* ستعيش المنطقة أياما عصيبة وسيحتفظ أمين عام «حزب الله» طويلا بتوقيت الرد على هجوم الضاحية حتى يأتيه الأمر من إيران. ساعتها لا همّ إنْ احترق لبنان
استهدفت إسرائيل موقعاً تابعا لـ«حزب الله» والحرس الثوري في سوريا، قالت إنه كان يتهيأ لإطلاق هجوم بمسيّرات مفخخة على إحدى مدنها. في نفس الليلة أعلن «حزب الله» عن سقوط طائرتين مسّيرتين كانتا تستعدان للقيام باعتداء في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.
حسمها «حزب الله» ولم يتردد لحظة باتهام إسرائيل بالوقوف وراء تلك الهجمات، وبسرعة تبنى كل الساسة اللبنانيون رواية «حزب الله» واتفقوا على إدانة هذا العمل، وسرعان ما اعتبره الرئيس عون عملا حربياً يعطي الحق لبلده بالرد عليه غير آبه بتداعيات هكذا موقف على بلد هو أصلا منهار ماليا واقتصاديا واجتماعيا.
حتى الساعة، وحده «حزب الله» يملك سّر طائرات «حي معوض» فهو الذي استحوذ عليها بعد وقوعها جراء إصابتها بحجر من قبل أحد سكان المنطقة، وقام بتفكيكها وفحصها، وأصدر البيانات بشأنها. فالبيان الذي صدر عن «حزب الله» يؤكد أن خبراءهم المختصين عثروا في الطائرة المسيرة الأولى على مواد شديدة الانفجار ما يثبت فرضية النية الإسرائيلية بتنفيذ عملية عسكرية على «حزب الله» على حدّ قول البيان.
في خضم كل ذلك، غابت الدولة اللبنانية بكل أجهزتها عن هذا المشهد، ما عدا طبعا التصاريح والتغريدات التي تبنت بالكامل رواية «حزب الله» واتهمت إسرائيل بانتهاك القرار 1701.
إن كان الرأي العام اللبناني أمام لغز، فالحزب في ورطة. والكلام هنا ليس عن التزام أمينه العام بالرد الحاسم على تلك العملية في المكان والزمان المناسبين له، فهو كلام أطلقه بعد يوم على وقوع الحادثة، وأغلب الظن أنه لن يلتزم بالوعد الذي قطعه على جمهوره، وسيكون مصيره مصير الوعود التي قطعها بالثأر من اغتيال عماد مغنية وبدر سابقاً، مجرد كلام. الورطة هنا تعود إلى الرواية التي أطلقها الحزب بشأن المسيّرات ومصدرها.
فإن كانت هوية الطائرتين إسرائيلية، فهذا يعني أن قراراً ما اتخذ في إسرائيل بتغيير قواعد الاشتباك القائمة منذ 2006 (لبنان ليست ساحة مواجهة، وبعد اندلاع الحرب السورية، حصر المواجهة على الأراضي السورية). وهو قرار التزم الجانبان به فيما خلا: إسرائيل التي تقصف مواقع لـ«حزب الله» أو إيران وتغتال قيادات في سوريا، والحزب لا يرد.
ولكن فجأة كبّرت إسرائيل من مساحة عملياتها لتصل إلى العراق وتطال الحشد الشعبي.
وبالتالي إن صحت رواية «حزب الله» فستكون إسرائيل بصدد توسيع نطاق عملياتها لتشمل إلى جانب سوريا والعراق لبنان أيضا.
وفي هذه الحالة، وحدها الحرب الشاملة ضد إسرائيل يمكن أن تؤدي إلى اتفاق ما، وإعادة صياغة قواعد اشتباك جديدة تناسب إيران و«حزب الله»، هذا إذا لم تنتج تلك الحرب واقعا جديدا في سوريا ولبنان، لن يكون مناسبا لإيران على أغلب الظن، فأي شيء آخر يعني الرضوخ لقواعد اشتباك جديدة تفرضها إسرائيل.
