* مدير سابق لكلية الدفاع الوطني: تشابك مصالح الدول الكبرى تعرقل الحل في ملف إيران النووي
* لعب إيران دور «الفزاعة» في المنطقة يتماشى مع المصالح الأميركية
* تباين مواقف الدول الأوروبية وأميركا لا يحسم قضية التعامل مع طهران
* تركيب إيران أجهزة طرد مركزي متطورة انتهاك صريح للاتفاق النووي مع القوى الدولية
* خامنئي جدد رفضه التفاوض مع أميركا إلا بعد عودتها للاتفاق النووي
القاهرة: جددت طهران تخوف المجتمع الدولي مؤخرا بعد إعلانها عن البدء في تشغيل أجهزة الطرد المركزي مرة أخرى في مغامرة جديدة تخفض بها من سقف التزاماتها النووية التي وقعت عليها بموجب اتفاقها مع الدول الكبرى عام 2015. مما دفع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية مجددا إلى انتقاد هذه الخطوة، ومطالبة إيران بالتراجع عن توجهاتها ووقف جميع أنشطتها المخالفة للاتفاق.
البدء في تشغيل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية أعلنه وبكل وضوح بهروز كمال، المتحدث باسم هيئة الطاقة النووية الإيرانية بدخول 40 من هذه الأجهزة إلى العمل بالفعل وهو ما يمكن طهران من استخدام اليورانيوم المخصب عالي الجودة المنتج منها لصنع وقود المفاعلات الذرية والأسلحة النووية، ليس هذا فقط ولكن ستقوم إيران بتطوير أجهزة طرد مركزي جديدة لتلبية احتياجاتها من اليورانيوم المخصب وستكون من الجيل المتقدم التي تفوق عدة مرات طاقة الأجهزة القديمة، وهو ما سيساهم في زيادة مخزون اليورانيوم وسيساهم– بحسب المسؤول الإيراني- في عمليات البحث والتطوير.
وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في وقت سابق، أن إيران أبلغت الوكالة بتركيبها أجهزة طرد مركزي أخرى متطورة في مفاعل «ناطنز» النووي في إطار سعيها لعمليات تطوير واختبار جديدة، وأنها مستمرة في ذلك وهو ما يعد بحسب الوكالة الدولية انتهاكا للحظر الذي ينص عليه الاتفاق النووي المبرم مع القوى الدولية عام 2015، وأعلنت الوكالة أيضا علمها بكافة الإجراءات المتعلقة ببحوث وتطوير أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من خلال مفتشيها في طهران الذين يقومون بالتحري حول ضخ اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي المتطورة.
درجات متفاوتة من رد فعل الغرب تجاه الملف النووي الإيراني
ورغم تفاوت درجات رد الفعل الأوروبي والأميركي إلا أن الاعتراض واستنكار الخطوة الإيرانية كان العامل المشترك بين القوى الكبرى، فقد عبرت الولايات المتحدة الأميركية عن عدم وجود مفاجأة في السلوك الإيراني الذي ينتهك جميع الاتفاقيات على مدار سنوات، واعتبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تراجع إيران عن التزاماتها أمرا غير مقبول، وفي المقابل دعا الاتحاد الأوروبي طهران إلى التراجع عن قراراها فيما يتعلق بأنشطتها النووية.
وفي المقابل، جددت طهران حديثها عن عدم الرضوخ للضغوط الغربية التي لن تركع الشعب الإيراني، ورفضها القاطع للحوار مع واشنطن في ظل السياسة الأميركية الحالية تجاه طهران واستمرار هذه الضغوط وذلك من خلال حديث الرئيس الإيراني حسن روحاني في وسائل إعلام إيرانية والذي كرر التزام الدبلوماسية الإيرانية بعدم إجراء أي محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة رغم سعي واشنطن لذلك مرارا، وتقديم اقتراحات متعددة من جهات وسيطة بهذا الشأن، محذرا من اتخاذ طهران «خطوتها الثالثة» بشأن خفض التزاماتها النووية في حال فشلت المفاوضات الجارية لتأمين مصالح إيران الاقتصادية بحسب تعبيره، والذي يتمحور حول بيع النفط الإيراني لأوروبا وهو الأمر الذي جدده مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي والذي رفض المفاوضات مع أميركا إلا بعد عودتها للاتفاق النووي السابق مع طهران والذي انسحبت منه واشنطن العام الماضي.
