* خبير في المناخ والبيئة: الشرق الأوسط والخليج أكثر الأقاليم تأثراً بالتغيرات المناخية
* الدول الصناعية الكبرى لا تقوم بالتزاماتها تجاه الدول الصغرى لمقاومة تأثيرات التغيرات المناخية
* 100 مليون شخص معرضون لنقص المياه بحلول عام 2025
* قمة المناخ في الأمم المتحدة تبحث رؤية الدول الصناعية لاستمرار التدهور المناخي
* التحرك الدولي لدرء مخاطر التغيرات المناخية لا يزال دون مستوى التحديات
* الأمم المتحدة تحذر من تداعيات التغيرات المناخية التي لم يسبق لها مثيل
* الحلول الجذرية تحد من التكلفة الكارثية خلال المستقبل القريب
* ذوبان الجليد وارتفاع درجات الحرارة وثاني أكسيد الكربون أهم التحديات
القاهرة: رغم التحديات الكبيرة التي تفرضها التغيرات المناخية على العالم، والآثار المترتبة عليها من ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة في مناطق وأقاليم متعددة خلال الفترة الأخيرة، وضرب الفيضانات لعدد من الدول، إلا أن التحرك الدولي للتعامل مع هذه الظواهر التي أدت إلى تداعيات كارثية لا يزال – بحسب الكثير من المراقبين وخبراء المناخ – دون مستوى هذه التحديات وذلك على الرغم من ترقب دولي لانعقاد قمة المناخ التي تقام في نيويورك خلال شهر سبتمبر (أيلول) العام الحالي 2019 والتي تدعو إليها الأمم المتحدة جميع دول العالم بهدف تقييم الوضع بالنسبة للكثير من الملفات المهمة، وأبرزها الصناعات الثقيلة والطاقة والمدن المهددة، بالإضافة إلى تمويل تحديات المناخ والحلول المطروحة، حيث سيقدم ممثلو الدول خاصة الصناعية الكبرى رؤيتهم للتحديات المناخية وماذا يمكنهم فعله خلال الفترة القادمة.
قضية حاسمة
طرحت الأمم المتحدة رؤيتها مجددا لموضوع التغيرات المناخية، حيث تعتبرها من القضايا الحساسة والحاسمة خلال المرحلة الحالية، فقد تجاوزت الآثار العالمية لهذه التغيرات النطاق المحدد، فلم يسبق لها مثيل من حيث التأثيرات سواء في تهديد الإنتاج الغذائي بسبب ارتفاع درجات الحرارة، أو ارتفاع منسوب البحار التي زادت من خطر الفيضانات التي ضربت الكثير من دول الأقاليم مؤخرا في آسيا، وكذلك في أميركا وأفريقيا وأدت إلى تهجير الآلاف من السكان، وما سيتبع ذلك من تكلفة كارثية مستقبلا إذا لم يتم وضع حلول جذرية لتحديات المناخ والقيام بإجراءات غير مسبوقة خاصة من قبل الدول الكبرى التي تمتلك النصيب الأكبر من التأثيرات السلبية على البيئة من واقع التغيرات المناخية.
تقارير الأمم المتحدة تطلق جرس إنذار
التحولات الهامة والأدلة المقلقة للتغيرات المناخية– بحسب الأمم المتحدة- ستؤدي إلى تغيرات لا رجعة فيها في النظم البيئية الرئيسية ونظام المناخ في الكوكب كله إذا لم يتم تداركها بأقصي سرعة، وبالفعل اقتربت بعض النظم البيئية المتنوعة مثل غابات الأمازون المطيرة والقطب الشمالي، من بوادر تغييرات جذرية بعد ارتفاع درجات الحرارة فيها، كذلك تأثرها بالجفاف، فيما يعد تراجع الأنهار الجليدية، والجفاف الذي ضرب مناطق كثيرة من العالم، مؤشراً لا يقل خطورة على العالم والأجيال القادمة.
ويحذر تقرير للأمم المتحدة من الارتفاعات المستمرة في مستوى سطح البحر والمستمر منذ عقود، بسبب ذوبان الثلوج الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة على الكوكب، وكذلك الانبعاثات الكارثية المستمرة لثاني أكسيد الكربون بسبب التطور الصناعي، وتوقع استمرار محيطات العالم في الارتفاع بسبب ذوبان الجليد لتكون الزيادة وفق المؤشرات الحالية من 24 – 30 سم في عام 2065، وتزيد النسبة بين 40 – 63 سم خلال عام 2100. ويتطلب ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية تغييرات سريعة بعيدة المدى وغير مسبوقة وذلك للحد من التغييرات التي يحدثها مثل هذا التغيير على كوكب الأرض.
