عندما قامت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، كانت طموحات شباب الثورة كبيرة في أن يقودوا بلادهم، بعد أن خلصوها من الطاغية، لكنهم فوجئوا بمن يسحب البساط من تحت أقدامهم، ليحتل التيار الإسلامي صدارة المشهد السياسي بعد توجيه عدة أكتاف قانونية لإزاحة الآخرين وإبعادهم.. وهكذا بدا المشهد في الانتخابات البرلمانية عندما اكتسح الإخوان المسلمون مع فرق من التيار السياسي الإسلامي هذه الانتخابات، الأمر الذي أحدث صدمة للقوى الثورية والليبرالية، إلا أن مرشد الجماعة وقيادات إخوانية رفيعة، سارعوا لطمأنة المصريين، وأكدوا جميعا عدم رغبة الجماعة في الحكم، وأنهم يعملون شركاء مع جميع القوى السياسية. وفي لقاء خاص لـ«المجلة» مع عضواللجنة التنفيذية لجماعة الإخوان المسلمين البرلماني محمد البلتاجي، أكد أنه لا نيّة مطلقا في طرح مرشح من الإخوان، وأن الجماعة تدرس كل المرشحين لتختار من بينهم من تدعمه.
وكان د. محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة - الذراع السياسية للإخوان المسلمين - والمتحدث باسم الجماعة، على رأس المتعهدين بعدم طرح اسم مرشح إخواني في انتخابات الرئاسة.
وفي الوقت الذي عاقبت فيه جماعة الإخوان عبد المنعم أبو الفتوح بالفصل من مكتب الارشاد، لترشحه في انتخابات الرئاسة، والإصرارعلى موقفها المعادي له، وخروج تأكيدات بهذا المعنى على لسان محمد مرسي وآخرين من قيادات الاخوان، فوجئ المصريون بترشح مرسي نفسه بديلا للمهندس خيرت الشاطر في انتخابات الرئاسة، وهو ما أثارعلامات استفهام كبيرة ودهشة في الشارع السياسي لتناقض هذا الأمر مع تصريحاته السابقة، وتعارضه مع اعتبارات الشفافية والمصداقية السياسية التي كان يجب أن تتحلى بها الجماعة. الأمر الذي أحدث صدمة كبيرة للمصريين، الذين كانوا متحمسين كثيرا للإخوان قبل أن يفيقوا من صدمتهم فاقدي الثقة في كل رموز الإخوان ومرشحيهم، بعد أن استشعروا كذبهم ورفضهم للبطولة الجماعية بإصرارهم على الاستحواذ بالأمر، وإقصاء الآخرين عن المشهد، سعيا نحو البطولة المنفردة.
صدمة قوية أحدثها ظهور مرشح للإخوان في السباق الرئاسي أربكت حسابات كل المرشحين الآخرين، الذين كانوا يعولون كثيرا على مساندة الإخوان، ما أدى إلى تحول المشهد السياسي إلى ما يشبه فيلم هزلي، لا يحترم عقلية المشاهد، ولا يراعي اعتبارات الملاءمة، ولكنها لعبة السياسة المكيافيللية التي تقبل كل شيء، حتى لو تطلب الأمر نقض العهود، وعدم الوفاء بالالتزامات.
ويعد ترشيح محمد مرسي كدوبلير لخيرت الشاطر، لمواجهة خطر استبعاده من السباق الرئاسي والذي حدث بالفعل، يعد تأكيدا لإصرار الإخوان على التمسك بتلابيب الحكم، وحرصهم على الوصول لقمة السلطة بالتواجد من خلال مرشح بديل، وكشف لنواياهم الدفينة في السعي الحثيث للكرسي.
[caption id="attachment_55235349" align="alignleft" width="300" caption="حملة مرسي للرئاسيات"][/caption]
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ينجح «الدوبلير» في القيام بدورالبطولة المنفردة المراد له من الجماعة، وسط السباق الرئاسي المحموم؟ الإجابة تأتي على ألسنة المراقبين، الذين يؤكدون انخفاض مستوى شعبية الإخوان، وأن شراهتهم للسلطة ستفقدهم ما اكتسبوه، وهو ما قاله الفقيه الدستورى الدكتور محمد نور فرحات في حواره لـ«المجلة».
