* ربما يستهدف هجوم إسرائيلي كبير محتمل ضد «حزب الله» البنية التحتية والمؤسسات والجيش في لبنان، في حين تستمر الجماعة في توسعة منشآتها في لبنان
واشنطن: تزداد احتمالية وقوع حرب بين «حزب الله» وإسرائيل كثيرًا بعد انفجار طائرتي درون إسرائيلية في الضاحية الجنوبية – معقل «حزب الله» - بلبنان، في وقت سابق، الشهر الجاري. وفي ظل تصاعد التوترات على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية، يترقب الشعب اللبناني، وتحديدًا الشيعة، خطوة «حزب الله» التالية بخوف وقلق.
ذكرت بيانات «حزب الله» الرسمية ووسائله الإعلامية أن أول طائرة درون سقطت على مبنى يضم المكتب الإعلامي للحزب في منطقة معوض في الضاحية. أما طائرة الدرون الثانية فقد انفجرت في الهواء وسقطت في أرض خالية بالجوار، مما أسفر عن تحطيم نوافذ المباني المحيطة. ووفقًا لتحقيقات «حزب الله» الأولية، كانت الطائرتان مسلحتين بخمسة ونصف كيلو من متفجرات سي-4.
ومع ذلك، أفادت «التايمز» بأن الهجوم استهدف صناديق من المعتقد أنها تحتوي على معدات لخلط مادة دافعة عالية الجودة من أجل المقذوفات دقيقة التوجيه، وأن الغارة التي استهدفت موقعًا إيرانيًا في دمشق منعت هجومًا مسلحًا وشيكًا على إسرائيل كان يخطط له الحرس الثوري الإيراني.
لم تعلق إسرائيل على واقعة الدرون في لبنان، ولكنها أعلنت مسؤوليتها عن ضرب موقع إيراني جنوبي العاصمة السورية دمشق، مما أسفر عن مقتل اثنين من مسلحي «حزب الله» وإيراني كانوا يخططون للهجوم على شمال إسرائيل بطائرات درون مسلحة.
تعهد قائد «حزب الله»، حسن نصر الله، باتخاذ رد فعل صارم على ما قال إنه «أول انتهاك واضح وكبير وخطير لقواعد الاشتباك التي وضعت في عام 2006» بعد نهاية حرب مدمرة بين الجانبين. وقال: «إذا سكتنا عن هذا الانتهاك سيكون هذا مسارًا خطيرًا للبنان»، مضيفًا أن «حزب الله» سيعمل على إسقاط أي طائرة درون إسرائيلية تنتهك المجال الجوي اللبناني من الآن فصاعدا.
ما الذي على المحك؟
نظرًا لاقتناع إسرائيل بأن «حزب الله» له سيطرة قوية على مؤسسات الدولة اللبنانية، ربما يستهدف هجوم إسرائيلي كبير محتمل ضد «حزب الله» البنية التحتية والمؤسسات والجيش في لبنان، في حين تستمر الجماعة في توسعة منشآتها في لبنان.
لا شك في أن حصول «حزب الله» على أسلحة دقيقة التوجيه يشكل تهديدًا خطيرًا على إسرائيل. وإذا لم يتم التعامل معه بوسائل دبلوماسية، فسوف تكون الحرب المقبلة بين إسرائيل و«حزب الله» حتمية.
من جهة «حزب الله»، تغيرت أولوياته في المنطقة، فعلى الرغم من أن الأزمة السورية لم تنته بعد، فإن «حزب الله» – وإيران – مستمران في تحقيق مكاسب في العراق وسوريا ولبنان. ولن يرغب «حزب الله» في المخاطرة بإنجازاته الإقليمية بالدخول في حرب جديدة مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن «حزب الله» اكتسب قوة أكبر في المنطقة، فإنها كلفته خسائر وتضحيات كبيرة. خسر «حزب الله» الكثير من كبار قادته ومقاتليه المدربين. وبالتالي من المؤكد أنه سيحتاج إلى وقت لإعادة نشر قواته وتنظيمها قبل أن يدخل حربًا جديدة.
بالإضافة إلى ذلك، يعلم «حزب الله» أن تمويل إعادة الإعمار لن يتدفق هذه المرة إلى لبنان كما كان الحال فيما بعد حرب يوليو (تموز) 2006. حينها كانت حكومة لبنان تشكلها أغلبية 14 آذار والتي كانت تحظى بعلاقات جيدة مع كل من الغرب والسعودية. كان المجتمع الدولي حريصًا على مساعدة لبنان على التعافي من الحرب. ولكن هذه المرة، الخط الفاصل بين الحكومة اللبنانية و«حزب الله» مشوش للغاية. وعلى الأرجح قد يمتنع المجتمع الدولي عن تمويل أي جهود لإعادة الإعمار في لبنان الذي تسيطر عليه حكومة تابعة لـ«حزب الله».
