سناء حمد كانت تحولت الى هجليج الغنية بالنفط لاثبات "تحريرها" بعد "احتلالها" من قوات تابعة للسودان الجنوبي. وقد أكدت بالمناسبة أن المدينة دخلت مرحلة الاستقرار الأمني الشامل، وأن الحياة الطبيعية عادت إليها من خلال مباشرة العمل من قبل كتائب مكلفة بإعادة الإعمار والبناء.
كما أكدت وزيرة الدولة للإعلام في الحكومة السودانية أن عمليات إعادة حقول النفط للإنتاج تسير بصورة جيدة ومبشرة، وأنه سيتم خلال فترة وجيزة الإعلان الرسمي لدخول هجليج إلى دائرة الإنتاج.
"المجلة" سألت الوزيرة السودانية عن هجليج والعلاقات المستقبلية مع الجار الجنوبي وعن جنوب كردفان ودارفور.. والأزمة الاقتصادية فكان هذا الحوار:
معركة ضارية
* هنالك لغط يثار حول تحرير هجليج.. هل هو انسحاب لقوات حكومة الجنوب، أم هو تحرير من الجيش السوداني؟
ـ الانسحاب العسكري اثناء الحرب له منهج متعارف عليه، ومعمول به بين الجيوش في العالم، ورغم ان ادعاء الانسحاب سهل، ولكنه قابل للاثبات والتأكيد على أرض الواقع عند قراءة ساحة المعركة، وعليه يسهل التمييز بين الادعاء والحقيقة. لقد ظل العالم بمؤسساته المختلفة الاقليمية والدولية، وبعض الدول الكبرى المعنية بالمنطقة، تطالب حكومة الجنوب بعدم تجاوز الحدود الدولية مع السودان، وحينما تم العدوان الهمجي المخالف لكل الأعراف الدولية على منطقة هجليج الآمنة، ناشد العالم، مبتدئا من الاتحاد الافريقي ومجلس السلم والأمن الافريقي، ومجلس الأمن (الدولي) والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وعدد من الدول على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا، حكومة الجنوب بالخروج فوراً من دون قيد أو شرط من الأراضي السودانية. وكان رد حكومة الجنوب رفض هذه المناشدات، بل وخرج رئيس حكومة الجنوب وبصلف، ليقول انه رد على مكالمة الأمين العام معه، بأنه ليس موظفاً يتبع له في الأمم المتحدة لينفذ أوامره.
كان قرار السودان الذي توحد حكومةً وشعباً بصورة غير مسبوقة في تاريخه، أنه لن ينتظر ان تثمر مناشدات المجتمع الدولي إيجابياً مع الجنوب، رغم ان جهوده محل تقدير واحترام، لكن مسؤولية تحرير الأرض وتأمين المواطنين وحماية أرواحهم هي مسؤولية حكومة السودان، وما جرى في هجليج هو معركة ضارية، تصدقها الجثث المتناثرة على ساحة المعارك الخمس الكبرى، التي تمت حتى دخول هجليج واستعادتها لحضن الوطن، يُصِّدق نصرنا الآليات المدمرة والمدرعات المحترقة والملحقات العسكرية للجند، التي تؤكد هجوماً كاسحاً دفعهم للفرار طلباً للنجاة وخلفهم 1200 قتيل، يعمل الآن الهلال الأحمر والصليب الأحمر على دفنهم وفقاً للمعايير الدولية.
لذلك حينما نقول إنه تحرير من قبل القوات المسلحة السودانية، نملك ما يدعم حديثنا وليس في الأرض ما يقول إنه كان انسحاباً، ويكفي حديث المراسلين الأجانب الذين كانو بمدينة بانتيو بجنوب السودان، فكتبوا في عدد من الصحف الأميركية والبريطانية، أن ما جرى لم يكن انسحاباً، وانهم كشهود عيان في مدينة بانتيو بجنوب السودان (صعقوا) بعدد الجرحي الذين وصلوا للمستشفيات وطلائع القوات الفارة، قالوا "إن هؤلاء القوم لم ينسحبوا، وإنما سحقوا سحقاً".
