* يسعى تنظيم داعش إلى توسيع عملياته في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي، خاصة منذ أن ظهر زعيمه البغدادي في تسجيل مصور في أبريل الماضي.
* تلعب القاهرة بدعم من شركائها الإقليميين في الخليج العربي، دورًا بارزًا في تدريب قوات من دول الساحل ونيجيريا على تكتيكات وسبل مكافحة الإرهاب عبر التعاون المؤسسي بين مصر وهذه الدول
القاهرة: مساعي الدول الأفريقية إلى تطوير استراتيجيتها لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي تحاول الاستفادة من تجارب دول الجوار العربي بمنطقة الشرق الأوسط التي أنهكتها المواجهة مع التنظيمات الإرهابية طوال السنوات الماضية، ومع تصاعد المخاوف الدولية والإقليمية وإدراكها مخاطر توغل داعش داخل دول القارة السمراء، بدأت القوات الدولية المشتركة بقيادة فرنسا توسيع نطاق عملياتها العسكرية في دول الساحل الأفريقي لتنفيذ تكتيك جديد يعتمد على الضربات الاستباقية التي تهدف إلى مجابهة الميليشيات والتنظيمات المحلية، ومنع داعش من التمدد واكتساب المزيد من الأنصار.
وفيما يعد أكبر العمليات العسكرية التي جاءت في إطار تفعيل للاستراتيجية الأفريقية الجديدة، قامت قوة العمل المشتركة متعددة الجنسيات، والتي تقودها فرنسا ويُشارك فيها الكثير من دول غرب أفريقيا، منها نيجيريا، والنيجر، وتشاد، والكاميرون، بتنفيذ عملية عسكرية ضد تنظيم داعش في 21 يونيو (حزيران) الماضي بمنطقة بحيرة تشاد، تمكنت خلالها من قتل 42 من عناصر التنظيم الإرهابي.
ويسعى تنظيم داعش الإرهابي إلى توسيع عملياته والتمدد في دول غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي، خاصة منذ أن ظهر زعيمه أبو بكر البغدادي في تسجيل مصور في أبريل (نيسان) الماضي، معلنًا عن تأسيس ما يسمى «الولايات الخارجية»، حيث حرص البغدادي على الظهور وهو يتصفح ملفات بعض هذه الولايات الجديدة في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وتشير دراسة حديثة لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث في أبوظبي، إلى أن توسيع داعش نطاق عملياته الإرهابية في دول الساحل الأفريقي خلال الشهور الماضية ساهم في وضع أُطر جديدة للاستراتيجية الأفريقية لمواجهة الإرهاب، نتيجة إدراك الدول الإقليمية والدولية لمخاطر تمدد التنظيم في أفريقيا.
وتبنى تنظيم داعش الكثير من العمليات الإرهابية في دول الساحل الأفريقي خلال الشهور الماضية، ففي بداية أبريل (نيسان) الماضي، أعلن التنظيم عن قتل وإصابة 69 من أفراد الجيش النيجيري وقوات أفريقية أخرى، ونفذ في الشهر نفسه عملية إرهابية أخرى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أسفرت عن مقتل جنديين وشخص مدني.
ووفقا للدراسة تعتمد الاستراتيجية الأفريقية الجديدة لمواجهة داعش والتنظيمات الإرهابية المحلية على عدد من المحاور، أبرزها الضربات الاستباقية وتوسيع نطاق المواجهات مع الميليشيات والتنظيمات الإرهابية المحلية التي يحاول داعش فتح قنوات اتصال معها، ورفع مستوى التنسيق مع دول الجوار، على غرار ما هو قائم بين الجيش التشادي والجيش الوطني الليبي، حيث أعلن الأول، في فبراير (شباط) الماضي عن أسر أكثر من 250 إرهابيًا، منهم 4 قيادات، إثر دخول قافلة من المتمردين التشاديين قادمة من الأراضي الليبية عقب تعرضها لقصف جوي من جانب الجيش الوطني الليبي في إطار العملية العسكرية التي بدأها منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي لتطهير جنوب ليبيا من التنظيمات الإرهابية.
كما تركز الاستراتيجية الأفريقية على توسيع آفاق التعاون الأممي مع القوى الدولية، خاصة فرنسا التي تقود قوة متعددة الجنسيات تنفذ عمليات عسكرية تستهدف معسكرات وتجمعات التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى العمل على دعم جهود تسوية الصراعات الداخلية في الدول التي تعاني من تصاعد حدة عدم الاستقرار الداخلي، نتيجة الصراعات الداخلية المسلحة، وفي مقدمتها مالي، حيث تُبدي الكثير من القوى والمنظمات الدولية اهتمامًا خاصًا بتعزيز الجهود المبذولة لتنفيذ اتفاق السلام في مالي.
ويرى خبراء في الشؤون الأفريقية أن الاستراتيجية الأفريقية لمواجهة الإرهاب تسعى إلى الاستفادة من تجربة الدول العربية بمنطقة الشرق الأوسط على أصعدة مختلفة، أبرزها ضبط إطار التعاون والتنسيق الإقليمي ليتحول إلى تفاهمات سياسية مستمرة في مجالات كثيرة، وليس على صعيد مواجهة الإرهاب فقط.