وأخيرًا وليس آخرًا، بعد حرب 2006 مباشرة، بعثت إيران إلى «حزب الله» الدولارات الأميركية التي يحتاج إليها، مما أدى إلى سرعة ثراء وفساد صفوف «حزب الله». واليوم تعاني إيران من أزمة مالية بسبب العقوبات الأميركية، والتي انعكست بقوة على نظام «حزب الله» المالي. يمر «حزب الله» بأزمة مالية خطيرة تؤدي بالحزب إلى فصل كثير من موظفيه ومقاتليه، كما أوقفت خدماته الاجتماعية. ولا يستطيع «حزب الله» أن يتحمل تكلفة الدخول في حرب لا يمكنه تمويلها.
وبالتالي، على الرغم من خطاب حسن نصر الله العنيف، سوف يكون رد «حزب الله» محدوداً للغاية ومحسوباً.
بينما قد تكون إسرائيل أكثر استعدادًا من «حزب الله» لهذه الحرب، يعلم المسؤولون الإسرائيليون أيضًا أن الحرب المحتملة يمكن أن تكون مُكلِفة، نظرًا لإمكانيات «حزب الله» العسكرية التي ازدادت وتطورت، بما تتضمنه من عدة صواريخ دقيقة التوجيه حصل عليها التنظيم بالفعل. وتشير التقديرات إلى أن ترسانة «حزب الله» ازدادت من 33 ألف صاروخ ومقذوفة قبل عام 2006 إلى 150 ألفاً. وتلك الأسلحة أكثر تقدمًا ويمكنها أن تلحق أضرارًا بالغة بإسرائيل.
بالنظر إلى أن «حزب الله» يسيطر في الوقت الحالي على مزيد من المناطق في سوريا، ربما تجد إسرائيل ذاتها تحارب جبهتين أو أكثر في الحرب القادمة وتتورط في مواجهة مع جميع الميليشيات الشيعية في سوريا، وليس «حزب الله» فحسب. وتحت قيادة فيلق القدس الإيراني، يقود «حزب الله» اليوم عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة من لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن. وكان حسن نصر الله قد حذر من أنه في حالة وقوع حرب إسرائيلية مستقبلية ضد لبنان سوف يسحب آلاف المقاتلين من تلك الميليشيات.
نظرة المجتمع الشيعي للحرب
يخوض «حزب الله» حربًا في سوريا منذ عام 2012. وقد غيَر استراتيجيته من «مقاومة إسرائيل» إلى «حماية المصالح الإقليمية الإيرانية». يشير هذا التحول إلى تحول آخر تعرض له كثيرون من شيعة لبنان الذين شعروا من جهة بخيبة أمل إثر تخلي «حزب الله» عن «المقاومة»، ومن جهة أخرى بالارتياح لأنه لن يكون عليهم المعاناة من تبعات حرب أخرى.
بسبب دور «حزب الله» الإقليمي الجديد وأزمته المالية، يزداد انتقاد الكثير من الشيعة لـ«حزب الله». كبدت الحرب الطويلة في سوريا المجتمع الشيعي خسائر على نحو خاص، إذ فقد كثيرين من شبابه، ولم يتحقق «نصر إلهي» في المقابل. علاوة على ذلك، أدت التغييرات في ميزانية «حزب الله» إلى تخفيضات كبيرة للخدمات الاجتماعية، وهي التضحية التي أدت إلى معاناة الكثير من العائلات الفقيرة.
يُنظر إلى «حزب الله» الآن على أنه ميليشيا طائفية تحارب من أجل أجندة إيران الإقليمية. وبينما لا يهتم البعض بالقوة الطائفية التي ستجلبها هذه المهمة للمجتمع الشيعي، لا يحبذ الكثير من الشيعة عزلة المجتمع والمخاطر المالية والأمنية التي يواجهها.
في أثناء ثلاثة عشر عامًا مضت في سلام نسبي - أو ردع متبادل – بين إسرائيل ولبنان، بدأ الكثير من الشيعة في التفكير بشأن المستقبل، واستثمروا في بلداتهم وقراهم في جنوب لبنان. وأصبح المكان منتعشًا بمشروعات صغيرة، ومطاعم وفنادق، وهي أمور لم يشهدها الجنوب اللبناني منذ عقود. يعني هذا أن المجتمع الشيعي طور عقلية أعمال، وهذه العقلية غالبًا ما تكون ضد الحرب.
على أي حال، «حزب الله» محكوم عليه بالفشل. إذا اتخذ رد فعل، وقررت إسرائيل الرد بهجوم أوسع، فسيكون على «حزب الله» مواجهة تحديات داخلية بين دوائره وتحديات مالية وخسائر عسكرية كبيرة. وإذا لم يرد، فسوف يفقد مصداقيته واحترامه، وتحديدًا مصداقية واحترام نصر الله.
حتى إن جاء الرد محدودًا، لا يمكن معرفة كيف سيتصاعد الأمر، وما إذا كانت إسرائيل ستعده دعوة لاستهداف منشآت الصواريخ دقيقة التوجيه المنتشرة في جميع أنحاء لبنان.
* حنين غدار: زميلة زائرة في زمالة فريدمان بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى