* العقوبات الاقتصادية والعسكرية الأميركية ستطال إردوغان شخصياً
* تخوفات أوروبية من عودة مقاتلي داعش بعد إطلاقهم من السجون السورية
* الاقتصاد التركي ووضع إردوغان السياسي سيتأثران سلباً كلما زاد أمد الحرب في سوريا
* كاتب ومحلل سياسي: القلق التركي من الأكراد أحد أسباب الحرب على سوريا
* تركيا بدأت الحرب ولكن هل تستطيع إنهاءها؟
* نموذج أكراد العراق حفز أنقرة للعدوان على سوريا
* الهجوم التركي أعاد الأكراد إلى «الحضن» السوري
القاهرة:أثار الهجوم التركي على سوريا، والتوغل العسكري في شمال شرقي الأراضي السورية انتقادات دولية وإقليمية كبيرة خاصة بعد العمليات العسكرية التي طال بعضها الكثير من المدنيين وهو ما زاد من حدة الانتقادات الدولية للموقف التركي وفتح الباب أمام المزيد من الانتقاد لسلوك أنقرة في الإقليم بعد التعدي على دولة عربية عضو في الأمم المتحدة.
الهجوم على الأكراد السوريين والذي برره الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه تصرف وقائي لتطهير وتجهيز ما سماه «منطقة آمنة» في سوريا لعودة اللاجئين من بلاده تمت مواجهته برد سوري من خلال قوات سوريا الديمقراطية التي قامت بهجوم مضاد ضد القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في منطقة رأس العين شمال شرقي سوريا، وتمكنت – بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان – من استعادة قرية تل حلف، في حين لا تزال تدور اشتباكات متقطعة بين الجانبين، وانتشرت قوات النظام السوري في منطاق قريبة من الحدود مع تركيا باتفاق مع الأكراد لصد الهجوم التركي الذي أدى إلى نزوح ما يقرب من 160 ألفا من المدنيين – بحسب تقديرات الأمم المتحدة - ودخلت قوات النظام السوري مدينة منبج في شمال سوريا وفق تأكيدات الإعلام السوري الرسمي وذلك بعد دخولها بلدة تل تمر التي تبعد نحو 30 كم عن محافظة الحسكة التي تتركز فيها المعارك.
أوروبا وقلق متزايد من داعش
القلق الدولي والأوروبي تحديدا من العدوان التركي على سوريا كان بسبب التخوف الكبير من ظهور داعش من جديد، وكان من مظاهر هذا القلق الكثير من التحركات الدبلوماسية الأوروبية خلال الأيام القليلة الماضية التي عبرت عن الموقف الأوروبي الرسمي الذي يتخوف من ظهور الجماعات الإرهابية المسلحة من جديد إلى الساحة وتوغلها مرة أخرى داخل الأراضي السورية بعد الهزائم التي تعرض لها قبل عدة سنوات على يد قوات سوريا الديمقراطية التي تمثل القوات الكردية في سوريا جانبا كبيرا منها، وطرد قوات داعش من منبج بعد دحره بمساعدة جوية أميركية، وقابلت بغداد الأمر بتحركات سريعة بانتشار وحدات من الجيش العراقي على الحدود مع سوريا تحسبا لتسرب أي من مقاتلي داعش إلى الأراضي العراقية.
تحرك أوروبي
التحرك الأوروبي بدأ من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد تواصلها مع الرئيس التركي إردوغان، وانتقادها لسلوك أنقرة وكان ذلك في مقدمة رد الفعل الأوروبي الذي تبعه إعلان الرئيس الفرنسي إيمانيل ماكرون بضرورة منع ظهور داعش مرة أخرى كنتاج للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري، واستهداف الأكراد بعد انسحاب القوات الأميركية من المنطقة، وأكد ماكرون على ذلك في اتصال بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكذلك في اتصاله بالرئيس إردوغان والرئيس العراقي برهم صالح بحسب ما أكدته الرئاسة الفرنسية التي فندت رد الرئيس التركي على التخوفات الفرنسية من أنها – بحسب إردوغان – «تمثل حماية للأراضي التركية من خطر داعش ووحدات حماية الشعب الكردية التي تمثل تهديدا على أمن تركيا ووحدة الأراضي السورية»، وتعهد الرئيس التركي بملاحقة مقاتلي داعش وعدم السماح لهم بالفرار من شمال شرقي سوريا.
