* خبراء: داعش يسعى إلى تأسيس «ولايات جديدة» لتحقيق عدد من الأهداف المرحلية، بينها «الهروب إلى الأمام»، لإعادة تجميع شتات العناصر التي هربت عقب هزيمة التنظيم في سوريا والعراق
* حيثما توجد أفكار سلفية سيكون هناك دائماً أشخاص أو جماعات يسعون للانضمام للتنظيمات الإرهابية سواء داعش أو القاعدة
محاولات تنظيم داعش الإرهابي فتح جبهات جديدة للتمدد عقب خسارته دولة الخلافة المزعومة في سوريا والعراق، عن طريق ما أطلق عليه زعيمه أبو بكر البغدادي استراتيجية «الولايات الخارجية» أثارت مخاوف خبراء الحركات الأصولية من تركيز التنظيم على تدشين ولاياته الجديدة في عدد من الدول ذات الأقليات المسلمة، خاصة في دول شرق آسيا، لاستغلال أوضاع المسلمين فيها كحافز إضافي لتجنيد عناصر جديدة، واتباع الاستراتيجية المعروفة عن التنظيم منذ نشأته بالاستيلاء على التنظيمات والميليشيات المحلية المتطرفة من خلال الحصول على «مبايعتها».
في 10 مايو (أيار) الجاري أعلن «داعش» تدشين ولاية جديدة للتنظيم في الهند، وهو الإعلان الذي جاء بعد أيام قليلة من إعلان أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم خلال التسجيل المصور الذي تم بثه في 29 أبريل (نيسان) الماضي، عن بدء استراتيجية الولايات الجديدة بتأسيس ولايات في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وظهر خلال التسجيل المصور عدد من قادة التنظيم يقدمون للبغدادي ملفات ما يسمى «الولايات الخارجية».
ويشير خبراء في الحركات الأصولية إلى أن تنظيم داعش يسعى من خلال الإعلان عن تأسيس «ولايات جديدة» إلى تحقيق عدد من الأهداف المرحلية، بينها «الهروب إلى الأمام»، لإعادة تجميع شتات العناصر الداعشية التي هربت عقب هزيمة التنظيم في سوريا والعراق، وفتح بؤر جديدة للمواجهة العسكرية، والتركيز على الاتجاه إلى دول لا يحظى فيها تنظيم القاعدة بنفوذ على الأرض، إذ يواجه «داعش» عقبات كثيرة تمنعه من التمدد في أفريقيا بسبب نفوذ تنظيم القاعدة.
ويسعى «داعش» من خلال الإعلان عن تأسيس ولايات جديدة في دول مختلفة إلى الإيحاء بأنه ما زال قادرا على فرض مشروعه وتدشين دولة الخلافة المزعومة التي فشلت في منطقة الشرق الأوسط، واستخدام الإيحاء بقوة التنظيم وتماسكه في إبهار عناصر جديدة واستقطاب المزيد من المقاتلين، ويسعى «داعش» إلى استغلال التوترات التي تتسم بطابع ديني أو عرقي لتجنيد المزيد من الأنصار في دول «الولايات الجديدة» سواء كانوا مقاتلين أفرادا أو تنظيمات وجماعات محلية، وهي سمات تتوافر في الدول ذات الأقليات المسلمة.
ويقول أحمد عطا الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية لـ«المجلة»: «عقب هزيمة داعش في سوريا والعراق، اتجه إلى تفعيل نقاط ارتكاز مسلحة خارج الدول والمناطق المعروف بتواجده فيها، وبحسب معلومات استخباراتية وضع التنظيم خطة للتحرك وفتح جبهات في دول جديدة من خلال تأسيس الولايات الخارجية، حيث تركز المرحلة الحالية على الدول ذات الأقليات المسلمة خاصة دول شرق آسيا، ومنها الهند وبورما والفلبين وبنغلاديش، إضافة إلى دول مثل أوكرانيا والشيشان، حيث يسعى داعش إلى توحيد الجماعات والميليشيات المحلية في هذه الدول في إطار مشروعه لإقامة دولة الخلافة الجديدة في هذه الدول، ويسعى التنظيم إلى التمدد وإنشاء ولايات جديدة بكافة الدول ذات الأقليات المسلمة وليس فقط دول شرق آسيا، وذلك بهدف استغلال تعرض مسلمي هذه الدول للتمييز أو انتهاكات تتعلق بالحرية الدينية».