ورغم قيام إيران من خلال دبلوماسيتها بالتواصل مع فرنسا بهدف حلحلة الوضع بينها وبين الغرب ومحاولة إنقاذ الاتفاق النووي الذي يعتبر على المحك حاليا إلا أن المحاولات الفرنسية لم تحقق أهدافها حتى الآن، ويحاول الاتحاد الأوروبي الحفاظ على الاتفاق فيما لا يعبر الموقف الأميركي عن وضوح تجاه الملف، ووفق تأكيدات إيرانية اقترحت فرنسا تقديم حزمة ائتمان بمبلغ 15 مليار دولار لطهران مقابل عودتها للالتزام ببنود الاتفاق النووي في حال موافقة واشنطن على الاقتراح الذي يهدف إلى تهدئة المواجهة بين إيران وأميركا، وضمان حصول طهران على متنفس تجاري مقابل التزامها النووي.
ملف معقد
اللواء دكتور محمد الغباري مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في مصر قال لـ«المجلة»: «الملف النووي الإيراني معقد جدا وذلك لارتباطه بالدول الكبرى التي تمتلك مصالح متباينة ومتشابكة، وهذا ما يؤدي إلى التعامل مع الاتفاقيات المبرمة بغموض وبشكل غير واضح ومختلف كل بحسب مصالحه، وهذا ما يفسر حدوث الكثير من المواقف الغريبة فيما يتعلق بالموضوع ككل، مشيرا إلى وجود ما يسمى الاضطراب، وذلك من خلال المواقف السياسية التي وصفها بـ«المائعة» والتي تنطبق على موقف الدول الكبرى من الملف الإيراني، وهو شيء غير مستغرب، وأحيانا تشهد المواقف الدبلوماسية مثل هذه الأمور وذلك لعدم الاصطدام مع الغير وهذا ما يحدث في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران تحديدا».
وتابع: «الولايات المتحدة الأميركية تريد استخدام إيران عدوا وفزاعة في المنطقة لأن ذلك يسير مع المصالح الكبرى للغرب، وفي نفس الوقت لا تريد استكمال مخططها النووي بشكل يهدد مصالحها وأمن إسرائيل، لذلك يقع الجميع في دائرة الشك بين الحديث الأميركي، والتصرفات المتناقضة على أرض الواقع، فأميركا تريد من إيران لعب دور العدو الرئيسي في المنطقة، وفي نفس الوقت يكون الحل بيد واشنطن في أي مشاكل تحدث، فالأخيرة تقوم بمهمة تحديد العدو الأساسي لكل منطقة، فإيران عدو رئيسي للمنطقة العربية، وهناك عداء آخر بين منطقة الشام ومصر وإسرائيل، بالإضافة لوجود صراعات أخرى في الكثير من دول المنطقة وهو ما تريده أميركا، حيث يعد التشتت وعدم التوحد بين دول الجوار من الأهداف الاستراتيجية الأميركية لعدم التوحد ضد إسرائيل، وفي المقابل تستمر طهران «فزاعة» لدول المنطقة».
