* خبير تكنولوجيا: وعند وقوع الضحية فريسة للوهم وأحلام الثراء، يبدأ المجرم في طلب بعض البيانات الشخصية أو البنكية الخاصة بالضحية
* أستاذ علم اجتماع: هناك بعض النصب في دول أخرى عن طريق العلاقات الجنسية وغالبا ما تكون هذه الدول تحرم العلاقات غير الشرعية
* تتنوع طرق النصب والاحتيال لدرجة يصعب حصرها إلا أنها جميعا تتفق على تسويق الوهم، وإثارة طمع الضحية، ورغبته في الثراء
القاهرة: أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر»، منصات لانتشار الجرائم المختلفة، حيث بدأت تتنامى خلال الآونة الأخيرة ظاهرة النصب حيث تنوعت تلك الجرائم ما بين ممارسة النصب على المواطنين والابتزاز وإنشاء صفحات لبيع الوهم، وكذا عمليات نصب عبر ادعاءات قاموا ببثها على صفحاتهم أو صفحات تم إنشاؤها، لخداع ضحاياهم في العالم الافتراضي.
اعتبر أشرف شهاب، متخصص في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ورئيس شعبة محرري الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنقابة الصحافيين أن المصريين تعرضوا للاحتيال الإلكتروني، أو النصب عن طريق الإنترنت وهو نوع من أنواع الخداع أو الحيل التي يتم من خلالها استخدام الخدمات التي توفرها شبكة الإنترنت، كغرف المحادثة، أو البريد الإلكتروني، أو المنتديات، أو المواقع المزيفة من أجل توجيه نداءات خادعة لضحايا محتملين عن طريق إغوائهم، وإيهامهم بإمكانية تحقيق الثراء السريع. والهدف الأساسي من هذه العمليات هو سلب أموال الضحايا عن طريق سرقة أرقام بطاقاتهم الائتمانية، أو إقناعهم بإرسال حوالات مالية أو شيكات، أو دفعهم إلى الكشف عن معلوماتهم الشخصية بغرض التجسس عليهم، أو انتحال شخصيتهم لاستخدامها في النصب على الغير.
وقال شهاب إنه من الناحية التقنية تسمى عملية الاحتيال أو النصب باسم: «التصيد الإلكتروني»، حيث يعتمد النصاب على اصطياد الضحية من خلال إيقاعه فريسة عن طريق إغرائه بالربح أو إيهامه بالفوز في اليانصيب أو رغبته في تحويل آلاف أو ملايين الدولارات إليه، وعند وقوع الضحية فريسة للوهم وأحلام الثراء، يبدأ المجرم في طلب بعض البيانات الشخصية أو البنكية الخاصة بالضحية، أو يقنعه بأن عملية التحويل المالي متوقفة على مبلغ بسيط كرسوم للتحويل، وفي بعض الأحيان يكون المجرم محترفا، ولديه الخبرة الكافية بحيث يقوم بإنشاء موقع مزيف لإضفاء المصداقية على عمليته الاحتيالية، ويطلب من الضحية زيارة الموقع للتأكد بنفسه من صحة المعلومات
العصابات النيجيرية والسجين الإسباني
وكشف شهاب عن أنه بدأ ظهور هذا النوع من الاحتيال الإلكتروني في الثمانينات من القرن الماضي، عندما انحسرت أعمال شركات النفط النيجيرية، وفقد المئات من طلاب الجامعات النيجيريين وظائفهم، واتجه تفكيرهم إلى استغلال تطلعات بعض رجال الأعمال الراغبين في مواصلة الاستثمار في قطاع النفط النيجيري. فبدأوا في إرسال رسائل إلى أناس مختلفين محاولين إقناعهم بالاستثمار في قطاع النفط، وبإرسال مبلغ معين من المال على أمل الحصول على «صفقة العمر. ومن هنا نشأ مصطلح رسمي في عالم الإنترنت يسمى: «عصابات النصب النيجيري»، التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على رسائل البريد الإلكتروني. وفي مرحلة لاحقة نشأت مدارس أخرى في فن النصب، من أشهرها المدرسة الروسية، والمدرسة الإسبانية (تسمى رسميا «السجين الإسباني»)، وتعتمد على إرسال رسائل بريد إلكتروني، ثم الاتصال بالضحية المحتملة لإقناعه بأن المرسل - المتصل هو سجين إسباني مليونير، إلا أنه بحاجة إلى مبلغ مالي لرشوة ضباط السجن، وعند هروبه سيقوم بإعادة المبلغ أضعافا مضاعفة.
