخر معاقله في الباغوز شرق سوريا خلال شهر أبريل (نيسان) 2019. التقارير كشفت الانشقاقات ما بين تيار حازمون وزعيم التنظيم وقياداته من الصف الثاني، وربما الانقسامات تتركز في الجوانب الشرعية أكثر من غيرها، وهذا يعني أن مقتل البغدادي، يمكن أن يعيد «حازمون» من جديد للواجهة.
الجهد الاستخباراتي من قبل الولايات المتحدة وأجهزة استخبارات إقليمية ومحلية، يمكن أن تستقطب بعض قبادات التنظيم، وتعمل على انشقاقات ممنهجة، من شأنها أن تضعف التنظيم وتغير مساره.
ما تحصل عليه الاستخبارات العراقية وقوات التحالف من معلومات حول تنظيم داعش من خلال ما يقع بأيديهم من أسرى بين صفوف داعش، وعائلاتهم، تمثل مصدر معلومات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أرشيف وأوراق داعش التي حصلت عليها الاستخبارات العراقية بعد خسارة التنظيم معاقله في الموصل يعتبر أرشيفا ومصدر معلومات تعمل على كشف بنية التنظيم والحد من قدرته التنظيمية وتؤثر سلبا في هيكلية التنظيم.
هل التنظيم قادر على تنفيذ عمليات ثأر ردا على مقتل زعيمه البغدادي؟
تعودنا أن نرى عمليات ثأر تقوم بها بعض التنظيمات المتطرفة ومنها تنظيم القاعدة، في أعقاب مقتل رأس الهرم، وهذا ما حصل مع تنظيم القاعدة بعد مقتل بن لادن وكذلك مع فرع القاعدة باليمن بعد مقتل ناصر الوحيشي، لكن السؤال، هل نتوقع أن يكون لتنظيم داعش رد على مقتل زعيمه البغدادي؟
التنظيم فقد الكثير من قدرته اللوجستية والعسكرية في معاقله في العراق وسوريا وكذلك شبكة عمله في أوروبا والغرب، لكنه بقي فاعلا في أفغانستان، ويمكن القول إنه ما زال يحتفظ بقوته العسكرية «كامنة» في اليمن. تبقى دول أفريقيا شرقها وغربها، حيث يمتلك عنصر المبادرة بتنفيذ عمليات إرهابية.
وهذا يعني أن قدرة التنظيم برد فعل في أوروبا أصبحت ضعيفة وكذلك في الولايات المتحدة بسبب الجهد الاستخباراتي وحالة التأهب نزعت عنصر المبادأة من تنظيم داعش وأنصاره، وإن حصلت، فستكون عمليات محدودة جدا غير نوعية، لا تتعدى الطعن بالسكين أو الدهس.
ولو تحدثنا عن سوريا والعراق، فقد خسر التنظيم أيضا الكثير من قدرته، ولم يعد يمتلك أراضي يسيطر عليها، إلى جانب المتابعة الاستخبارية لهذا التنظيم من قبل الولايات المتحدة والجماعات المتحالفة معها من قوات قسد وكذلك ما تبذله الاستخبارات العراقية من جهود في العراق.
وهذا يعني أن جنوب آسيا وشرقها وأفريقيا هي المرشحة أكثر للقيام بعمليات ثأر، دول الساحل الأفريقي وشمال أفريقيا، وليبيا ربما هي مرشحة أكثر.
هل مقتل رأس الهرم يضع نهاية للتنظيم؟
إن مقتل أبو بكر البغدادي، لا يضع نهاية للتنظيم، لكن من المتوقع أن يعمل على تراجع وإضعاف التنظيم أكثر، وخاصة في هذه المرحلة، ليتمكن من استعادة قدراته التنظيمية أولا ثم العسكرية.
ما يحتاجه التنظيم ضمن «أدبيات» التنظيمات المتطرفة أن يعلن عن مقتل زعيمه، ويعلن خليفته، من أجل الحصول على بيعات جديدة، وهذا ما يجب أن تعمله، رغم أن بعض الكتائب والفصائل وحتى حركة طالبان، أخفت مقتل زعيمها الملا عمر لسنوات من أجل عدم خسارة البيعات التي حصلت عليها من الأنصار والموالين والتنظيمات المتطرفة، لكن في حالة البغدادي من المتوقع أن يتم الإعلان عنه، كون مقتله جاء على لسان ترامب وارتبط بعملية عسكرية لايمكن التكتم عليها.
