* تستطيع الولايات المتحدة أن تعمل مع كل من الأوروبيين وبلدان الخليج، من أجل تشكيل تحالف دولي قد يعزل طهران على الصعيد الدبلوماسي
* بعد تمكنها من ضرب المنشآت النفطية السعودية وتهديد سوق النفط والإفلات من العقاب، فما الذي سيوقف إيران عن مهاجمة مزيد من الأهداف في الشرق الأوسط؟
* قد يستهدف عملاء إيران القواعد الأميركية في العراق وسوريا ولبنان إلى منشآت سعودية وإماراتية في الخليج.
واشنطن: منذ الاعتداء الذي وقع الأسبوع الماضي على منشآت نفطية سعودية، بات واضحاً أن الرئيس ترامب يبذل أقصى ما في وسعه لتجنب وقوع حرب في الشرق الأوسط. ليس من الواضح إذا ما كانت إدارته سوف ترد على هذه الهجمات وكيف، ولكن لا تزال الخيارات المطروحة قيد الدراسة.
بحسب ما ورد في «إن بي سي نيوز» قدم قادة الجيش الأميركي للرئيس ترامب، في اجتماع للأمن القومي، عُقد يوم الاثنين الماضي، قائمة بالإجراءات الممكنة ضد إيران. ولكن طلب الرئيس مزيداً من الخيارات التي لا تؤدي إلى وقوع حرب.
حتى يتم اتخاذ قرار، أصدر ترامب تفويضاً بنشر قوات أميركية إضافية إلى الشرق الأوسط لتعزيز الدفاعات الجوية والصاروخية حول السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهو القرار الذي أعلنته البنتاغون في الأسبوع الماضي، في خطوة دفاعية وليست انتقامية.
رسالة ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة
في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، يوم الثلاثاء الماضي، وصف الرئيس ترامب إيران بأنها «أحد أكبر التهديدات الأمنية للدول المحبة للسلام». وقال: «واجب على جميع الدول التحرك» لمواجهة النفوذ الإيراني. وأشار ترامب إلى فرض عقوبات جديدة على البنك المركزي الإيراني، بعد أن ذكر الهجوم على منشآت النفط السعودية والذي يحمل إيران مسؤوليته.
كذلك حذر إيران من أنه سوف يشدد العقوبات إذا واصلت الدولة سلوكها الاستفزازي في الشرق الأوسط. وقال: «طالما استمر السلوك الإيراني التهديدي، لن تُرفع العقوبات. بل سيتم تشديدها».
يشير هذا الخطاب – بالإضافة إلى تصريحاته وتغريداته الأخرى بشأن الهجوم الذي استهدف منشآت أرامكو - إلى ثلاثة عوامل:
أولاً، تعود الإدارة الأميركية إلى زيادة العقوبات ضد إيران كرد فعل فوري.
ثانياً، يفضل ترامب أن يستغرق وقتاً للتفكير في رد فعل مناسب، بدلاً من التعجل بالانتقام والمخاطرة بالدخول في حرب.
ثالثاً، لا تزال الإدارة تفضل إجراء مفاوضات مع إيران.
وبخصوص النقطة الأخيرة، قال ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن «الوقت قد حان أخيراً لكي يضع قادة إيران الشعب الإيراني أولاً». وأضاف: «أميركا مستعدة لإقامة صداقة مع كل من يسعون بصدق إلى السلام والاحترام».
وعلى غرار ذلك، في خطوة تضع الأوروبيين على مقربة من الموقف الأميركي تجاه إيران، أعلنت كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا يوم الاثنين أنه من الواضح أن إيران هي المسؤولة عن الهجوم على منشآت النفط السعودية. وطالبوا جميعاً طهران بالموافقة على التفاوض بشأن برامجها النووية والصاروخية وقضايا الأمن الإقليمي.
وأعلنت الحكومات الثلاث في بيان مشترك بعد اجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل في أثناء التجمع السنوي لزعماء العالم بالأمم المتحدة: «حان الوقت لكي تقبل إيران بإطار مفاوضات طويل الأجل بشأن برنامجها النووي بالإضافة إلى قضايا الأمن الإقليمي والتي تتضمن برامجها الصاروخية.
سيناريوهات التصعيد
كانت الدول الأوروبية الأخرى مثل ألمانيا وفرنسا أكثر تردداً في إلقاء اللوم على إيران بعد الهجوم مباشرة، ولكن يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد الأمل في عقد لقاء بين ترامب والرئيس الإيراني والذي كان قد يؤدي إلى مفاوضات.