* كيف تنظرون إلى الدعم العالمي في قضية احتلال هجليج، وهل أنتم راضون عن ذلك؟
ـ لقد كان الدعم الدولي بلا استثناء محل رضا من السودان، ونأمل أن يسفر عن ضغط مباشر على حكومة جنوب السودان للكف عن العدوان على الاراضي السودانية، وسحب فرقها العسكرية وقيادتها من ولايتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وعدم السماح بانطلاق أعمال عدائية من أراضيها ضد السودان، حتى لا نضطر إلى الرد بالمثل، ونقضي بذلك على القيمة الكبرى، وهي البحث عن السلام الذي سعينا وراءه. لقد دفع السودان ربع أراضيه، وثلث مواطنيه حتى تقوم دولة الجنوب.
* ما هي ترتيبات الحكومة السودانية لمرحلة ما بعد تحرير هجليج، على ضوء حديث الرئيس البشير من أن الحرب حدودها جوبا أو الخرطوم؟
ـ هجليج رغم أهميتها الاقتصادية، فهي تنتج حوالي ربع الإنتاج النفطي السوداني، وبالقطع كان لما حدث فيها ومنشآتها النفطية أثره على الاقتصاد وشكلِّت ثغرة أمنية، إلا أن هجليج قبل القيمة الاقتصادية والأهمية الأمنية شكَّلت جرحاً فى كرامة السودان والسودانيين، وصنعت حالة من التماسك الوطني والوعي القومي، وعليه ومن هذا الباب سيكون لها ما بعدها في تاريخ السودان، وبدأت تؤسس لمفهوم الفصل ما بين الدولة والحكومة.
[caption id="attachment_55234695" align="alignleft" width="300" caption="سناء حمد بين أفراد من الجيش السوداني في هجليج بعد تحريرها"][/caption]
أهم ما تصبو إليه الحكومة السودانية الآن وعدد كبير من السياسيين بمختلف انتماءاتهم والمراكز البحثية، هو تعزيز هذا المستوى من الوعي القومي، تؤسس عليه الجمهورية الثانية في تاريخ السودان، على هدى قواعد واضحة، تفصل ما بين القضايا الكليهِّ التي تمثل الوطن، وما بين الاختلافات في التقديرات أو المواقف بين الكيانات السياسية حاكمة أو معارضة. وبإشارة الى حديث الرئيس البشير فهو لم يقل ان الحرب حدودها جوبا أو الخرطوم، ولكن قال إن حدود السودان القديم لن تسعنا ونظام الحركة الشعبية، وانهم هم من بدؤوا الحرب، واننا نحن الذين سننهيها، ومن المعلوم أن المجموعة الحاكمة في الجنوب من قيادات الحركة الشعبية، لما ترتقي بعد الى المستوى المطلوب من رجال الدولة، ومازالت قياداتها تتعامل وفق سلوك امراء الحرب، دونما أية مسؤولية تجاه المواطن البسيط، ودون الالتفات إلى تحدي بناء الدولة في الجنوب، ونحن مسؤوليتنا الرئيسة، هي تأمين حدودنا الواسعة مع الجنوب (2,175 كلم) والتي يتركز فيها ثلث سكان السودان، نحن ملزمون بتأمين هذه الحدود وأرواح ومصالح المواطنين في تلك المناطق، ولن نسمح بأن يتكرر تهديد أمنهم وسلامتهم.
ففي هجليج مثلاً نزح حوالي 20000 مواطن من جراء ذلك الهجوم الهمجي، ونحن سنتحرك وفق ما تكفله لنا المواثيق والقوانين الدولية، للحفاظ على سيادتنا وتأمين أرواح ومصالح مواطنينا، ولا نرغب في استعادة الجنوب، الذي منحناه طوعاً دولة قائمة بذاتها، بموارد نفطية شكلت 98 في المائة من خزينة الجنوب، لكنهم لم يعرفوا كيفية المحافظة عليها، ونحن نميز جيداً بين الطغمة الحاكمة في الجنوب من لوردات الحرب، والمواطن الجنوبي الذي هو محل تقدير واعتناء حكومة السودان، التي لم تنس أنهم قبل أقل من عام كانوا جزءاً من مواطنيها.
* هل أغلقت الخرطوم ملف التفاوض مع حكومة جنوب السودان؟ أم ستحسمون الخلافات بالحرب؟
ـ لم تكن الحرب على الاطلاق وسيلة مقبولة، أومعولا عليها لبسط الاستقرار، ومن ثم فإن حكومة السودان ظلت في علاقتها بالجنوب تتحرك وفق قناعة صادقة بأن التفاوض المؤسس على الرغبة في بسط الأمن والاستقرار والسلام، هو الوسيلة المجدية للوصول إلى النهايات المطلوبة، التي تلبي مصالح الاطراف المختلفة، وتحفظ الموارد البشرية والمادية.
ظل الملف الأمني هو القضية الشاغلة للسودان، وتحتل قائمة أولوياته في التأسيس لعلاقة طبيعية مع حكومة جنوب السودان، وهناك اتفاقات عدة بتفاصيل مختلفة حول هذا المحور، آخرها ست اتفاقيات وقع عليها في فبراير (شباط) 2012 في اديس ابابا، تحوي أربع قضايا أساسية هي:
1 ـ الاقرار والاعتراف بكافة الاتفاقيات المبرمة والتفاهمات الموقعة خاصة الاتفاقيات الأمنية الست وآخرها اتفاقية عدم الاعتداء والتعاون الأمني في 10 فبراير 2012.
2 ـ الاعتراف الصريح بحدود 1/1/1956، كحدود دولية وفقاً للاتفاقيات السابقة والوثائق الدولية، كذلك اتفاقية السلام الشاملة التي اعلنت بموجبها الجنوب دولة قائمة بذاتها.
3 ـ وقف الاعتداءات المتكررة على الأراضي السودانية، وسحب قوات جيش جنوب السودان من الاراضي السودانية، خاصة الفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي "جيش جنوب السودان" من الاراضي السودانية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق.
4 ـ وقف دعم وايواء الحركات المسلحة الدارفورية، والتي اعتبرت بموجب القرار الصادر عن قمة دول البحيرات، حركات سالبة تهدد الأمن والسلم الافريقيين.
وعليه فإن البدء في اجراءات فعلية وعملية تجاه الاتفاقات الموقع عليها في الملف الأمني، تحت اشراف الاتحاد الافريقي وضمانات دولية، هو الذي سيحدد العودة للتفاوض حول القضايا الاخرى العالقة من عدمه، بمعنى اكثر وضوحاً، من الاهمية بمكان أن تتوفر لحكومة الجنوب الجدية اللازمة والإرادة السياسية، تحت رقابة المجتمع الدولي، للالتزام بما ورد في الاتفاقات الأمنية المتعددة، والتي نحن مستعدون للايفاء بما جاء فيها. هذا هو المفتاح الرئيسي الذي يقود الى العودة الى التفاوض.
علاقات تعاقدية
* ما هي معالجات الحكومة للنيل الأزرق وجنوب كردفان، وهل ستشهد هاتان المسألتان طاولة حوار لتسوية الخلافات؟
ـ في اتفاقية السلام الشاملة كان هناك بروتوكول خاص بهاتين المنطقتين، إضافة الى منطقة ابيي. في هاتين الولايتين كان هناك نص يختص بالمشورة الشعبية لأجل البحث عن طريقة مثلى لإدارة المنطقتين، وترتيب العلاقات التعاقدية ما بين الدولة ومواطنيها، فقد اعتبرت الحكومة السودانية، المشورة الشعبية نموذجاً يصلح للتطبيق في بقية السودان، ولذلك فإن بسط الأمن والاستقرار في جنوب كردفان والنيل الأزرق له الأولوية الآن، ومن ثم اجراء المشورة الشعبية، هو حق لمواطني الولايتين. وظلت الحكومة السودانية تقول إن التسوية السياسية هي خيارها في الوصول إلى حالة الاستقرار المطلوبة، رغم انه في ولاية جنوب كردفان مثلاً، خسرت الحركة الشعبية الانتخابات التي كانت قد كسبتها سابقاً في ولاية النيل الأزرق، ولكن اتضح جلياً أنه سواء أكان النصر حليفها في الانتخابات أم خسرت، فهذه الانتخابات إيمانها بالعملية الديمقراطية ضعيف، كما أن العقلية القاصدة إلى خلق حالة من عدم الاستقرار في السودان، هي محل اتفاق بين قادة الجيش الشعبي، الذين يدينون بالولاء لجنوب السودان، ولقائد هذا الجيش وهو الرئيس سلفا كير ميارديت.