التنظيم يراهن على أنه «فكرة» أو آيديولوجيا، تسلب عقول الناس غير مرتبطة بـمكان أو «خلافة» وهذا ما جاء على لسان المتحدث السابق للتنظيم أبو محمد العدناني عام 2016 قبل مقتله. «الخلافة الافتراضية» هي رهان تنظيم داعش. القضاء جغرافيا على التنظيم وخسارة «الخلافة» لم تكن نهاية التنظيم، ومقتل البغدادي، رأس الهرم، لا يضع نهاية لهذا التنظيم.
تنظيم داعش تحول إلى تنظيم لامركزي، بعد خسارة معاقله في سوريا والعراق نوفمبر (تشرين الثاني) 2017. وتحول التنظيم إلى مجموعات لامركزية مناطقية، هي من تخطط وتنفذ للعمليات الإرهابية وتمول نفسها ضمن الإمكانيات الذاتية، في الغالب على الإتاوات أو الحصول على التبرع مناطقيا.
عملياتيا، مقتل أبو بكر البغدادي لا يؤثر على عمليات التنظيم، لكن يمكن أن تشهد تراجعا، كون التنظيم أصلا تحول إلى اللامركزية، لكن يبقى مقتل أبو بكر البغدادي له انعكاسات سلبية على معنويات مقاتليه وأنصاره.
من يخلف أبو بكر البغدادي؟
سؤال، ربما من الصعب الإجابة عليه، كونه يتعلق بالبنية الداخلية لهذا التنظيم، وهو متعلق بـ«مجموعة الشورى» و«اللجنة المفوضة» هي من تحدد من يخلف البغدادي وفق «فقه» التنظيم.
تناولت بعض وسائل الإعلام باللغة العربية والإنجليزية، أسماء كثيرة حول من يخلف البغدادي أبرزها:
عبد الله قرداش
هو من مواليد عقد السبعينات من القرن الماضي، تنحدر أصول قرداش من بلدة تلعفر، شمال غربي مدينة الموصل، كان معتقلاً في سجن بوكا بمحافظة البصرة، وقد شغل منصبا شرعيا عاما في تنظيم القاعدة وهو خريج كلية الإمام الأعظم في مدينة الموصل وكان والده خطيبًا.
ورغم ترويج وسائل الإعلام ومنصات تنظيم داعش إلى اسم قرداش، كشفت تقارير محدودة التداول، أن قرداش قتل ربما خلال عام 2017 خلال عمليات استعادة مدينة الموصل، وأن ابنته سجينة لدى القوات العراقية. وليس مستبعدا أن ترويج داعش إلى قرداش ربما محاولة ذكية من تنظيم داعش من أجل خلط الأوراق لدى أجهزة الاستخبارات وقوات التحالف.
أبو عثمان التونسي
هو تونسي، يرأس مجلس شورى تنظيم داعش، لا تتوفر الكثير من المعلومات عنه.
أبو صالح الجزراوي
المكنى باسم الحاج عبد الله، المسؤول عن «اللجنة المفوضة» وهي هيئة تنفيذية لإدارة تنظيم داعش.
الحاج عبد الله المراوغ
ظهر اسمه في أوراق داعش كنائب للبغدادي بعد خسارة التنظيم مدينة الموصل نوفمبر 2017، ولكن لم يتأكد بعد إن كان على قيد الحياة، في ذات الوقت لم يعلن تنظيم داعش مقتله.
عمر مهدي زيدان
أردني، رئيس مجلس الشورى، ربما هو المرشح الأكثر، وفقا إلى مصادر موثوقة من داخل الاستخبارات العراقية، وقوات التحالف المشتركة، وما يدعم هذه الفكرة، أنه يحظى بدعم التيار السلفي الجهادي في الأردن. ويعتبر وفق المعلومات «داعية» وخطيبا كبيرا داخل تنظيم داعش.
يذكر أن تنظيم داعش يقوم على أساس «الخطاب الديني المتطرف» أكثر من القدرة العسكرية، رغم اعتماده على الشراسة الاستخبارية، وهذا يرجح أن يختاره تنظيم داعش كونه داعية ورجل دين، وهذا يذكرنا بأسباب اختيار البغدادي زعيما للتنظيم عام 2010 من قبل مؤسس التنظيم الحاج بكر، فالتنظيم يقدم «الدعاة والشرعيين» على القادة العسكريين، رغم أنهم من يقودون التنظيم، استراتيجيا.
