* علي رباح: الحراك حقق نتائج مهمة حتى الآن، وأهمها الورقة الإصلاحية التي طرحها الرئيس الحريري، والتي تتضمن بنودا إصلاحية مهمة
* جنى الدهيبي: أهالي طرابلس لا يطالبون بإسقاط الحكومة فقط بل يطالبون بإسقاط العهد كاملا
* بادية فحص: أن نرى يومياً 15 ألف مواطن في الساحة يحملون فقط علم لبنان وأن يصدح النشيد الوطني اللبناني في النبطية ليس تفصيلا
* مهدي كريم: بغض النظر عن نتائج هذا الحراك هناك حاجز خوف انكسر وخطوط حمراء تم تخطيها
بيروت: لا يختلف اثنان من اللبنانيين أنّ ما تشهده الساحات على امتداد الوطن كان حلمًا في الأمس القريب، لبنان اليوم ليس كلبنان قبل 17 تشرين الأول، حتى اللبنانيون أنفسهم تغيروا، أو أتتهم الفرصة ليعلنوا أمام العالم أنّهم وطنيون خلعوا عباءاتهم المذهبية والطائفية منذ زمن. توحدوا في الساحات ليحافظوا على ما تبقى من لبنان وعلى وجودهم في أرضه بعدما كانت وجهتهم في السنوات الأخيرة أبواب السفارات، قرروا أن يعودوا إلى الساحات حاملين آمالا ومطالب كثيرة مصرين على تحقيقها.
«ثورة الأرز» 14 مارس (آذار) 2005 كانت الثورة الأخيرة التي شهدها لبنان، يومها توحّد اللبنانيون بجميع أطيافهم ليهتفوا «حرية... سيادة... استقلال»، وكان مطلبهم الأساسي انسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية وإنهاء الوصاية السورية عن لبنان. ومنذ ذلك التاريخ لم يجتمع اللبنانيون على مطالب موحدة بل نخرتهم الانقسامات السياسية والطائفية، إلا أنّ تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي، وفساد الحاكمين، والفضائح التي تخرج يوميا عبر الإعلام وأمام الرأي العام حرّرتهم شيئا فشيئا من الولاءات الحزبية والطائفية، فولدت «انتفاضة 17 تشرين».
انتفاضة خلت من أي أعلام حزبية، فكان العلم اللبناني وحده يرفرف في الساحات، والنشيد الوطني يصدح عاليا بحناجر المحتجين، وأهم ما في هذه الانتفاضة أنّها لم تتخذ من العاصمة بيروت مركزا لها، بل حرّرت ساحات جنوبية وبقاعية وشمالية من ولاءات فرضت عليها منذ عقود. وهذه الانتفاضة أيضا لم تكسر فقط هيبة الأحزاب الطائفية، بل كسرت الحواجز بين المناطق التي بنت بينها تلك الأحزاب منذ الحرب الأهلية وعلى مرّ السنوات جدرانا من الكراهية والخوف.
الانتفاضة التي استطاعت أن تجمع نحو مليوني متظاهر على امتداد لبنان تستمر منذ يومها الأول محاولة المحافظة على سلميتها، واستخدام كل الطرق المشروعة لكي يصل صوت المنتفضين إلى أروقة المقرات الرسمية. ولكن في هذه الانتفاضة تحديدا لم تكن العروس بيروت كالعادة، ولا العين على ساحاتها التي تمتلئ يوميا بآلاف المحتجين، فعيون اللبنانيين تتوجه يوميا إلى ساحات الجنوب التي تقاوم يوميا قوى الأمر الواقع التي تحاول قمع المحتجين عبر التهديدات ومحاولات فض اعتصاماتهم بقوة السلاح، أمّا عروس الثورة فهي طرابلس عاصمة الشمال اللبناني التي انتهزت الانتفاضة لتخلع عنها أثوابا لا تشبهها ألصقت بها في السنوات الأخيرة.