ويضيف عطا: «داعش يمتلك إمكانيات مادية كبيرة برغم هزيمته العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وسوف يستخدم المال للسيطرة على التنظيمات والجماعات المحلية في دول الأقليات المسلمة لشراء مبايعتها، وسيعمل على تقوية نفوذها بالمناطق التي تسيطر عليها ومساعدتها للسيطرة على مناطق جديدة، لكن تجنيد الأفراد في دول شرق آسيا لا يمكن أن ينجح عبر التجنيد الإلكتروني كما حدث في دول أوروبية، إذ إن الطبيعة الاجتماعية والحضارية مختلفة، والأفراد أكثر تمسكا بالإسلام، لذلك سيكون التجنيد على الأرض بشكل مباشر، وسيستخدم فيه التنظيم خطابا مختلفا عن خطاب التجنيد الذي يستخدمه في دول الشرق الأوسط، ومن البديهي أن يركز خطاب التجنيد على معاناتهم كأقلية وربط ذلك بأفكار التنظيم البراقة الخادعة عن دولة الخلافة وسيادة الإسلام».
وتشكل الولايات الجديدة التي بدأ داعش بتدشينها فرصة لاستعادة المقاتلين الهاربين من بؤر المواجهة عقب الانسحاب من سوريا، وإعادة تجميع المنسحبين للتوجه إلى دول الولايات الجديدة التي ستشكل ملاذاً جديداً للعناصر الهاربة، كما تشكل الولايات الجديدة أهمية قصوى لإيجاد مساحة من الأرض ليسيطر عليها التنظيم، إذا إنه وفقا لخبراء في الحركات الأصولية فإن السيطرة على مساحة جغرافية له دلالته الهامة فيما يتعلق بكونه تمهيداً لإعلان دولة الخلافة كما حدث في سوريا، ولما لذلك من تأثير كبير على الروح المعنوية لأعضاء التنظيم، كما سيضمن التواجد التنظيمي بالدول الجديدة سهولة تنفيذ ضربات انتقامية ضد بعض الدول الكبرى ومصالحها، وهو الأمر الذي حرص البغدادي على التأكيد عليه في التسجيل المصور الذي تضمن إعلان استراتيجية الولايات الجديدة.
ويشير مراقبون إلى أنه «عقب هزيمة داعش في سوريا أسس ما يعرف بـ(الجبهات المتوحدة) وذلك لتفعيل التواصل بين قيادة التنظيم والمجموعات التابعة له في دول أخرى بعضها لم يكن نشطا بشكل كافٍ، وكذلك التواصل مع المجموعات المحلية في الدول التي يسعى التنظيم إلى الانتقال إليها، وفتح قنوات اتصال مع ميليشيات مسلحة كثيرة لرسم خاطة مستقبلية للدول التي يمكن للتنظيم الانتقال إليها».
ويرى عطا أن «داعش في مرحلة تنفيذ خطة المسارات البديلة بهدف الانتقال إلى دول أخرى وفتح جبهات جديدة للمواجهة، وإعطاء عناصره الهاربة في مناطق جبلية بالدول التي انسحب منها التنظيم للتوجه إلى دول أخرى بديلة، وما زال التنظيم يحرص على تعزيز تواجده في القارة الأفريقية التي تمثل أهمية استراتيجية لمشروعه، فهي منصة جغرافية هامة ونقطة ارتكاز عسكرية لتنفيذ عمليات إرهابية في الكثير من البلدان، كما أنها إحدى بواباته إلى ليبيا التي يوليها داعش اهتماما كبيرا ويدعم ميليشيات محلية بها للإبقاء على بعض نفوذه بالمنطقة».
وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها تنظيم داعش في القارة الأفريقية بسبب تنامي نفوذ تنظيم القاعدة، إلا أنه يسعى إلى تعزيز تواجده من خلال الولايات الجديدة التي أعلن عن تأسيسها في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بهدف استقطاب المزيد من الجماعات المسلحة المحلية للحد من سيطرة تنظيم القاعدة على بعض دول الساحل الأفريقي، حيث تمكن تنظيم القاعدة خلال الفترة الأخيرة من تكوين أفرع موالية له داخل القارة السمراء، ويمثل استقطاب التنظيمات المحلية آلية هامة للصراع القائم بين داعش والقاعدة في الكثير من بؤر الصراع.
ومن جانبه، يقول صلاح الدين حسن الباحث في شؤون الجماعات الجهادية لـ«المجلة» إن «اتجاه تنظيم داعش إلى آسيا هو أحد أشكال الصراع على النفوذ مع تنظيم القاعدة، ويحاول داعش البحث عن مناطق جديدة للسيطرة عليها، ومن الوارد أن يعلن داعش دولة خلافة جديدة في الدول التي يحاول إنشاء ولايات جديدة بها، لكن الصراع مع القاعدة سيكون مستمرا حتى في المناطق التي لا يتمتع فيها بنفوذ، لأن التنظيمين عبارة عن فرعين في شجرة جهادية واحدة، ولكل منهما جمهوره من المتطرفين، فأيا كانت المناطق المتنازع عليها بينهما سيكون بها جماعات سلفية ستتجه إلى تأييد داعش وجماعات أخرى تختار تأييد القاعدة، وهو ما سيجعل الصراع بين التنظيمين مستمرا، فحيثما توجد أفكار سلفية سيكون هناك دائما أشخاص أو جماعات يسعون للانضمام للتنظيمات الإرهابية سواء داعش أو القاعدة».