* أم كلثوم نجيب محفوظ: أخشى على تراث والدي الذي سلمته للمسؤولين من الضياع، وكل ما أصبحت أحلم به أن يضعوا مقتنيات «أديب نوبل» في «مخزن» آمن إن توقف مشروع المتحف!
* نهى يحيى حقي: أنا عايشة مع 8 آلاف كتاب من كتب والدي في مكتبته التي أحتفظ بها في البيت مع كل مقتنياته وأدواته وأوراقه الخاصة ولوحاته المرسومة بريشته وتسجيلاته النادرة، ولن أفرط في شيء منها.
* فوزية السنهوري: مكتبة خيري شلبي أغلى ما يحتضنه بيتي وما زالت غرفة مكتبه على حالها منذ رحيله بما فيها أوراق آخر مقال كان يكتبه لجريدة «الوفد» ولم يكتمل وعليها قلمه.
* منى رجب: لهذه الأسباب خالفنا وصية أنيس منصور وتبرعنا بمكتبته للجامعة الأميركية بدلا من جامعة المنصورة.
* فاتن عز الدين عيسى: لا يمكن التخلي عن مقتنيات ومكتبة والدي أو التفريط فيها لأي مكان لأنها جزء منه وأتمنى لو أمكن تخصيص متحف لها لأضعها فيه حتى يكون مكاناً مستقلاً يعبر عن ذوق وشخصية والدي.
* هشام إبراهيم أصلان: عدم وجود مكان يتسع لمكتبة والدي الضخمة اضطرنا لتخزينها في كراتين!
* محمد مصطفى: المهندس عبد العزيز العقاد وأسرته خاصموا الإعلام بسبب فشل نداءاته لإنقاذ ما تبقى من تراث العقاد في القاهرة وأسوان
* زكي سالم: مصير محتويات مكتبة نجيب محفوظ الأصلية بالعباسية قبل زواجه هو الإهمال والضياع كمصير كثير من مكتبات المبدعين.
القاهرة: كشفت أم كلثوم نجيب محفوظ عن حزنها العميق لعدم وجود مكان مخصص لمقتنيات والدها حتى الآن بعد تعطل مشروع متحف نجيب محفوظ، وقالت في تصريحات خاصة لـ«المجلة» إن حماسها لحلم تخصيص متحف لوالدها أديب نوبل قد تضاءل وأصبح كل ما تتمناه أن تخزن مقتنيات ومكتبة نجيب محفوظ في مكان آمن للحفاظ على محتوياته. كما أبدت أسر الكثير من مشاهير الكتاب والمبدعين لـ«المجلة» قلقا على مقتنيات ومكتبات ذويهم خشية ضياعها رغم تأكيد حرصهم على رعايتها والحفاظ عليها منذ رحل عنها أصحابها.
حينما يموت الأديب أو المبدع، تتوقف إرادته وتنتهي حريته في التصرف في كل ما كان يمتلك بما في ذلك أفكاره وثقافاته المتمثلة في مكتبته التي كانت الحاضر الدائم في كتاباته والشاهد على إبداعاته سواء لأنه نهل منها ما استخلصه من أفكار وتجارب ورؤى، أو لأنه أضاف إليها مزيدا من ذخائر الفكر والإلهام بإبداعاته. حيث تؤول ملكية مكتباتالمبدعين لورثة يتصرفون فيها كيفما يشاءون، ما لم تكن هناك وصية رسمية لصاحب المكتبة. وتعتبر قضية الحفاظ على تراث الآباء والأجداد من المسؤوليات الكبرى التي يلقى بأعبائها على الورثة كأمانة تتطلب الحفاظ عليها. والمثير للدهشة والتأمل في نفس الوقت هو أن أغلب من حملوا هذه الأمانة وتحملوا مسؤولية الحفاظ عليها كانوا من النساء سواء كن زوجات أو بنات للمبدعين الراحلين، وضربن المثل في حفظ التراث دون السعي وراء المكسب المادي ليؤكدن أن المرأة عبر التاريخ كانت وما زالت دوما رمزا للوفاء وحافظة لتراث الآباء والأجداد.