مأزق سياسي
يرى الكثيرون أن مقارنة محمد مرسي كبديل لخيرت الشاطر المستبعد، لن تكون في صالحه، فعلى الرغم من صولاته تحت القبة في برلمان عام 2005 وتعرضه للاعتقال أكثر من مرة كان آخرها يوم «جمعة الغضب» التي فجرت ثورة يناير 2011 وموقعه داخل الإخوان، إلا أن مرسي أستاذ ورئيس قسم هندسة المواد بكلية الهندسة جامعة الزقازيق، ليس له نفس الكاريزما السياسية ولا القوة الاقتصادية التي يتمتع بها الشاطر داخل الجماعة، وعلى مستوى الشارع المصري.
لهذه الأسباب أعلنت كثير من الرموز الإسلامية عن عدم تحمسهم لمرشح الإخوان لو خرج الشاطر من السباق، متجاهلين الحديث عن محمد مرسي، حيث أكدوا أنهم سيعطون أصواتهم للدكتور أبو الفتوح في تلك الحالة.
«مأزق سياسي كبير» وضعت جماعة الإخوان نفسها فيه خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، بسبب ضعف شعبية مرشحهم البديل، وعدم قدرته على مواجهة منافسيه والصمود أمام شعبيتهم.
«مواصفات المرشح الشخصية» يرى مراقبون أنها ستكون هي الفيصل في اختيارالمصريين لرئيسهم القادم، وليس انتماءاته الحزبية أو الفكرية، ومن هذا المنطلق يرون أن فرصة أستاذ الهندسة رئيس حزب الحرية والعدالة ضعيفة في هذه الانتخابات، وهو ما قد يعرض الجماعة لحرج كبير في الشارع المصري ويضعها على المحك.
وما يزيد موقف «الدوبلير» سوءا انسحاب كثير من الشخصيات الإخوانية من جماعة الإخوان المسلمين، اعتراضا على هذه الترشيحات، وغضبا من أسلوب عمل الجماعة، بل إن مرشدهم السابق مهدي عاكف، كشف عن دعواته لله أن يخسر مرشح الإخوان في تلك الانتخابات الرئاسية.
حملة شرسة
وأمام هذا الوضع، يواجه د. مرسي حملة شرسة من المعارضين، لا يمتلك من القدرات الشخصية والخبرات السياسية، ما يؤهله للصمود طويلا، خاصة في ظل رفض قطاع عريض من المصريين، أن يكون رئيسهم تابعا لمرشد الإخوان المسلمين، ويتلقى أوامره منه وليس مرجعيته الشعب نفسه.
من جهته يعول محمد موسي كثيرا على مساعدة الجماعة له، ودعمها لمواقفه، مؤكدا أن الشعب عندما ينتخب هو ينتخب مؤسسة، ولا ينتخب فرداً، في إشارة إلى جماعة الإخوان. وفي محاولة لانتزاع تعاطف المصريين قال «إن الشعب المصري يعرفني، ويعرف المؤسسة التي أنتمي إليها، ويعرف تاريخنا جيداً».
ويبدو ان محمد مرسي، هو الذي لا يعرف الشعب المصري جيدا، ويخاطبه كما لو كانت شعبية الاخوان كما كانت، متجاهلا مواقف القوى السياسية المختلفة منه، وتأثر شعبية الإخوان في الشارع المصري بأفعال الإخوان في المصريين!
ويبقى التساؤل: هل ينجح الدوبلير في دور البطولة المطلقة، أم يعلن اعتزاله النهائي بعد فشل هذا الفيلم الهزلي! الإجابة قريبة جدا، إن لم تأت من الشارع فسوف تصدر عن صناديق الاقتراع.