الأمم المتحدة والبنك الدولي
وأكد شهاب أنه ومع وقوع الكثيرين ضحايا لمثل هذه العمليات، أصبح الأمر مغريا للعصابات الإجرامية، فطوروا من أساليبهم الإجرامية لدرجة تزييف مواقع، ورسائل بأسماء منظمات دولية كمنظمة الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وغيرها من المؤسسات الكبرى، لدرجة اضطرت معها منظمة الأمم المتحدة إلى إصدار تحذير رسمي على موقعها على الإنترنت. ويشير التحذير إلى أن الأمم المتحدة علمت بأن ثمة مراسلات يتم تعميمها عن طريق البريد الإلكتروني، وعبر عدة مواقع على شبكة الإنترنت، وعن طريق البريد العادي أو الفاكس، تدعي زيفا أنها صادرة عن الأمم المتحدة أو بالاشتراك معها أو مع موظفيها. بهدف الحصول على المال أو معلومات شخصية من الأشخاص الذين يتلقون تلك المراسلات. وقال بيان الأمم المتحدة: «تود الأمم المتحدة أن تحذر عامة الجمهور من هذه الأنشطة الاحتيالية التي يزعم الاضطلاع بها باسم المنظمة و- أو باسم موظفيها، وأوضحت المنظمة تفصيليا أنها لا تتقاضى أي رسوم مقابل توظيف أشخاص، ولا تطلب أي معلومات متعلقة بالحسابات البنكية أو أي معلومات شخصية أخرى. كما أنها لا تقدم جوائز أو مكافآت أو أموالا أو شهادات أو منحا دراسية، أو تجري يانصيبا عن طريق البريد الإلكتروني أو البريد العادي أو الفاكس، وفي نهاية تحذيرها أشارت إلى أنها تحذر بشدة الأشخاص من الوقوع ضحية لمثل هذه العمليات، ولم يقف الحد عند ذلك، ولكن، البنك الدولي أعلن في بيان على موقعه الرسمي تنصله من أي مسؤولية تجاه ضحايا هذه العمليات، و«يوصي البنك الدولي الجمهور بأن يأخذ حذره بصورة تامة حيال هذه الحيل، وكافة عمليات الإغواء الشبيهة الأخرى التي تدعي كذبا انتسابها إلى البنك الدولي أو أي مؤسسة تابعة لمجموعة البنك الدولي.
الاحتيال الرومانسي
وأردف شهاب قائلا إن أنواع الاحتيال أو النصب لا تقتصر على إيهام الضحية بالربح في اليانصيب، أو الاستثمار في مشروعات تدر عوائد مالية خيالية، بل هناك أنواع أخرى من الاحتيال أشهرها «الاحتيال الرومانسي»، حيث يتم إقناع الضحية بإمكانية إيجاد حبيب له مقابل مبلغ من المال، أو تقوم فتاة بإنشاء حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وتنشر صورا مغرية، وتبدأ في مراسلة الرجال، وبعد فترة تعارف قصيرة تطلب منهم مبلغا من المال. وهناك «النصب الإنساني»، حيث يتم إقناع الضحية بفعل الخير، والتبرع من أجل القضايا الإنسانية كمواجهة الأوبئة، أو مكافحة المجاعات. وهناك نوع آخر هو الاحتيال المسمى: «عملية الدولارات الزرقاء» حيث يتم إقناع الضحية بأن لدى «المجرم» حقيبة مليئة بالدولارات إلا أن كل ورقة منها للأسف مختومة بخاتم أزرق، وهذا الختم لا يمكن إزالته إلا بنوع من المحاليل الكيماوية المرتفعة الثمن. وتحت وهم الثراء السريع يدفع الضحية المبلغ المطلوب.
أما مصيدة «اليانصيب» فيتم خلالها إيهام الشخص بربح جائزة اليانصيب، وما عليه إلا إرسال مبلغ من المال ليتسلم جائزته وتتنوع طرق النصب والاحتيال لدرجة يصعب حصرها إلا أنها جميعا تتفق على تسويق الوهم، وتعتمد على إثارة طمع الضحية، ورغبته في الثراء، وفي النهاية لا توجد للأسف وسائل تقنية حاسمة يمكن من خلالها السيطرة على هذه الظاهرة، رغم التحذير.
