[caption id="attachment_1536" align="aligncenter" width="640" caption="طارق الحميّد رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط""][/caption]
بين ثورة هنا وانتفاضة هناك، تعرف المنطقة العربية، بمغربها ومشرقها، بشامها وخليجها، منذ قرابة 8 أشهر زلزالا سياسيا، أنهى أنظمة وأخاف أخرى، والحبل على الجرار. الاعلام العربي، بشقيه، المرئي والمكتوب، طاله "الربيع العربي" فتاه على عادته وفقد مصداقية، هي أصلا مفقودة. خير من "يجلد الذات" ويعمل قلمه، شطبا أو موافقة، طارق الحميّد رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط، الذي بحكم خبرته الطويلة ومسؤوليته الكبيرة في احدى كبريات الصحف العربية، قد يكون من أكثر الناقدين، المنصفين، لمهنة موكول لها الحدث فتجاوزتها الأحداث.
طارق الحميّد، كان يشغل منصب مساعد رئيس التحرير سابقاً، وتولى قبل ذلك منصب مدير تحرير الصحيفة في السعودية، وكان قبل التحاقه بـ "الشرق الأوسط"، يعمل في القسم السياسي في صحيفة المدينة السعودية. وعمل مراسلا في واشنطن. ودرس البكالوريس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، كما درس الإعلام في الولايات المتحدة.
"المجلة" التقت رئيس التحرير فكان الحوار التالي:
- كيف يرى طارق الحميّد رئيس التحرير مواكبة الاعلام العربي لما يحدث من تغيير في المنطقة؟
* هناك ارتباك واضح، وارتجال، ولاسباب عدة، منها ان جل الاعلام العربي لا ياخذ المعلومة على محمل الجد، وابسط مثال هنا اللغط حول ثروة مبارك، كما ان اعلامنا لا يحاول سبر اغوار الاحداث، والشخصيات المتسيدة للمشهد، لفهم لماذا حدث ما حدث، وما هي دوافع الشخصيات المتسيدة لذلك المشهد، ناهيك عن ان العلاقة بين الاعلام العربي والبحث شبه منقطعة، فبعض احداث اليوم ليست مفاجئة بل هي نتاج تراكمات يغطيها الاعلام نفسه طوال السنوات الماضية، مثل اوضاع مصر، او المطالب الشعبية في سوريا، او حقيقة البعد الطائفي للمطالب بالبحرين، وقد ألفت حولها كتب من قبل مثقفين شيعة يتحدثون عن تورط ايران بالبحرين. وابسط مؤشر على ارتباك الاعلام العربي هو سهولة اطلاق لقب ثورات على ما يحدث في المنطقة.
- كيف تقيّمون دور وأداء الاعلام المرئي وبخاصة قناتي العربية والجزيرة في الأحداث الأخيرة؟
* الجزيرة استمرت على خطها القائم على الانتقائية المفرطة، واتباع اسلوب الحملات، ويكفي فضيحة ثروة مبارك، كما سارت على ما يريده الشارع. اما العربية فكانت متناقضة على مدار النشرات، وليس الدول، سواء في تونس، او مصر، او اليمن، او البحرين، اما في سوريا فكانت اخطاءها فادحة، وهي قصة اخرى.
- وماذا عن الصحافة المكتوبة. ماذا عن صحيفة الشرق الأوسط التي ترأسون تحريرها؟
* اخباريا، تقيدنا بالمعلومة، من الاطراف كافة، ورصدنا ما يحدث، وتجنبنا العاطفة، والتزمنا موقفا حاسما ضد القتل والعنف، واجرينا مزيدا من الحوارات لفهم حقيقة ما حدث ويحدث في كل الدول المعنية، مع اعداد التحقيقات، والبروفايل الخاص بشخصيات كل مشهد. اما على مستوى الراي فكانت المقالات متباينة ولكن طغى عليها الطابع المتعقل، نظرا لطبيعة الكتاب المتخصصين في الصحيفة. ملخص القول، لم نكن طرفا، باي شكل من الاشكال مثل القنوات العربية حيث شاهدنا العربية تبث صورا لمن رفعوا اسمها في مصر، بينما راينا الجزيرة تبث مقاطعا ايضا لمن يرفعون اسم المحطة القطرية في مصر!
- ألا ترون أن الأحداث في المنطقة قد عرّت الاعلام العربي. بمعنى أنه كشف الضعف المهني.