وبينما هناك اعتقاد آخر يقول إن الطائرتين إيرانيتا الصنع وكانتا تستعدان للانطلاق من لبنان للقيام بعملية على إحدى المدن الإسرائيلية رداً أو انتقاماً لإحباط إسرائيل العملية التي كانت إيران تنوي القيام بها من سوريا.
قد تكون إسرائيل اكتشفت أيضا هذا الهجوم المنوي إطلاقه من لبنان، واستطاعت إسقاط وتدمير الطائرتين أو قد يكون هناك خلل ما أصاب الطائرتين أثناء قيامهم بالعملية. في هذه الحالة تكون إيران تسعى لتغيير أو التحايل على قواعد الاشتباك التي رُسخت منذ 2006 وبعدها، مع الحرب السورية، واستعمال لبنان كمنصة بديلة عن سوريا - لمَ لا؟ - لانطلاق عمليات عسكرية محدودة لا تفضي إلى حرب شاملة بل تستطيع ردع إسرائيل من استهداف مواقع الحرس الثوري وميليشياته في سوريا أو العراق.
هذه الحسابات الإيرانية قد تكون مبنية على اقتناع طهران بأن إدارة ترامب التي تدخل عامها الرابع والأخير من الولاية الأولى لا تريد تصعيدا في الشرق الأوسط، وأنها تسعى للمفاوضات مع إيران، وأنه في حال أرادت إسرائيل الدخول في حرب شاملة فستبادر الولايات المتحدة إلى لجمها وردعها، نظرا إلى أهمية التفاوض في صورته بالحد الأدنى للرئيس ترامب على أساس أنه سيؤثر بشكل إيجابي على حملة إعادة انتخابه لولاية ثانية. ويبدو أن إيران تلعب عل هذا الوتر.
لكن على كل الأحوال جاء تصريح وزارة الخارجية الأميركية حاسما في هذا المجال، إذ أعلن عن دعم الولايات لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها من التهديدات التي يشكلها الحرس الثوري الإيراني، مؤيدا ما قاله نتنياهو بأن إسرائيل ستضرب أهداف الحرس الثوري الإيراني التي تهددها أينما وجدت. ما يعني أن إمكانية الضغط من قبل إيران على الولايات المتحدة الأميركية لردع إسرائيل عن القيام بضربات على أهداف إيرانية أينما وجدت أصبح معدوماً.
إيران لا تملك في جعبتها إلا الإرهاب والتخريب كوسيلة للوصول إلى أهدافها. هكذا فعلت في تفجيرها بعض الناقلات في مضيق هرمز عل هذا التوتر يرفع سعر برميل النفط، وبالتالي يصبح عاملا ضاغطا على الحكومات الغربية التي تعاني من أزمات اقتصادية، فيطالب الأوروبيون أميركا بتخفيف الحصار أو فكه عن إيران، فأتت النتيجة معاكسة، إذ إنه وبعد تلك الهجمات انخفض سعر برميل النفط على عكس توقعات سليماني. فهل تحاول إيران اليوم التهديد باستعمال لبنان كساحة للهجوم على إسرائيل لفك الحصار الاقتصادي عنها؟
إيران لا تريد حرباً، بل تريد دولارات لإنقاذ جمهوريتها المتصدعة، ولكنها أيضا لا تريد أن تدفع ثمناً جدياً مقابل احتياجاتها، بل هي تريد الحفاظ على مكتسباتها والحصول على انفتاح اقتصادي يساعدها على دعم وتمويل تمددها الإقليمي الإرهابي.
ولقد برهنت إسرائيل من خلال قصفها لمواقع الحشد في العراق، وقبلها الحرس الثوري وجماعاته المسلحة في سوريا أنها مستعدة للأسوأ، متسلحة بدعم أميركي كامل.
أما الولايات المتحدة فهي تنتظر حتى تنتقل إيران إلى غرفة الإنعاش. وهذا قد يطول
وبين هذه وتلك ستعيش المنطقة أياما عصيبة وسيحتفظ أمين عام «حزب الله» طويلا بتوقيت الرد على هجوم الضاحية حتى يأتيه الأمر من إيران. ساعتها لا همّ إنْ احترق لبنان.