* المدير العام الإقليمي للمجلس النرويجي للاجئين في الشرق الأوسط لـ «المجلة»: يوجد خطرٌ واضح يكمن في فقدان جيلٍ كامل من الأطفال أينما يوجد الصراع، خاصة في سوريا واليمن وفلسطين والعراق.
* تهجير أكثر من 68.5 مليون شخص بالقوة في جميع أنحاء العالم نتيجة للاضطهاد أو النزاع أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان.
* أزمة اللاجئين في سوريا الأكبر في العالم بعد أكثر من ثماني سنوات من الصراع، حيث فرّ نحو 5.6 مليون شخص من البلاد كلاجئين ونزح 6.2 مليون داخل البلاد.
* أكثر من 50 في المائة دون سن 18ــ في المنطقة ما يسميه الكثيرون بـ «الجيل الضائع» من الأطفال والشباب غير المتعلمين والمصابين بصدمات نفسية.
* يولد الأطفال في أوضاع خارجة عن إرادتهم، ولكنهم يتحملون وطأة الحرب والدمار والتهجير والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، وسيواصلون دفع ثمن هذه الصراعات
* مختصون: نحن نعيش في مرحلة لم يشهد مثلها التاريخ وبالتالي هناك حاجة ملحة إلى حلول عالمية ومشتركة
*اليونيسيف: يتم استغلال الأطفال خلال النزاعات ويتم معاملتهم بشكلٍ سيِّئ أو إجبارهم على الانضمام إلى الجماعات المسلحة أو الزواج المبكر.
تقرير منظمة «أنقذوا الأطفال»: الأطفال في سوريا مدمرون نفسيًا ومتعبون. وعندما نمارس أنشطة مثل الغناء معهم، فإنهم لا يستجيبون على الإطلاق... ويرسمون صورًا لأطفال يذبحون في الحرب أو لدبابات أو للحصار ونقص الطعام.
لندن: لقد تم تهجير أكثر من 68.5 مليون شخص بالقوة في جميع أنحاء العالم نتيجة للاضطهاد أو النزاع أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان. ويأتي ما يقرب من 40 في المائة من المهجرين من المنطقة العربية التي لا تزال تشكل تحديات هائلة وتعيش حالات طوارئ متعددة ومعقدة لم تشهدها من قبل. ولا تزال الأزمة الإنسانية وأزمة اللاجئين في سوريا الأكبر في العالم بعد أكثر من ثماني سنوات من الصراع، حيث فرّ أكثر من 5.6 مليون شخص من البلاد كلاجئين ونزح 6.2 مليون شخص داخل سوريا. وتسبب العنف وعدم الاستقرار في بلدان أخرى مثل العراق وليبيا واليمن في موجات نزوح.
ومن بين النتائج المأساوية للنزاعات المستمرة في المنطقةــ التي لا يتناسب عدد سكانها الشباب مع وجود أكثر من 50 في المائة دون سن 18ــ ما يسميه الكثيرون «الجيل الضائع» من الأطفال غير المتعلمين والمصابين بصدمات نفسية. وقال المدير العام الإقليمي للمجلس النرويجي للاجئين في الشرق الأوسط كارستن هانسن لمجلة «المجلة» إنه يوجد «خطرٌ واضح وحاضر للغاية يكمن في فقدان جيلٍ كامل من الأطفال أينما يوجد الصراع، سواءٌ في سوريا أو اليمن أو فلسطين أو العراق أو في أي مكانٍ آخر».
ويولد الأطفال في أوضاع خارجة عن إرادتهم، ولكنهم يتحملون وطأة الحرب والدمار والتهجير والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، وسيواصلون دفع ثمن هذه الصراعات. ويمكن وصف الآثار الطويلة الأمد على مستقبل شباب المنطقة الذين قد لا يتذكرون ما سبق فترة الحرب الوحشية بالهائلة والمدمرة والتي لا يمكن التنبؤ بها.