طرابلس... عروس الثورة
مدينة طرابلس التي عانت كثيرا في السنوات الأخيرة خصوصا أنّها شهدت جولات قتالية بين أبناء المدينة ذات الغالبية السنية والأقلية العلوية، إضافة إلى اتهامات ألصقت بها بأنّها مدينة التشدّد الإسلامي وأنّ أبناءها يحتضنون تنظيم داعش، حتى وصل ببعضهم وصفها بـ«قندهار» لبنان. عانت أيضا من حرمان إنمائي واقتصادي، فهي المدينة الأكثر فقرا على المتوسط، أتت انتفاضة 17 تشرين لتنصفها، فمنذ بداية الانتفاضة تحولت ساحة النور في المدينة إلى وجهة يومية لوسائل إعلام لبنانية وعالمية لنقل صورة الرقي والسلمية التي تعكسها الانتفاضة في المدينة التي وصل فيها عدد المحتجين إلى نحو 100 ألف متظاهر.
جنى الدهيبي ابنة طرابلس وصحافية لبنانية تشرح في حديث لـ«المجلة» عن رمزية هذه المدينة: «تكمن رمزية مدينة طرابلس، أنها مدينة الزعامات السنية تاريخيا، فهي معقل رئيس الحكومة سعد الحريري، كذلك أفرزت في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018 نوابا لرموز سياسية سنية أخرى من المدينة، كرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وزعامة آل كرامي التاريخية المتمثلة حاليا بالنائب فيصل كرامي.
وانطلاقا من هنا كانت المفاجأة أنّ تنتفض طرابلس على قياداتها، وتثبت أنها باتت غير منصاعة لزعاماتها، في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها المدينة منذ زمن، فطرابلس التي خَرّجتْ رؤساءَ حكوماتٍ وزعامات وأغنى رجالاتِ الوطن صنفت كأفقر مدينة على البحر المتوسط، حيث إن 57 في المائة من أهالي طرابلس يعيشون تحت خط الفقر، و26 في المائة منهم يعانون فقرًا مدقعًا، هذا عدا عن أزمة البطالة المرتفعة بين أبناء المدينة، وأزمة الطبابة والاستشفاء والضمان الاجتماعي، فغالبية أبناء طرابلس محرومون من الضمان الاجتماعي».
وأضافت: «ما يحصل في طرابلس اليوم ليس وليد اللحظة أو مجرد تأثر بما يحصل على ساحات الوطن، فالطرابلسيون راكموا ردود الفعل ضد زعاماتهم، والتي بدأت في الانتخابات النيابية 2018 التي شارك فيها 31.2 في المائة من أبناء المدينة أي إنّ أكثر من 65 في المائة منهم قرروا المقاطعة، كذلك في الانتخابات الفرعية التي خاضها تيار المستقبل لم تتجاوز نسبة الاقتراع 12 في المائة».
ولفتت إلى أنّ «ما تشهده طرابلس اليوم لم يفاجئ باقي اللبنانيين فقط بل كانت مفاجأة لنا كأبناء مدينة، فتمزيق صور الزعامات السياسية ورفع العلم اللبناني فقط في الساحة التي تحولت إلى عرس وطني يومي لم نشهده من قبل، كذلك استطاعت المدينة أن تنزع عنها صفة التشدد والتهم التي التصقت بها بأنها المدينة التي أفرزت «داعش» والتنظيمات الإسلامية المتشددة، فأعادت مكانتها كعاصمة للشمال اللبناني تحتضن أبناءها من جميع انتماءاتهم ومكوناتهم ونسيجهم الديني من مسلمين ومسيحيين.
تميزت انتفاضة طرابلس بالمستوى الحضاري من حيث التنظيم والسلمية، عبر مبادرات فردية من أبناء المدينة، من «حراس المدينة» وهم مجموعة مدنية تعمل مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية على الحفاظ على سلمية المظاهرة وحمايتها، للذين قرروا الانتفاضة ضدّ الظلم الاقتصادي والإنمائي الذي لحق بالمدينة، فقرروا رفع صوتهم لقول إننا لا نريد من أحد أي خدمة، نريد العيش بكرامة، فنحن جزء من هذه الدولة، ونريد العودة إلى الدولة اللبنانية بعدما شعروا لسنوات أنهم خارج الخريطة اللبنانية، وأثبتوا أمام من سوقوا لسنوات أن أبناء طرابلس هم ضد الجيش اللبناني ولاءهم للجيش اللبناني عبر التحايا التي توجه يوميا للجيش».
وختمت «المطالب في طرابلس هي مطالب كبرى، فأهالي طرابلس لا يطالبون بإسقاط الحكومة فقط بل يطالبون بإسقاط العهد كاملا، وهم يؤكدون أنّهم باقون في الشارع حتى تحقيق مطالبهم، وهم جزء من الانتفاضة التي تحصل في باقي المناطق اللبنانية، لذلك فإن توجههم سيبقى بحسب توجه الشارع اللبناني».