إن فك الارتباط بين حكومة وجيش جنوب السودان وسحبه للفرق العسكرية التابعة له والموجودة داخل هاتين الولايتين، ومنع الامداد العسكري واللوجستي للفرق المقاتلة هناك ضرورة لابد منها، وهو ما قال به الرئيس الاميركي والحكومة الاميركية عدة مرات في مخاطبتهم لحكومة جنوب السودان، وكذلك الاتحاد الافريقي، نحن منفتحون للوصول الى تسوية سياسية مع المجموعات المعارضة، والحاملة الآن للسلاح والمنحصرة في جيوب محدودة، ودون الخضوع للابتزاز تحت ضغط السلاح، ودون وجود قيادات محددة متهمة بارتكاب جرائم ضد المواطنين السودانيين.
* بالعودة لأزمة دارفور، هل اتفاق الدوحة نهاية الضوء في نفق ملف الحركات المسلحة في دارفور، وما هي معالجات الحكومة لمعسكرات اللجوء على الحدود بين تشاد والسودان؟
ـ اتفاق الدوحة هو خلاصة لجهود المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة، والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية، وهو في ذات الوقت محل اتفاق عبر عنه أصحاب المصلحة الحقيقيون، وهم مواطنو دارفور عبر منظمات المجتمع المدني فيه، ممثلة في الإدارة الأهلية والنخب وحكومة السودان، ولذلك حظي بسند دولي كبير، واعتبرت الحركات التي رفضت التوقيع عليه، حركات سالبة وخارجة عن القانون.
نحن نأمل بعد تكوين السلطة الانتقالية لدارفور بموجب هذا الاتفاق، وبداية عمل المحكمة الخاصة بدارفور مع الانفعال الشعبي الكبير، أن نصل باتفاقية الدوحة إلى الغايات المطلوبة، وقد بدأت عودة كبيرة للنازحين إلى قراهم، والذين لم يرغبوا في العودة لنشوء مصالح جديدة لهم مرتبطة بالمناطق التي نزحو إليها، فهؤلاء بدأ العمل في التخطيط لإقامتهم بالطريقة اللائقة، كذلك هناك عودة مقدرة من المعسكرات التي في تشاد إلى داخل دارفور، ولذلك ستظل الحكومة والشركاء مجتهدين في الإيفاء بمستحقات اتفاقية الدوحة، فحركة النازحين في المعسكرات طوعية، وهي مرتبطة بتقديرات النازح نفسه، ولكن نعلم، وكذلك الشركاء، أن الأزمة في دارفور وطوال أكثر من عقد من الزمان، قد أفرزت مجموعات خارجة على القانون سيستمر نشاطها الإجرامي إلى حين، ولكنها قطعاً لن تؤثر في حالة الاستقرار الذي أحدثته الاتفاقية بالإقليم، وشهدت به الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية واثبتته.
حالة عالمية
* ما هي معالجات الحكومة للأزمة الاقتصادية التي انعكست في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، التي تمس حياة المواطن مباشرة؟
ـ بداية، الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الغذاء هي حالة عالمية، والسودان ليس استثناء في هذا، وقد قامت الحكومة السودانية بجملة من المعالجات في هذا الشأن، ويظهر التفاوت الكبير في الأسعار ما بين السلعة المنتجة داخلياً، والتي ظلت محافظة على أسعارها بصورة معقولة، نستطيع ان نقول إنها أفضل بكثير مما هو في دول أخرى، ولكن الأسعار المرتبطة بسلع مستوردة في أسعارها اتفاع كبير، باعتبار أنها مرتبطة بالسوق العالمي، ولكن المعالجات الحكومية تتركز على محورين، أولهما هو زيادة الإنتاج الداخلي، وثانيها هو استمرار الدعم الحكومي للوقود والقمح والدواء، وبعض السلع الأخرى.
* أغلب الدول العربية أدانت زيارة الرئيس الإيراني لجزيرة أبوموسى الأسبوع الماضي، ما هو موقف السودان من قضية الجزيرة الإماراتية المحتلة؟
ـ من تجربتنا الذاتية الطويلة مع الصراع والحرب منذ ما قبل استقلال السودان، فإن خلاصة العبر التي خرجنا بها، أنه لا بديل عن التسوية السياسية عبر الحوار المباشر، في حلحلة القضايا محل الخلاف، ومعالجة الإشكالات الناتجة بين الدول، ونحن جميعا في العالم الإسلامي وفي هذه المنطقة الحساسة، أشد ما نكون في حاجة لاتباع الطرق السلمية والحوار فيما بيننا.