* تراجع نسبة الحجوزات لحفلات الزفاف في عامي 2018 - 2019 بنسبة 65 إلى 70 %
* صاحبة شركة أعراس: التراجع في نسبة إقامة حفلات الزفاف منذ 2016 نحو 50 %
* قرار مصرف لبنان المركزي في فبراير 2018 أوقف دعم القروض السكنية وعرقل إمكانية شراء شقة سكنية من جهة أو تأجيل الزواج من جهة ثانية
«العين بصيرة واليد قصيرة» علّه المثل الشعبي الذي يمكنه توصيف واقع الشباب اللبناني اليوم الذي يعاني الأمرين من الوضع الاقتصادي الصعب خلال السنوات الأخيرة، وعلّ أول تداعيات هذا الواقع المرير في التراجع بنسبة الإقبال على الزواج.
ومع بداية فصل الصيف المتعارف عليه بأنه «موسم الأعراس» تسجل الأرقام تراجعا كبيرا في الإقبال على إقامة حفلات زفاف في ظلّ الأزمة المالية التي ترهن مستقبل الفئات الشابة خصوصا من هم من ذوي الطبقة الوسطى وشرائح الدخل المحدود الذين باتوا يواجهون مشكلة إضافية مع صعوبة شراء شقة سكنية.
تراجع نسبة حفلات الزفاف
صاحب إحدى قاعات الزفاف في بيروت فضل عدم ذكر اسمه، أكّد لمجلة «المجلة» تراجع نسبة الحجوزات للزفاف في عامي 2018 - 2019 بنسبة 65 إلى 70 في المائة، مشيرا إلى تسجيل تراجع كبير بنسبة الحجوزات لصيف 2019 والتي كانت تبدأ قبل عدّة أشهر.
وأكّد على أن «التراجع أصاب مختلف القطاعات في لبنان وهو ما تفرضه بطبيعة الحال الدورة الاقتصادية، وكان لنا النصيب في ظل الضائقة المالية بتراجع موسم الأعراس وتأثيره بشكل مباشر علينا كمالكين لقاعات الحفلات والزفاف»، مشيرا إلى أن «هذه الأوضاع فرضت أمرا واقعا؛ إما عدم إقامة حفلات الزواج وإما الذهاب نحو خيارات أقل تكلفة، وفي أحيان أخرى صرف النظر عن موضوع الزفاف الذي باتت تكلفته باهظة على الشباب اللبناني».
وفي السياق نفسه، أكّدت صاحبة إحدى شركات الأعراس، ماري سعد، لـ«المجلة» على تراجع عملها عام 2018 بشكل كبير بنحو 50 في المائة إلا أنه هذا العام سجل تحسنا بسيطا بما يقارب الـ10 في المائة.
كما لفتت سعد إلى أنه «ناهيك بتراجع نسبة الأعراس، ثمة من يتجه إلى التقشف بإقامة حفلات الزفاف وتجنب التكلفة الباهظة وهو ما لمسناه منذ عام 2016 وهو العام الذي بدأ يتراجع فيه عملنا تحديدا». مشيرة إلى أن «أزمة الإسكان مؤخرا كان لها تأثير كبير على أعراس الفئة المتوسطة، فيما الفئة ذات الدخل المرتفع توجهت في الأعوام الأخيرة إلى إحياء حفلات الزفاف في الخارج بأقل كلفة».
ولفتت سعد إلى أنها «في يوليو (تموز) وديسمبر (كانون الأول) 2015 كانت تنظم 25 زفافا من بينها 15 زفافا ذات ميزانية ضخمة، فيما في الأعوام الأخيرة الماضية لم نعد نلحظ مثل هذه الأعراس».
قروض الإسكان
على الرغم من أنه لا يمكن تحميل أزمة الإسكان وحدها مسؤولية تراجع الإقبال على الزواج في لبنان في الأعوام الأخيرة الماضية، إلا أن آلاف الحالات اللبنانية في الواقع في حالة قلق على مصيرها بفعل قرار مصرف لبنان المركزي في فبرلير (شباط) 2018 وقف دعم القروض السكنية كواقع مُر فرض على اللبنانيين. وفيما تمثل القروض السكنية بالنسبة لذوي الطبقة الوسطى وشرائح الدخل المحدود عبئًا ثقيلاً إذا ما جرت مقاربتها من ناحية «الدفعة الشهرية» التي يقول عنها كُثر إنها «تقصم الظهر»، إلا أنه في الحقيقة ثمة قسم كبير من هؤلاء يتمنون عودة القروض إلى سابق عهدها في بلد أصبح فيه امتلاك منزل بمثابة «حلم».
