* لست متفائلاً بأن تمثال الملك توت سيعود إلى مصر، واليوم الذي تم فيه بيعه كان يومًا أسود في تاريخ الآثار المصرية
* جاء الوقت الذي نطالب فيه بإعادة حجر رشيد وتمثال نفرتيتي وزودياك دندرة. ويجب أن يكون مستقرها في مصر وليس دولة أجنبية
* متاحفنا أكثر أمانًا من أي متحف في العالم، والقول إنهم يستطيعون تأمينها أفضل منا ليس صحيحًا
لندن: تحدث عالم الآثار المصري البارز ووزير الآثار الأسبق إلى «المجلة» عن مزاد دار كريستيز المثير للجدل، والمطالبة باسترداد الكنوز المنهوبة منذ الفترة الاستعمارية.
حمل زاهي حواس عالم الآثار الشهير على مستوى العالم، والذي يوصف أحيانًا بإنديانا جونز المصري، مفاتيح الآثار المصرية لمدة ثلاثين عامًا. وعلى مدار مسيرته المهنية اللامعة حقق الدكتور حواس عددًا من الاكتشافات الكبرى، من بينها مقابر بناة الأهرام في الجيزة ووادي المومياوات الذهبية في الواحات البحرية. حصل وزير الآثار الأسبق ومدير التفتيش في الجيزة وسقارة والواحات البحرية ووادي الملوك على درجة الدكتوراه في عام 1987 من جامعة بنسلفانيا، حيث كان ملتحقًا بزمالة فولبرايت. ألَف حواس ما يزيد على 40 كتابًا جماهيريًا وأكاديميًا وكتب أكثر من 150 مقالاً بحثيًا عن عمليات التنقيب التي قادها. أثار حواس، المعروف بكاريزمته وحيويته وقدرته على التواصل مع الجمهور، اهتمامًا عالميًا بمصر القديمة، إذ دافع بقوة عن التنقيب عن الآثار والحفاظ على تراث مصر القديم الثمين والاستثنائي.
في مطلع الشهر الحالي، فوجئت مصر بمزاد هو الأكثر إثارة للجدل منذ أعوام، وطلبت من الإنتربول المساعدة في تعقب تمثال يرجع إلى ثلاثة آلاف عام لرأس الملك الفرعوني توت عنخ آمون بعد أن تم بيعه في صالة مزادات كريستيز في لندن مقابل نحو خمسة ملايين جنيه إسترليني لمشترٍ مجهول، على الرغم من تحذير مصر من أن هذا التمثال سُرق على الأرجح في فترة السبعينات. يتصدر الدكتور حواس، بما له من خبرة في حملات استرداد الآثار المنهوبة، المشاركين في الجدل حول القضية. في لقاء مع «المجلة»، تحدث بحماس عن حق مصر في المطالبة باسترداد القطعة الأثرية وسبب استمراره في حملة استرداد ثروات مصر المنهوبة، بما فيها بعض من أكثر الآثار الثمينة مثل حجر رشيد الشهير المعروض منذ فترة بعيدة في المتحف البريطاني بلندن.
* بِيعت قطع أثرية مصرية كثيرة في صالات مزادات مثل كريستيز وسوذبيز في الأعوام الأخيرة. فلماذا قررت السلطات المصرية اتخاذ إجراء ضد بيع هذه القطعة؟
- عندما كنت وزيرا للآثار، أعدت ستة آلاف قطعة أثرية. ولكن عندما نرى أشهر فرعون مصري: «الملك الفتى» توت غنخ آمون في مزاد فهو أمر يثير ضيقنا البالغ، حيث تفتقد دار كريستيز لأخلاقيات العمل، إذ طلبت منا دار المزادات تقديم أدلة على أن هذه القطعة كانت مسروقة، ولكن لماذا لا يقدمون لنا الوثائق التي تثبت أنها خرجت من مصر بطريقة شرعية؟ من الواضح أنهم لا يملكون مثل هذه الوثائق.
كما أعلنت كريستيز أكاذيب كثيرة. فادعوا أن التمثال كان مملوكًا للأمير فيلهيلم من أسرة ثورن أند تاكسي، ولكن سأل موقع «لايف ساينس» عائلته، وأجابت بأن فيلهيلم لم يمتلك التمثال قط. أعتقد أن هذا الرأس المصري للإله آمون ويحمل ملامح الفرعون توت عنخ آمون قد نُهب من معبد الكرنك بالأقصر. ونحن نتحقق الآن من مصدر التمثال بالنظر في جميع أرشيفات الصور المأخوذة في المعبد.
أكثر ما يضايقنا هو كيف يمكن للحكومة البريطانية السماح لهذه القطعة بمغادرة البلاد دون وجود دليل على خروجها القانوني من مصر. تملك بريطانيا علاقات وثيقة مع مصر. ويوجد فرق تنقيب أثرية بريطانية تعمل في مصر. في حالة كهذه قد نوقف عملهم، وسيكون ذلك سيئًا بالنسبة لهم. نحتاج إلى مساعدة السلطات البريطانية، ونحتاج منهم التعاون معنا. أنا عضو في اللجنة القومية المصرية لاسترداد الآثار، وعندما اجتمعنا في مصر في الثامن من يوليو (تموز)، أعطينا تفويضًا للسفير المصري في لندن بتكليف شركة محاماة في بريطانيا بمنع خروج القطعة الأثرية قبل أن تحقق السلطات المصرية في كيفية مغادرتها للبلاد. من السيئ للغاية أنه لا يوجد قانون مطبق ينص على وجوب تقديم دار كريستيز لدليل على خروج القطع الأثرية من مصر بطريقة مشروعة.
* إذن هل هناك أدلة على أن القطع الأثرية الكثيرة التي بيعت في الفترة الأخيرة في دار كريستيز ودار سوذبيز وغيرها من دور المزادات قد خرجت من مصر بطريقة شرعية؟
- قبل عام 1983. إذا كان أحدهم لديه تمثال ويرغب في إخراجه من مصر، كان في إمكانه فعل ذلك بطريقة قانونية. وإذا كان بإمكانه إثبات أن القطعة ليست مسروقة، كان يمكنه أن يذهب إلى المتحف المصري وكانوا يعطونه تفويضًا يحمل ختمًا رسميًا. وفي ذلك الحين أيضًا، كان علماء الآثار الأجانب يحصلون على 50 في المائة من القطع الأثرية التي يتم العثور عليها في أثناء عمليات التنقيب التي يجرونها بموجب اتفاق رسمي. وبالتالي، ليس كل ما يباع غير قانوني. كانت الآثار تباع في مصر حتى عام 1983 عندما تم تمرير قانون حماية الآثار والذي منع خروج أي قطع أثرية من البلاد. وليس علينا سوى أن نركز على قطع أثرية معنية مثل رأس توت عنخ آمون، وأنا متأكد من أنها خرجت من الكرنك في عام 1970. لذلك تجب إعادتها إلى مصر.
* قلت إن مصر سوف تكافح من أجل إعادة رأس الملك توت عنخ آمون. فما السلطة الفعلية التي تملكها؟ وذكرت أن الحكومة المصرية قد تحظر حملات التنقيب البريطانية في مصر، ما الإجراءات الأخرى التي يمكن اتخاذها؟
- هذا هو أهم شيء. عندما اجتمعنا في الأسبوع الماضي، أعلنت اللجنة أننا نستطيع أن نوقف عملهم، ولكننا لن نفعل ذلك إذا أبدت الحكومة البريطانية حسن النية وسعت للتعاون معنا. نحن لا نعرف حتى من اشترى القطعة.
* هل أنت متفائل بأن رأس توت عنخ آمون سوف تعود إلى البلاد؟
- لا لست متفائلاً على الإطلاق، لأن دار كريستيز دائمًا ما تتعامل بطريقة سيئة، واليوم الذي تم فيه بيع رأس الملك توت، ذلك الفرعون الشهير الذي أسر قلوب الناس في جميع أنحاء العالم، كان يومًا أسودًا في تاريخ الآثار المصرية، وسوف يُخط اسم كريستيز في التاريخ باللون الأسود.
