* أشهر الخيام في التاريخ خيمة قطر الندى ابنة خماروية وخيمة قنصوة الغوري
* من أبرز تصميمات الفن الشهيرة زهرة اللوتس والتصميمات الفرعونية والإسلامية
القاهرة: أمام باب زويلة بالقرب من منطقة تحت الربع بالعاصمة المصرية يقع شارع «الخيامية»، وهو أحد أشهر أسواق القاهرة المسقوفة، وقد سمي بهذا الاسم نسبة لحرفة صناعة الخيام التي كانت مزدهرة جدا في القديم لا سيما في العصر المملوكي، حيث عرف فن «الخيامية» منذ عصر الفراعنة، بعد العُثور على سرادق مزين بقطع ملوّنة من الجلد على هيئة نجوم صفراء وحمراء موزّعة على أربعة جوانب، واستطاع المصري أن يقاوم موجات التغريب ومحاولات التقليد متمسكا بعبقرية الفنان المصري القديم ومتطورًا مع الزمن ومتحديًا التكنولوجيا وموجات العولمة وذوبان الهوية، ليتبلور ويصل إلى قمة مجده بعد دخول الإسلام مصر خاصة في عصر المماليك، حتى إن بعض الوحدات الزخرفية المملوكية ما زال يـستخدم حتى اليوم.
الحكايات التي تروى في التراث
وبحسب الحكايات التي تروى في التراث، كانت «الخيامية» تستخدم كمظلّة يقف تحتها رئيس العمال، أما الفرعون فكانت تُصنع له خيمة للرحلات، وتطرز بخيوط الذهب والفضة والحرير، أشهر الخيام في التاريخ خيمة قطر الندي ابنة خماروية في العصر الطولوني، وخيمة السلطان قنصوة الغوري وكانت عبارة عن قصر متحرك، إلا أنها اختفت بمقتله في موقعة مرج دابق سنة 1516 وانتشرت صناعة الخيام كمنازل في البادية، ومن ثم تطورت، وتحولت «الخيامية» إلى سرادقات للعزاء والأفراح في المناطق الشعبية واستخدمت فيها الوحدات الزخرفية المطبوعة.
ويتحدث بعض الباحثين في التراث عن اعتماد فن «الخيامية» أو ما يُطلق عليه في بعض الأحيان «صناعة الأنبياء» نسبة لنبي الله إدريس الذي كان يعمل في خياطة الخيام في مكوناته على قماش التيل والخيوط الملونة، ويُعد من الفنون الاحترافية الدقيقة التي تحتاج موهبة فنية عالية وتتطلب الكثير من المواصفات كالصبر على تعلم الفن اليدوي والقدرة الفائقة على مزج الألوان باحترافية عالية، وترتكز صناعة «الخيامية» على رسم التصميم في البداية والذي ستتم خياطته على القماش أولاً، ثم تبدأ بعدها مرحلة التخريم ويتم وضع بودرة مخصصة من أجل طبع الرسم على قماش التيل حتى يستطيع الفنان القيام بعملية التطريز.
ويعتبر فن صناعة الخيام من أوليات الحرف والأعمال اليدوية التي تعلمها ومارسها الإنسان لصنع مأوى له من القماش، وذلك بعد أن صنع الأكواخ. وقد تطورت صناعة الخيام، حيث فكر الفنان المصري بإدخال البهجة في مسكنه، فطوّر الصناعة وبدأ يحيكها من أقمشة ملونة مستعينًا بالتصاميم والزخارف العربية القديمة، وأدخل بعد ذلك رسومًا وزخارف مستقاة من المعابد والجوامع والكنائس. كما طور من صنعته وصنع من هذه الحرفة أشياء أخرى مثل الخدودية ومفارش السرير ومعلقات على الجدران. وكان من أبرز من طور هذه المهنة في مصر الحاج حنفي محمد إبراهيم، الملقب بشيخ الخيامية، وقد عرض فنه وتاريخه في عدد من البرامج في القنوات التلفزيونية المصرية والعربية والدولية، وساهمت صناعة الخيامية في زخرفة كسوة الكعبة المشرفة، وأنشأت مصر أول مؤسسة لذلك وسمتها إدارة الكسوة، وهي موجودة في تحت الربع - باب الخلق - القاهرة. وكانت الكسوة تحمل على الجمال في احتفالية كبيرة من مصر إلى السعودية في موسم الحج، وكانت تسمى المحمل.
طقوس خاصة لاعتماد أي حرفي
ويروي مصطفي زكي أحد صانعي الخيام قائلا: «قديمًا كانت هناك طقوس خاصة لاعتماد أي حرفي خيامي جديد ينضم لتلك الطائفة حيث كان يتم اجتماع الخيامية وشيخهم لرؤية وفحص أعمال الخيامي الجديد، فإذا كانت على المستوى المطلوب يقيم الحرفي مأدبة اعتماد لجميع الخيامية للاحتفال بانضمامه للمهنة، أما حاليًا فدخول المهنة يتم بشكل تلقائي بعد تعلمها، وقد سمي الشارع بهذا الاسم نسبة لتلك الحرفة، فما أن تدخل ذلك الشارع حتى تجد على جانبيه مجموعة من الورش التي تخصصت في هذا النوع من التراث الفني العريق. وهذا الشارع موجود منذ أيام الفاطميين وهو يتكون من طابقين وقد كان باب زويلة يغلق ليلاً ويفتح قي النهار وكان يسمح للتجار بالدخول صباحًا لمباشرة أعمالهم وأماكن الورش التي نتواجد فيها الآن والذي كانت قديمًا إسطبلاً للخيول والطابق الذي يعلوه كان أماكن لمبيت التجار الذين يأتون من المغرب والشام، وقد كان لهؤلاء التجار خيام يستخدمونها قي سفرهم، وكانوا يعملون على إصلاحها في تلك المنطقة، كما كان يحرص كل منهم أن تختلف خيمته عن الخيام الأخرى ومن هنا بدأت مهنة «الخيامية».
