* الإيرانيون يعلمون أن شهر العسل مع الولايات المتحدة الأميركية انتهى مع انتخاب ترامب رئيساً. وهم يعلمون مدى تأثير الإسرائيليين على سياسة الولايات المتحدة فيما خص الملف الإيراني.
فما العمل؟
لا يملّ أمين عام «حزب الله» الناطق الرسمي لولي الفقيه في بلاد العرب، من تكرار نفس الأفكار في كل إطلالة له، وآخرها كان حديثه لقناة «المنار» التابعة لحزبه. مقابلة تأتي على واقع إقليمي مأزوم تتابع فيه الولايات المتحدة سياسة إحكام الخناق الاقتصادي على إيران فيما تئن الأخيرة داخليا جرّاء العقوبات.
في حديث أمين عام «حزب الله» استجرار لنفس الكلام الذي بات يملّ منه الرأي العام: تنامي قدرات حزبه الصاروخية والحربية والمعلوماتية أمام تراجع قدرات «العدو» الإسرائيلي. ثم ترداد لنفس اللازمة بإشعال المنطقة ومحو إسرائيل إن قام الأميركي بمهاجمة إيران. واستعراض لقوة ومناعة وتفوق نظام الجمهورية الإسلامية عسكريا واجتماعيا واقتصاديا على كل دول الجوار وحتى العالم. كل ما ينطق به أمين عام «حزب الله» هو دفاع عن سياسات الولي الفقيه، وتهديد بإحراق المنطقة حماية لنظام الولي الفقيه، واستعداد للتضحية بلبنان من أجل استمرارية نظام إيران. طبعا كل مواقف أمين عام «حزب الله» المنحازة لإيران ضد محيطه يحيلها دائما وأبداً إلى «مقدسات الأمة» المسلوبة والمسجد الأقصى المدنس و«القضية الفلسطينية» اليتيمة إلا من نصرة ولي الفقيه، ربما ذلك يغطي على الحقيقة: «حزب الله» هو فصيل في فيلق القدس، ارتباطه بإيران عقائدي وديني وعضوي ولا يتقدم عليه أي ارتباط آخر. فلسطين وقضيتها مجرد حجاب لاستراتيجية فارسية.
وبين هذا التهديد، وذاك الوعيد يخبرنا أمين عام «حزب الله» أنه يستبعد قيام حرب في المنطقة، وهو يعزو اطمئنانه إلى خوف الخصوم من قدرات الفريق الذي يمثله بقدراته العسكرية والتي تستطيع محو الإسرائيلي، وضرب مصالح أميركا في المنطقة عندما تشاء.
طبعا هذا الاستعراض للعضلات لم يكن متاحا لولا أن الولايات المتحدة الأميركية أعربت على لسان مسؤوليها ورئيسها أنها لا تريد خوض حرب عسكرية أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
وحسب الإحصائيات التي تقوم بها بعض الشركات المختصة، فقط 26 في المائة من الأميركيين يؤيدون خيارا عسكريا ضد إيران.
مع العلم أن الولايات المتحدة الأميركية أعلنت فعليا الحرب على إيران يوم سحب الرئيس ترامب بلاده من الاتفاق النووي وأعاد العمل بالعقوبات الاقتصادية والمالية القاسية والتي حتى الساعة لم تستطع إيران وشركاؤها الأوروبيون الالتفاف عليها. يكاد يمنع ترامب حتى الهواء عن إيران. وهو وضع أهدافاً واضحة لسياسته فيما خص إيران: لا حرب، لا تغيير نظام، لا قنبلة نووية، ولا توسع إقليمياً على حساب حلفاء أميركا.
الإيرانيون يعلمون أن شهر العسل مع الولايات المتحدة الأميركية انتهى مع انتخاب ترامب رئيساً. وهم يعلمون مدى تأثير الإسرائيليين على سياسة الولايات المتحدة فيما خص الملف الإيراني.
فما العمل؟
حاولت إيران القيام بأعمال تخريبية بمضيق هرمز، وقامت بإسقاط طائرة استطلاع أميركية من دون طيار، ليس رغبة منها بفتح جبهة مع أميركا، هذا البلد الذي اجتاح العراق وأفغانستان بطرفة عين، وأدخل الرعب في قلوب حكام دمشق وطهران حينذاك، من إمكانية إسقاطهم أيضًا، إنما من أجل دفع الدول الأوروبية- التي ترفض أصلا تصعيد الرئيس ترامب بوجه إيران وتراه متهوراً- بالضغط باتجاه الولايات المتحدة الأميركية من أجل تخفيف الخناق الاقتصادي المفروض عليها من قبل البيت الأبيض.
وفي سعيها هذا، قامت إيران بتفجير ناقلتي نفط في ميناء الفجيرة، وحاولت خطف ناقلة نفط بريطانية، وأسقطت طائرة استطلاع أميركية من دون طيار ودفعت بالحوثي لقصف جنوب المملكة العربية السعودية ومطاراتها وسخّنت جبهة غزة بوجه إسرائيل وأطلقت عنان أمين عام «حزب الله» للاستعراض بوجه إسرائيل.
صحيح أن تلك الإدارة الأميركية أعلنت مراراً وتكراراً رغبتها في الانسحاب من مستنقع الشرق الأوسط التي لا ترى أي مكسب في البقاء وصحيح أيضا أنها أعلنت عدم استعدادها خوض حروب عبثية في الشرق الأوسط من أجل الآخرين، ولكنها في المقابل أكدت أنها ستقدم الدعم لحلفائها إن هم تعرضوا لاعتداء من قبل إيران. طبعا هذا الدعم سيكون عسكريا بطبيعته.
في خضم كل هذا التهويل الإيراني الذي عبر عنه أمين عام «حزب الله» يبقى سؤال جدي لا أحد يبحث فيه: ماذا لو سقط صاروخ توماهوك على طهران؟ ماذا لو قصفت طائرات الـ بي-35 كل قواعد الصواريخ الإيرانية؟ ماذا لو قررت إسرائيل المضي بعمل عسكري ضد إيران وحلفائها بالمنطقة؟ ماذا لو قابل الجنون الإيراني المحدود جنون إسرائيلي أميركي غير محدود؟
قد يقول الإيرانيون إن هذا لن يحدث، وهم يستندون في جوابهم إلى مواجهة مع الأميركيين تدوم أكثر من أربعين عاما.
ممكن، ولكن.. ماذا لو أخطأ المرشد هذه المرّة؟