تقول الإعلامية نهى يحيى حقي في حوار خاص لـ«المجلة» إنها تعتز بكونها ابنة الأديب والدبلوماسي يحيى حقي، وتفخر باحتفاظها بكل كبيرة وصغيرة تخص والدها منذ رحل، ونفت أن تكون قد تصرفت بالبيع في أي قطعة خاصة كما زعمت بعض الصحف المصرية.
وأكدت «حقي» لـ«المجلة» أن مكتبة والدها ومقتنياته الأخرى مثل قلمه وصوره وروبه وخطاباته الخاصة سواء من قرائه أو أصدقائه، ولوحاته التي كان يرسمها في أوقات الفراغ من الكتابة، كلها ما زالت في بيته كما تركها، وقالت: «أنا عايشة حاليا مع كتب يحيى حقي حيث يوجد نحو 8 آلاف كتاب في مكتبته التي بحوزتي». وأضافت: «أنا أحتفظ بكل مقتنياته في غرفة علوية لأن البيت لا يستوعب كل هذه المحتويات وفي نفس الوقت لا أستطيع التفريط فيها خوفا عليها. وكشفت نهى حقي لـ«المجلة» عن أنه كانت هناك محاولات لإقامة متحف للمبدعين المصريين في منطقة القلعة الأثرية بالقاهرة وأنها قامت بتسليم المسؤولين تمثالا لوالدها، ولكنها لا تدري شيئا عن مصير هذا المشروع ولم يدعها أحد لافتتاحه وتفكر حاليا بالمطالبة باستعادة تمثال والدها في حال توقف المشروع. وتقول ابنة الأديب الدبلوماسي لا زلت أحتفظ بالكثير من مقتنيات والدي وأدواته وأوراقه الخاصة وشهادات تقدير ولوحات مرسومة بريشته وتسجيلات نادرة له وأخشى عليها من الضياع وكنت أحلم أن تخصص وزارة الثقافة المصرية حديقة للخالدين والعظماء في مختلف المجالات تضم مثل هذه الكنوز وتضمن الحفاظ عليها.
وكشفت نهى حقي عن قيام والدها قبل رحيله بالتبرع بجزء من مكتبته لجامعة المنيا الإقليمية جنوب مصر تقديرا لهم على تكريمه ومنحه الدكتوراة الفخرية في احتفالية ذكرى وفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين. كما أهدت نهى حقي مكتبة الإسكندرية مجموعة من الكتب الفاخرة التي يزن الواحد منها 5 كيلوغرام. وعبر «المجلة» توجه «حقي» نداءً لمن قاموا باستعارة كتب نادرة من مكتبة والدها ولم يردوها بإعادتها ومنها كتب من أمهات الكتب في المكتبات العربية وكذلك أيضا كتاب قديم يضم كل أعمال توفيق الحكيم ولا يوجد له نظير حاليا وتهيب بمن استعار هذه الكتب أن يعيدها إليها.
وفي حوار خاص لـ«المجلة» أكدت السيدة فوزية السنهوري أرملة الأديب خيري شلبي أن مكتبة زوجها ومقتنياته أغلى ما يضمه بيتها ولا يمكن أن تفرط فيها أبدا، وقالت: «إن مكتبته كانت أول شيء أحضرناه للشقة الجديدة وهي أغلى شيء عنده، وكان سعيدا جدا بها لأنها تستوعب جميع كتب مكتبته الكبيرة التي كونها عبر سنين عمره، وأذكر أنه أوصاني ذات مرة وبشكل مفاجئ أن لا أفرط في هذه المكتبة وأن تظل موجودة بشقته ومفتوحة لكل تلاميذه ومحبيه بالإضافة إلى أفراد العائلة الذين يعملون في الصحافة والإعلام والأدب».
