* التنسيق بين التنظيمات الإرهابية المختلفة يتم بطرق كثيرة، منها الاجتماعات الدورية لما يعرف بـ«ملتقى التنظيمات العالمي»
* كل التنظيمات المتطرفة تجمعها أهداف واحدة، هي هدم الدولة التي يعملون بها، والاستيلاء على السلطة، وما يختلف فقط هو طريقة وآليات تنفيذ هذه الأهداف
القاهرة: الخسائر المتلاحقة، والهزائم العسكرية في بؤر المواجهة الرئيسية، دفعت معظم التنظيمات الإرهابية إلى تغيير الكثير من استراتيجياتها بهدف مواجهة الواقع الجديد الذي فرضته الجهود الدولية للحرب على الإرهاب، والذي شكل ضربة موجعة لفكرة الخلافة الإسلامية «المزعومة» التي سعى تنظيم داعش إلى تدشينها خلال السنوات الماضية، ومع تغير واقع المواجهة تغيرت الأنماط التقليدية للعلاقة بين التنظيمات المتطرفة وبعضها البعض، من خلال اللجوء إلى استراتيجية التحالفات الإرهابية وتقاسم النفوذ على الأرض، والتوسع في التنسيق والتعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات.
وكشف باحثون في شؤون الجماعات المتطرفة أن «هزيمة تنظيم داعش الإرهابية في الكثير من بؤر المواجهة ونهاية دولة الخلافة الإسلامية (المزعومة) خلق واقعًا جديدًا في المواجهة، ودفع التنظيمات الإرهابية إلى التوسع في التنسيق والتعاون الاستخباراتي فيما بينها في إطار ما يعرف بـ(الجبهات المتوحدة) التي تعد إحدى ركائز مشروع الدولة الجهادية العظمى».
ويقول أحمد عطا الباحث في شؤون الجماعات الأصولية لـ«المجلة» إن «التنسيق بين التنظيمات الإرهابية المختلفة يتم بطرق كثيرة، منها الاجتماعات الدورية لما يعرف بـ(ملتقى التنظيمات العالمي) وهو كيان يضم مندوبين عن التنظيمات الإرهابية غير معروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية وغير مدرجين على قوائم الإرهاب الدولي، ويجتمعون كل ثلاثة أشهر في مدن حدودية بعيدة عن رقابة الأجهزة الأمنية، أو مناطق جبلية، حيث يتم التنسيق وتبادل المعلومات ودراسة واقع المواجهات العسكرية على الأرض، وأيضًا بحث قضايا كثيرة، منها آفاق التمويل والتسليح».
ويضيف عطا: «التنسيق على الأرض يتم بين القادة الميدانيين بالتنظيمات الإرهابية المختلفة من خلال منظومة إلكترونية تم تدشينها في إطار استراتيجية الجبهة الموحدة التي لجأ إليها «داعش» منذ أن أعلن عن خطة المسارات البديلة عقب هزيمته في كل من سوريا والعراق، وهي خطة تعتمد على الانتشار الجزئي للتوغل داخل بلدان جديدة، وإنشاء نقاط ارتكاز عسكرية تصبح مركزًا لشن الهجمات في الدول القريبة من هذه التمركزات، وكان من بين متطلبات هذه المرحلة التوسع في التنسيق بين التنظيمات الإرهابية المختلفة».
ويشير عطا إلى أن «أجهزة الاستخبارات في التنظيمات الإرهابية، وخاصة جهاز تنظيم داعش، ركزت خلال الفترة الأخيرة على التوسع في استحداث نقاط ارتكاز عسكرية في بلدان مختلفة، وزيادة الموارد المالية لتعويض خسائر التنظيم المالية والعسكرية والبشرية، ووفقًا لتقرير الأمن القومي الأميركي الذي صدر عام 2015 شكلت تجارة الأعضاء البشرية إحدى أهم سبل توفير الموارد المالية لتنظيم داعش، إضافة إلى الموارد الأخرى مثل النفط والثروات الطبيعية، وساهم البحث عن مناطق نفوذ جديدة في زيادة وتيرة التعاون والتنسيق مع التنظيمات الإرهابية الأخرى».
ويتوقف مستوى التنسيق والتعاون الاستخباراتي والتحالفات بين التنظيمات الإرهابية على كثير من العوامل، أبرزها قوة التنظيم في المنطقة الجغرافية التي يعمل بها، ونفوذه الجماهيري، والموقف من الحكومة المركزية في الدولة الموجود بها، وأيضًا جهات التمويل.
ويقول نبيل نعيم القيادي السابق في تنظيم الجهاد المصري لـ«المجلة» إن «التقارب الفكري يلعب دورًا كبيرًا في تحديد مستوى التنسيق والتحالف بين التنظيمات الإرهابية المختلفة، فكلما كان التقارب الفكري أكبر زادت مساحة التنسيق، لكن أيضًا يوجد تنسيق يتعلق بالضرورة العسكرية والمصالح الاستراتيجية في المناطق التي يوجد بها أكثر من تنظيم، وغالبًا ما يكون مدخل التعاون والتنسيق هو الاتفاق بين التنظيمات على أن عدوهم واحد، وكذلك الموقف من الحكومة المركزية التي سيتم قتالها بهدف إسقاطها، وقد شهدت أفغانستان الشكل الكلاسيكي القديم للتنسيق بين تنظيمات توجد بينها خلافات كثيرة، لكنهم اتفقوا وقتها على أن العدو واحد وهو الاتحاد السوفياتي، واجتمعوا على هدف طرد القوات السوفياتية، كما تقوم جهات تمويل التنظيمات الإرهابية سواء كانت حكومات أو أجهزة استخبارات بالتأثير في شكل التنسيق والتحالفات التي تتم بين التنظيمات المختلفة، وفي بعض الحالات تتولى الجهة الممولة مهمة التنسيق».
