* تسعى أجهزة الأمن خلال عمليات الاختراق إلى ضمان تدفق المعلومات التي تُشكل السلاح الرئيسي في مواجهة الإرهاب وإحباط الكثير من العمليات قبل تنفيذها
* ما زال العنصر البشري هاماً جدًا، إذ يمكنه الوصول لمعلومات يصعب الوصول إليها باستخدام الوسائل التكنولوجية
* بينما يمكن لأجهزة الأمن تتبع العناصر الإرهابية المعروفة والتجسس على وسائل اتصالاتها ورصد كافة تحركاتها، توجد أجيال جديدة من الإرهابيين غير معروفين لأجهزة الأمن
القاهرة: كلّما أحبطت أجهزة الأمن في أي بلد بالعالم عملية إرهابية قبل تنفيذها، أو أصدرت إحدى الدول الكبرى تحذيرات لمواطنيها بعدم السفر إلى بعض البلاد أو الابتعاد عن مناطق بعينها في بلد ما، ينشغل المحللون بالسؤال الذي فرض نفسه كثيرًا خلال السنوات الماضية، وهو: كبف تعرف الجهات الأمنية والاستخباراتية هذه المعلومات الدقيقة؟، وعلى بساطة السؤال إلا أن الإجابة تُثير المزيد من الأسئلة الشائكة حول وجود عملاء لأجهزة الأمن والاستخبارات داخل التنظيمات الإرهابية دفع بعضهم حياته ثمنًا للقيام بمهمته عبر نقل المعلومات إلى المؤسسات الأمنية، ومن هم هؤلاء العملاء؟ وكيف يتم تجنيدهم؟
وعلى الرغم من التطورات المتلاحقة في تكوين وبنية الخلايا الإرهابية، والتعقيدات الحديثة التي تتسم بها طبيعة وتراتبية القيادة في التنظيمات الإرهابية الدولية التي استفادت من تُراث تنظيمات الإرهاب المحلية التي نشطت في بعض الدول خلال القرن الماضي، إلا أنه ستظل استراتيجية «الاختراق» التي تقوم بها أجهزة الأمن والاستخبارات لضرب وتفكيك التظيمات الإرهابية من الداخل، من أكثر تكتيكات الحرب على الإرهاب فاعلية، كما تسعى أجهزة الأمن خلال عمليات الاختراق إلى ضمان تدفق المعلومات التي تُشكل السلاح الرئيسي في مواجهة الإرهاب وإحباط الكثير من العمليات قبل تنفيذها.
يقول اللواء رضا يعقوب خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«المجلة» إن «اختراق التنظيمات الإرهابية يتم بطريقتين تقليديتين، الأولى أن نُرسل عنصرا أمنيا ونضعه في طريق التنظيمات الإرهابية كشخص قابل للتجنيد، فيقومون بدورهم بتجنيده، ويخضع هذا العنصر الأمني لتدريبات أمنية مكثفة بجانب التدريبات النفسية التي تؤهله للنعامل مع الأجواء المتطرفة التي سيعيش فيها، كما يقوم أيضًا بدراسة الأسس الآيديولوجية التي يستند إليها التنظيم الإرهابي، ويُحظر على العنصر الأمني نقل أي معلومات في البداية، إذ إنه يخضع لاختبارات تتعلق بالولاء من قِبل قيادات التنظيمات، وعقب استقرار وضعه يبدأ في مدنا بالمعلومات بطرق تم تحديدها بدقة وتم التدرب عليها مرارًا، وفي بعض الأحيان يكون تدريب العنصر الأمني جيدًا ولديه كفاءة عالية فيصل الأمر إلى ترقيه في سلسلة القيادة داخل التنظيم الإرهابي».
ويضيف يعقوب: «الطريقة الثانية وهي الأكثر استخدامًا وسهولة تتم عبر تجنيد عناصر من داخل هذه التنظيمات، حيث نبدأ بتتبع ودراسة العناصر المرشحة، ونقوم بدراسة كل حالة دراسة مستفيضة، ونركز على العناصر الأقل إيمانًا بآيديولوجيا التنظيم، أو من فقدوا إيمانهم أو تزعزعت قناعاتهم بالشعارات التي تم حشوهم بها من خلال قيادات التنظيم، كما أن بعض العناصر يصابون بخلل نفسي نتيجة القيام بعمليات القتل أو مشاهدتها، ونقوم بتدريب سريع للعناصر الإرهابية التي تم تجنيدها كي يتمكنوا من إرسال المعلومات بطريقة آمنة دون إثارة الشكوك، وفي أحيان كثيرة نفاجأ بأن العنصر الإرهابي يأتي إلينا من تلقاء نفسه ويعرض المساعدة بسبب فقدان إيمانه بآيدلوجيا التنظيم أو عدم قدرته النفسية على تقبل قتل الأبرياء واكتشافه حقيقة هذه التنظيمات واستخدامها الدين لتحقيق مصالح سياسية، وقد ساهم تكتيك اختراق التنظيمات الإرهابية في القضاء على خلايا كاملة خلال مواجهة مصر للإرهاب في تسعينات القرن الماضي».