ولم يكن الموقف الأوروبي وحيدا في مواجهة إردوغان، ولكن تعددت الانتقادات الدولية ضد السلوك التركي من العدوان على الأراضي السورية حيث طالبت وزارة الخارجية الصينية بوقف الأعمال العسكرية في سوريا، وانتقدت الخارجية الإيطالية العدوان على سوريا، وأكدت أنها ستحظر صادرات السلاح إلى تركيا مطالبة بحل دبلوماسي وليس عسكريا، ومن جانبها وفي تحرك اقتصادي أوقفت مجموعة فولكسفاغن الألمانية إجراءات بناء مصنع للسيارات داخل الأراضي التركية لحين النظر إلى التطورات الجارية على الساحة السورية – بحسب الشركة الألمانية العملاقة في صناعة السيارات – التي أصدرت بيانا بذلك.
جماعات متشددة
في حين اتفق الرئيسان الفرنسي والعراقي في محادثاتهما على خطورة، الأوضاع الأمنية والإنسانية الحالية بعد العملية العسكرية التركية في سوريا، وكذلك التخوف من ظهور جديد لـداعش في الإقليم، وهو التخوف الذي حذرت منه عدد من الدول الأوروبية أيضا ومن بينها الدنمارك التي تستعد بعد التطورات الجديدة إلى إصدار تشريع يسحب بموجبه الجنسية الدنماركية من المواطنين مزدوجي الجنسية الذين حاربوا في الخارج بصفوف الجماعات المتشددة ومن بينها داعش وذلك بسبب التخوف من انهيار المخيمات التي يحتجز فيها الأكراد مقاتلي داعش في المنطقة الحدودية وعودة المقاتلين الأجانب الذين يحملون الجنسية الدنماركية إلى الدنمارك وهو ما حددته الحكومة الدنماركية بنحو 158 شخصا على الأقل منهم 27 في منطقة الصراعات – بحسب بيان للحكومة الدنماركية – التي أبدت تخوفها الشديد من تنامي خطر داعش مجددا.
المنظمات الحقوقية الدولية حذرت من داعش أيضا، وأعربت عن تخوفها من نقل مئات المقاتلين المشتبه في انتمائهم إلى داعش من سجون الأكراد في سوريا والعراق، وأعربت هيومان رايتس ووتش عن تخوفها كذلك من سعي بعض الدول الأوروبية التي لم تسمها إلى نقل مواطنيها المشتبه فيهم والتي لا تريد استعادتهم إلى العراق لتخوفها من تعرض هؤلاء المواطنين إلى التعذيب أو لمحاكمات غير عادلة.
ومن جانبه حذر مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تركيا من الوقوع تحت طائلة القانون الدولي بسبب عمليات إعدام قامت بها ضد مقاتلين أكرادا وسياسيين في سوريا قامت بها جماعات مرتبطة في سوريا، وأدانت الولايات المتحدة الأميركية كذلك مقتل السياسية السورية الكردية هفرين خلف بعد إعدامها خارج نطاق القانون من سوريين داعمين لتركيا، واعتبرت الخارجية الأميركية ما حدث أمرا مقلقا للغاية.
عقوبات أميركية وتوافق جمهوري ديمقراطي
ورغم انتقاد الكثيرين في الكونغرس الأميركي لسحب ترامب للقوات الأميركية من سوريا، إلا أن توافق الجمهوريين والديمقراطيين من أعضاء الكونغرس على تفعيل عقوبات ضد تركيا كان واضحا بسبب ما سماه البعض «خطأ رهيبا» للرئيس التركي إردوغان في هذا الهجوم، وأعرب عدد من الجانبين «الجمهوري والديمقراطي» عن قناعتهم بضرورة فرض عقوبات على تركيا بسبب سلوكها في الإقليم، والذي كان آخره العدوان على الأراضي السورية.
