* تعنت إثيوبيا في المفاوضات جعل القاهرة تستعد للمواجهات بعد دعوة السيسي بحماية حصة المياه في نهر النيل
* هاني رسلان: يجب تغيير النهج المصري والتعامل بوضوح وحزم أكثر فالحرص على حالة تعاونية حين يكون من طرف واحد، يفهم على أنه ضعف وتخاذل واستسلام
* خبير: إثيوبيا أفشلت مفاوضات الخرطوم التي انتهت في الأيام القليلة الماضية وأعلنت رفضها لجميع المطالب المصرية
* دراسة: تم فقدان جزء كبير من الموارد المائية والأرضية، فسد النهضة سيتسبب في اقتطاع 15 مليار متر مكعب سنوياً من حصة مصر المائية على المدى الطويل
القاهرة: «مصر هبة النيل»... عبارة قالها عالم التاريخ اليوناني: «هيرودوت»، تكشف الكثير من الحقائق التي تأكدت تاريخيًا، بناءً علاقة تجمع بين مصر والنيل جغرافيًا، فهي تعتمد عليه كمصدر رئيسي للمياه لا غنى عنه ومن ثم، فأمن مصر «القومي» يعتمد على هذا النهر دون منازع، سواء للشرب أو للزراعة أو لغيرهما، الأمر الذي دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد أن وصلت المفاوضات بين القاهرة وإثيوبيا إلى طريق مسدود فيما يخص سد النهضة ليؤكد على التزام الدولة المصرية، بكل مؤسساتها، بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل. جاء ذلك عبر تغريدتين نشرهما عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: قائلا: «تابعت عن كثب نتائج الاجتماع الثلاثي لوزراء الري في مصر والسودان وإثيوبيا لمناقشة ملف سد النهضة الإثيوبي، والذي لم ينتج عنه أي تطور إيجابي، وأؤكد أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل».
أهم المشاكل التي تواجهها البلاد
فيما أكدت دراسة حديثة بعنوان «الفجوة الغذائية المستقبلية في مصر في ظل سيناريوهات المياه» للدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي، كلية الزراعة، جامعة القاهرة عن أن الموارد المائية في مصر من أهم المشاكل التي تواجهها البلاد، حتى أصبح الأمن المائي يعد مرادفا للأمن الغذائي وكلاهما وجهان لعملة واحدة، فالمياه المتاحة للري هي التي تحدد الرقعة الأرضية المزروعة ومن ثم الطاقة الممكنة لإنتاج الغذاء، وتستهدف هذه الدراسة التعرف على أثر التغير في الموارد المائية على الوضع الغذائي والفجوة الغذائية في المدى الطويل، ونظرا لأن آثار التغيرات في العوامل الأخرى مثل الموارد الزراعية وخاصة المياه والأرض والسكان كمصدر للقوة العاملة من ناحية، ويتداخل بالضرورة مع أثر التغير في الموارد المائية فيما يتعلق بالفجوة، فإن الدراسة تتناول المياه باعتبارها المتغير الوحيد مع افتراض ثبات العوامل الأخرى على ما هي عليه باستثناء المتغيرات المؤثرة على كمية المياه المتاحة للزراعة والري وهي بالتحديد عدد السكان، وسد النهضة والسدود الإثيوبية الأربعة الأخرى، والتغيرات المناخية.
وكشفت الدراسة أن سد النهضة والسدود الإثيوبية الأربعة الأخرى تلقي بظلال كثيفة على الإنتاج الزراعي والغذائي في مصر الذي يتعرض بسببها إلى نقص جوهري نتيجة خسارة شطر كبير من الموارد المائية والأرضية، حيث إنها تتسبب في اقتطاع 15 مليار متر مكعب سنويا من حصة مصر المائية في المدى الطويل أي اعتبارا من تشغيل سد النهضة وحتى 2050. وتمثل هذه الكمية المتوقع اقتطاعها نحو 26 في المائة من الحصة السنوية، ومن المتوقع أن ينخفض إنتاج الغذاء مستقبلا بنفس النسبة، ولا يعزى النقص إلى الفقد الكلي أو الجزئي في المساحة الزراعية فقط بل يتقرر كمحصلة للفقد في المساحة والتوزيع الجغرافي لها والتغير في التركيب المحصولي والفقد في الإنتاجية الزراعية. فالتركيب المحصولي في ظل عجز المياه يتجه إلى زراعة المحاصيل الأقل احتياجا للمياه على حساب المحاصيل كثيفة استخدام المياه.
