* توجد بالفعل تقارير عن زيادة الخلافات أخيرًا بين إيران وروسيا في سوريا، مثل المواجهة التي حدثت بين جنود روس وميليشيات تدعمها إيران في مدينة حلب شمالي سوريا
واشنطن: في مطلع هذا الشهر، أعلن البيت الأبيض أن مستشاري الأمن القومي الأميركي والإسرائيلي والروسي سوف يجتمعون في القدس نهاية يونيو (حزيران) الحالي لمناقشة قضايا تتعلق بالأمن الإقليمي. ووفقًا لما ورد في بيان صحافي صادر عن البيت الأبيض، سوف يحضر كل من مستشار الأمن القومي الأميركي السفير جون بولتون، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شابات، وأمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف.
وفي أثناء مؤتمر عبر الهاتف مع صحافيين، صرح مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة تخطط للضغط على روسيا في أثناء الاجتماع الثلاثي لمستشاري الأمن القومي بوجوب مغادرة القوات الإيرانية وعملائها من سوريا. وفي حين سيكون تركيز الاجتماع على أنشطة إيران في سوريا ولبنان وبقية المنطقة، تتوقع الولايات المتحدة وإسرائيل أن يكون لدى روسيا مقترحات معينة في الاجتماع. وسوف تصر إسرائيل وأميركا على أن تصدر روسيا، بوضعها المؤثر في سوريا ونفوذها الكبير على نظام الأسد، أوامرها لإيران وتنفذ انسحاب القوات الإيرانية.
وسوف تحدد مسألتان أساسيتان ما إذا كان هذا الاجتماع سينجح أم لا. أولاً، هل روسيا على استعداد للمساعدة في إخراج إيران من سوريا؟ وثانيًا، حتى إذا كانت روسيا مستعدة لذلك، هل هي قادرة على تنفيذه؟
وعود منكوثة
على الرغم من جميع الوعود والمبادرات، لم تفعل روسيا سوى القليل للغاية من أجل الحد من الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا. وقد سمحت روسيا لإسرائيل بقصف منشآت لإيران و«حزب الله» في سوريا، ولكن هذا لأن روسيا لا تستطيع إغضاب إسرائيل. بخلاف ذلك، لم يقع أي حدث كبير يثبت نفوذ روسيا على إيران في سوريا.
في الشهر الماضي، عندما رفضت روسيا طلب إيران بشراء نظام دفاع جوي طراز إس-400. بدا أنها قلقة من أن استحواذ إيران على نظام متطور سوف يغير الميزان الجغرافي السياسي في الشرق الأوسط ويؤجج صراعًا أكبر. ربما تكون هذه الواقعة هي ما دفع أميركا وإسرائيل للسعي لدى روسيا مرة أخرى. بيد أن رفض بيع الأسلحة إلى إيران يختلف كثيرًا عن القدرة على إجبار إيران على الخروج من سوريا.
من جهة أخرى: لا يعطي سجل روسيا انطباعًا جيدًا:
أولاً، تم التوصل إلى اتفاق التخفيف من حدة التصعيد بين روسيا والولايات المتحدة والأردن في 2017. ووفقًا لهذا الاتفاق، كان من المفترض أن تضمن روسيا إبعاد الميليشيات التي تدعمها إيران حليفة الحكومة السورية إلى مسافة 40 كيلومترا (25 ميلاً) من الحدود. وفي أثناء العامين التاليين، فشلت روسيا فشلاً ذريعًا. ولا تزال إيران في جنوب سوريا، بالقرب من الحدود الإسرائيلية والأردنية، ولا تستطيع القوات الروسية وقوات الأسد إبعاد الميليشيات الإيرانية عن هذه الحدود.
يثير عجز روسيا أو عدم رغبتها في الوفاء بوعودها في سوريا شكوكًا حول ضماناتها الأمنية. على سبيل المثال، عندما استخدم الأسد أسلحة كيماوية ضد مدنيين في عام 2013. وكانت الولايات المتحدة مستعدة لشن ضربات عسكرية ردًا على ذلك، ساعد بوتين على إقناع واشنطن بالتريث بضمانه أن النظام سوف يُسَلِم ترسانته الكيماوية. ولكن الأسد احتفظ ببعض من تلك الترسانة واستخدمها منذ ذلك الحين مرارًا ضد مدنيين.
ومما يحمل دلالة أكبر، تعرض القوات الروسية للرفض في يونيو عام 2018 عندما اصطحبت الفرقة الحادية عشرة في الجيش السوري لإجبار قوات «حزب الله» على الخروج من مواقعها في بلدة القصير الحدودية. كانت الخطة – التي لم يتم تنسيقها مع إيران أو «حزب الله» – هي الاستحواذ على معبر الجوسية مع لبنان، ثم الانتقال بالقرب من منطقة القلمون السورية. ولكن رفضت قوات «حزب الله» مغادرة مواقعها؛ وبدلاً من ذلك عادت القوات الروسية والسورية أدراجها وغادرت بعد مرور أقل من أربع وعشرين ساعة على وصولها، وسريعًا ما عزز «حزب الله» وجوده حول القصير.