إرهاب دولي
وأضاف اللواء الغباري: «الإرهاب لا ينفصل عما يحدث، حيث إنه يتمثل في وجود شبكة عنقودية كبيرة لا يعلم أحد من يقودها بالتحديد، والسياسة الدولية للأسف تتشابه مع هذا الأمر لأنها تعتمد بشكل أساسي على «الحرب بالوكالة» والتي لا يعرف بالتحديد من يديرها، ولا تعلم بالتحديد من يعمل لصالح من، وبالتالي لا تستطيع المواجهة مع دولة بعينها لتشابك الأمر وتعقيده فيما يتعلق بمن يدير هذه التنظيمات والشبكات، ومن الدول التي تقف وراءها، وبالتالي فإن السياسة «المائعة» للدول الغربية تجاه الملفات المهمة في المنطقة هي أحد أسباب مشاكلها».
وحول توقعاته للسيناريوهات القادمة إذا واصلت طهران مراوغاتها النووية وذلك بعد مواقف أميركا والاتحاد الأوروبي الأخيرة قال: «أحيانا تتباين وتختلف المواقف الأوروبية عن نظيرتها الأميركية بحسب المصالح التي تحرك كلا منهما، حيث تحصل أوروبا على معظم بترولها من الخليج فلا بد أن ترتبط مصالحها مع الخليج، أما الولايات المتحدة الأميركية فأعلنت منذ أيام قليلة من خلال رئيسها ترامب على عدم تأثرها بضعف إمدادات النفط بعد الاعتداء على حقول النفط السعودية، وذلك لاعتمادها على الاحتياطي الأميركي وهذا شيء واقعي بالفعل، لكن في نفس الوقت شركات ترامب موجودة في المنطقة ويقوم بالدفاع عنها، لكن لن يؤثر ما يحدث في الخليج على وضع بلاده حتى في حال ارتفع سعر البترول، وسيكون التأثير فقط على أوروبا، وهذا يفسر المواقف المعادية التي تتخذها أوروبا من ترامب أحيانا، ورفضها لبعض مواقفه من إيران في الكثير من النقاط ومن بينها العقوبات المتزايدة، وانسحابه من الاتفاق الموقع مع طهران التي تتجه حاليا لبيع بترولها إلى الصين التي تعد عملاقا كبيرا شرها جدا للطاقة وذلك حتى تتمكن من المزيد من التصنيع، وبالتالي فإن تأثير العقوبات على إيران ضعيف وليس مؤثرا بالدرجة اللازمة لإخضاعها، وفي المقابل هناك الكثير من المشاكل التجارية بين بكين وواشنطن بسبب الضرائب المفروضة على صادرات كل منهما تجاه غريمه، فالغموض هو الأساس في القضية الإيرانية بسبب تشابك المصالح الدولية، وبالتالي عدم القدرة على الوصول إلى قاعدة معينة لمواجهة طهران».
سلاح نووي
وفي مقابل الاتهامات الدولية تنفي طهران سعيها لامتلاك سلاح نووي، ووافقت بناءً على اتفاق فيينا المبرم بينها وبين الدول الست الكبرة وهي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا على الخضوع لنظام مراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما تبدل الوضع بعد انتخاب الرئيس الأميركي ترامب بعد انسحابه من الاتفاق رغبة منه في إجبار طهران على التفاوض لتوقيع اتفاق جديد يضع قيودا أخرى على برنامج إيران النووي، ويحد من قدرتها على تطوير صواريخها الباليستية، وهو ما ترفضه طهران التي تواجه مشاكل في تصدير النفط الخاص بها نتيجة للعقوبات الأميركية مما أدى لخفض قيمة عملتها وارتفاع معدلات التضخم، فيما تحاول الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق تفعيل آلية تجارية تمكن إيران من التغلب على العقوبات الأميركية، وخاصة بعد منح إيران لهم مهلة شهرين لإنقاذ الاتفاق النووي.