لقد كان العثور على مكان واسع وكبير يضم كل مكونات مكتبته حلم حياة الأديب خيري شلبي وفي لقاء صحافي سابق معه كشف عن أمنيته في امتلاك بيت كبير بدلا من بيته الذي كان يستأجره آنذاك قبل أن ينجح في تحقيق حلم حياته بامتلاك شقة في حي المعادي بجنوب القاهرة ليستطيع أن يخصص فيها مكانا أوسع لمكتبته التي تحتل جانبا كبيرا من بيته. وتقول أرملته: «لقد أخذت على عاتقي الحفاظ على هذه المكتبة وتنفيذ وصيته، لذلك رفضنا خروج كتاب واحد منها وحرصنا أن يبقى كل شيء كما وضعته يده لحظة رحيله وهو يكتب مقال جريدة (الوفد) الذي لم يكمله وما زالت أوراقه على المكتب بجوار نظارته وأقلامه التي جف حبرها ولكن ما زلت أحتفظ بها».
وإذا كان خيري شلبي نجح في حل أزمة العثور على مكان لمكتبته، فإن الأديب الراحل إبراهيم أصلان لم يمهله القدر لتحقيق هذا الحلم، حيث وجدت أسرته صعوبة كبيرة في الحفاظ على مكتبته واستمرارها في نفس المكان الذي عاش فيه. وفي حواري مع الأديب إبراهيم أصلان قبيل رحيله سألته عن سبب تسميته لروايته الشهيرة «غرفتان وصالة» بهذا الاسم، أجابني بلهجة ملؤها المرارة والسخرية أن هذا العنوان يعكس نمطا معيشيا لغالبية البسطاء في مصر والذين يعيشون في مساحات ضيقة جدا، وقال إنه استلهمها من خبراته كإنسان والتي لا يستطيع الانفصال عنها ككاتب يشارك البسطاء هذه الحياة الصعبة من خلال معيشته في بيت صغير بالإيجار ولا يمتلكه وقد يضطر لمغادرته تحت أي ظرف وهو ما يشعره بقلق كبير على مصير كتبه ومكتبته الضخمة التي تستحوذ على مساحة كبيرة من البيت الصغير ويفكر في استئجار مكان خاص بها حتى لا يضطر لوضعها في كراتين. لقد استشعر الأديب إبراهيم أصلان بالقلق على مصير مكتبته، وبدا قلقه في محله بعد رحيله واضطرار أسرته إلى ترك المكان لملاكه ليكون مصير كتبه ومكتبته هي التخزين في كراتين. وبالاتصال بابنه الصحافي هشام أصلان أكد لـ«المجلة» أن محتويات مكتبة والده ومقتنياته موجودة بالكامل ولكنها غير معروضة في مكانها الطبيعي لعدم وجود مكان حيث اضطرت الأسرة لتخزينها في كراتين!
وفي الإسكندرية كان يعيش رائد أدب الخيال العلمي والدراما الإذاعية الدكتور يوسف عز الدين عيسى ورحل وترك مكتبة ضخمة زاخرة بالكنوز المعرفية ورثتها ابنته «فاتن»، وفي حوار خاص معها قالت لـ«المجلة»: «مات أبي وترك مكتبة ضخمة تشغل كتبها عدة غرف بالبيت وما زلت أحتفظ بكل شيء كما تركته يداه وكأنه ما زال فيه، ومن أهم مقتنياته التي تركها كتبه التي كان يقرأ فيها ويدون ملاحظاته على حروف صفحاتها ودفاتره وأوراقه التي كان يسجل فيها أفكاره وإلهاماته التي تأتيه أثناء القراءة، كما أحتفظ بقلمه ونظارته وجميع أدواته التي كان يستخدمها كلها ما زالت موجودة». وتكشف فاتن عز الدين عيسى لـ«المجلة» أن حجرة مكتب والدها التي تحتفظ بها في البيت كانت شاهدة على لقاءاته بالكثير من ضيوفه الإذاعيين والفنانين الذين عمل معهم أو أصدقائه الذين التقى بهم ومنهم المخرج عاطف سالم، والأديب نجيب محفوظ. كما تضم أيضا مقتنيات نادرة كانت تخص والدها، ومنها تسجيلات لأعماله الإذاعية وصوره التي تحمل توقيعات وإهداءات من مشاهير المفكرين والمبدعين منها صورته مع العالم المصري الدكتور مصطفى مشرفة، وأيضا جهاز الراديو الضخم القديم وكذلك جهاز التسجيل الخاص به الذي كان يسجل عليه أعماله الإذاعية بالإضافة لأوراق خاصة باسكريبتات هذه الأعمال بخط يده.