الخلافات حول ملء السد
ومن جانبه استنكر هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، ورئيس وحدة دراسات السودان بالمركز تصريحات مسؤول إثيوبي بشأن الاقتراح الذي قدمته مصر بخصوص ملء سد «النهضة» خلال الاجتماع الأخير الذي عقد في القاهرة، والذي أكد خلاله أن مصر لا تحترم سيادة إثيوبيا وحقها في تنمية مواردها، حيث تتصرف وكأن النيل الأزرق نهر داخلي، في حين أنه نهر دولي تتشاطأ فيه ثلاث دول لها حقوق لا يمكن تجاوزها أو إلحاق الضرر بها، أيضا تتصرف وكأنها دولة إقليمية عظمى، ورغم ارتفاع معدلات النمو لأكثر من عشر سنوات على التوالي بدعم خارجي، إلا أن الناتج القومي الإثيوبي ما زال أقل من 20 في المائة من الناتج القومي المصري رغم تساوي عدد السكان تقريبا. وأشار رسلان إلى أن التحرك المصري الحالي، ورغم قوة تصريحات الرئيس السيسي، بأن مصر لن تقبل تشغيل السد بفرض الأمر الواقع، إلا أن هذا التحرك جاء متأخرا كثيرا... فالتعنت والمراوغة الإثيوبية واضحة جدا منذ البداية وقد سبق وحذرنا من ذلك كثيرًا جدًا وعلى كل المستويات، لكن عقب 30 يونيو (حزيران) كان يجب أن يتغير النهج المصري إلى التعامل بوضوح وحزم أكثر، فالحرص على حالة تعاونية حين تكون من طرف واحد، يفهم على أنه ضعف وتخاذل واستسلام، ومصر لا تملك هذا الترف.
وأكد رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية أن مضي إثيوبيا في استراتيجيتها الحالية ستكون له آثار وخيمة جدًا على مصر، لا تقتصر على ما تم ذكره في بيان وزارة الري (فقدان مليون فرصة عمل، وخسائر اقتصادية 1.2 مليار دولار)، بل تتعدى ذلك بكثير جدا وقد نوهنا عن ذلك من قبل، وعلى ذلك فإن مصر تجد نفسها في مواجهة حالة صراعية لا مفر منها، والدفاع عن النفس حق مشروع ومستقر وثابت، وليس من الضروري الذهاب إلى الحرب أو العمل العسكري، ولكن حان الوقت لرد هذا العدوان بكل الوسائل المتاحة وهي كثيرة ومتعددة.. وحان الوقت أيضا لكي يشعر كل طرف يتآمر على مياه النيل بأن هذا لن يمر مجانا وأن هناك ثمنا سوف يدفع.
خالفت ما اتفق عليه في إعلان المبادئ
ومن جانبه، اعتبر خالد محمد علي الخبير في الشؤون الأفريقية والمياه، أن إثيوبيا هي التي خالفت ما اتفق عليه في إعلان المبادئ بالخرطوم عام 2014 فيما يخص سد النهضة ولجأت هذه المرة إلى استخدام أسلوب التصعيد بل والسخرية من المطالب المصرية الخاصة بكيفية ملء وتشغيل السد، من حيث سنوات ملء بحيرة السد والتخزين أوقات الجفاف وحصة مصر، وبهذا تكون إثيوبيا أفشلت مفاوضات الخرطوم التي انتهت في الأيام القليلة الماضية وأعلنت رفضها لجميع المطالب المصرية، خاصة مطلب مشاركة خبراء مصريين في التشغيل الفني للسد والذي سبق موافقتها عليه، وبدلا من 55.5 مليار متر مكعب من المياه هي حصة مصر، تعرض إثيوبيا 30 مليارا فقط وترفض مشاركة مصر في البناء والتشغيل وقامت بمضاعفة خزان السد سبعة أضعاف منذ الإعلان عن بناء السد وبدلا من 11 مليار متر للتخزين في بداية الإعلان تتحدث أوساط إثيوبية عن بناء سلسلة سدود سوف تتسع لأكثر من 200 مليار متر مكعب، كما يتحدث المسؤولون هناك عن مشروعات سياحية كبرى ستقام على ضفاف البحيرة، وهو ما يعني صرف مخلفات هذه المشروعات في البحيرة التي تصرف منها مصر حصتها، الأمر الذي يهدد سلامة المياه التي ستصرف للمصريين.