الوعي والثقافة عاملان للمواجهة
عبد الحميد زيد أستاذ علم الاجتماع السياسي أكد أن عمليات النصب الإلكتروني منتشرة في جميع المجتمعات ليس في عالمنا العربي فقط، لكنها تأخذ أنماطا وأشكالا من مجتمع إلى آخر وأنواعا متغيرة وفقا لأسلوب الحياة والبعد الثقافي والاجتماعي، وعلى سيبل المثال إذا كان المجتمع يطغى عليه العامل المادي فالدفع لارتكاب مثل هذه الجرائم الحصول على المادة وليس بالضرورة أن تكون الدولة فقيرة ولكن من الممكن أن تكون الدولة غنية ولكن المعيار فيها المادة، لكن هناك بعض النصب في دول أخرى عن طريق العلاقات الجنسية وغالبا ما تكون هذه الدول تحرم العلاقات غير الشرعية، والذي يمثل في هذه المجتمعات عامل الذكورة والرجولة أحد أهم الأبعاد الهامة التي تقيم الذكر وشخصية الرجل وهذا الأمر غير متاح لوجود بعد اقتصادي في تكاليف الزواج بالإضافة إلى أن القيم الدينية في أغلب الوقت تكون عند من يقع فريسة لمثل هذا النصب غائبة، فلو كانت القيم الدينية موجودة لكانت حددت له مسالك أخرى مختلفة ليكون أكثر هدوءا وأكثر أمانا في العامل مع مثل هذه العمليات من النصب.
وأكد عبد الحميد أن غياب القيم الروحية أدى إلى الاستجابة إلى هذه الابتزاز، إضافة إلى الوعي الزائف لدى المجتمعات العربية بمعنى أنه كلما كان الإنسان لديه فهم وإدراك لاحتياجاته وما حوله من مجريات عن طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة كلما يكون استقباله لمثل هذه الأمور أكثر فهما وأكثر حرصا، لكن ومع ثورة الاتصال ومع تزايد المعلومات بشكل مباشر، أصبحت المجتمعات العربية تواجه أشياء لم تكن مستعدة لها، وهنا لا نتحدث عن الإمكانيات ولكننا نتحدث عن المواجهة الثقافية والوعي، ونظرا لوجود وعي زائف منتشر يصعب الأمر ويعقد المشكلة أكثر فأكثر فالمسألة هنا ليست النصب ولكن المشكلة في حرب تواجهها المجتمعات العربية مع قلة الوعي وانتشار الوعي الزائف وستستمر هذه الحرب سنوات إن لم تكن هناك مواجهة حقيقية وليس مواجهة الابتزاز، ومن هنا يجب أن أؤكد على ضرورة أن يكون هناك بناء للوعي الذي يحتاج إلى سنوات مع التزام كافة مؤسسات هذه المجتمعات بالعمل في منظومة متكاملة لمواجهة نقص الوعي.
النصب بالتسوق الإلكتروني
ومن جانبه قال محمود العسقلاني رئيس «مواطنون ضد الغلاء» إن «كل الأشياء لها جانب إيجابي وجانب سلبي. أما الجانب الإيجابي فهناك بعض المشروعات تمت من خلال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي نجحت في تحويل مواطنين وتغيير حياتهم للأفضل عن طريق تسويق بعض المنتجات التي يتم عملها في منازل هؤلاء. أما الجانب السلبي فقد سبق وأن تقدمنا ببلاغ للنائب العام بناء على معلومات وصلتني عن تلاعب هذه الشركة بالمواطنين وإيهامهم بأن برنامجها يعمل على تنمية الذكاء، وهذا غير حقيقي بالمرة، وأنا من واقع المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أن كل من علم بواقعة تشكل جريمة يجوز له إبلاغ السلطات».
وأكد العسقلاني أنه سأل أشهر أساتذة المخ والأعصاب في مصر، عن البرنامج من الناحية العلمية وتأثيره على ذكاء الأطفال، وأكد لي أن البرنامج لا ينمي الذكاء، وإنما يقوم على تعليم الأطفال مهارة محددة كتعليمهم استخدام لوحة المفاتيح في الكومبيوتر أو غيرها من المهارات التي يمكن أن يعلمها أولياء الأمور لأبنائهم في المنزل، وما دفعني إلى تقديم البلاغ أن نسبة كبيرة للغاية، كانت تقوم نتيجة عدم الوعي بتصديق ما يقول وهو ما يزيد على 100 ألف أسرة مشتركة في هذا البرنامج وتدفع شهريًا نحو 150 جنيها أي ما يقترب من 2000 جنيه سنويًا، ونتيجة لجهل هؤلاء فهم يقعون في مصيدة النصب من خلال شبكات دولية أو شركات تعمل في مجال التسويق الإلكتروني.