وعلى الرغم مما يبدو من أن إيران خسرت التعاطف الأوروبي والاستعداد لمساعدتها، قد تعمد إيران إلى التصعيد إذا لم ترد عليها أميركا وتعيد إجراءات الردع. إذا كانت
إيران قد تمكنت من ضرب المنشآت النفطية السعودية وتهديد سوق النفط والإفلات من العقاب، فما الذي سيوقفها عن مهاجمة مزيد من الأهداف في الشرق الأوسط؟
وفي مقال مفصل نشرته صحيفة «الأخبار» التابعة لـ«حزب الله» ومقرها لبنان، كتب إبراهيم الأمين أن إيران تتحول من «الصبر الاستراتيجي» إلى «الهجمات العقابية»، مضيفاً أن هجوم أرامكو ما هو إلا بداية وأن هذه الاستراتيجية الإيرانية الجديدة سوف تمتد لتعاقب جميع حلفاء أميركا المشتركين في الحروب ضد «محور المقاومة»، عسكرياً أو اقتصادياً.
وفي تحذير واضح للإمارات، ذكر الأمين أن الإمارات يجب أن تترك التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة – وتنسحب من اليمن – أو ستعاقب في المرة التالية.
وسواء كان هذا السيناريو حقيقيا أم لا، فسوف تتجرأ إيران بالتأكيد إذا لم يصبها رد فعل عسكري. وإذا لم تكن الإمارات هي الهدف الإيراني التالي، ويمكن أن يُستخدم «حزب الله» لضرب إسرائيل. وسوف تسعى إيران إلى تجنب قتل القوات أو الأفراد الأميركيين، علماً منها بأن هذا قد يكون الخط الأحمر الأساسي لترامب. بيد أن كل شيء بخلاف ذلك سيكون هدفاً محتملاً. ويمكن أن تسعى إيران إلى عرقلة العمليات في مضيق هرمز. وقد تتعرض ناقلات النفط لهجمات.
وسوف تتوسع إيران في حملتها الخاصة لممارسة «أقصى الضغوط» ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
إلى أي المدى يمكن لإيران أن تذهب؟
تعرف إيران جيداً أن ترامب لا يرغب في دخول حرب في العام السابق على الانتخابات الرئاسية. كذلك تُفضل إيران عدم الدخول في حرب.
كان شن هجوم إيراني على منشأة نفط سعودية محفوفاً بالمخاطر، ولكنهم أيضاً لا يتوقعون أن تطلق الولايات المتحدة إجراءً مكتملاً . ربما توقعوا نوعاً من الرد العسكري الذي كانوا مستعدين للتعامل معه.
بالتأكيد أضعفت العقوبات الأميركية الاقتصاد الإيراني. وقد تتطلب الحرب مع الولايات المتحدة من إيران نشر وإشراك عملائها الإقليميين في لبنان وسوريا والعراق وغزة واليمن. وهذا ليس مكلفاً فحسب، بل سيطلب أيضاً من إيران إنفاق أموال لا تملكها، وسوف تخاطر بالإنجازات التي حققتها إيران في هذه البلدان. ربما تكون إيران مستعدة للتعامل مع اقتصاد ضعيف، أو شعب ناقم، أو هجوم سيبراني، أو هجوم محدود على منشآتها. بيد أن إيران لا تستطيع أن تتحمل تكلفة خسارة نفوذها الإقليمي، مما يعني تلقائياً عملاءها الإقليميين.
استخدمت إيران عملاءها في حروب من قبل، أبرز مثال على ذلك «حزب الله» الذي دخل حروباً كثيرة مع إسرائيل. ولكن الظروف كانت مختلفة. أولاً، كانت مقتصرة على لبنان، ولم يكن على إيران أن تتدخل عسكرياً.
ثانياً، كان الاقتصاد الإيراني قادراً على تحمل تكلفة خسائر «حزب الله» من أسلحة إلى تعويضات مالية وتكاليف إعادة إعمار. ولكن في هذه المرة، لا تستطيع إيران تحمل تكلفة ذلك، على الأقل مالياً. وقد يكون الأمر أصعب – وأكثر تكلفة - إذا كان ميدان الحرب المنطقة بأسرها.
وبالتالي، يمكن التكهن بوجود خوف من تحول الرد الانتقامي إلى حرب، ويمكن أن يكون إرسال رسالة قوية إلى الإيرانيين نفعه أكبر من ضرره.
ومع ذلك، من المهم للغاية أيضاً أن يصاحب مثل هذا الرد عمل دبلوماسي. في الوقت الحالي بعد أن بدأ الأوروبيون في إلقاء اللوم على إيران بسبب انعدام الاستقرار في المنطقة، ومطالبتهم لقيادتها بقبول المفاوضات التي قد تتضمن قضايا إقليمية، تستطيع الولايات المتحدة أن تعمل مع كل من الأوروبيين وبلدان الخليج من أجل تشكيل تحالف دولي قد يعزل طهران على الصعيد الدبلوماسي.
* حنين غدار: باحثة زائرة في زمالة فريدمان بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.