صدمة الحرب
تنتشر المشاكل النفسية عند أوساط اللاجئين بشكلٍ كبير وهو أمرٌ قليلٌ ما يتحدث عنه الإعلام بالمقارنة مع القضايا الجسدية والاجتماعية. وبحسب تقرير صادر عن الغرفة الاتحادية للأطباء النفسيين في ألمانيا، فإن أكثر من نصف عدد اللاجئين من مناطق الحرب يعانون نوعًا ما من الاضطرابات النفسية. وقد يتّمت الحرب الكثير من الأطفال، الذين رأوا بيوتهم ومجتمعاتهم مدمرة وعانوا من الجوع والعطش ولم يتلقوا أي نوع من التعليم أو العلاج الطبي، أي إنهم حرموا من أبسط حقوقهم الإنسانية الأساسية.
ووفقًا لليونيسيف، غالبًا ما يتم استغلال الأطفال أو تتم معاملتهم بشكلٍ سيِّئ أو إجبارهم على الانضمام إلى الجماعات المسلحة أو الزواج المبكر. وتعتبر حالة الاكتئاب ومتلازمة الاضطراب ما بعد الصدمة والميول إلى الانتحار والعدوان الشديد والأمراض العقلية الأخرى الناتجة عن هذا الارتياع جروحا غير مرئية لا يتم اكتشافها مبكرًا بما فيه الكفاية. ناهيك بالقدرة على علاجها بشكلٍ صحيحٍ وكامل في سوريا وخارجها. ونقل التقرير الصادر عن منظمة «أنقذوا الأطفال» لشهر مارس (آذار) 2017 بعنوان «الجروح غير المرئية» عن أحد الأساتذة في بلدة مضايا السورية قوله إن «الأطفال مدمرون نفسيًا ومتعبون. وعندما نمارس أنشطة مثل الغناء معهم، فإنهم لا يستجيبون على الإطلاق... ويرسمون صورًا لأطفال يذبحون في الحرب أو لدبابات أو للحصار ونقص الطعام».
ويقول المسعفون الذين يعالجون الأطفال في البلدان التي تعاني من الحرب إن الخراب والآثار المستمرة للوضع النفسي تفوق كل ما رأوه من قبل. وطغت أعراضهم تلك التي يعاني منها المصابون بمتلازمة الاضطراب ما بعد الصدمة. واستخدم الدكتور م. ك. حمزة، وهو طبيب علم النفس العصبي في الجمعية الطبية السورية الأميركية، مصطلح «متلازمة الخراب البشري» لأنه شعر أن المصطلحات الموجودة لا تصلح للوصف الدقيق لمستويات الرعب التي يعيشها هؤلاء الأطفال.
وأخبر هانسن «المجلة» بأنه يمكن ملاحظة الآثار النفسية للنزاعات عند الأطفال حتى بعد انتهاء النزاع ويتعرض الأطفال في المناطق التي يستمر فيها تصاعد القتال إلى العنف الصادم والمتكرر الذي يمكن أن يقوض سنوات من العمل.
وقال هانسن: «وجدنا في قطاع غزة فقط أن 68 في المائة من الأطفال يعانون من حالات نفسية وهم الذين يعيشون بالقرب من السياج الإسرائيلي المحيط بالمدينة، ويشهد الكثير منهم على انفجارات في الحي الذي يعيشون فيه. ويعاني هؤلاء الأطفال من معدلات عالية بنسبة غير طبيعية من الكوابيس ومن عدم التركيز في المدرسة».
ومع ذلك، أعرب هانسن عن وجود ما يدعو للتفاؤل وقال إن «الأطفال الذين يعانون حالات نفسية ويحصلون على فرصة ليتعالجوا على يد مختصين لديهم نسبة عالية من احتمال الشفاء والنجاح».
ويواجه الأطفال الناجون مستقبلاً بائسًا إذا لم يتم تقديم مساعدة فورية وموجهة وطويلة الأجل لهم لتوفير الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي الذي يحتاجون إليه. وكلما طالت مدة عدم تلقيهم العلاج، زادت ودامت التأثيرات على صحتهم العقلية والبدنية. ومن الجدير ذكره أن أهالي الأطفال اللاجئين يتعرضون للصدمات أيضًا في كثيرٍ من الأحيان، لذا فهم لا يستطيعون توفير بيئة آمنة للطفل ليشعر بالأمان.
ولطالما كانت الرعاية بالصحة النفسية غير متوفرة كما يجب في المنطقة حتى قبل بدء النزاع. وتوجد حاجة ماسة اليوم إلى خدمات الصحة النفسية في المنطقة، إذ إنها متوفرة بأدنى مستوى ممكن لأن الموارد والاهتمام بقضايا الصحة النفسية لا يكفي، وبالتالي يبقى الملايين من اللاجئين الشباب دون أي فرصة للتعبير عن صدمتهم ودون الحصول على الدعم والعلاج.