ساحات الجنوب وقوى الأمر الواقع
ما يحصل في المقلب الآخر من الوطن لا يشبه كثيرا ما تشهده طرابلس من سلمية وسلام، ساحات الجنوب تحديدا التي أرادت الانتفاض على الثنائية الشيعية لأول مرّة منذ عقود كونهما جزءا من السلطة السياسية الحاكمة، تشهد محاولات لقمع المحتجين من قبل أنصار «حركة أمل» و«حزب الله» اللذين يتحكمان بمفاصل الحكم في الجنوب، ويبدو أنّهما لم يتقبلا حتى اللحظة أن تخرج أصوات مناهضة لسياساتهما من قلب بيئتهما الحاضنة وفي ساحاتهما، ولكن يبدو أنّ عزم وإرادة أبناء الجنوب أقوى من سلاحهم.
الصحافية بادية فحص والتي تشارك يوميا في انتفاضة مدينة النبطية في جنوب لبنان تروي لـ«المجلة» حقيقة ما يحصل في المدينة: «المطالب في مدينة النبطية هي معيشية وإنمائية، فالنبطية هي من المدن التي يوجد فيها كثافة سكانية، ونسبة شباب عالية متعلمة لا تجد فرص عمل، إضافة إلى أن النبطية تعاني من الحرمان في التغذية الكهربائية والماء، والبنى التحتية والشركات، إضافة إلى مشكلة النفايات من عام 1992 التي لم تجد لها البلديات المتعاقبة أي حلّ ولو بسيط، حتى باتت اليوم تعاني، إضافة إلى مشكلة النفايات، من مشكلة الجرذان المنتشرة.
لذلك ووسط هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة كان لا بدّ من أن تكون النبطية جزءا من هذه الانتفاضة، بداية تحرّك شباب النبطية كانت عبر هجوم مجموعة من الشباب على مكاتب نواب المدينة المحسوبين على «حزب الله» و«حركة أمل»، وقاموا بإحراق مكاتبهم وهتفوا الشعارات المنددة بمسيرتهم النيابية وتقصيرهم تجاه من انتخبوهم.
التحرك الثاني كان أمام المصرف المركزي في المدينة، المفاجأة أنّ الهتافات ولأول مرّة في هذه المدينة صدحت ضدّ رئيس مجلس النواب نبيه بري وزوجته رندة بري، حيث تمّ وصفهما من قبل المتظاهرين «بالحرامية»، فكانت ردة الفعل من قبل مناصري «حركة أمل» حيث هجموا على المتظاهرين بالعصي والسكاكين، وأصبحت أزقة المدينة عبارة عن شوارع للكرّ والفر بين الطرفين حتى الثالثة والنصف صباحا».
وتابعت: «في اليوم الثاني للمظاهرة توافق المحتجون على أن يتعاملوا مع سلطة الثنائي الشيعي بذكاء، وأن يهتفوا بالشعارات الإنمائية والمعيشية فقط، وهذه الشعارات هي ضمنا ضدّ الثنائي الذي يتحكم بمفاصل الحكم في جنوب لبنان منذ ثلاثة عقود، طبعا مع تبني شعار انتفاضة لبنان «الشعب يريد إسقاط النظام»، إذن هم قرروا تدوير الزوايا لأنّهم يعلمون قدرات الثنائي الشيعي على قمع تحركهم.
في اليوم السابع للاعتصام قررت شرطة البلدية تنفيذ قرار حاسم وحازم بفضّ الاعتصام، عبر شرطة البلدية التابعة لـ«حزب الله» بمساندة مجموعة من شباب حركة أمل، نحو 100 شخص بدأوا بتفكيك العوائق والمنصة وصادروا هواتف المعتصمين لكي لا يوثقوا هجومهم بالضرب والتكسير عشوائيا، حتى أنهم وجهوا كلاما بأسلوب احتقاري ضد المحتجين بالقول: «يلا انتهت اللعبة إلى بيوتكم طولنا بالنا كتير».
وختمت فحص: «ولكن ما نشهده اليوم في ساحة النبطية هو خارج التوقعات، أن نرى يوميا 15 ألف مواطن في الساحة يحملون فقط علم لبنان وأن يصدح النشيد الوطني اللبناني في النبطية ليس تفصيلا».