* بكل تأكيد، فالشائعة باتت معلومة، والعواطف تحولت الى معايير، وكان هناك حفلة تهييج بدلا من التقصي والتحري، حيث تحول الفنانون الى محللين سياسيين!
- في لقاء لكم مع بن برادلي رئيس التحرير السابق للواشنطن بوست تحاورتم حول المواصفات التي ينبغي توفرها في رئيس التحرير، هل تعتقد أن يصل الإعلام العربي الى مثل ذلك المستوى المرجو والمطلوب؟
* لا زال الطريق طويلا، للاسف!
- انتقدتم أكثر من مرة، وآخرها كان في مقال لكم تحت عنوان "الطفل الذي هز سوريا" ظاهرة المحللين السوريين الذين يدافعون عن النظام وتستضيفهم القنوات العربية وهو ما لا نراه في القنوات الأجنبية اذ وحده المسؤول الرسمي يمثل النظام، أي نظام، هل يعود ذلك أيضا الى غياب المهنية؟
* بكل تأكيد، ويعود ايضا الى عدة عوامل اخرى تعرفها عندما تعرف من يسيطر على غرفة الاخبار، ومسؤولي النشرات، وان كان ذلك لا يعفي المسؤولين الكبار في المحطة من المسؤولية ايضا. القنوات الغربية قاطعت المحللين السوريين فاضطر النظام الى ان يوصل رسالته عبر مسؤولين سوريين، بينما في الاعلام العربي نجد ان المحللين يتسيدون المشهد ليقوموا بتضليل المشاهد وهو خطأ وقعت فيه قناة العربية بشكل كبير للاسف.
- ما هي رؤيتكم للوضع الحالي في سوريا. وكيف ترون تطور الأحداث؟
* سوريا حالة مختلفة، والامر نفسه ينطبق على باقي الدول، فلا يوجد "كاتلوج" موحد للدول العربية. في سوريا هناك عدة اعتبارات اهمها قلق الغرب من الطابع الجغرافي لسوريا، حيث يحدها لبنان والاردن والعراق واسرائيل وتركيا، وهذا يعني ان الازمة السورية الداخلية هي ازمة خارجية بكل تأكيد. لكن قناعتي ان اهم عامل سيحدد الى اين تتجه سوريا هو الشعب السوري نفسه.
- قلتم في مقالكم "إلى من يقارنون البحرين بسوريا" إن هناك محاولات مستميتة من دول ووسائل إعلام لمقارنة البحرين بسوريا. ماذا تقصدون من وراء ذلك.
* الواضح ان الناشطين البحرينيين الشيعة نجحوا بخلق علاقات مميزة مع الاعلام الغربي، مما ادى الى تضليل الاعلام الغربي تجاه ما يحدث هناك، كما ان هناك محاولة للقول عربيا بان ما يحدث بسوريا مشابه لما يحدث بالبحرين، وهذا غير صحيح، فما يحدث في دمشق هو تحرك شعبي دون دعم خارجي، بينما ما حدث بالبحرين كان بدعم ايراني، والمفارقة ان النظام الايراني يدعم نظام بشار الاسد ضد مواطنيه، بينما يدعم الشيعة البحرينيين ضد نظامهم!
- قلتم أيضا في نفس المقالة إن الإيرانيين متورطون في سوريا، وليسوا كقوات درع الجزيرة. أين يكمن الفرق؟
* البحرين جزء من مجلس التعاون الخليجي، والذي تنبثق منه قوات درع الجزيرة، التي سبق لها ان دخلت دول اخرى غير البحرين من قبل، وبالتالي فدعوة درع الجزيرة للبحرين ليست تدخلا خارجيا او احتلالا، ناهيك عن ان مسؤولية درع الجزيرة بالبحرين هي تامين المؤسسات الحيوية، بينما التدخل الايراني في سوريا كان لقمع الابرياء العزل ومساعدة نظام قمعي، بينما النظام البحريني نظام ديمقراطي يسمح على الاقل بحرية الرأي والاختلاف. فدرع الجزيرة لم تدخل البحرين لتقطع الانترنت، والطرقات، وهكذا.
- هل تتوقعون مواجهة ما، حتى وان كانت اعلامية، بين الدول الخليجية وبخاصة السعودية، من جانب، وايران من الجانب الآخر؟
* المواجهة عمرها بعمر الثورة الايرانية الخمينية، ولم تتوقف على الاصعدة كافة لليوم.