ويتطلب الحد من هذا الارتفاع ضرورة إجراء تحولات سريعة ومستمرة وبعيدة المدى في الصناعة والطاقة والأرض والمدن وعمليات النقل والمباني، ويجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية الصافية الناتجة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى نحو 45 في المائة عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030، لتصل إلى «صفر انبعاث» عام 2050.
تحذيرات دولية
التحذيرات ما زالت مستمرة من قبل المنظمات والمؤسسات الدولية حول تأثير التغيرات المناخية ومن بينها البنك الدولي الذي أعلن أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعد من بين أكثر الأماكن عرضة للخطر على سطح الأرض لارتفاع منسوب مياه البحر، وتنبأ بارتفاع قدره 0.5 متر بحلول عام 2099. وحذر من أن المناطق الساحلية المنخفضة في مصر وتونس وليبيا والإمارات والكويت وقطر معرضة لخطر خاص وبالتحديد مصر، فيما أشار تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى بعض المناطق الأكثر جفافا في المنطقة والتي تعاني من الفيضانات بشكل متكرر مثل جدة في المملكة العربية السعودية التي عانت من فيضانات سنوية تقريبا منذ أواخر الستينات من القرن الماضي بسبب العواصف المفاجئة، ويشير التقرير إلى ارتفاعات درجات الحرارة بشكل متكرر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة والتي وصلت في بعض الدول إلى 54 درجة، مما يعرض المنطقة إلى جفاف مستمر يعد الأسوأ منذ عدة عقود، ويقدر البنك الدولي الذي ينفق 1.5 مليار دولار لمكافحة تغير المناخ في المنطقة، أن بين 80 إلى 100 مليون شخص سيتعرضون لنقص المياه بحلول عام 2025، ويتوقع أن تكون درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2050 أعلى بنحو 4 درجات مئوية وبحلول نهاية القرن، قد تصل درجات الحرارة خلال النهار إلى 50 درجة مئوية، مع 200 يوم من الحرارة الاستثنائية كل عام، وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من ارتفاع درجات الحرارة.
وشهدت قمة المناخ التي أقيمت في بولندا العام الماضي 2018 حضور 200 دولة اتفقت على قواعد تطبيق اتفاقية المناخ المبرمة في باريس عام 2015 لمعالجة تغير المناخ. وبعد محادثات مارثونية، تجاوزت الدول الخلافات السياسية للتوصل إلى توافق بشأن إطار أكثر تفصيلا لاتفاقية المناخ التي تهدف إلى الحد من ارتفاع متوسط درجات حرارة الأرض لأقل من درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل عصر الصناعة، وحاولت الكثير من دول العالم تطبيق اتفاقية باريس الموقعة في 2015 وسط خلافات حول الكثير من النقاط.
الاقتصاديات الكبرى وإزالة الغابات جزء من المشكلة
وتعرقل عمليات التصنيع وارتفاع كمية الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي لمستويات قياسية، وإزالة الغابات، والزراعات الكثيفة من عملية «عكس» أو إعادة إرسال الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الفضاء مرة أخرى بشكل طبيعي، وتعد هذه الغازات ضرورية لبقاء البشر والكائنات الحية الأخرى على قيد الحياة عن طريق الحفاظ على جزء من دفء الشمس وجعل الأرض صالحة للعيش، ولكن بعد تزايد عمليات التصنيع وزيادة الاقتصاديات العالمية ومستويات المعيشة فإن مستوى تراكم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري أخذ في الارتفاع بنسب عالية مسبباً ظاهرة الاحتباس الحراري الخطيرة.
وتتخذ الكثير من دول العالم، ومن بينها دول عربية، عددا من السبل خلال الفترة الأخيرة للتخفيف من مخاطر التغيرات المناخية، ومنها استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الزراعة والصناعة والكهرباء، وكبديل للوقود التقليدي، وهي مصادر طاقة وفيرة وقابلة للتجدد، وكذلك تعديل نظم الري بالرش أو التنقيط بديلا لطرق الري القديمة والتقليدية ومن بينها «الغمر»، والبدء باستخدام السيارات الكهربائية، وتشجيع كل ما يقلل من استخدام الوقود والانبعاثات الكربونية والغازات التي تضر بالبيئة.
التغيرات المناخية حقيقة واقعة
الدكتور أيمن فريد أبو حديد، خبير المناخ ووزير الزراعة ورئيس جهاز شؤون البيئة الأسبق في مصر، أكد لـ«المجلة» على واقعية حدوث التغيرات المناخية بصرف النظر عن فكرة معدل التأثير، وقال: «هناك من يؤيد فكرة تسارع معدل التأثير، وهناك آراء أخرى تقول إنه بطيء، لكن المؤكد هو وجود تغيرات في المناخ سواء كان المدى سريعا أما بطيئا، وأن دور الإنسان في إسراع هذه العملية مؤثر في زيادة الغازات التي يمكن أن تسبب الاحتباس الحراري، من خلال معدل الاستهلاك، وكذلك مؤثر من ناحية استعمال الكيماويات التي تتسبب في زيادة الانبعاثات الغازية المضرة وهذا بشكل عام».