طراد الجربا- أبو محمد الشمالي
هو سعودي الجنسية من قبائل شمر الواسعة الانتشار، وكان نائبا للبغدادي على سوريا، رغم أن هذا الاسم توارد في اعترافات منشقين عن داعش، وكان ضابطا عراقيا خدم في الجيش العراقي ما قبل 2003 ومن مؤسسي التنظيم، هو وشخص آخر.
وهناك مصادر داخل الاستخبارات العراقية كشفت بعد مقتل البغدادي بعض الأسماء الأخرى أبرزهم:
أبو أيمن، أبو أيوب العراقي، عبد الواحد خضر، أبو لؤي، كان المشرف الأمني العام على مدينة الموصل ومقرب جدا إلى البغدادي.
الليبي نعمان الزيدي، الملقب بـأبو سليمان الناصر، كان يشغل منصب رئيس المجلس العسكري في الموصل.
فاضل حيفا العبيدي، وكان يشغل نائب البغدادي على العراق.
الخلاصة
إن مقتل البغدادي لا تعد نهاية للتنظيم، وإن التنظيم سوف يستمر رغم تراجعه، ورغم احتمال أن يقوم تنظيم داعش بعمليات ثأر، فإنه فقد عنصر المبادرة في الغرب وسوريا والعراق ما عدا أفغانستان وجنوب وشرق آسيا وأفريقيا.
رغم أن التنظيم نشأ وتأسس في العراق وأن قياداته عراقية، لكنه في الوقت الحاضر خسر الحواضن والملاذات ولم يعد يسيطر على الأرض، وهذا ما يضعف احتمال أن يكون في العراق، وربما ينشط في أفريقيا وجنوب آسيا أكثر، وهذا ينعكس أيضا على اختيار خليفة البغدادي، وهذه النتيجة يمكن أن تسبب انشقاقات داخل التنظيم من أجل السلطة والثروات.
التنظيم لم يعد تنظيما مركزيا ونحن أمام إرهاب بلا قيادة، وتنظيم داعش تنظيم لامركزي، وهذا يعني أن عمليات التنظيم سوف تستمر، ضمن قدرة وإمكانيات المجموعات المناطقية.
ومن المرجح أن يعلن التنظيم مقتل زعيمه، وفي خطوة لاحقة يتوجب عليه، إعلان خليفة بعد أبو بكر البغدادي من أجل الحصول على البيعة من الأنصار والتنظيمات المتطرفة. بعض التقديرات تقول ربما يتم اخنيار خليفة، من القيادات الشرعية، غير المعروفة كثيرا.
وفي أي حال من الأحوال، التنظيم خسر الكثير من قدرته، ويتبع تنظيم داعش تنظيم القاعدة وبقية الفصائل والتنظيمات التي تحولت إلى ظاهرة صوتية أو تنظيمات سائبة بلا قيادة، لامركزية في زمن عولمة الإرهاب. وهذا يعني أن التنظيمات المتطرفة تعول في هذه المرحلة على الآيديولوجيا المتطرفة، بعد أن فقدت قدرتها على «المركزية» بسبب الجهد الاستخباراتي في محاربة التطرف والإرهاب.
التوصيات
تبرز هنا معالجة التطرف والإرهاب آيديولوجياً وفكرياً بالمناصحة، بالتزامن مع ما تبذله قوات التحالف الدولي وبعض الحكومات في دول المنطقة في توجيه ضربات عسكرية لتنظيم داعش وبقية الجماعات المتطرفة.
إن حصد رؤوس قيادات التنظيمات المتطرفة، يبعث رسالة إلى الجماعات المتطرفة وأنصارها، أن عناصر التطرف أفرادا وجماعات وتنظيمات، ليسوا بمأمن من العمليات العسكرية والاستخبارية ويمكن الوصول لهم، وهذا ما يعزز قدرة الحكومات والمجتمعات على فرض الأمن، واستعادة الثقة بأجهزة الاستخبارات والتحالفات الإقليمية والدولية في محاربة التطرف والإرهاب.