وصرح المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ماثيو سالتمارش لمجلة «المجلة» بأن تحسين الأوضاع النفسية للاجئين الشباب وتوفير خدمات صحية نفسية حساسة لهم يُعَدّ تحدياً كبيراً، لأن 85 في المائة من اللاجئين في العالم يعيشون في البلدان النامية، وبالتالي فإن توفير العلاج النفسي محدود للغاية في بلدان مثل لبنان والأردن وتركيا. وأردف قائلاً إنه ومع الأسف: «غالبًا ما يكون توفير الدعم النفسي والاجتماعي ودعم مجالات أخرى مثل الإعاقة محدودًا، حيث يتم صرف الموارد للاستجابة لحالات الطوارئ مثل الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية». وأوضح سالتمارش أن بعض المجالات مثل الصحة العقلية قد تم إهمالها إلى حدٍ ما في الكثير من المواقف بسبب نقص التمويل والدعم لوكالات مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويعاني الأشخاص المصابون بأمراض عقلية من النقص الحاد في اختصاصيي الصحة النفسية ومن العار ويتم في كثيرٍ من الحالات تجاهل مرضهم. وأخبر هانسن «المجلة» بأن المجلس النرويجي للاجئين يواجه «مقاومة ثقافية» في المجتمعات التي تعتبر حالات الأمراض النفسية وصمة عار. ويمكن لهذا أن يمنع الأطفال وأسرهم في كثير من الأحيان من طلب العلاج خوفًا من أن يتم تمييزهم. وأضاف: «على الرغم من ذلك، فإن نتائجنا مشجعة للغاية وتمنحنا الكثير من الأمل فيما نفعله».
جيلٌ من الأطفال غير المتعلمين
غالبًا ما يكون التعليم من أوائل ضحايا الصراع. وأوضح هانسن أن الأطفال يتركون المدرسة لأنه من غير الآمن السفر أو لأن مدرستهم تعرضت للقصف أو لأن عليهم العمل لإعالة أسرهم. كما تترك الفتيات الصغيرات المدرسة لتتزوجن بعمرٍ مبكر، وهذه إحدى آليات التأقلم السلبية في كل البلدان التي يسود فيها حالة من عدم الاستقرار والفقر.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عام 2015 فقد تسببت الصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا بخروج نحو 13 مليون طفل من المدارس. ولا يتلقى نحو 43 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن والعراق التعليم. ويعني حجم الأزمة أن الحكومات التي كانت أنظمتها التعليمية أصلاً تعاني من بعض الضغط، تصارع في الوقت الراهن لتوفير التعليم للوافدين.
وأوضح سالتمارش أن إمكانية حصول الأطفال الذين تركوا المدارس منذ فترة طويلة على عملٍ مربح في المستقبل أمرٌ صعبٌ جدًا. وقال: «يبلغ عدد المراهقين اللاجئين المسجلين في المدارس الثانوية نحو 23 في المائة وتنخفض هذه النسبة في البلدان ذات الدخل المنخفض لتصل إلى 9 في المائة، في حين أن المعدل العالمي لغير اللاجئين هو 84 في المائة»، مضيفًا أنه «عندما تفوتك حصة كبيرة من التعليم الثانوي أو إن لم تستطع مواصلة تعليمك فيصبح من الصعب للغاية أن تمتلك المهارات اللازمة لإيجاد وظيفة وأن تصبح أكثر إنتاجية».
يمنح التعليم الأطفال المهارات التي يحتاجونها ليكبروا ويكونوا أفرادًا منتجين ومستقلين في المجتمع، وبالتالي يعاني الأطفال غير المتعلمين من عواقب سلبية على المدى القصير والطويل. وذلك لا ينحصر على الأفراد فحسب بل على البلدان التي ترسلهم وتستقبلهم أيضًا. وسيؤدي في سوريا رحيل الملايين من اللاجئين بالإضافة إلى عدم التعليم غير الكافي إلى تدهور أثمن أصول الدولة على المدى الطويل وهي رأسمالها البشري.