صور... تحدّت أيضا سلطة السلاح
الناشط مهدي كريّم ابن مدينة صور تحدّث لـ«المجلة» عن هذه الانتفاضة: «أبناء صور فاجأوا الجميع، حتى الناشطين الذين دعوا إلى المظاهرة بعد بدء التحرك في بيروت، خصوصا بعد التفاعل الكبير من اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، فالأعداد التي مشت في المسيرة التي جالت في شوارع المدينة كانت خارجة عن التوقعات، حتى الشعارات التي رفعت لم نسمعها يوما في مدينة صور التي تعتبر معقل «حركة أمل» ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وصف في هذه المسيرة «بالحرامي»، وفي اليوم نفسه توجه المحتجون أمام مكاتب نواب المدينة التابعين لما يسمى «حزب الله» وحركة أمل وهتفوا الشعارات المنددة ضدهم.
هذا التحرك أثار حفيظة أنصار حركة أمل فدعوا إلى وقفة تضامنية في ساحة قريبة من ساحة (العلم) مكان تظاهرتنا، فقررنا نقل تحركنا إلى مكان أبعد تفاديا لأي احتكاك، ورغم ذلك وبعد انتهاء وقفتهم الاستنكارية التي ألقى خلالها نائب حركة أمل علي خريس كلمة اتهم فيها المتظاهرين بالعملاء لإسرائيل، توجه مرافقوه ومناصروه بالعصي والأسلحة النارية إلى ساحة الانتفاضة وتهجموا على المحتجين بطريقة عشوائية وغوغائية».
وتابع: «للحظة شعرنا بخيبة أمل كبيرة بأن قوى الأمر الواقع قد نجحت في إخماد ثورتنا، إلا أنّ عزيمة الناس كانت أكبر فبعد نحو ساعتين عادت الناس وتجمعت في الساحة بأعداد أكثر مما كانت قبل الاعتداء الذي انتشرت مقاطعه المصورة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي نتج عنه تركيز إعلامي أكبر على انتفاضة صور، وهذا الأمر أعطى حصانة للاحتجاج نوعا ما لمنع الاعتداء، إضافة إلى الاحتياطات التي اتخذها الجيش اللبناني».
وختم كريّم: «بغض النظر عن نتائج هذا الحراك هناك حاجز خوف انكسر وخطوط حمراء تخطتها الناس خلال احتجاجها، هناك تغيّر حقيقي في تاريخ المدينة يبدو أن الفقر والبطالة أفقد الناس الأمل حتى وصلوا إلى درجة عدم الاهتمام بمصير حياتهم».
قوّة السلاح لم تستعمل فقط مع ساحتي صور والنبطية، بل انتشرت مقاطع مصورة لمحاولات فض اعتصام في مدينة بنت جبيل الجنوبية التي شهدت كغيرها من ساحات الجنوب وبعلبك انتفاضة لأول مرّة في التاريخ ضدّ ثنائية «حزب الله» وحركة أمل.
رمزية انتفاضة 17 تشرين
المحلل السياسي علي رباح رأى في حديث لـ«المجلة أنّ «أهمية هذا الحراك تكمن في الحواجز التي كسرت أمام اللبنانيين، وبين اللبنانيين، في عام 2005، تحديدا في 14 مارس (آذار) اجتمع السني مع الشيعي والمسيحي والدرزي، حينها كسرت هذه الحواجز بإرادة الأحزاب التي دعتهم للنزول إلى الشارع، أمّا اليوم فقد كسرت هذه الحواجز مجددا بإرادة الشعب والناس التي نزلت إلى رياض الصلح وساحة الشهداء والساحات الأخرى وهذا فرق كبير جدا وعلى السلطة قراءته».