وأكدت فاتن عز الدين أنها لا تفكر في التخلي عن هذه المقتنيات الخاصة بوالدها ومكتبته أو التفريط فيها لأي مكان خشية الضياع، وقالت: «إنها جزء من والدي وأتمنى لو أمكن أن يخصص لها متحف خاص لأضعها فيه حتى يكون مكانا مستقلا يعبر عن ذوق وشخصية والدي».
وبنفس الوفاء تعاملت الإعلامية نهال كمال أرملة الشاعر عبد الرحمن الأبنودي ونجلتهما آية ونور مع مكتبته، حيث جعلن من بيته، الذي عاش وتوفي فيه بمحافظة الإسماعيلية، متحفا لحفظ مقتنياته، وتأمين مكتبته الزاخرة بكل نفيس والتي تقع في غرفته المفضلة التي كان يجلس فيها وكان يطلق عليها «الكتبخانة».
وما زالت الفنانة معتزة صلاح عبد الصبور تحتفظ بمكتبة والدها الزاخرة بآلاف الكتب وقد أصابتها الحيرة بشأن كيفية التصرف فيها خاصة بعد رحيل والدتها أيضا حيث فكرت في التبرع بها لمكتبة الإسكندرية في عهد الدكتور إسماعيل سراج الدين لكنه لم يرد عليها ولما فكرت في جامعة القاهرة نصحها البعض بالتأني خوفا على مصير المكتبة من أي إهمال محتمل.
الوفاء للمبدعين الراحلين والحفاظ على مقتنياتهم لا يقتصر على الزوجة والأبناء وإنما قد يمتد أيضا للتلاميذ والأصدقاء. فقد حظي مشاهير ومبدعون أمثال محجوب عمر وأحمد بهاء الدين بوفاء وحب من تلاميذ وأحباء أقاموا لهم مشروعات ثقافية لتخليد أسمائهم وتكريمهم. حيث أنشأ محبو الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين مركزا ثقافيا كبيرا يحمل اسمه، في قرية الدوير بمركز صدفا في محافظة آسيوط - جنوب مصر - وهو مركز يضم مكتبته الخاصة إضافة إلى مكتبة المفكر الدكتور محجوب عمر، ويتيح الفرصة لكل القراء للاستفادة منها.
وهناك من تحولت بيوتهم بالكامل إلى متاحف عامة تضم مكتباتهم ومقتنياتهم الخاصة فأصبحت ذكراهم خالدة وتاريخهم متاحا لكل من يريد الاطلاع أو الزيارة. وهناك على شاطئ النيل القاهري وفي منطقة مميزة يقع متحف أمير الشعراء أحمد شوقي والمعروف بكرمة ابن هانئ وهو البيت الذي كان يعيش فيه ويضم بين جنباته مكتبة كبيرة ومقتنيات ووثائق مهمة منها 700 مسودة مخطوطات بيده لأشعاره و332 كتابا من مؤلفاته إضافة إلى مكتبة سمعية خاصة بأغاني محمد عبد الوهاب حيث عرف باحتضانه وتشجيعه له في البداية.
وعلى بعد كيلومترات قليلة من الأهرامات الفرعونية يوجد بيت عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والذي تحول إلى متحف رسمي تابع للدولة بكل محتوياته ومنها مكتبته الضخمة التي أصبحت متاحة أمام الجميع، وظلت مكتبة الدكتور طه حسين في مكانها بالدور الأول من البيت حيث تضم 6859 كتابا، منها 3725 كتابا باللغة العربية، و3134 كتابا باللغات الأجنبية.
وفي إحدى مقالاته كتب أنيس منصور يندد بالإهمال الذي طال بعض مكتبات المشاهير وأشار إلى أن مكتبة طه حسين تعد الأوفر حظا نظرا لأن طه حسين خصص لنفسه بيتا كبيرا يضم مكتبة زاخرة بالكتب والمؤلفات.