وأضاف الدكتور أيمن أبو حديد: «التغيرات المناخية حقيقة واقعة وتحدث على الكوكب منذ نشأته إلى الآن، حيث شهد الكوكب ثلاثة عصور جليدية بينهم عصور مطيرة، ودائما هناك (إيقاع) موجود للتغيرات المناخية، أما الإسراع من وتيرتها نتيجة تدخل الإنسان وزيادة كثافة الانبعاثات فهو ما يطرح التساؤلات مجددا عن مدى تأثير هذا التدخل».
تحديات مناخية
وعن واقعية تعامل الإقليم في منطقة الشرق الأوسط والخليج مع تحديات التغيرات المناخية قال أبو حديد: «الإقليم من أكثر الأقاليم على الكوكب تأثرا بالتغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية، سواء من حيث ندرة الأمطار أو ارتفاع درجة الحرارة أو الظروف المتعلقة بالتغيرات المناخية أو بوجود بعض المناطق المعرضة للأخطار، جراء التغيرات المناخية، وبسبب ارتفاع منسوب سطح البحر، وبالنسبة للجهود المبذولة للتأقلم مع هذا الواقع والحد من تأثيراته فهي تختلف من دولة لأخرى، فعلى سبيل المثال توجد جهود كبيرة في دول الخليج ومصر لتطوير استخدامات المياه المتعددة ومنها الاستخدام الزراعي للتوفير في هذه الاستخدامات، وكذلك للتحكم في زيادة استخدام المواد التي تسبب انبعاثات غازية، أما بخصوص إمكانية الحكم على هذه الجهود، وهل هي مرضية أم لا في التعامل مع تحديات التأثيرات المناخية، فلا نستطيع تأكيد ذلك الأمر أو نفيه».
إنعكاسات سلبية
وحول مواكبة المؤسسات الدولية لكم التغيرات المناخية وانعكاساتها السلبية وما تمثله من خطورة قال: «بالطبع لا، لأن الاتفاقيات الخاصة بكل وسائل الدعم والصندوق الأخضر وخلافه من وسائل مساعدة الدول النامية تحديداً على التأقلم مع هذه الظروف لا يتم تنفيذها، والدول الصناعية مسؤولة مسؤولية كبرى عن هذه التغيرات، فالغابات المطيرة الموجودة في أوروبا وأميركا الشمالية تمت إزالتها، ونتيجة ذلك حدث الإسراع في التغيرات المناخية، ورغم كل ذلك استخدمت الدول الكبيرة والغنية البيئة استخداما مجحفا، ولا تقوم بدورها في دعم الدول الأخرى لمقاومة التغيرات المناخية، والتعايش مع ما تبقى من طبيعة الكوكب».
اتفاقية باريس
تعد اتفاقية باريس عام 2015 من الاتفاقيات الحاسمة بالنسبة لقضية التغيرات المناخية حيث توصلت جميع الأطراف إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لمكافحة تغير المناخ، وتسريع وتكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون، ويستند اتفاق باريس إلى قضية مشتركة للقيام ببذل جهود طموحة لمكافحة تغير المناخ والتكيف مع آثاره، مع تعزيز الدعم لمساعدة البلدان النامية على القيام بذلك لرسم مسار جديد في جهود المناخ العالمي.
وتهدف الاتفاقية التي وقع عليها 175 من زعماء العالم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إلى تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ عن طريق الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة في الكوكب خلال هذا القرن إلى أقل من درجتين مئويتين فوق، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أبعد من ذلك إلى 1.5 درجة مئوية، وتعد الولايات المتحدة الأميركية من أكبر ملوثي المناخ في العالم، ورغم كبر سواحلها والتي من الممكن أن تتأثر بالظروف المناخية التي يسببها الاحتباس الحراري فإنها ماضية في سلوكها الصناعي المتنامي، فيما تشكل انبعاثات دول الاتحاد الأوروبي 7.8 في المائة من انبعاثات العالم، وتشجع معظم دول الاتحاد الأوروبي اتباع سياسات من شأنها تقليل انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، فسعت تلك الدول إلى تطوير التكنولوجيا، والاتجاه لمصادر الطاقة المتجددة والاعتماد عليها حفاظا على البيئة، وتوسيع الغطاء النباتي، وتمتلك عدد من الدول الآسيوية نماذج ناجحة في هذا الإطار، وتعمل على تعزيز الكثير من السبل لتقليل الاعتماد على وسائل الطاقة التقليدية، والاستعانة بالطاقة النظيفة وهو ما ظهر مؤخراً في الكثير من المجالات الصناعية، وأبرزها تطوير السيارات الكهربائية التي أخذت في تصدير نماذج منها للدول العربية، ومنطقة الشرق الأوسط.