[caption id="attachment_1686" align="aligncenter" width="620" caption="كمال الصليبي"][/caption]
وسط الاحتجاجات الشعبية الثائرة التي امتدت من تونس وحتى سوريا، التقت «المجلة» مع كمال الصليبي. هل تشبه تلك المظاهرات ما حدث في أوروبا عام 1848، أو سقوط الدولة العثمانية عام 1919؟ هل يشعر بالقلق حول احتمالية عدم الاستقرار، أم يعتقد أن العرب مستعدون لبناء أنظمتهم الديمقراطية في العصر الحديث؟
«المجلة»: يقول عدد من المراقبين إن الثورات العربية الحالية تشبه ما حدث في أوروبا عام 1848. في ذلك الوقت، ساعدت المراسلات البرقية في نشر مبادئ الحرية من عاصمة أوروبية إلى أخرى، واليوم تعمل مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر» على كسر الرقابة العربية المستبدة، لتسمح للمواطنين بالتواصل والتنظيم وتوزيع جهودهم لكسب تعاطف العالم؟ فهل تتفق مع مثل هذا التقييم؟
- تحمل الثورات العربية الراهنة – إن صحت تسميتها ثورات – تشابها سطحيا لافتا مع الثورات الأوروبية في 1848. ولكن تحت السطح، هناك اختلافات صارخة. كان هدف الثورات الأوروبية عام 1848 هو استبدال بنظام أوروبي قائم بال نظام جديد أملا في أن يكون أكثر نجاحا ومرونة. وفي مراقبتي للثورات العربية الحالية، منذ بدايتها وحتى الآن، بعيدا عن تطهير المشاعر الذي تلهمنا به، يبدو لي أنها ما زالت تحتاج إلى العثور على اتجاهاتها، ويجب العثور عليها من خلال مواردها الخاصة، بدلا من استيرادها من أطراف صديقة، بغض النظر عن النوايا الطيبة. وكما قال غوتة ذات مرة: «لا يمكن أن يجددك إنعاش حقيقي إلا من خلال روحك التلقائية».
«المجلة»: يقول كثيرون إن إشعال محمد البوعزيزي النار في جسده تسبب في اندلاع الثورة في تونس، والتي انتشرت في النهاية إلى دول أخرى. ولكن يعلمنا التاريخ أن مثل تلك الأحداث مجرد شرارة. في رأيك، ما هو الوقود الذي أشعلته شرارة البوعزيزي؟
- سيظل أي شيء يقال عن إشعال محمد البوعزيزي النار في جسده محض تكهنات حتى تؤكده أدلة تفسيرية ملموسة. على حد علمي، لا يخبرنا التاريخ في حد ذاته شيئا عن حرق المرء لذاته، لا سيما وأنه من الأمور التي يتكرر حدوثها. لا يمكنني أن أفكر في الأسباب التي تدعو الناس إلى إشعال النار في أنفسهم. ولكني أخمن أنها ليست من الأسباب التي تقدم تفسيرا منطقيا.
«المجلة»: يقول البعض إن الثورات أصابت الأنظمة التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل أو تتحالف مع الولايات المتحدة. ولكن الحقيقة هي أن الاضطراب الذي وصل إلى سوريا يشير إلى أن السياسات الخارجية لا تهم كثيرا فيما يتعلق بالغضب الشعبي الحالي. إلى أي مدى أثرت الشكاوى التقليدية مما يطلق عليها الخطط الإمبريالية أو احتلال فلسطين على الغضب الشعبي العربي؟
- من الممكن أن يكون الغضب الشعبي واقعا، ويمكن أن يكون لعبة. عند الغضب، يجب أن يكون المرء أولا جادا، وأن يتخذ الأمور بجدية، وإلا أصبح الغضب لعبة تخمين غير مشوقة. المشكلة هي أن الشخص أو مجموعة من الأشخاص يتخذون الثورة لعبة، وإذا تم الإمساك بهم أثناء اللعب وفضح زيفهم، من الممكن أن يمثلوا خطورة بالغة. فلا يوجد شيء أخطر من الإيقاع بالشخص وهو يكذب.
«المجلة»: هل تخشى من نتائج الثورات الحالية؟ هل تفضل الاستقرار على الشكل الحكومي؟
- في بعض الأحيان، يمكن أن تصحح بعض الأوضاع غير المحتملة عن طريق ثورات. ولكن عادة الأوضاع تكون محتملة، ولا تتطلب إصلاحا بأي صورة أكثر راديكالية أو تهديدا من الانتخابات.
«المجلة»: هل تشعر أنه بعد سنوات عدة من الآن سيحل مستبدون جدد محل القدامى الذين تمت الإطاحة بهم بدلا من ترسيخ الديمقراطية؟
- تستطيع الدساتير الموضوعة جيدا والتي تقدم وسائل مناسبة لتعديلها عند الضرورة أن تستمر لفترة طويلة، وربما إلى أجل غير مسمى. فلقد بدأت الثورات في صورة جيدة ولكنها لم تتم عملها إلى نهايته.