ويشير خبير مكافحة الإرهاب الدولي إلى أنه «على الرغم من تطور وسائل التكنولوجيا، إلا أن العنصر البشري ما زال الأكثر فاعلية في نقل المعلومات من داخل التنظيمات الإرهابية، وتسعى أجهزة الاستخبارات في الكثير من الدول إلى زرع أو تجنيد عملاء لها داخل التنظيمات الإرهابية، وقد ساهم ذلك في إحباط الكثير من العمليات الإرهابية، وفي إطار التعاون الاستخباراتي بين الكثير من الدول يتم تبادل المعلومات لتفادي وقوع عمليات إرهابية، غير أن هذا التعاون لم يصل إلى المستوى المأمول بسبب تعارض المصالح بين بعض الدول».
وشهدت السنوات الماضية الكثير من قصص النجاح التي قامت خلالها أجهزة استخبارات باختراق تنظيمات إرهابية والقضاء على خلايا كاملة، أحدث هذه القصص هي قصة خلية «الصقور» التي نجحت خلالها الاستخبارات العراقية في اختراق صفوف تنظيم داعش الإرهابي والقضاء على عدد من قياداته، وهي العملية التي كشف عنها أبو علي البصري مدير مجموعة الصقور في الاستخبارات العراقية في تصريحات للصحف العراقية أوائل أغسطس (آب) الحالي، وقال البصري لوسائل الإعلام العراقية إن «خلية الصقور تمكنت من اﺧﺘﺮاق خطوط وجدران تنظيم داعش الإرهابي والفتك ﺑﺄﻛﺒﺮﻗﻴﺎداﺗﻪ المقربة ﻣﻦزﻋﻴﻤﻪ إبراهيم اﻟﺴﺎﻣﺮاﺋﻲ الملقب ﺑـ(أبي بكر البغدادي) مما تسبب في انهيار التنظيم وتشرذمه»، لافتا إلى أن «عناصر الصقور الاستخباراتية نجحت في التوغل داخل داعش وتجنيد الكثير من العملاء داخل التنظيم وفي خلايا منتشرة بالكثير من الدول، مما ساهم في نجاح الاستخبارات العراقية في قتل قيادات بارزة بالتنظيم الإرهابي في العراق وسوريا طوال الأعوام الثلاثة الماضية».
ويقول نبيل نعيم القيادي السابق في تنظيم الجهاد المصري لـ«المجلة» إن «البوابة الرئيسية لاختراق تنظيمي داعش والقاعدة من قِبل أجهزة الاستخبارات هي وحدات التجنيد، وهي وحدات مُنتشرة في معظم دول العالم ويديرها أشخاص منخرطون في الحياة الاجتماعية للبلد الذي يعيشون فيه من خلال إدارة المراكز الإسلامية أو الجمعيات أو الإشراف على المساجد، ويتولون تجنيد العناصر الجديدة وإرسالها إلى معسكرات التدريب، وتُعد هذه نقطة انطلاق أجهزة الأمن لدس عناصرها ضمن المرشحين الجدد للتجنيد».
ويضيف نعيم: «خلال مواجهة مصر للموجة الأولى من التنظيمات الجهادية الإرهابية التي وصلت ذُروتها في تسعينات القرن الماضي، نجحت أجهزة الأمن في اختراق معظم التنظيمات وبينها تنظيما الجهاد والجماعة الإسلامية، ونجحت العناصر التي تم تجنيدها في القضاء على خلايا إرهابية كاملة من الداخل، وأذكر أن أحد العناصر التي زرعها الأمن المصري داخل إحدى خلايا تنظيم الجماعة الإسلامية نجح وحده في قتل أكثر من 21 إرهابيا، ومن القصص اللافتة قيام عنصر أمني تم زرعه داخل إحدى الخلايا الإرهابية في منطقة حلوان (جنوب القاهرة) بوضع منوم لأفراد الخلية في الطعام، وقامت قوات الأمن بمداهمة المكان والقبض علىيهم جميعا».