ولكن ما الذي دفع اللبنانيين بالنزول إلى الشارع؟
قال رباح: «هي مجموعة من التراكمات، فتحرك اللبنانيين بدأ عام 2011، عندما نزلوا للمطالبة بإسقاط النظام الطائفي، وكان حراك اللبنانيين حينها جزءا من الربيع العربي، ولكن حينها لم ينجح لأنه أتى في ذروة الصراع الطائفي بين السنة والشيعة حول الثورة السورية، غاب الحراك وعاد 2015، بدأ مع مجموعة «طلعت ريحتكم» وكبر وأخد منحى إسقاط النظام الطائفي، ولكنه فشل بعدما فجّر من الداخل بفعل نغمة «كلن إلا زعيمي»، ومن 2015 حتى اليوم حصلت بعض التحركات الصغيرة ولكن كان سقفها السياسي مقبولا من السلطة السياسية. إلى أن أتت الانتخابات النيابية عام 2018 التي لم تقرأ نتائجها من قبل السلطة السياسية أو قرأت النتائج وكابرت واعتبرت أنّها تستطيع عبر النظام الطائفي وشدّ العصب المذهبي أن تحمي وجودها. الشارع السني حاسب سعد الحريري، وفي الشارع الشيعي كان هناك معارضة بارزة قمعت بقوة الأمر الواقع، المسيحيون وأغلب الشارع اللبناني فضلوا أن يبقوا أكثرية صامتة في هذه الانتخابات، إلا أنه لم يحدث تغيير حينها لأننا افتقدنا للمعارضة، ولليوم لا توجد معارضة بل هناك انتفاضة ضخمة بلا أب وبلا أم وغير منظمة».
وتابع رباح: «انتفضت الناس في 17 تشرين نتيجة مجموعة تراكمات في آخر شهر تحديدا، الدولار في ارتفاع، انهيار حقيقي في البلد، إضافة إلى مناقشة موازنة 2020، التي تستهدف محدودي الدخل والطبقة الوسطى، وفي زمن السوشيال ميديا وفي ظل احتقان الشارع، كانت الناس مهيأة للنزول إلى الشارع، مجموعة التراكمات هذه فجّرت الوضع بهذه الطريقة».
ماذا ينتظر اللبنانيون وإلى أين تتجه هذه الانتفاضة، يؤكد رباح: «من الصعب استشراف المرحلة، العناوين المطروحة شبه مستحيلة، من هذه العناوين إسقاط النظام اللبناني، النظام في لبنان من أعقد الأنظمة في المنطقة، الأكيد حتى لو خمدت هذه الثورة هناك هيبة أحزاب مذهبية كسرت، خصوصا ما يحصل في النبطية وصور.
ولكن البارز أنّ أغلب المحتجين في الحراك الذي وصل عدد المحتجين فيه إلى نحو المليون ونصف المليون مشارك اجتمعوا على هتاف موحد وهو ضدّ جبران باسيل، هذه الانتفاضة أظهرت إجماعا ضده، وما حصل كأنّه تصويت مبكر على رفض وجوده في سدّة الرئاسة الأولى، جبران باسيل هو أكثر المستهدفين في هذا الحراك، وما حصل هو نسف لمستقبل جبران باسيل الرئاسي».
ورأى رباح أنّ «الحراك حقق نتائج مهمة حتى الآن وأهمها الورقة الإصلاحية التي طرحها الرئيس الحريري، والتي تتضمن بنودا إصلاحية مهمة وتناقش خاصة استهداف البنوك وأرباحها بفوائد عالية، والذهاب إلى تعديل وزاري في محاولة لإرضاء الشارع، ولكن يبقى السؤال هل سيقبل المحتجون بهذه الطروحات؟».
وعن إمكانية نجاح «حزب الله» في قمع الاحتجاجات في بيروت والجنوب يقول رباح: «حزب الله هو السلطة الفعلية اليوم، فهو يعتبر نفسه منتصرا في المنطقة، ويطالب بمكتسبات من الداخل اللبناني، وأن تخرج احتجاجات من الساحة الشيعية هذا سيضعف موقفه، في المقابل ترتفع فرص القمع، وهناك تخوف من اعتماد السيناريو الذي حصل في الانتفاضة التي خرجت تحديدا في الشارع الشيعي في العراق والتي تمّ قمعها بطريقة وحشية» ختم رباح.
إذن يبدو أن تخوّف «حزب الله» مما تشهده الساحة اللبنانية بدأ يظهر إلى العلن، فعلى الرغم من إعلان أمين عام الحزب حسن نصر الله عن تعاطفه مع المحتجين وحقهم في التظاهر، أرسل مناصريه جنوبا ليفضوا الاعتصامات بقوة سلاحه، وفي بيروت أرسلهم ليقفوا كمندسين بين المتظاهرين، ويمنعوهم من شتّم «سيّدهم»، أو يفرضوا عليهم شعار «كلن يعني كلّن إلا السيّد»، ويفتعلوا المشاكل مع المتظاهرين في ساحة رياض الصلح في بيروت لتخويف المحتجين وللتثبيط من عزيمتهم.