توضح هذه الحادثة الصغيرة – التي ربما تكون محاولة روسية لاختبار رد فعل إيران – أن موسكو قد تكون غير قادرة على زحزحة عملاء إيران بمجرد ترسيخ مواقعهم.
مد جذور
بينما تتجه جميع الأنظار صوب القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا، وسوف تظل كذلك، تعمل إيران بالفعل خلف الكواليس. تعرف إيران أن القوة الحقيقية في استمرار وجودها بعيدًا عن الوجود العسكري، وأن ضمان نفوذ طويل الأجل في سوريا يتطلب أكثر من الوسائل العسكرية. وبالتالي، هم يطبقون أفضل الممارسات التي استفادوها من تجربتهم مع «حزب الله» في لبنان، حيث رسخ العميل الإيراني القوي وجوده ليس عسكريًا فحسب، بل سياسيا ودينيًا وثقافيًا أيضًا.
ومن أجل وصول هذا النموذج إلى سوريا، تشتري إيران عقارات وتُغَيِر التوزيع الديموغرافي وتطور شبكة دعم بين دمشق والحدود اللبنانية، بهدف نهائي هو إنشاء منطقة نفوذ جغرافي تشبه معقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية في بيروت. كما أنها تدفع ببرامج اجتماعية ودينية واقتصادية مخصصة لإغراء المجتمعات الفقيرة التي لا تجد بدائل مناسبة.
وسوف تسمح هذه الجذور لإيران بالبقاء في سوريا حتى إن حاول الروس أو أي قوة أخرى إزاحة قواتها العسكرية من سوريا. وإذا تم إجبار جميع الحرس الثوري الإيراني وعملائه في مرحلة ما على مغادرة سوريا، سوف يكون وجود إيران قد ترسخ ونفوذها ممتد الجذور.
ما الذي تحاول روسيا الفوز به؟
على الأرجح سوف تحاول إسرائيل والولايات المتحدة تقديم حوافز لروسيا في محاولة للحد من نفوذ إيران في سوريا، والتي قد تتضمن – بحسب تقارير إقليمية – إضفاء شرعية على قيادة بشار الأسد.
وسوف تسعى روسيا إلى الاستفادة قدر الإمكان من هذا الاجتماع. وسوف تكون الضمانات المتعلقة بالأسد أحد مطالب بوتين. بيد أن روسيا ترغب في المزيد، مثل وجود أفضل وأقوى في المشاهد الدبلوماسية الدولية. تريد روسيا القرم، وحل العقوبات، ومزيد من الصفقات الاستثمارية المربحة في سوريا والمنطقة.
إذا حصل بوتين على واحد أو أكثر من هذه المطالب، لا يمكنه أن يقدم شيئا بخلاف الوعود. ولكن بناء على سجلاته السابقة، لا تزال القوات الروسية في سوريا غير قادرة على إزاحة جندي إيراني أو موالٍ لإيران. علاوة على ذلك، حتى إن حاولوا، ستظل إيران أقوى على الأرض. والمكان الوحيد الذي تملك روسيا فيه نفوذًا أكبر هو الساحل العلوي، وذلك لأن إيران قبلت هذه التسوية فحسب.
توجد بالفعل تقارير عن زيادة الخلافات أخيرًا بين إيران وروسيا في سوريا، مثل المواجهة التي حدثت بين جنود روس وميليشيات تدعمها إيران في مدينة حلب شمالي سوريا. وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن معركة قد نشبت بسبب المنافسة على السيطرة على نقاط التفتيش في المدينة، والتي تجلب كثيرًا من المال للقوات الموجودة على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، أفاد «صوت أميركا» في 27 مايو (أيار) بأن قوات الجيش الروسي شنت غارة ضد مجموعة من رجال الميليشيات التي تدعمها إيران والذين تمركزوا في مطار حلب الدولي، وأنه «في أعقابها، تم اعتقال الكثير من قادة الميليشات الإيرانية».
وعلى الرغم من هذه التقارير، فإن الخلاف الأخير، والقديم، بين روسيا وإيران في سوريا ليس سوى مفاوضات حول الأرض والموارد، ولا يعطي أي إشارة على وجود مواجهة جادة.
وتتميز كل من روسيا وإيران بالقوة في سوريا بفضل تحالفهما. ومن دون إحداهما، ستصبح الأخرى ضعيفة للغاية. ولن يضعف هذا التحالف إلا عندما يظنان أنهما انتصرتا في سوريا. وأنهما لم يعودا في حاجة إلى بعضهما بعضا.
ويحتاج المجتمع الدولي إلى استثمار وحضور أكبر في سوريا إذا أراد إخراج إيران.
إذا نجح الاجتماع الثلاثي، يجب أن لا تقبل أميركا وإسرائيل أي وعود من روسيا، ولكن أفعالا قبل أن يقدما أي ضمانات لبوتين.
* حنين غدار: باحثة في زمالة فريدمان الافتتاحية بمعهد واشنطن