* خبراء: لإنجاز الأهم حتى الآن للثورة السودانية فيما يتعلق بقضية الإرهاب، هو التأكيد على مدنية الدولة وتحجيم الدور السياسي لأغلب مكونات التيارات الإسلامية ولو مرحليًا
* أولى مهام النظام الجديد إعادة هيكلة كاملة لكل مؤسسات الدولة لضمان إبعاد العناصر التي تتبنى آيديولوجيا تتلاقى مع أفكار التنظيمات الإرهابية
القاهرة: نجاح الثورة السودانية في بدء أولى خطواتها نحو الاستقرار وبناء دولة ديمقراطية، من خلال توقيع الاتفاق النهائي للمرحلة الانتقالية بين كل من قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري «الحاكم» في 17 أغسطس (آب) الجاري، بحضور إقليمي ودولي لافت، يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ دولة تمثل عمقًا استراتيجيًا بالغ الأهمية لدول الجوار الأفريقي، ويعزز خُطط الدول الأفريقية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، من خلال بناء علاقات تعاون وفق أسس تضع الحرب على الإرهاب ضمن أولويات النظام السياسي الجديد الذي يسعى إلى إقناع واشنطن برفع اسم الخرطوم من قوائم الإرهاب.
ويرى خبراء في الشؤون الأفريقية وقضايا الإرهاب، أن السودان الجديد سيكون له تأثيره الواضح في الحرب على الإرهاب وملاحقة التنظيمات التي تسعى لتعزيز تواجدها في القارة الأفريقية، من خلال التعاون والتنسيق الأمني وتبادل المعلومات، واحتمالات الانخراط في القوات الأفريقية المشتركة لمكافحة الإرهاب.
ويقول الدكتور محمد عبد الكريم، الباحث في الشؤون الأفريقية، لـ«المجلة» إن «الإنجاز الأهم حتى الآن للثورة السودانية فيما يتعلق بقضية الإرهاب، هو التأكيد على مدنية الدولة وتحجيم الدور السياسي لأغلب مكونات التيارات الإسلامية ولو مرحليًا، وإجبارها على تقديم مراجعات جدية لأفكار الاستعلاء الآيديولوجي والانتقاص من مكانة الدولة الوطنية لصالح أفكار غير قومية، لكن هذه الفرضية لن تمر دون تحديات حقيقية في الفترة المُقبلة، خاصة مع بدء هذه التيارات في إعادة تموضع نفسها وامتصاصها للضربات المتلاحقة والعمل على إعادة ترتيب صفوفها في سياق بدء المرحلة الانتقالية».
ويضيف عبد الكريم: «مع تقوية مؤسسات القوات المسلحة السودانية، ودمج القوات شبه النظامية (الدعم السريع) في القوات النظامية، واستقرار الأوضاع داخليا بما يخفف مُتطلبات تحقيق الأمن الداخلي، من الطبيعي أن تزداد كفاءة القوات العسكرية والأمنية السودانية في ضبط الحدود، بالتزامن مع تبني سياسات إقليمية أكثر انحيازًا للمحور العربي الذي يقود الحرب على الإرهاب، بما يبني صيغًا للتقارب مع دول المنطقة في عدة ملفات أهمها ليبيا والصومال، وربما تزداد فرص السودان في المساهمة بقوات أو دعم عسكري في التدريبات المشتركة في القرن الأفريقي لمواجهة الإرهاب».
لافتًا إلى أن «السلطة السودانية الجديدة سوف تسعى إلى المزيد من التعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وهو أمر مرهون بتمكن نظام سودان ما بعد الثورة من إعادة هيكلة دوره الإقليمي وضمان تمتعه بدعم خليجي يكون موجهًا للدولة السودانية ومؤسساتها».
وبدأ المجلس العسكري «الحاكم» في السودان خطوات مبكرة لإقناع الولايات المتحدة الأميركية برفع اسم الخرطوم من قائمة الإرهاب، ففي 7 أغسطس (آب) الجاري، أعلن شمس الدين كباشي الناطق باسم المجلس العسكري الانتقالي، أن الخرطوم تسعى للتعاون مع واشنطن، من أجل رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
وقال كباشي في تصريحات صحافية إن «الولايات المتحدة ظلت دوما نصيرة للديمقراطية، وما تم التوافق عليه في السودان يتماشى مع ما تدعو إليه واشنطن، ونسعى في المجلس العسكري الانتقالي لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، ورفع العقوبات الاقتصادية».