وثمة آلاف الحالات يمكن الحديث عنها لا تزال تعاني من أزمة القروض، جهاد شاب لبناني (30 عاما) أخذ قرار الارتباط العام الفائت وكمجمل الشباب اللبناني كان عازما على شراء شقة سكنية إلا أن هذه الأزمة عرقلت هذه الخطوة كثيرا. وقال جهاد لـ«المجلة»: «إيقاف القروض السكنية كان له أثر سلبي كبير علي وعلى معظم الشباب من عمري خصوصا من ذوي الدخل المتوسط لعدم مقدورنا تأمين دفعة أولى لشراء شقة في ظل ارتفاع أسعار العقارات في السنوات الأخيرة الماضية»،
وأشار إلى أنه «اضطر في نهاية المطاف إلى تسديد دفعة أولى لصاحب الشقة كان قد ادخرها على أن يقوم بتسديد المبلغ الكبير المتبقي على شكل أقساط شهرية بما يقارب الألف دولار بانتظار إعادة العمل بالقروض»، لافتا إلى أن «هذه الأزمة كان لها أثر كبير بتأخير مشروع زواجه لسنوات إضافية لجهة ما يتطلبه هذا الأمر من متطلبات ومستلزمات يصعب تأمينها في ظلّ الوضع المعيشي الصعب».
ثنائي آخر أثرت أزمة الإسكان عليه بشكل سلبي للغاية، إذ اضطر محمود (لبناني 28 عاما) على فسخ خطوبته من الفتاة التي يحبها بسبب هذا الوضع. وقال محمود لـ«المجلة» إنه «لسوء حظه بدأت أزمة الإسكان فيما كان يبحث هو وخطيبته السابقة عن شقة ومع امتداد الأزمة لأشهر وأشهر كان الوضع يزداد سوءًا لجهة التأخر بمدة الخطوبة دون حتى تأمين منزل، علما بأن المنزل كان أحد الشروط الأساسية التي فرضها أهل الفتاة علي ورفضهم المطلق استئجار منزل وبالتالي كانت نهاية المطاف لقصة حب بسبب عدم القدرة على تأمين شقة الأحلام».
إلا أن ثمة حالات أخرى تجاوزوا مسألة القروض، إذ لم تشكل هذه الأزمة عائقا أمام ملاك (لبنانية - 30 عاما) وخطيبها إذ قررا تجاوز مسألة شراء شقة من خلال استئجار منزل ريثما يكونا قد ادخرا المبلغ المطلوب للقيام بخطوة الشراء، وأضافت ملاك لـ«المجلة»: «حددنا زواجنا هذا الصيف أما مسألة الشقة فقد تم تأجيلها ريثما تتوفر الظروف المادية».
تراجع نسب الزواج
يقول الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، لمجلة «المجلة» إن متوسط الأعوام الأخيرة الماضية متوسط عقود الزواج سجّل حوال 31 ألف عقد في السنة، مشيرا إلى أنه «في عام 2007 كان عدد عقود الزواج 35796. وفي 2010 ارتفع العدد إلى 41552. ليعود وينخفض هذا الرقم في 2015 إلى 40649. وفي 2017 شهدت عقود الزواج انخفاضا بسيطا إلى 40624».
كما لفت شمس الدين أنه لا وجود لإحصاءات خلال عامي 2018 - 2019 توضح نسبة الزواج في لبنان، مؤكدا أن «الأرقام السابق ذكرها لا تؤشر أن ثمة أزمة من حيث تراجع نسبة الزواج إلا في حال تم مقارنة هذه النسب مع حالات الطلاق التي شهدت ارتفاعا في السنوات نفسها، حيث إن ارتفاع نسبة الزواج في لبنان في تلك المرحلة هي أقل من ارتفاع نسبة الطلاق إذ تسجل نسبة كبيرة نحو 6050 حالة طلاق سنويا.