انسحاب أميركي وعوائق كبيرة أمام نووي إيران
وقام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران في شهر مايو (أيار) من العام الماضي 2018، وفرض عقوبات اقتصادية متصاعدة على طهران لإرغامها على الرضوخ لاتفاق جديد يعطي المجتمع الدولي وأميركا ضمانات أفضل بحسب الرؤية الأميركية، وذلك رغم فرض الاتفاق على طهران الكثير من العوائق التي تعرقل حصولها على السلاح النووي بعد أن غل يدها في الحصول على المواد الانشطارية مثل اليورانيوم عالي التخصيب والبلوتونيوم وهما من العناصر الأساسية لصنع القنبلة الذرية، وفرض الاتفاق حدا معينا من النقاء على ما يتاح لإيران تخصيبه من سادس فلوريد اليورانيوم الذي يتم استخدامه كوقود لإجهزة الطرد المركزي وذلك عند حد 3.67 في المائة والذي يقل كثيرا عن مستوى التخصيب اللازم لصنع السلاح النووي والمقدر بـ90 في المائة، ووصلت إيران بالفعل إلى مستوى تخصيب نحو 20 في المائة قبل الاتفاق النووي.
وتمتلك إيران موقعين نووين كبيرين في «ناطنز» و«فوردو» ويقع الأول تحت الأرض والثاني في باطن أحد الجبال وهو ما يجعلهما مؤمنين إلى حد كبير من القصف الجوي، وإن أبدت أميركا في وقت سابق قدرتها على التعامل معهما رغم التحصينات الإيرانية، وغل الاتفاق النووي يد إيران في استخدام الموقع الثاني الذي يقتصر بحسب الاتفاق على الاستخدام في أغراض إنتاج النظائر المشعة فقط كمركز للتكنولوجيا النووية وليس للتخصيب، في حين فرض الاتفاق استخدام موقع «ناطنز» ولكن بقيود في نسب التخصيب.
طرد مركزي
وخفض الاتفاق النووي مع طهران كذلك من عدد أجهزة الطرد المركزي من 19 ألف جهاز إلى نحو 6 آلاف جهاز بعد الاتفاق، وسمح بإنتاج اليورانيوم المخصب من خلال أجهزة الطرد المركزي القديمة في مقابل استخدام عدد قليل جدا من الأجهزة المتطورة وذلك دون تخزين اليورانيوم، والذي سيكون منخفض التخصيب وبمقدار 300 كيلوغرام من سادس فلوريد اليورانيوم بنسبة 3.67 في المائة لمدة 15 عاما وذلك بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقضى الاتفاق كذلك بمزج رصيد إيران الكبير من اليورانيوم المخصب بمواد أخرى لتعادله مع اليورانيوم الطبيعي، أو يتم شحنها للخارج في مقابل يورانيوم غير مخصب، وهو ما قلل مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 98 في المائة بحسب تأكيدات أميركية ليمنعها هذا الإجراء من صنع الكثير من الأسلحة النووية، وحال الاتفاق النووي كذلك من قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي عن طريق استخدام البلوتونيوم بعد وقف مفاعل الماء الثقيل في آراك وتمت إزالة قلب المفاعل وجعله غير قابل للاستخدام، وحتى بعد إعادة تصميمه سيقل إنتاج البلوتونيوم منه إلى الحد الذي يجعله غير قادر على إنتاج سلاح نووي، ويتم شحن الوقود المستنفذ منه إلى خارج إيران، ولا تتم المعالجة أو إعادة المعالجة لهذا العنصر لمدة 15 عاما.
وقلص الاتفاق النووي كذلك من قدرة طهران على استخدام الماء الثقيل كمادة «تبريد» في مفاعل آراك حيث قلل الاتفاق للمخزون منه إلى نحو 130 طنا فقط، هذا مع التزام طهران بتطبيق بروتوكول الوكالة الدولية للطاقة الذرية الإضافي الذي يعزز من سلطات الوكالة على التفتيش بشكل موسع، ويمنح مفتشيها من الدخول في أي وقت إلى المفاعلات الإيرانية، وكذلك التأكد من مشتريات إيران خاصة ذات الاستخدام المزدوج، وكذلك مراقبة السلوك الإيراني فيما يتعلق بالأنشطة النووية أو التكنولوجية التي تمكنها من تطوير هذا النشاط.