ويُشير خبراء في شؤون الجماعات الأصولية إلى أن «السياق العام يؤكد أن السلطة الانتقالية في السودان سوف تحرص على اتخاذ الكثير من الإجراءات التي ترتبط بسياستها الخارجية، بينها تصحيح مسار علاقاتها مع الكثير من دول الجوار والدول الإقليمية والدولية، وهو ما سيتطلب عددًا من الإجراءات الرئيسية، منها القيام بدور فعال في ضبط الحدود، وهو ما قد يعقبه الانخراط في الحرب على الإرهاب بالتنسيق مع دول الجوار، وتسليم العناصر الإرهابية المطلوبة من دول أخرى مثل مصر.
ويقول سامح عيد، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، لـ«المجلة» إن «الاستقرار في السودان سيؤدي إلى دعم الخطط الأفريقية في الحرب على الإرهاب من خلال مجموعة من العوامل، أبرزها بناء علاقات قوية مع دول الجوار، وهو ما سيؤدي إلى التعاون في مجالات مختلفة بينها الحرب على الإرهاب، وضبط الحدود التي تُعد قضية محورية بالنسبة للدول الأفريقية، وتقديم خطاب جديد للمجتمع الدولي يعبر عن المرحلة الجديدة، بما فيها تحمل السودان لمسؤولياته الدولية والإقليمية مع دول الجوار في منع تواجد عناصر التيارات المتطرفة على أراضيه، حتى يمكن للنظام الجديد التخلص من تبعات أخطاء النظام السابق والاتهامات التي واجهها بدعم الإرهاب، فالصفحة الجديدة التي تسعى السلطة الانتقالية في السودان إلى فتحها مع العالم يجب أن تبدأ بإقناع الرأي العام الدولي بأن ثمة دولة مدنية في طور التشكل، تحمل كل الأسس الديمقراطية بما في ذلك مجابهة الإرهاب والأفكار المتطرفة».
ويضيف عيد «أمام الحكومة الانتقالية السودانية تحديات كبيرة في هذا الصدد، إذ إن النظام السابق ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي، وما زالت عناصره موجودة في مفاصل الدولة سياسيا واقتصاديا فيما يعرف بـ(الدولة العميقة)، وستكون أولى مهام النظام الجديد في هذا التحدي إعادة هيكلة كاملة لكل مؤسسات الدولة لضمان إبعاد هذه العناصر التي تتبنى آيديولوجيا تتلاقى مع أفكار التنظيمات الإرهابية، كما أنه يوجد تحد آخر يتعلق بالميليشيات المسلحة والقوات غير النظامية التي كان يستخدمها النظام السابق، والتي يعد استمرارها تهديدا لمشروع الدولة المدنية التي يسعى السودانيون إلى بنائها».
وحذر خبراء في مكافحة الإرهاب من «استمرار الجماعات التي تحمل أفكارا متطرفة داخل المجتمع السوداني خلال المرحلة الانتقالية، وخطورتها على مستقبل السودان، موضحين أن السعي إلى تأسيس دولة مدنية يتطلب من القيادة السودانية الجديدة اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تواجد المجموعات المتطرفة وإيقاف قدرتها على بث أفكارها في المجتمع».
ويقول اللواء رضا يعقوب خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«المجلة» إن «تغلغل الجماعات والعناصر التي تحمل أفكارًا متطرفة داخل المجتمع السوداني يُحتم على السلطة الانتقالية الجديدة اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتتابعة، أولها تصنيف هذه الجماعات كمنظمات إرهابية ومصادرة أموالها لمنعها من الحركة وبث أفكارها داخل المجتمع، وعزلها سياسيا، وحل كافة الميليشيات المسلحة ومصاددرة أسلحتها، ففي الدول الديمقراطية لا يُسمح بحمل السلاح إلا لعناصر مؤسسات الدولة الرسمية من الجيش والشرطة، كما يجب البدء في وضع استراتيجيات جديدة لتأمين الحدود بالتنسيق مع دول الجوار لمنع انتقال العناصر الإرهابية من دولة إلى أخرى، فالحد من حركة وانتقال التنظيمات الإرهابية بديهية أساسية في مواجهة الإرهاب الدولي».
ويضيف يعقوب: «التحدي المحلي الذي يواجه النظام السوداني الجديد خلال المرحلة الانتقالية هو حفظ الأمن الداخلي، ووضع خطط للتنمية الاقتصادية، فالنهوض بالاقتصاد يقضي على منابع التطرف ويمنع انتشار أفكاره، ولدى السودان كافة مقومات النهوض الاقتصادي، وعلى المستوى الإقليمي والدولي يجب على الحكومة الجديدة تفعليل تعاونها مع دول الجوار خاصة في الملفات الأمنية ومواجهة الإرهاب، من خلال التنسيق وتبادل المعلومات، ويجب أيضًا تسليم العناصر الإرهابية الهاربة في الأراضي السودانية والتي كان يؤويها النظام السابق، فالكثير من هذه العناصر مطلوب لدى السلطات المصرية بموجب أحكام قضائية في قضايا إرهاب».