وفي سؤالنا حول إمكانية تأثير أزمة القروض السكنية على نسب الزواج، رأى شمس الدين أن «هذه المسألة لم تؤثر بشكل كبير على نسبة الزواج فإن 30 حالة أو حتى ألف عائلة لم تترك هذا الأثر الكبير على نسبة الزواج كي يسجل لدينا تراجعا كبيرا، ويمكن القول إن تأثير هذه الأزمة يبقى محدودا لا يتخطى 10 إلى 15 في المائة».
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على تراجع نسب الزواج
الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة، أوضح لـ«المجلة» أن ثمة عدّة عوامل وراء تراجع نسبة الزواج في لبنان، شق منها اقتصادي وآخر اجتماعي. مشيرا إلى أن «متطلبات الحياة المعيشية للأسر أصبحت كبيرة جدا إذ لا يستطيع الرجل أو المرأة بمفردهما تأمين المستلزمات الحياتية والمعيشية للأسرة وهو الأمر الذي يتطلب دخلين مما يحتاج تعاون الزوجين لتكوين أسرة أولا ومن ثم تأمين استمراريتها وهو ما يؤدي بالتالي إلى التأخر في اتخاذ قرار الارتباط».
ورأى حبيقة أن «التكاليف المادية الضخمة للزواج تشكل حائلا أمام الزواج كتأمين شقة الأحلام التي باتت أمرا صعبا في ظل الغلاء في العقارات من جهة ومن جهة ثانية أزمة القروض الإسكانية التي يلجأ إليها قسم كبير من اللبنانيين لشراء منزل على الرغم من أن هذه المسألة يمكن تخطيها عبر استئجار شقة إلا أنه أيضا بحسب حبيقة، فإن محدودية الدخل الفردي تؤدي في كثير من الأحيان إلى صعوبة تغطية الشاب اللبناني تكلفة استئجار الشقة التي لا تقل اليوم عن 500 دولار إلى جانب المستلزمات المعيشية والحياتية الأخرى كفواتير الكهرباء والمياه والطعام وغيرها»..
كما لفت حبيقة إلى «مسألة إحياء حفل الزفاف الذي بات يكبد الثنائي أموالا طائلة تتخطى المعقول بميزانية ضخمة في لبنان وهو ما من شأنه أيضا زيادة الأعباء المادية على الثنائي في ظلّ الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد ومن شأنه أيضا التأخر في الإقبال على الزواج لتأمين إحياء عرس الأحلام».
اجتماعياً، أشار حبيقة إلى أن «مسألة تغير المفهوم الاجتماعي لموضوع الطلاق وارتفاع نسبته مؤخرا في لبنان، إذ أصبحت مسألة الطلاق بالنسبة للثنائي أمرا جائزا في حال عدم التوافق لذا يفضل الرجل أو المرأة عدم الاستعجال بمسألة الزواج ما ئؤخر سن الارتباط، وفي أحيان أخرى ثمة بعض الطوائف كالمارونية على سبيل المثال الطلاق فيها شبه مستحيل لذا نلاحظ تأخر سن الزواج فيها إذ يفضل الشاب أو الشابة التمهل قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة».
أخيرا رأى حبيقة أن «مسألة المساكنة في لبنان مؤخرا لعبت دورا مهما بالتأخر باتخاذ قرار الارتباط بشكل رسمي وعلى الرغم من أن هذه المسألة غير قانونية في لبنان إلا أنها أصبحت موجودة وبكثرة في مجتمعنا، مشيرا إلى أن «الحاجات الجنسية للشاب في يومنا هذا يمكن تأمينها قبل الزواج».
وقد تتعدد أسباب تأخر نسبة الزواج بين الشباب اللبناني، لكن تظل الأوضاع الاقتصادية المسبب الرئيسي لهذه الظاهرة في السنوات الأخيرة مع انعدام وجود أفق يبشر بتحسن الأوضاع لذا يرى الشاب اللبناني نفسه أمام خيار التمهل بالارتباط قبل الوقوع بدوامة التكاليف الباهظة للزواج وبناء أسرة.