«المجلة»: في فبراير (شباط) صرح برنارد لويس في حوار مع «جيروزاليم بوست» قائلا: «في العالم الغربي، نميل إلى التفكير في الديمقراطية بأسلوبنا – وهذا طبيعي وعادي – حيث تعني الانتخابات الدورية على طريقتنا. ولكني أعتقد أن هذا خطأ كبير أن نحاول ونفكر في الشرق الأوسط بالأسلوب ذاته، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج كارثية، كما شهدنا بالفعل في العديد من المناطق. إنهم ببساطة ليسوا مستعدين لإجراء انتخابات حرة وعادلة». هل تتفق مع لويس في أن العرب ببساطة ليسوا مستعدين للديمقراطية؟
- إن الافتراض الذي قدمه البروفسور لويس ليس من النوع الذي يمكن تسويته بالجدل. يجري العرب المستعدون للديمقراطية انتخابات حرة ونزيهة بانتظام وفقا لمجموعة من الأعراف ويلتزمون بالنتائج، أيا ما كانت. وينطبق الأمر ذاته عالميا. أما العرب غير المستعدين للديمقراطية فلا يفعلون هذا، أو يفشلون فيه بدرجة ما فينتهي بهم الحال بأن يحكمهم طغاة. سيظل نفي استعداد العرب للديمقراطية صحيحا طالما لا يفعل العرب (كشعب، وليس مجموعة من المثقفين) لا يفعلون شيئا من أجلها. إنهم هم فقط من يستطيع أن يثبت صحة أو خطأ الفرضية التي طرحها البروفسور لويس.
«المجلة»: تبدو بعض المظاهرات بلا معنى. في العراق، احتشدت حركة الصدر في الشوارع، على الرغم من تمثيلها بصورة جيدة في البرلمان والحكومة. فهل تعتقد أن فهم الديمقراطية لم يصل إلى النضج الذي يجب أن يكون عليه في بعض الحالات مثل العراق؟
- من الخطأ الشائع الخلط في الحكم بين دهون الجسد الصحية والاستسقاء. ومن الأفضل تجنب هذا الخطأ.
«المجلة»: في ما يتعلق بلبنان، كان لبنان دائما ما يعتبر في الطليعة في قضايا الديمقراطية والحكم. ولكن وسط أحداث الربيع العربي، يبدو لبنان أبعد ما يكون عن التغيير الجوهري الذي يجتاح بعض الدول. لماذا تخلف لبنان هذه المرة؟
- لماذا تعتبر أن لبنان «تخلف هذه المرة»؟ أعتقد أنه متقدم كثيرا، طالما لم يضربه أحد ليدمره. يوجد في لبنان أقدم دستور في العالم بعد الولايات المتحدة، وهو ما زال مطبقا منذ إعلانه في 23 مايو (أيار) عام 1926. ربما لا يحب اللبنانيون القانون بالدرجة المطلوبة، ولكن لا يوجد لبناني لا يمكنه التمييز بين الإجراء القانوني والدستور وما هو غير قانوني أو دستوري أو التعرف على أقل خطأ يحدث في أي إجراء. هناك فرق بين خرق القانون ومعرفة المرء لما يخرقه. فيما يتعلق بالتطور السياسي، من الصعب هزيمة اللبنانيين. كما أن إحدى علامات إدمانهم للديمقراطية هو فسادهم السياسي. في حين أكره شخصيا الفساد في أي صورة من صوره، إلا أنني أدرك في الوقت ذاته أن الأحرار فقط يمكنهم أن يكونوا فاسدين حقا.
«المجلة»: هل ستشهد المنطقة صعودا لأنظمة ديمقراطية في حين يتخلف لبنان؟ أو أنك تعتقد أن لبنان سيلحق بها؟
- لبنان متقدم كثيرا على المنطقة بطريقة تجعل الدول المجاورة تحتاج إلى قرون من أجل اللحاق به، إلا إذا ضربنا أحد ما، ودمرنا إلى غير رجعة.
«المجلة»: عن دور المرأة، تظهر مشاهد عبر التلفزيون من تونس ومصر واليمن أن المرأة تشترك بقوة في ثورات بلادها. ولكن في سوريا تغيب المرأة تقريبا مع استثناء نساء المعارضة البارزات. ما السبب في اعتقادك؟ وهل بلاد الشام أكثر تحفظا فيما يتعلق بالمرأة من الدول العربية الأخرى؟
- تخمينك صحيح على أية حال. تميل ثقافة الشام إلى الذكورية، حيث يلعب الرجال أدوار النجوم، بينما يظل النساء في الخلفية.
«المجلة»: ما رأيك في دور الولايات المتحدة وأوروبا. هل تعتقد أنهم يقومون بما يكفي لمساعدة العرب على تحقيق الحرية؟ هل يقدمون مساعدة قليلة للغاية، أم أنه من المفترض أن لا يقدموا شيئا على الإطلاق؟
- أنا عربي لبناني، وأعتقد أنه من المخزي لي أن أعتمد على أي قوى غير عربية أو غير لبنانية في العالم لتنفذ لي ما أستطيع أنا وأمثالي أن نحققه لأنفسنا.
«المجلة»: ما رأيك في دور القوى الأخرى، مثل روسيا والصين وتركيا حاليا، والتي تبدو أول من يدافع عن الوضع الراهن (أعربت تركيا عن تأييدها للقذافي والأسد، وأظهرت كل من روسيا والصين أيضا تأييدها)؟
- يمكن أن تحظى لبنان بأصدقاء، والأصدقاء مفضلون على الأعداء. من جانب آخر، لا أفضل رؤية قوى أجنبية تتدخل بصورة كبيرة في عالمنا الصغير السعيد – حتى يظل عالما صغيرا سعيدا.
أجرى الحوار حسين عبد الحسين
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.