ويبدو أن مشاهدات أنيس منصور لما تعرضت له بعض المكتبات من سرقة وإهمال، خلقت لديه خوفا وقلقا على ميراثه الثقافي من أن يلقى نفس المصير، فأوصى بالتبرع بمكتبته بعد رحيله إلى جامعة المنصورة - في دلتا مصر - حيث كان مسقط رأسه، إلا أن ما حدث خالف وصيته، وتم وضعها بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وهو ما أثار دهشة الكثيرين ممن رأوا ضرورة تنفيذ وصية أنيس منصور!
وبالاتصال بأسرته لمعرفة سبب عدم تنفيذ وصية أنيس منصور، كشفت الكاتبة الصحافية منى رجب ابنة أرملة أنيس منصور عن سر عدم تنفيذ وصيته في تبرعه بالمكتبة لجامعة المنصورة، وقالت لـ«المجلة»: «كنا بالفعل قد عزمنا على تنفيذ وصيته وأبلغنا الجامعة لنقل المكتبة بالكامل لكننا فوجئنا باللواري قادمة لحمل كتب الراحل ومقتنياته واستشعرنا المهانة والإهمال في طريقة نقلها للجامعة! فقررت الأسرة كلها بالإجماع الاحتفاظ بالمكتبة حتى جاء عرض الجامعة الأميركية بتخصيص متحف لأنيس منصور في مقرها الجديد بمنطقة التجمع الخامس بضواحي القاهرة، وبجوار متحف الدكتور بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة».
وقالت منى رجب: «عندما رأينا الاهتمام والرقي في التعامل مع المكتبة والحفاظ على محتوياتها قمنا بتسليم كافة متعلقات أنيس منصور ومنها بطاقته وباسبوره وقلمه ونظارته وأعماله وكتبه كلها وكتبنا تعاقدا مع الجامعة يضمن إتاحة المكتبة لكل الباحثين والمهتمين بأنيس منصور واعتبرتها والدتي صدقة جارية على روحه».
للأسف الشديد ما كان يخشاه أنيس منصور على ميراثه الثقافي تعرض له آخرون ممن تعرضت مقتنياتهم ومكتباتهم لإهمال وإتلاف وعلى رأسهم مكتبة أم كلثوم التي تعرضت للضياع والاختفاء بهدم فيلا أم كلثوم والتي كانت تزخر بمكتبة كبيرة حيث اشتهرت بحبها للقراءة والاطلاع. وهو نفس المصير الذي واجه مكتبة الشاعر أحمد رامي والتي تفرقت محتوياتها كما يتفرق الدم بين القبائل خاصة بعد انهيار بيته الكائن بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة مسدلا الستار على حكايات وإبداعات ولقاءات شهدتها أركان مكتبته وجدران الغرفة التي كانت توجد فيها.
وعلى الرغم من أن دار الكتب المصرية (الكتبخانة) هي الملاذ الآمن والمأوى الأخير لمكتبات معظم الرواد والمبدعين عبر السنين ومنها المكتبة التيمورية الخاصة بعائلة العالم أحمد تيمور باشا وولديه الأديبين محمد ومحمود التي انتهى المطاف بها هناك وكذلك مكتبات العقاد ويوسف إدريس ويوسف السباعي وغيرهم، لكن يبقى التخوف الدائم من الأخطاء البشرية والتعامل الروتيني مع كنوز لمبدعين كبار وهو ما قد ينتج عنه من ضياع أو إتلاف. كما شاركت مكتبة الإسكندرية أيضا في رسالة الحفاظ على تراث المبدعين واحتضنت مكتبات ومقتنيات الكثير من المشاهير ومنهم رائد المسرح المصري يوسف وهبي حيث توجد مكتبته ومقتنياته الشخصية النادرة هناك.