ويقول الدكتور محمد عبد الحكيم الباحث في الشؤون الأفريقية لـ«المجلة» إن «استشعار دول الساحل الأفريقي لخطورة عدم العمل الجماعي الإقليمي في مواجهة التهديدات الإرهابية، دفعها إلى تعزيز التعاون فيما بينها، وهو ما تمثل في توجه دول الساحل ونيجيريا والكاميرون إلى تفعيل العمل الجماعي لحفظ الأمن ومواجهة الإرهاب، وهو ما حقق تقاربا كبيرا بين هذه الدول، وأبرز مثال على ذلك هو التقارب التشادي-النيجيري، حيث تسهم تشاد ضمن دول جوار بحيرة تشاد الأخرى وهي نيجيريا والنيجر والكاميرون في قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات، وقد مَكن هذا الدعم الجيش النيجيري من استعادة أغلب المدن الكبرى خاصة في العام الحالي دافعًا مسلحي بوكو حرام إلى الغابات أو إلى بحيرة تشاد ذات المستنقعات الشاسعة الممتدة على حدود أربع دول».
ويضيف عبد الكريم: «يمثل التنسيق الإقليمي والدولي مع جهود دول الساحل ونيجيريا لمواجهة الإرهاب الركيزة الأساسية لضمان استمرار هذه الجهود في ضوء هشاشة الأوضاع الاقتصادية لأغلب دول المنطقة، ويؤكد الكثير من المراقبين أن عمليات التجنيد في منطقة حوض بحيرة تشاد تتم بالأساس بين السكان المحليين، إذ يصعب عمل المقاتلين الأجانب في هذه البيئة الصعبة وغير المألوفة، وهو ما يجب أن تلتفت إليه الدول الأفريقية في سعيها للاستفادة من تجربة مكافحة الإرهاب في دول الشرق الأوسط، بضرورة تبني مقاربة مشتركة قدر الإمكان تجاه ارتباطات الإرهاب بقضايا المنطقة وتشابكاتها، مثل الهشاشة الاقتصادية وصعود شأن التجارة غير المشروعة وتهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، وتراجع مؤشرات التنمية المستدامة، وخطورة الانحياز لخيارات سياسية دون حساب المصالح الاستراتيجية بعيدة المدى، أو البناء على مواقف أطراف فاعلة من خارج المنطقة في سياق حسابات المكاسب الآجلة. كما توفر تجربة منطقة الشرق الأوسط في مواجهة الإرهاب درسًا هامًا لإقليم الساحل بضرورة المواجهة الآيديولوجية للأفكار الإرهابية بشكل حاسم ودون مواربة أو حساسيات غير حقيقية؛ فالعنف والجريمة المنظمة والافتئات على حقوق مواطني دول الساحل في الحياة يقع في سياق الأعمال الإجرامية».
ويرى خبراء في الحركات الأصولية أن المواجهة مع داعش والتنظيمات الإرهابية في أفريقيا تحتاج إلى تحركات موازية للجهود العسكرية والأمنية لمنع تغلغل الأفكار المتطرفة وانتشارها في الجسد الأفريقي.
ويقول سامح عيد الباحث في شؤون الحركات الأصولية لـ«المجلة» إن: «الأخطر من تمدد داعش عسكريا داخل أفريقيا هو تمدده فكريًا ونشر أفكاره المتطرفة بين أشخاص جدد، فالأفكار المتطرفة بدأت انتشارها في أفريقيا من خلال سيطرة عناصر عربية متطرفة على المساجد التي تم إنشاؤها بالكثير من دول أفريقيا، ولم يكن أحد يعلم أن الأئمة الذين تسلموا مسؤولية هذه المساجد يحملون أفكارًا متطرفة، وينتمون تنظيميًا إلى جماعات أصولية عربية».
ويضيف عيد: «في معظم الدول غير الناطقة بالعربية ومنها دول أفريقيا ينبهر العامة بأي شخص يجيد تلاوة القرآن بالعربية، وهو ما يفتح الباب لتأثرهم به، فإذا كان يحمل أفكارًا متطرفة سيتمكن من نشرها بسهولة، لذلك يجب أن تتزامن المواجهات العسكرية للإرهاب في أفريقيا مع مواجهة فكرية شاملة من خلال منع العناصر المتطرفة من اعتلاء منابر المساجد، وإرسال قوافل دعوية تضم أئمة عربا يجيدون بجانب علوم الدعوة والفقه لغات أجنبية وربما لغات محلية أفريقية، كي يتمكنوا من التأثير في السكان».
وتلعب القاهرة – ربما بدعم من شركائها الإقليميين في الخليج العربي - دورًا بارزًا في تدريب قوات من دول الساحل ونيجيريا على تكتيكات وسبل مكافحة الإرهاب عبر التعاون المؤسسي بين مصر وهذه الدول.