وشدد سالتمارش على أنه عندما تصبح سوريا في أمسّ الحاجة إلى هذا الرأسمال في المستقبل ستلحظ النقص الجماعي في المهارات الحيوية. وأوضح قائلاً: «سيحتاجون عند عودتهم إلى دعمٍ كبير من المجتمع الدولي لمساعدة الناس على إعادة بناء الهياكل فعليًا ثم محاولة التأكد من وجود عدد كافٍ من الأشخاص والموظفين الجيدين لإدارة الخدمات العامة والتأكد من أن البلاد قادرة على الوقوف على قدميها مجددًا».
ومن العوامل التي تمنع الأطفال اللاجئين والمشردين من تلقّي التعليم أزمة التوثيق التي تتشكل في المنطقة والتي تضع مئات الآلاف من الناس في مأزق قانوني وتتسبب في تعرضهم لعواقب وخيمة تمنع قدرتهم على الوصول إلى الخدمات. وقال هانسن إنه يوجد عدد كبير من اللاجئين لا يمتلكون وثائق ثبوتية، إما لأنهم دخلوا البلاد بطرق غير قانونية أو لأنهم فقدوا وثائقهم أثناء فرارهم أو لأنهم فقدوا تسجيلهم لدى السلطات. ويعرضهم ذلك لمزيدٍ من المخاطر ويمنعهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية كتعليم أطفالهم أو الحصول على وظائف.
يواجه الأطفال النازحون في الداخل نفس التحديات. وقال هانسن إنه غالبًا ما يتعرض الأطفال للتحقير لأنهم ولدوا في مناطق تحت أيدي الجماعات المسلحة ولا يتم إصدار الوثائق الأساسية التي يحتاجون إليها لإثبات هويتهم الشخصية والتي تعد رئيسية لإعادة بناء حياتهم. ويضيف أن 45 ألف طفل نازح في مخيمات العراق ليست لديهم وثائق تثبت هويتهم مما يحرمهم من حق الحصول على التعليم والرعاية الصحية.
ويوضح أن هذا «يحرمهم من أبسط حقوقهم كمواطنين عراقيين - مما يخلق جيلاً مهمَلاً غير قادر على السفر بين المدن والبلدات العراقية وممنوعاً من الالتحاق بالمدارس الرسمية والحصول على شهادات تعليمية وتلقي الرعاية الصحية أو برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية».
وبحسب المجلس النرويجي للاجئين فإن التدخلات الجذرية تحتاج إلى ضمان عدم فقدان الأجيال الجديدة للأمل وامتلاكها المهارات اللازمة والتعليم للمضي قدمًا في حياتها. وقال هانسن: «نحن بحاجة إلى رؤية المزيد من الإصلاحات الواسعة النطاق التي ستفيد الشباب المحتاجين الذين قد يكونون مواطنين في بلدٍ مضيف ولكن تم تهميشهم على مدار سنواتٍ بسبب الانقسامات الطبقية والطائفية والإثنية والسياسية، ناهيك عن قضايا أخرى مثل الفساد والمناهج التي عفى عليها الزمن والتي تحرم الكثير من الشباب من الحصول على أبسط حقوقهم». وشدد على أن الطريقة الوحيدة لفهم جيل الشباب اليوم هي التطلع إلى تحقيق تكافؤ الفرص لجميع المواطنين واللاجئين.
مستقبل غير واضح
من الصعب المبالغة في تقدير مدى الدمار الذي خلفته الحروب في المنطقة العربية. وفي حين أنه لم تنتهِ بالكامل للأسف أي من هذه الحروب، إلا أن الاهتمام يركز بشكلٍ متزايد على التحديات الوشيكة المتمثلة في إعادة الإعمار. ولكن خلّفت الجرائم الكثيرة التي حصلت جيلاً مصابًا بالصدمة وغير متعلم ومنقسم بعمق لدرجة ما زالت المجتمعات تكافح لتستطيع التغلب عليها.
نحن نعيش في مرحلة لم يشهد مثلها التاريخ وبالتالي هناك حاجة ملحة إلى حلول عالمية ومشتركة. ونستطيع فقط توفير أساس لإعادة الإعمار من خلال العمل على ضمان شفاء وتعلُّم هذا الجيل، وبالتالي إعادة الأمل والإمكانات التي يستحقها جميع الأطفال.