ويشكل الاندماج والتحالف إحدى الخصائص الجديدة التي تنبئ بشكل جديد للإرهاب الدولي يختلف عن الشكل التقليدي المعروف، ويؤدي سعي التنظيمات الإرهابية إلى البحث عن مساحات جغرافية جديدة لتوسيع أنشطتها وتعويض خسائرها إلى تكوين تحالفات لتوحيد التنظيمات المحلية في تنظيم واحد، خاصة التنظيمات التي تتمتع بنفوذ كبير في المناطق الجغارفية الموجودة بها.
وتمثل جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التي تأسست في مالي مطلع عام 2017. أبرز الأنماط الجديدة لاندماج التنظيمات الإرهابية، حيث تمكنت الجماعة من تكوين تحالف غير تقليدي لبنيتها التنظيمية وصف بأنه «أكبر تحالف قاعدي» في السنوات الأخيرة، حيث ضمت خليطًا من عدة مجموعات إرهابية تتباين فيما بينها، لاعتبارات عرقية وتنظيمية، لكن يجمعها الولاء لتنظيم «القاعدة»، وهي جماعة «أنصار الدين»، و«كتيبة المرابطون»، و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى»، و«كتائب تحرير ماسينا»، وهو ما مكنها من التمدد إلى دول أخرى في منطقة الساحل والصحراء بأفريقيا، خاصة مالي والنيجر، كما أنها حرصت على تأسيس علاقات قوية مع عصابات الجريمة المنظمة التي تتواجد في تلك المنطقة، وذلك لتحقيق هدفين: أولهما، توسيع نطاق مصادر التمويل التي تستخدمها في تنفيذ مزيد من عملياتها الإرهابية. وثانيهما، تعزيز موقعها ونفوذها في دول الجوار، حيث تحولت هذه العصابات إلى ظهير قوي للجماعة في مواجهاتها المسلحة.
ويقول أحمد عطا إن «التحالف مع عصابات الجريمة المنظمة في أفريقيا يهدف أيضًا إلى تسهيل عمليات تجارة الأعضاء البشرية، والسيطرة على المواد الخام والثروات المعدنية الموجودة في دول المنطقة، كما أن فكرة الاندماج والتحالفات الإرهابية تنبئ بأن الإرهاب سوف يتصاعد في هذه المناطق خلال الفترة المقبلة».
ولفت إلى أن «التحالفات بين التنظيمات الإرهابية لا تتأثر بأي خلافات آيديولوجية، بل تحكمها المصالح سواء العسكرية أو السياسية، فالكثير من هذه المنظمات تنسق مع بعضها البعض رغم الخلافات، وعلى سبيل المثال يتعاون الحرس الثوري الإيراني مع حركة طالبان في أفغانستان، فعلى الرغم من أن طالبان تتبع المذهب السني، بينما إيران دولة شيعية، إلا أن المصالح فرضت نفسها، وقام الحرس الثوري بتدريب ونقل عناصر من طالبان للقتال في صفوف الانقلابيين الحوثيين».
ويرى خبراء في مكافحة الإرهاب أن التعاون الاستخباراتي والمعلوماتي بين التنظيمات الإرهابية سمة من سمات الإرهاب الدولي الجديد العابر للحدود، وهو ما يتطلب من الدول والحكومات التوسع بالمقابل في تعاونها الأمني والاستخباراتي لمواجهة شكل الإرهاب الجديد، إذ إنه أصبح من الممكن من خلال التنسيق والتحالف بين الجماعات المتطرفة أن يتم تنفيذ العمليات الإرهابية في بلاد مختلفة من خلال مجموعات التحالف دون حاجة التنظيم إلى نقل عناصره إلى البلد المستهدف.
ويقول اللواء رضا يعقوب خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«المجلة» إن «الشكل التنظيمي القديم للتنظيمات الإرهابية الذي يعتمد على قيادة مركزية انتهى خلال السنوات الأخيرة، وحل محله نمط مختلف تنظيميًا يعتمد على وجود تنظيمات أو ميليشيات حليفة عابرة للحدود، يمكنها تنفيذ العمليات الإرهابية في الدول القريبة منها، كما قامت التنظيمات الإرهابية الكبيرة بتحديث بنيتها الداخلية التقليدية، حيث أصبح لديها إدارات للقتال، وأخرى للاستخبارات، وإدارات مستقلة للتمويل».
ويضيف يعقوب: «الزعم بوجود خلافات فكرية بين التنظيمات الإرهابية قضية ثانوية في الحرب على الإرهاب، فكل التنظيمات المتطرفة تجمعها أهداف واحدة، هي هدم الدولة التي يعملون بها، والاستيلاء على السلطة، وما يختلف فقط هو طريقة وآليات تنفيذ هذه الأهداف، فجميعهم يسعى إلى إنشاء دولة الخلافة المزعومة، لكنهم يختلفون فقط على طريقة إنشائها».