- الا توجد مخاوف من اللعب على وتر المذهبية في دول الخليج. وان كان، كيف السبيل لمعالجة ذلك؟
* المخاوف حقيقية، وهذا الامر يتطلب عاملين، الاول من قبل الدول التي عليها تكريس مفهوم المواطنة، من خلال احترام جميع المواطنين من دون تمييز، والعامل الاخر يتوقف على ابناء الطوائف ليحسموا امرهم، فهل هم مواطنون، ام ابناء جالية تقيم بذلك الوطن. لا يمكن ان تكون مواطنا شيعيا في احدى دول الخليج وولاؤك لايران، هذا امر غير مقبول!
- في حالة حصول تغيير ما في سوريا، ما تأثير ذلك في مستقبل العلاقات مع ايران؟
* سقوط نظام الاسد يعني فشل السياسة الخارجية الايرانية، ومنذ الثورة الخمينية، حينها ستعود ايران الى حجمها الطبيعي، وستكون مشغولة بتبعات فشلها الخارجي داخليا.
- هل بالامكان أن نرى أو نتوقع تدخلا ايرانيا مباشرا "بأي شكل من الأشكال" لمساعدة الحليف الاستراتيجي سوريا؟
* هذا امر حاصل اليوم.
- وماذا عن حزب الله وحلفاء دمشق في لبنان ومستقبل العلاقات بين البلدين
* ما يجهله البعض ان المعارضة السورية الاصيلة، او ما عرف بربيع دمشق كان لهم موقف واضح تجاه دور نظام الاسد في لبنان، حيث كانوا يشجعون علاقات دبلوماسية متكاملة، وحسن جوار، خصوصا وانهم يطالبون بتطبيق الدولة المدنية في سوريا، وهذا بدوره يعني ان لبنان الدولة ستستفيد من سقوط نظام الاسد، وليس لبنان الطوائف، والميليشيات.
- في حالة تأزم الوضع في سوريا الا تتخوفون من "سيناريو" ما ينفّذه حزب الله مثلا في جنوب لبنان او النظام السوري نفسه في الجولان
* حزب الله يعرف ان الظروف اليوم ليست بمصلحته، دوليا، واقليميا، سواء سياسيا او عسكريا وحتى على مستوى الراي العام، ومهمة حزب الله الرئيسية في لبنان هي خدمة ايران، وليس نظام الاسد الذي بدوره يعي ويعرف ان اي عمل عسكري مع اسرائيل يعني خسائر فادحة نظرا لاختلال موازين القوة، لذلك استبعد انزلاق المنطقة الى مواجهة عسكرية في هذا الاتجاه.
- بمناسبة الحديث عن "السيناريوهات".. هل ممكن أن تقدم ايران بدورها على تصعيد ما يبعد الأنظار عما يحدث في سوريا؟
* لا اعتقد فإيران نفسها تمر بأزمة داخلية حقيقية.
- موقف طارق الحميّد، المثقف والكاتب والصحفي، من "الربيع العربي"؟
* ارى انه زلزال سياسي، ليس خيرا كله، ولا شرا كله. اكثر ما يزعجني فيه انه تحول الى رومانسية، حيث بات لدينا شريحة عريضة اليوم من الرومانسيين الاعلاميين، والمثقفين، وحتى الساسة، وهذا خطر جدا.
- ماذا عن اليمن
* وصفة جحيم ما لم تتم معالجته بطريقة جادة بعيدة عن العاطفة، والمجاملة.
- وماذا عن مصر
* اعان الله مصر على المصريين!
- وتونس
* الى الآن لا نعلم لماذا حدث الانقلاب العسكري؟
- كيف ترى النهاية في ليبيا
* اذا كنت تقصد القذافي فقد انتهى، ونحن بانتظار اسدال الستار لنرى هل النهاية حفرة، على غرار صدام حسين، او مستشفى على غرار حسني مبارك.
- أخيرا. هل نبدأ في تقييم النتائج وحصر الخسائر أم هي مجرد بداية لها ما بعدها؟
* لازلنا في البدايات، وعلينا ان نتذكر ان الانظمة التي سقطت، والتي تهتز اليوم، لم تنجح اصلا في بناء دولة مؤسسات، وخلافه.
أجرى الحوار: عزالدين سنيقرة
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.