* العونية ليست ضد التسويات بل تريدها أن تأتي لصالحها بالكامل وإن أحد عارض هذا المنطق أصبح خائنا.
الصورة الراسخة في ذهن الجماهير العونية عن عون هي صورة هذا العسكري الثائر على كل المؤامرات الكونية التي تحاك ضده أو ضد لبنان، لا فرق، بحيث إن في خيال الجنرال الثائر هو «المصطفى» الذي معه يبدأ لبنان الدولة التي طال انتظارها منذ استقلاله عام 1943.
أطلق شعارات في عام دخوله المسرح السياسي المأزوم بعد فشل مجلس النواب انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس أمين الجميل عام 1988، أغرت بعض اللبنانيين وأعطتهم أملا ما، هو أقرب طبعا إلى الوهم منه إلى الواقع، بأن بناء الدولة المرجوة على قاب «حربين» فقط. فقدمه له أبناؤهم الذين تركهم يقتلون على أيدي جيش الأسد وأموالهم التي حملها معه يوم فراره إلى السفارة الفرنسية.
كان عند كل ظهور إعلامي يصرخ ويستشيط غضبا على أسئلة الصحافيين غير مصدق أنهم لا يدرون أنه يملك «الحقيقة المطلقة» التي لا تقبل سـؤالا أو نقاشا.
هكذا كان وما زال أصلا بالنسبة لمحبيه ومناصريه، رجل «الحقيقة المطلقة».
كبرت هذه المدرسة العونية على دحض فكرة إمكانية أن يكون «رأي من ينتمي إليها على صواب يحتمل الخطأ، ورأي من لا ينتمون لها على خطأ يحتمل الصواب». ما يقوله الجنرال «المصطفى» هو الصواب، لذا تميزت هذه المدرسة بالفوقية في التخاطب واستعمال نمط الوعظ مع الآخر كونه إما جاهل أو مُضلل.
غالبًا ما لجأت المدرسة العونية إلى رد أي فشل يواجه الجنرال «المصطفى» إلى مؤامرات كونية عليه وعلى مشاريعه التي يحملها للشعب والأرض، خاصة أن لبنان في وجدان هذه الحالة أكبر من واقعه، كما اللبنانيون «أعظم» من واقعهم لأنه كلما عظم لبنان عظم معه مخلّصه، وتصبح بالمناسبة كل محاولات معارضة الجنرال هي محاولة لاغتيال لبنان.
حربه المدمرة مع «القوات» لا يحمل فيها أي ذنب، بل الحق على جعجع الذي حاول كسر مهمة «المصطفى» المقدسة، تماما كما مغامرته الخاسرة ضد السوريين اعتبرها مكيدة على حركته التحريرية من كل أنواع «العبوديات»، واليوم الصعوبات الاقتصادية التي تواجه البلد هي الأخرى تعتبرها المدرسة العونية جزءا من مؤامرة على شخص، ومسيرة «الجنرال» لإفشال عهده الرئاسي في سنواتها المتبقية لها.
من هذا المنطلق بُنيت الخطابة العونية على مدار السنين على منطق الاتهام والتخوين للآخر المعارض، والتثقيف للآخر الجاهل. وهو يلتقي في هذا المنحى مع شريكه الحزب اللهي». وهما بطبيعة الحال إقصائيان لمن لا يتفق معهما.
خطابة فيها توبيخ من أب عليم وعارف لابن طائش.
هكذا تربى أشبال عون وظنوا أنهم جميعا «الجنرال».
«اوعى حدا يسمعني صوتو»... قالها وزير عوني بلهجة التأنيب مخاطبا اللبنانيين في مؤتمر صحافي بخصوص فرز النفايات. هذا المستوى الجاهل في الخطابة هو نتيجة لتلك الفكرة التي زرعها «المصطفى» في عقول مناصريه: أنتم دائما على حق والآخرون في أحسن الأحوال جهال أو في أسوئها خونة.
هذا لا يعيق أصحاب القرار في هذه المدرسة أن يكونوا برغاماتيين في رعاية مصالحهم، بمعنى الانقلاب على تعهداتهم كما فعلوا مع القوات، أي الكذب من أجل الوصول إلى هدفهم، أو تجاهل حتى شعاراتهم الذين دأبوا على تربية النشء عليها في السيادة والاستقلال باتفاقهم مع حزب يدعس على سيادة البلد في كل ساعة.
يسعى أنصار المدرسة العونية دائما إلى صبغ أعمال قادتهم بالعظمة والرؤية المستقبلية التي ترفض المراجعة والنقد. ويصبغون على قائدهم نوعا من ألوهية تجعل كل نقاش عقيم في بلد يقول أجداده إنهم أقاموه أساسا على نقاش دائم بين الطوائف من أجل الوصول إلى التسويات.
العونية ليست ضد التسويات بل تريدها أن تأتي لصالحها بالكامل وإن أحد عارض هذا المنطق أصبح خائنا.