* هل تعتقد أن هذه القضية يمكن أن تؤثر على العلاقات الثقافية بين مصر وبريطانيا؟
- نعم، إذا سمحوا لقطعة مثل تلك بمغادرة البلاد دون دليل على خروجها من مصر بطريقة شرعية. وقد طلبنا منهم الدليل. وهذا هو ما نحتاجه منهم. إذا لم يجيبونا أو يتعاونوا معنا، سوف يؤثر ذلك على العلاقات الأثرية بيننا بالتأكيد.
* هل ردت الحكومة البريطانية؟
- لا حتى الآن.
* كيف استقبل الشعب المصري هذا الخبر، وإلى أي مدى يهتم المصريون بجدية بمسألة الآثار والكنوز الوطنية في الوقت الحالي؟
- الشعب منزعج للغاية، وهذه هي المرة الأولى التي أرى فيها جميع الشعب المصري يدعم وزارة الآثار. وهم غاضبون من دار كريستيز لبيعها هذه القطعة الثمينة بمبلغ ستة ملايين دولار في عشر دقائق، هذا عار عليها.
* تُصَعِد مصر من معركتها ضد بيع الآثار المنهوبة حول العالم. وأنت شخصيًا استرددت آلاف القطع طوال مسيرتك المهنية. هل يمكنك أن تخبرنا عن بعض الآثار المهمة التي أعدتها إلى مصر؟
- استعدت الكثير من القطع الأثرية المهمة، ولكن أهم ثلاث قطع أتعقبها هي تمثال نفرتيتي في المتحف الجديد ببرلين، وزودياك معبد دندرة في متحف اللوفر بباريس، وحجر رشيد في المتحف البريطاني بلندن – وجميعها خرج من مصر بطرق غير مشروعة. وعندما طلبت من المتاحف الثلاثة إعارتنا هذه القطع لمدة ثلاثة أشهر من أجل افتتاح المتحف الكبير، رفضوا جميعًا. ونتيجة لذلك، أنشأنا لجنة واكتشفنا أن التمثال النصفي لنفرتيتي خرج من مصر بطريقة غير مشروعة. حينئذ أرسلنا إلى المتحف الجديد ببرلين خطابًا نطلب فيه منهم إعادة نفرتيتي إلى مصر. أخبرونا أن الخطاب يجب أن يكون موقعًا من الوزير، ولكن عندما أصبحت وزيرا للآثار في عام 2011. بدأت الثورة بعدها بفترة قصيرة وكل شيء توقف.
ولكني سأحكي لك عن أربع قطع أثرية منهوبة تمكنت من استردادها. تمت سرقة أربع قطع من مقبرة في البر الغربي بالأقصر. بدأت أبحث عنها واكتشفت أن متحف اللوفر في باريس قد اشتراها. كتبت خطابًا للوفر أطلب منهم إعادة القطع ووافقوا، ولكن بعد مرور تسعة أشهر لم يعيدوها إلينا. بعد ذلك تقدم اللوفر بطلب للعمل في منطقة سقارة بالجيزة، فأوقفت حملتهم. اتصل الرئيس الفرنسي حينئذ نيكولا ساركوزي بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ليشكو له مما فعلت، ولكن عندما شرحت لمبارك سبب قراري، أقر بأن ما فعلته كان هو القرار الصحيح. بعد ذلك أعاد اللوفر القطع إلى مصر. يجب أن نكون أقوياء. كل قطعة أعدتها إلى مصر من القطع البالغ عددها ست آلاف لها قصة خاصة.