طبع الرسم على القماش
ويضيف زكي تبدأ الصناعة برسم التصميم الذي سيتم تنفيذه على القماش وغالبًا ما يستخدم قماش التيل لأنه سميك ثم يقوم بتخريم الرسم وتوضع بودرة مخصصة لطبع الرسم على القماش حتى يقوم الفنان بعملية التطريز ثم يقوم بقص وحدات القماش وتطريزها مع بعضها البعض، وقد نقوم بعمل ما يسمى «تفسير» وهو عبارة عن حياكة خيوط فوق القماش وذلك لعمل الملامح إذا كان التصميم عبارة عن منظر طبيعي وذلك لإضفاء روح على التصميم، وغالبا ما تكون هذه التصميمات عبارة عن إسلامية وعربية بالإضافة إلى الآيات القرآنية والمناظر الطبيعية، و«الخيامية»، في هذه الأيام ليست «خيامية» بالمعنى الحرفي، ولكن هي مجرد أقمشة عادية مطبوع عليها رسوم «الخيامية» تستخدم في رمضان وليست مغزولة باليد، يحضرونها لكثرة الطلب عليها في رمضان، ولكونهم مضطرين فالمهنة تصارع من أجل البقاء، وبعد أن كانت كلها أعمالا يدوية دخلت الآن فيها الطباعة والماكينات، ما أفقدها جزءا أصيلا من هويتها، كما ضرب صناعها في مقتل.
فيما يؤكد حسين محمد على الحرص على اختلاف الخيمات داخل السوق وهو ما يجعل الحرفيين والفنانين يتجنبون الحديث عن تصميماتهم، حفاظًا على حقوقهم والملكية الفكرية في أعمالهم، وفن «الخيامية» فن رائع وجميل، بمعني أنك لكي تصمم «تابلوهات» فهو أمر ليس بالسهل أصلا لدرجة أن كل واحد من الحرفيين يحافظ على سر تصميماته من أجل عدم خروجه ليحتفظ لنفسه بحقه في هذا التصميم، وفيما مضى كانت الخيامية عبارة عن شغل الترك والخيام كانت لسرادق العزاء، وهذا الفن كله مرتبط ارتباطا كاملا بالأجانب، لكن في الفترة الأخيرة بدأ المصريون يتذوقون هذا النوع من التراث، في نفس الوقت السائح يأتي على شغل الأيدي لأنها ناتجة عن المجهود، وفي هذا السياق تم عمل فيلم أسترالي عن شارع وصناعة «الخيامية»، لكن للأسف الشديد لا تتم الدعاية لهذا الفن، من هنا أطالب بدعم هذه الحرفة من قبل الدولة واستغلالها في الحد من البطالة والدعاية السياحية والدخل الاقتصادي.
صراع من أجل البقاء
ويكشف حسين محمد عن أن صناعة «الخيامية» تعاني من التدهور والتهديد بالاندثار، ولكنها ما زالت تصارع من أجل البقاء، والاحتفاظ بهويتها كفن يدوي يواجه التطور والتكنولوجيا في صناعة النسيج؛ حيث يوجد في شارع «الخيامية» نحو 30 ورشة فقط، من بينها أربعة فقط هي التي تقوم بعمل صناعة «الخيامية» ويعمل بها حرفيون توارثوها عن أجدادهم، وباقي الورش يعمل بها تجار فقط للبيع والشراء، وذلك بسبب أنها صناعة لا يعرف الكثير عنها شيئا، وتحتاج إلى الصبر في صناعتها، حيث تستغرق «الخيامية» الواحدة من عشرة أيام لأكثر من ثلاثة أشهر، على حسب حجم الرسومات على القطعة.
ويعتبر عبد الحافظ بخيت مدير عام بوزارة الثقافة، أن أبرز تصميمات الفن الشهيرة مثل زهرة اللوتس والتصميمات الفرعونية والإسلامية وفن «الخيامية» يعرض بشكل سنوي خلال معرض لندن للمشغولات اليدوية حيث يزدهر خلال تلك الفترة ويعد وسيلة من وسائل الجذب السياحي، خاصة أن سوق «الخيامية» موجود ضمن المنطقة السياحية كمنطقة الحسين، وشارع المعز وخان الخليلي، تلك المناطق التي تستقبل أفواجا سياحية كثيرة من مختلف الجنسيات كل عام، وقد اقتحمت المرأة هذا المجال وأثبتت نفسها فيه، نظرًا لأنها مهنة لا تتطلب خروجها من منزلها، وأشارت الأبحاث التاريخية إلى الجلسة التي كانت السيدات يجلسنها عند القيام بعملهن، وعُرفت باسم «التربيعة»، بينما تنظم وزارة الثقافة بعض الورش المجانية لتعليم فن «الخيامية»، بالتعاون مع مراكز الثقافة الخاصة، كما ينظم مركز الحرية للإبداع مهرجانا للفنون والحرف التقليدية، من بينها «الخيامية»، من أجل التعريف بالحرف التراثية وتعريف الجمهور بها، كما يُقام معرض دولي سنوي بلندن لمشغولات «الخيامية»، يشارك فيه كثير من خيامي مصر.