ويشير نعيم إلى أن «التنظيمات الإرهابية لديها استخباراتها الخاصة التي يكون جزء من عملها التأكد من ولاء الأعضاء ومواجهة الاختراق، ودائمًا يكون الموت رمياً بالرصاص عقوبة من يحوم حوله الشك بأنه عميل لأجهزة الأمن أو الاستخبارات، وقد كان أسامة بن لادن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة لديه حرص شديد على تأمين محيطه الخاص ضد الاختراق، وكان يختار حرسه الخاص بعناية شديدة ومن أصدقائه المقربين، وزاد الاختراق الأمني في عهد خلفه أيمن الظواهري، وتم اكتشاف الكثير من عملاء أجهزة الاستخبارات وتم قتلهم جميعا، وكان بينهم أحد قيادات التنظيم في باكستان، وقام وقتها عدد من قيادات القاعدة باختطافه من باكستان، وأحضروه إلى المعسكر في أفغانستان وأعدموه رمياً بالرصاص».
ونجح التعاون الاستخباراتي بين الكثير من الدول في إحباط الكثير من العمليات الإرهابية خلال السنوات الماضية، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2017. كشف مدير جهاز الأمن الروسي ألكسندر بورتنيكوف، عن «إحباط مجموعة من العمليات الإرهابية داخل روسيا بمساعدة من الشركاء الأجانب وعلى رأسهم مصر»، وأوضح بورتنيكوف خلال اجتماع ضم رؤساء الأجهزة الأمنية والمخابرات ووكالات إنفاذ القانون، عُقد في مدينة كراسنودار الروسية، أن «هناك تعاونًا مثمرًا بشكل خاص هذا العام مع المخابرات المصرية ومجموعة من الدول على رأسها كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان والصين والهند وكوريا الجنوبية وجمهورية التشيك والنمسا وصربيا»، لافتًا إلى أنه «نتيجة لهذه الإجراءات المشتركة مُنعت مجموعة من العمليات الإرهابية على أراضي روسيا، واعتُقل المتورطون في تدريب أعضاء المنظمات الإرهابية الدولية».
وساهمت التطورات التكنولوجية في تسهيل العمليات التي تقوم بها أجهزة الأمن والاستخبارات لاختراق التنظيمات الإرهابية، غير أن خبراء في الحركات الأصولية يرون أنه على الرغم من تطور تكنولوجيا التنصت والتجسس ودورها في الحصول على المعلومات الاستخباراتية عن التنظيمات الإرهابية، إلا أن العنصر البشري ما زال يتمتع بأهمية كبيرة بسبب طبيعة المعلومات المختلفة التي يُمكنه الوصول إليها.
ويقول سامح عيد الباحث في شؤون الحركات الأصولية لـ«المجلة» إن «تطور وسائل التكنولوجيا والتجسس جعل أجهزة الاستخبارات أكثر فاعلية وسرعة في الحصول على معلومات عن التنظيمات الإرهابية، وسهّل مهمة العناصر البشرية، حيث أصبح في إمكان العناصر الأمنية أو الذين يتم تجنيدهم وضع أجهزة تسجيل وكاميرات يصعب كشفها، ويُرسلون المعلومات بشكل أسرع إلى أجهزة الأمن، لكن ما زال العنصر البشري هاماً جدًا، إذ يمكنه الوصول لمعلومات يصعب الوصول إليها باستخدام الوسائل التكنولوجية، كما أن المشكلة الأكبر أنه بينما يمكن لأجهزة الأمن تتبع العناصر الإرهابية المعروفة والتجسس على وسائل اتصالاتها ورصد كافة تحركاتها، توجد أجيال جديدة من الإرهابيين جميعهم غير معروفين لأجهزة الأمن، مما يزيد من أهمية وفاعلية العناصر البشرية في اختراق التنظيمات الإرهابية».
ويضيف عيد: «تنظيم داعش الإرهابي أكثر اختراقًا من القاعدة، بسبب توسعه في تجنيد العناصر الجديدة، وقد وضع داعش تكتيكا جديدًا لاختبار ولاء العناصر الجديدة، ومواجهة الاختراق، حيث يتم إرسالهم فورًا إلى جبهة المواجهة العسكرية، وهو ما يَتطلّب جسارة شديدة وكفاءة عالية من العناصر المدسوسة كي يمكنوا من خوض تجربة القتال في صفوف الإرهابيين مع تأثيراتها النفسية دون أن يتم كشفهم».