كما تعتبر المكتبة التراثية بجامعة القاهرة ملجأ لكثير من المكتبات التائهة مثل مكتبة عبد القادر المازني التي ظلت حبيسة منزل مهجور لفترات طويلة، وهو نفس المصير الذي انتهت إليه مكتبة الدكتورة عائشة عبد الرحمن الشهيرة ببنت الشاطئ ومكتبات كل من لويس عوض وعلي أحمد باكثير وعلي مبارك المعروف بـ«أبو التعليم» في مصر، ومصطفى صادق الرافعي صاحب المعارك الشهيرة مع العقاد.
إلا أن أكثر الكوارث الثقافية كانت من نصيب مكتبة الأديبة مي زيادة فلم يشفع لها تألقها في الحياة الأدبية والثقافية كصاحبة أشهر صالون أدبي في عصرها، في حماية تراثها من الضياع والإهدار بشكل مهين. لقد كانت النهاية المأساوية من نصيب مي زيادة وكل ما تركته من آثار متعلقة بها بما فيها كتبها ومكتبتها الشهيرة. فبحسب ما ذكرته الكاتبة سلمى حفار في كتاب «مأساة النبوغ» فإن مي زيادة انتقلت للعيش في أكثر من مكان بوسط القاهرة في أيامها الأخيرة بسبب عجزها عن سداد الإيجارات، وهو ما تسبب في ضياع الكثير من مقتنياتها وممتلكاتها بما فيها محتويات مكتبتها، وفي النهاية تم بيع ما تبقى في حوزتها من مقتنيات لسداد ديونها بينما تبعثرت وتفرقت محتويات مكتبتها بين كثير من الناس في ظل تلك الظروف الصعبة.
الأديب عباس محمود العقاد أحد أعلام الأدب العربي في عصره والعصور التالية لم تنج مكتبته العريقة من العبث والإهمال بعد رحيله واضطرار عائلته إلى مغادرة بيته القاهري إلى أسوان جنوب مصر حيث دفن في مسقط رأسه. لقد فشلت كل نداءات المثقفين بإنقاذ بيت العقاد بالقاهرة بمنطقة مصر الجديدة ما استلزم نقل مكتبته إلى عدة أماكن بعضها إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ودار الكتب، إلا أن انتقادات كبيرة طالت الطريقة المهينة التي تم التعامل بها مع مكتبة العقاد وتسببت في ضياع الكثير من محتوياتها.
ويخشى أن تلقى مكتبته الصغيرة في بيته الكائن بأسوان جنوب مصر نفس المصير خاصة في ظل الإصرار على عدم الاستجابة لاستغاثات أسرة العقاد بسرعة إنقاذ بيته الذي أصبح جدرانا مهجورة قائمة على مجموعة من الأعمدة الخشبية وتحويله إلى متحف، أسوة بما يحدث في دول العالم مع بيوت المبدعين.
وفي تصريحات خاصة لـ«المجلة» قال محمد المصطفى المستشار الإعلامي لأسرة العقاد إن المهندس عبد العزيز العقاد ابن شقيق الأديب الكبير قد أصابه الإحباط وأصبح يرفض التعامل مع الصحافة والإعلام بعد أن تكررت نداءاته ومطالباته ككبير أسرة العقاد بالمطالبة بإنقاذ ما تبقى من أثر يخص العقاد وهو بيته الكائن في أسوان، والذي تم نقل جزء كبير من محتوياته لقصر ثقافة العقاد بأسوان لعرضه للجمهور والحفاظ عليه من الضياع في ظل خطر تهدم البيت، ومنها جزء من مكتبة العقاد وأجزاء من أثاث منزله حيث تم تخصيص قاعة كبرى بقصر ثقافة العقاد لوضع بعض مقتنياته ومتعلقاته الشخصية ومنها مكتبته الخاصة وحجرة معيشته وعصاه وطربوشه وكوفيته التي اشتهر بارتدائها مع الروب.
المثير في الأمر أنه على بعد كيلومترين من ذلك البيت المتصدع نتيجة الإهمال، والذي شهد لقاءات العقاد مع قمم الفكر والثقافة في عصره، وتحديدا أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون تم إنشاء مقبرة كبيرة لعباس العقاد على طراز فني في منطقة مميزة من كورنيش النيل بأسوان يتصدرها تمثال للعقاد لتكون مكانا مميزا ومزارا، بينما ترك بيته مهجورا في انتظار النهاية الحزينة فيما يبدو أن جثمان العقاد الميت أكثر حظا من فكر العقاد المبدع!
وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد من الزمان على رحيل أديب نوبل نجيب محفوظ، ما زالت مكتبته ومقتنياته حائرة تبحث عن مكان تبقى فيه بسلام وأمان بعيدا عن مخاطر الضياع، وأصبح هذا الحلم هو الشغل الشاغل والمسؤولية التي أخذتها على عاتقها ابنته أم كلثوم أو «هدى» كما تحب أن نناديها. وفي حوار خاص معها لـ«المجلة» أكدت «هدى نجيب محفوظ» أنها لا تعرف شيئا عن متحف نجيب محفوظ وأنها منذ فترة ما قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 قامت بتسليم 1000 كتاب مع قبعته وعصاه ومكتبه الخاص الذي كان يكتب عليه، وقالت: «سلمناها لوزير الثقافة آنذاك فاروق حسني ضمن قائمة من المقتنيات التي تم تسليمها». وأشادت ابنة نجيب محفوظ بفاروق حسني مؤكدة أنه كان أكثر وزراء الثقافة المصريين اهتماما بمتحف والدها الأديب العالمي. وأضافت قائلة: «كان المخرج الراحل توفيق صالح أحد أصدقاء والدي المقربين، وكان هو رئيس اللجنة الخاصة بهذا المشروع ولكن مع تغير وزراء الثقافة، تعرض المشروع للتوقف نتيجة لتنازع وزارتي الثقافة والآثار بعد انفصالهما نظرا لأن المكان الذي تم اختياره متحفا هو وكالة أبو الدهب وهو مكان أثري جميل ويحتاج لإجراءات روتينية كثيرة، وعندما استشعرت القلق على مقتنيات والدي طلبت من حلمي النمنم وزير الثقافة آنذاك أن ينقل مقتنيات والدي لمكتبة الإسكندرية خاصة أن الدكتور إسماعيل سراج الدين كان صديقا لوالدي ويحبه كثيرا ويرغب في تخصيص متحف له لكن حلمي النمنم رفض!! ويبدو أنه كانت هناك أزمة تمويل تسببت في تعطيل هذا الأمر وما زال الأمر معلقا حتى اللحظة وكل ما أتمناه هو أن يتم الحفاظ على مقتنيات والدي التي سلمتها.
كما كشفت هدى نجيب محفوظ عن احتفاظها بجزء آخر من مقتنيات وكتب والدها التي خصها بها وطبع عليها إهداءاته لها بخط يده وغيرها من أدواته الخاصة التي أكدت على حرصها على عدم التفريط فيها لقيمتها المعنوية لديها.
وفي حوار خاص لـ«المجلة» كشف الدكتور زكي سالم أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة وأحد المقربين من نجيب محفوظ، أن مكتبة نجيب محفوظ الأصلية والكبيرة كانت تلك المكتبة التي كونها بنفسه في منزله بالعباسية بوسط القاهرة حيث كان يقيم مع أسرته وحرص على بقائها بعد زواجه وانتقاله للعيش في حي العجوزة بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة حيث كان يرتادها مع زياراته المتكررة لوالدته، ولكن مع مرور الزمن وبعد وفاة الوالدة اضطر نجيب محفوظ لترك هذه المكتبة بكل مشتملاتها هدية لأفراد عائلته وكون مكتبة جديدة لكنها كانت أصغر بكثير من مكتبته بالعباسية والتي كان مصير محتوياتها الإهمال والضياع كمصير كثير من مكتبات المبدعين.
وأضاف سالم أن «مصير المكتبة الجديدة التي سلمتها أسرة نجيب محفوظ للمسؤولين مهددة أيضا بالإهمال والضياع تحت أي ظرف بسبب عدم خروج مشروع متحف نجيب محفوظ للنور»، واعتبر أن كل هذا التأجيل للمشروع ينطوي على تجاهل مؤسف لأديب كبير كان يستحق منا أكثر من ذلك.