* هل تعتقد أن بعضًا من أثمن القطع الأثرية المصرية مثل حجر رشيد وتمثال نفرتيتي سوف يعود يومًا إلى مصر؟
- نعم، أعتقد أن هذا سوف يحدث نظرًا للتطورات التي تحدث في جميع أنحاء العالم. صرح رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون بأن الوقت حان لعودة الآثار الأفريقية المنهوبة التي تم الحصول عليها نتيجة للاستعمار. وأعاد الهولنديون 33 تمثالاً إلى نيجيريا. وتطلب الحكومة اليونانية من المتحف البريطاني إعادة رخام ألجين. جاء الوقت الذي نطالب فيه بإعادة حجر رشيد وتمثال نفرتيتي وزودياك دندرة. لدينا علاقات علمية وثيقة مع هذه المتاحف. ولا نطالب بعودة جميع القطع الأثرية، ولكننا نطالب بالقطع التي تم نهبها في الفترة الأخيرة وهذه الآثار الفريدة. فحجر رشيد رمز للهوية المصرية. ويجب أن يكون مستقره في مصر وليس دولة أجنبية.
* إحدى الحجج المضادة التي ترفض إعادة القطع الأثرية هي مسألة الحفاظ عليها، إذ يشكك البعض فيما إذا كانت القطع ستكون في مأمن وتخضع لحماية في الدول التي ستعود إليها. فما ردك على ذلك؟
- هذا كلام فارغ تمامًا. متاحفنا اليوم أفضل من أي متحف في إنجلترا. والمتحف الكبير المقرر افتتاحه في العام المقبل سيكون أفضل متحف في العالم. متاحفنا أكثر أمانًا من أي متحف في العالم، وآثإرنا آمنة بالكامل. والقول إنهم يستطيعون تأمينها أفضل منا ليس صحيحًا. مصر دولة مستقرة جدًا. وما حدث في أثناء الثورة يمكن أن يحدث في لندن أو نيويورك، أو في أي مكان في العالم. وقد شاركت في مناظرة في اتحاد أكسفورد وقدم الطرف المواجه لي هذه النقطة ذاتها. ولكن بعد الاستماع إلى حجتي، صوَت جميع الطلاب لصالح الطرف الذي أمثله لأنه منصف.
* تصاعدت عمليات نهب الآثار بعد أحداث الثورة في 2011. هل تستطيعون تقدير حجم الآثار المسروقة؟
- لا نستطيع، كان الجميع يحفرون في كل مكان. وكل الآثار التي خرجت من مصر في أثناء أحداث الثورة تم التنقيب عنها بصورة غير قانونية. بُنيت مصر الحديثة فوق مصر القديمة، لذلك يستطيع الناس أن يحفروا في ساحات منازلهم وأن يعثروا على آثار. وبالتالي أغلب ما نراه معروضًا للبيع الآن تم اكتشافه على الأرجح عبر عمليات بحث غير قانونية. ولهذا السبب أطلب من اليونيسكو دراسة تمرير قانون يفرض على كل دار للمزادات التحقق من مصدر كل قطعة يبيعونها. نحتاج إلى تغيير القانون.
* هل عمليات نهب القبور مشكلة مستمرة حتى اليوم؟
- لا. بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، أصبحت مصر مستقرة وآثارها تحظى بحماية وحفظ الشرطة المصرية ووزارة الآثار.
* ما هي مشروعات التنقيب التي تعمل عليها في الوقت الحالي ويمكننا أن نتطلع إلى السماع عنها في المستقبل القريب؟
- أنقب حاليًا في وادي الملوك. وقد توقفت في فصل الصيف، ولكني سوف أبدأ بالعمل مجددًا في الأول من سبتمبر (أيلول). لا يمكنني التحدث عنها في اللحظة الراهنة، نظرًا لأنني لم أعلن رسميًا عن أي اكتشافات حتى الآن.
كذلك سوف أبدأ في سبتمبر الجزء الثاني من مشروع المومياوات المصرية، الذي نقوم فيه بمسح 20 مومياء ملكية باستخدام التصوير بالأشعة المقطعية وتحليل الحمض النووي.
* متى ستعود السياحة إلى طبيعتها في مصر؟
- السياحة عادت وبقوة. جاء تسعة آلاف أميركي لزيارتي في الأعوام الخمسة الأخيرة. وأعتقد أن العام الحالي سوف يشهد عودة السياحة إلى معدلات الذروة التي حققتها في عام 2010.