وكشف الخبير في الشؤون الأفريقية والمياه عن أن إثيوبيا لجأت إلى أسلوب شراء الوقت منذ بدء التفاوض معها على مطالب مصر، حيث أجلت إعلان موقفها الصريح برفض كل ما تطلبه مصر من الحفاظ على حصتها من المياه وعدم ملء الخزان إثناء سنوات الجفاف وملء الخزان في مدة ما بين 7 و10 سنوات ومشاركة خبراء مصريين في عملية الإنشاء لضمان سلامة جسم السد ومشاركة فنيين مصريين في عملية التشغيل ومتابعة تصريف حصة مصر. وفيما يشبه خداع مصر، أعلنت أديس آبابا، بعد أكثر من 6 سنوات من التفاوض رفضها جميع هذه المطالب. وفي الوقت نفسه أفشلت إثيوبيا الآليات التي اقترحتها مصر لتذليل العقبات والتي تمثلت في عقد لقاءات سداسية تجمع وزراء الخارجية ووزراء الري في مصر والسودان وإثيوبيا، ثم أضيف إليهم رؤساء أجهزة المخابرات في الدول الثلاث ليصبح اللقاء تساعيا، وقامت بتفريغ هذه الآلية من مضمونها وإعادتها إلى مستوى وزراء الري فقط وهو ما حدث في لقاء الخرطوم الأيام القليلة الماضية وأعلنت فيه إثيوبيا موقفها.
ويرى خالد محمد علي إن أديس أبابا، قد اتخذت موقفا ثابتا منذ البداية برفض المطالب المصرية، عبر المماطلة والاستمرار في البناء رغم الاستمرار في التفاوض وكأنها قد اتخذت التفاوض مظلة وقناعا لتحقيق أهدافها ويفسر الموقف الأخير هذا باستناده للدعم الإسرائيلي الكبير الذي قبل بعد زيارة رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، لإسرائيل، الشهر الماضي وإدراج قضية السد ضمن ملفات لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل، خاصة أن نتنياهو، أعلن دعم بناء السد بشكل علني في عام 2017 إثناء زيارته لأديس آبابا، فيما تقدم إسرائيل دعما تقنيا وفنيا لإثيوبيا في السد. كما أن وجود حكومة سودانية داعمة بشكل كامل لإثيوبيا الآن قد أضاف للموقف الإثيوبي قوة أخرى تضاف إلى الدعم الأوروبي الخفي الذي تمثل شركة ساليني الإيطالية المنفذة للسد رأس الرمح العلني له.
وأكد خالد محمد علي الخبير في شؤون أفريقيا والمياه أن «مصر تملك تحريك شكوى أمام مجلس الأمن لإنقاذ شعبها من الموت عطشا أو غرقا إذا ما انهار السد بسبب مضاعفة تخزينه كما أن انهيار السد يهدد شعبي السودان ومصر بالإبادة وهو أمر بالغ التهديد للأمن والسلم الدوليين اللذين من أجلهما أسس مجلس الأمن الدولي وعلى الرغم من استبعاد الإدارة المصرية اللجوء إلى الخيار العسكري لإنقاذ شعبها فإن إغلاق كل المنافذ أمام مصر سيجعل الخيار حتميا للدفاع عن بقاء المصريين».