* يدرك العارفون بخفايا صناعة النفط أنه لو اضطرت السعودية إلى اللجوء إلى استيراد الخام من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه المشترين، فلن تتوانى عن ذلك أبداً
جدة: فوجئ مجتمع الطاقة العالمي باعتداء تخريبي على منشأتين نفطيتين سعوديتين مملوكتين لشركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص في 14 سبتمبر (أيلول) الجاري، تشكلان عصب صناعة الطاقة، ليس محليًا فقط بل على مستوى العالم.
ونتيجة لذلك، فقد مجتمع الطاقة العالمي نحو 5.7 مليون برميل نفط، تمثل نصف إنتاج أرامكو السعودية، هي ذاتها 5 في المائة من إنتاج النفط العالمي؛ حتى عودة الإنتاج السعودي إلى مستوياته الطبيعية.
يحمل الاعتداء مواصفات الإرهاب الاقتصادي والسياسي على أهداف مدنية بالكامل. ويبدو أن الجهة التي تقف وراءه كانت تريد الحصول على نتائج في اتجاهين، عالمي ومحلي. فما هي تلك النتائج المتوخاة من الاعتداء؟ وكيف ظهرت حرفية التعامل السعودي مع الأزمة؟
السيناريو الأسود... فشل
يوضح خبراء ومحللون اقتصاديون ونفطيون تحدثت إليهم «المجلة» أن الاعتداء كان من ضمن أهدافه إظهار السعودية في وضع العاجز عن حماية إمدادات الطاقة العالمية وإحداث فوضى في أسواق النفط، إلى جانب حرمان الملايين من السعوديين والمقيمين في المملكة من مصادر الطاقة وإحداث خلخلة في منظومة الوقود والكهرباء وغيرها.
نجح الاعتداء في التخريب المادي البحت، لكنه فشل بجدارة على المستوى الخارجي في زعزعة ثقة مستوردي النفط بقدرة المملكة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المشترين الآسيويين والأوروبيين، أكبر مستوردي النفط السعودي، إذ لم تتأخر السعودية في تسليم أي من الشحنات المتعاقد عليها. ويدرك العارفون بخفايا صناعة النفط أنه لو اضطرت السعودية إلى اللجوء إلى استيراد الخام من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه المشترين، فلن تتوانى عن ذلك أبدًا.
كما تمتلك أرامكو السعودية مخزونات احتياطية هائلة بين 180 - 200 مليون برميل موزعة على منشآت تخزين عملاقة داخل وخارج المملكة، مما يعني سد أي فجوات إنتاجية بكل سهولة.
أما على المستوى الداخلي، فلم يتمكن هجوم بقيق وخريص من تسجيل أي نقاط على الإطلاق. فقد استمرت إمدادات الوقود إلى المحطات المنتشرة في جميع أنحاء المملكة من دون انقطاع ولم يشعر أحد في السعودية بأي نقص أو تحديد للكميات التي يمكن شراؤها. ولم تنقطع التغذية الكهربائية، ولو لدقيقة واحدة، عن المنازل والمنشآت التجارية والصناعية والخدمية والحكومية وغيرها. كما أن إمدادات المياه لم تتأثر سلبًا على الإطلاق في بلد فقير مائيًا، يعتمد على تحلية المياه بشكل شبه كامل.
تقدير الخسائر
رغم نجاح المملكة في إثبات مصداقيتها، محليًا وخارجيًا، فيما يتعلق بتجاوز تداعيات السيناريو الأسود، إلا أنه لا يمكن الاستهانة بالتدمير الذي حصل لمقدرات وطنية سعودية، بنيت على مدار عقود وصرفت عليها أموال هائلة. فقد ضربت جميع خزانات فصل الديزل شبه الكروية والبالغ عددها 12 خزانًا وعرض كل منها 30 مترًا ضمن منشأة بقيق. كما استهدفت أبراج التركيز المستخدمة في الصناعة النفطية بدقة. وفي الحقيقة لم تظهر بعد التقديرات الكاملة لمجمل الخسائر، ولا يزال العمل على ذلك جاريًا.
فقد أوضح وزير النفط السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أن الهجوم التخريبي أدى إلى توقف إنتاج ملياري قدم مكعب يوميًا من الغاز المصاحب، تُستخدم لإنتاج 700 ألف برميل من سوائل الغاز الطبيعي، مما سيؤدي إلى تخفيض إمدادات غاز الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى نحو 50 في المائة.
وإضافة إلى ذلك، سيؤدي الهجوم إلى فقدان الخزينة السعودية دخلاً يقدر بمليارات الدولارات من إنتاج كان يفترض دخوله إلى الأسواق. فالتقديرات تشير إلى خسارة يومية تصل إلى نحو 350 مليون دولار.
طمأنة سعودية للأسواق
ظلت التكهنات في الأيام الأولى من الهجوم التخريبي على منشأتي بقيق وخريص بأن إصلاح الأضرار قد يستغرق شهورًا طويلة، إلا أن الرئيس التنفيذي لأرامكو السعودية المهندس أمين الناصر أكد في 18 سبتمبر الجاري استعادة الشركة لكامل قدرتها الإنتاجية بنهاية الشهر الجاري، أي أقل من أسبوعين، وهو زمن قياسي.
وقال الناصر: «تم توقيت الهجمات المتزامنة بما يلحق أكبر الضرر بمنشآتنا، ولقد بينت الاستجابة السريعة وقدرة الشركة على الصمود والتحمل خلال مواجهة تلك الهجمات الإرهابية عن جاهزيتنا للتعامل مع التهديدات التي تهدف إلى تعطيل إمدادات الطاقة التي توفرها أرامكو السعودية للعالم.
كما طمأن رئيس مجلس إدارة الشركة ياسر الرميان أن الاعتداءات «لن تؤخر طرح أو اكتتاب أرامكو ولن تؤخر التحضيرات له».
ورغم ارتفاع أسعار النفط بنسبة 20 في المائة، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك الارتفاع المفاجئ منذ حرب الخليج الثانية إثر غزو العراق للكويت في أغسطس (آب) 1990 وانقطاع إمدادات البلدين للأسواق العالمية، إلا أن الطمأنة السعودية والتصرف بثقة هدّأ فورة الأسعار التي لم تستمر إلا لبضعة أيام.
يبقى القول إن التعافي السريع للإنتاج النفطي السعودي وإعادة إصلاح المنشآت المتضررة كفيلان بعودة الأمور إلى سابق عهدها، إلا أن الهجوم التخريبي سلّط الضوء على إرهاب مجتمع الطاقة العالمي، وضرورة معاقبة الجهة أو الجهات المتورطة، فالاقتصاد العالمي يعاني من شبح الركود ولا تنقصه أزمة إضافية تجعل الأمور أكثر سوءاً!