وبالفعل أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا فرض من خلاله عقوبات جديدة على تركيا بهدف إجبارها على إنهاء العدوان على الأكراد في سوريا، وشملت العقوبات وزارات الدفاع والطاقة والداخلية، ووفقا للعقوبات لن تتمكن هذه الوزارات من دخول الأراضي الأميركية، كذلك سيحظر عليهم إجراء أي معاملات بالدولار الأميركي، وتم تجميد كل أموال هذه الوزارات في أميركا، وتهدد الولايات المتحدة بفرض عقوبات على عدد كبير من المسؤولين الأتراك خلال المرحلة القادمة في حال استمر العدوان في سوريا، ودخلت وزارة الدفاع الأميركية في نفس التوجه ضد أنقرة واعتبرت أن الهجوم التركي أسفر عن إطلاق سراح الكثير من معتقلي داعش الخطرين من السجون السورية، وأن التصرف التركي بالعدوان على سوريا «قوض» الجهود الدولية لمكافحة التنظيمات الإرهابية، وستطلب واشنطن – بحسب بيان البنتاغون - من حلف شمال الأطلسي اتخاذ إجراءات ضد تركيا بسبب هذا الأمر.
العقوبات الأميركية على تركيا أخذت في التسارع بشكل كبير ليس من الرئيس الأميركي فقط والذي أعلن أنه سيصدر أمرا تنفيذيا بفرض عقوبات على مسؤولين أتراك سابقين وحاليين، ولكن من الكونغرس أيضا حيث ستوقف وزارة التجارة الأميركية محادثات الاتفاق التجاري مع تركيا بقيمة 100 مليار دولار، وكذلك زيادة الرسوم على صادرات الصلب التركية إلى 50 في المائة مما سيؤثر بلا شك على الاقتصاد التركي، وستفعل هذه الإجراءات فورا في حالة وقعها الرئيس الأميركي.
ويعمل مجلسا الشيوخ والنواب الأميركيان لإقرار مشروع قانون عقوبات ضد تركيا وذلك لردعها بعد عدوانها على الأراضي السورية، وسيكون الأمر الأكثر تطورا هو مشروع قانون العقوبات الذي عرضه كل من السيناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام والديمقراطي كريس فان هولن والذي يستهدف الرئيس التركي إردوغان شخصيا ويشمل تجميد ممتلكاته في الولايات المتحدة ومنعه من السفر إليها، ومطالبة الإدارة الأميركية بتقديم تقرير إلى الكونغرس عن قيمة ثروات إردوغان ووزرائه في الحكومة التركية.
قلق تركي من الأكراد
الدكتور عبد المنعم سعيد الكاتب والمحلل السياسي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق قال لـ«المجلة»: «الأصل في الموضوع قلق أنقرة من الأكراد داخل تركيا، وهذا القلق البالغ ينبع من حصول أكراد العراق على حكم ذاتي، حيث إن التوقعات بخصوص أكراد سوريا عندما تنتهي الحرب الأهلية السورية تشير إلى حصولهم على حكم ذاتي، وفي هذه الحالة يمكن أن يؤدي هذا إلى إشعال الرغبة مجددا داخل الأقلية الكردية في تركيا في الحصول على حكم ذاتي أيضا أو الأنفصال، والمعروف أن أكبر أقلية تركية موجودة في تركيا وتبلغ نحو 15 مليون نسمة، ويوجد 6 ملايين كردي في إيران، و6 ملايين كردي في العراق، ونحو مليونين أو ثلاثة ملايين كردي داخل سوريا».
وتابع الدكتور سعيد: «سوريا وجدت أن النجم الكردي صعد بسبب المقاومة التي تمت بخصوص داعش، ونجحت القوات الكردية مع القوات الأميركية مع قوات أخرى في إنهاء دولة الخلافة فقررت تركيا التدخل لكي تمنع الأكراد من أن يصبحوا دولة مسلحة، وضرب كذلك محاولاتهم للحصول على كيان (دولة)».
وأضاف: «السبب الآخر في الاعتداء التركي على سوريا والتوغل في أراضيها، أن تركيا لديها نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري داخل الأراضي التركية، وتريد التخلص منهم، لذلك دخلت سوريا بعد الاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية لعمل منطقة آمنة في الشمال السوري لترحيل اللاجئين السوريين إليها، والنتيجة النهائية لكل ذلك هو الغزو التركي للأراضي السورية دون اتفاق مع الحكومة السورية، وهي عملية عدوان من دولة على دولة أخرى لمشاكل تخص الدولة المعتدية وهي تركيا التي تواجه مشكلة مع الأكراد ولا تعرف كيف تحل هذه المشكلة لأسباب كثيرة تاريخية وعرقية وخلاف ذلك».
تركيا بدأت الحرب ولكن هل تستطيع إنهاءها؟
وقال الدكتور عبد المنعم سعيد: «تركيا دخلت الآن في عداد الدول التي تقوم بعمليات عسكرية في دولة أخرى وسوف ينطبق عليها القانون السائد في الشرق الأوسط بأنك تستطيع أن تبدأ الحرب، ولكن لا تستطيع إنهاءها، لأنه من الواضح أن العدوان أدى إلى بداية تنسيق، وربما تكون وحدة بين الأكراد والحكومة السورية، ونعلم أنه بعد الثورة السورية والحرب الأهلية كانت الحكومة السورية مسيطرة فقط على نحو 25 في المائة من الأراضي السورية، والأن بلغ حجم سيطرتها نحو 60 في المائة وهي أراضٍ متصلة سواء في دمشق وما حولها وحتى الساحل، ومن بينها اللاذقية والجنوب السوري، والحكومة السورية تسير بقوة نحو الشمال لتحرير الأجزاء الباقية، فانضمام الأكراد إلى هذه التحركات وبداية التنسيق مع القوات السورية والسماح لهم بالوصول إلى الحدود السورية التركية يعيد الأكراد إلى حضن الدولة السورية ويدخلهم في المفاوضات الجارية بخصوص الدستور السوري، ومعنى ذلك هو وجود عمليات عسكرية بين سوريا ومن ضمنها القوات السورية وبين العدو الخارجي وهو تركيا، وستكون المسائل بعد ذلك كلها تكتيكية فيما يتعلق بالعمليات العسكرية بين الجانبين، وشكل المواجهة هل هي حرب عصابات أم مواجهات مباشرة وخلافه من تفاصيل الحرب وهي مسألة تتوقف على عناصر كثيرة لها علاقة بالطوبوغرافيا والمدن محل المواجهات بين الجانبين».
الحرب تفاقم أزمة الاقتصاد التركي
وحول تأثير العدوان على الداخل التركي وموقف الرئيس التركي إردوغان في حالة طال أمد الحرب قال الدكتور عبد المنعم سعيد: «كلما طال أمد الحرب كلما تأثر الاقتصاد التركي سلبا، وستتأثر سلبا أيضا علاقات تركيا الدولية، والوضع السياسي الداخلي لإردوغان سيتعرض أيضا للتأثر الشديد لكن أيضا ستكون الأيام القادمة مؤشرا مهما على ما سيحدث خاصة أن الموضوع في بدايته، وستبدأ «الشروخ» في الاتساع بشكل واضح كلما زاد أمد العدوان التركي على الأراضي السورية».
وأعلن الرئيس التركي على هامش اجتماعه بالقمة السابعة للمجلس التركي في باكو مؤخرا عن سعيه لتفعيل منطقة آمنة داخل الأراضي السورية بطول 444 كم وعمق 32 كم لعودة اللاجئين السوريين داخل الأراضي التركية، بعد أن قام الجيش التركي في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بما سماه عملية «نبع السلام» في منطقة شرق نهر الفرات شمال شرقي سوريا، وأن هدفه تطهير المنطقة من إرهابيي بي كا كا، وداعش.