* تعتمد الاستخبارات الإيرانية، دائماً، على تعدد أذرعها، وبالتالي هي تراهن، على الجماعات المسلحة، والميليشيات الموالية لها، في تنفيذ عمليات إرهابية ضد المصالح الأميركية
* ليس من المستبعد أن تجلس إيران حول طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، في أعقاب ترجيح خسارتها الرهان على دول أوروبا
بون: في ظل تصاعد نتائج العقوبات الاقتصادية الأميركية ضد إيران، ورفض دول أوروبا تخلي إيران عن بعض بنود الاتفاق النووي، لم يبق لإيران الكثير من الخيارات، وهذا ما يضع إيران في موضع سياسي واقتصادي حرج جدا لم تشهده منذ عام 1979. لقد نحج الرئيس الأميركي ترامب بسياسة فرض العقوبات، إلى حد أن دول أوروبا هي الأخرى بدأت تتجه صوب أميركا.
وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية
تسمى وزارة الاستخبارات والأمن القومي وبالفارسية «وزارت اطلاعات» وهي الشرطة السرية وجهاز المخابرات الرئيسي في إيران. وكانت معرفة باسم SAVAMA، وفقا لمعلومات موسوعية، وأصبح جهاز المخابرات الإيراني وزارة قائمة بحد ذاتها عام 1984. ويعتبر محمود علوي وزيرا للاستخبارات، منذ عام 2013 وهو رجل دين وفقيه حيث حصل على صفة «حجة الإسلام».
ولأول مرة كشفت فيها إيران عن أجهزة استخباراتها، كان يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2014. وفقا لتقرير قناة «العربية» وعن تفاصيل تركيب الأجهزة الاستخباراتية، بقولها إن وزير الاستخبارات محمود علوي يرأس مجلسا تنسيقيا يشرف على 16 وكالة استخباراتية مختلفة. وتتكون أجهزة الاستخبارات الإيرانية الحالية من عدة مؤسسات رئيسية، هي: وزارة الإعلام، وزارة الاستخبارات والأمن الوطني، جهاز الاستخبارات العسكرية ومكافحة التجسس، جهاز استخبارات الحرس الثوري. وتخضع منظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني، أيضًا إلى وزارة الاستخبارات.
ووفقا إلى تقرير صادر من الكونغرس الأميركي، بـ64 صفحة، حول الاستخبارات الإيرانية، بأن الوزارة تنقسم مهامها إلى مهام خارجية ومهام داخلية، وهذا التقسيم يعتبر بديهيا موجودا أساسا في غالبية أجهزة الاستخبارات. وجاء في التقرير أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية تضم 30 ألف عضو يعملون في مختلف المجالات التجسسية، منها سرقة التكنولوجيا ومختلف الأعمال الإرهابية مثل الاغتيالات واختطاف المعارضين. ووصف التقرير الأميركي، وزارة الاستخبارات الإيرانية بأنها من أقوى المؤسسات الاستخباراتية في المنطقة، وهي تقدم شتى أنواع المساعدات، المالية والعسكرية والتقنية إلى حماس و«حزب الله» اللبناني وشبكات القاعدة في العراق وأفغانستان وإلى كثير من الجماعات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم.
التقارير كشفت عن أن الاستخبارات الإيرانية تضم موظفين أجانب منهم موظفون من بريطانيا وإسرائيليون، وعلى سبيل المثال فإن سعيد إمامي الذي تمت تصفيته بيد الاستخبارات الإيرانية بسبب قضايا داخلية تبوأ قبل ذلك منصب مديرية الاستخبارات رغم أنه كان من أصول يهودية ولكن أسند إليه منصب معاون الوزير.
وشكلت وزارة الاستخبارات الإيرانية «اطلاعات» أركانا خاصة للتصدي والمهاجمة الإلكترونية عام 1990. ومع هذا فإن وزارة الدفاع الأميركية تعتقد أن إيران في هذا المجال ما زالت ضعيفة. واعترفت طهران أن رجال استخباراتها تحصل على التدريب من روسيا وبعض دول آسيا الوسطى وغير مستبعد من دول أميركا اللاتينية، حيث تعتمد على عناصر «حزب الله»، من أصول لبنانية تعيش في المنفى.
ويعتبر فيلق القدس هو المسؤول عن إدارة وحدات وخلايا استخبارية في الدول والأهداف من خلال إجراء اتصالات مع مجموعات متطرفة ويقوم بالتنسيق معها وتمويلها مقابل تنفيذ عمليات لصالحه.
التركيبة الأمنية والاستخباراتية لجهاز الدولة الإيراني
نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دراسة يوم 8 يناير (كانون الثاني) 2018، من إعداد سعيد جولكر، الخبير الإيراني الأكاديمي في الشؤون الإيرانية للإحاطة بالتركيبة الأمنية والاستخباراتية لجهاز الدولة الإيراني والخاضعة لنظام حكم ولاية الفقيه. وتحدثت الدراسة عن الطريقة النمطية المألوفة التي اتبعها جهاز الأمن الإيراني في قمع الانتفاضة الأخيرة في إيران بعد توسُّع رقعة الاحتجاجات في مدن وبلدات متعددة، حيث تكررت هذه السلسلة من عمليات التمرد والقمع عدة مرات في ظل «آية الله»، حيث كان النظام ينجح في إخمادها في كل مرة.
وتقول المعارضة الأحوازية من داخل إيران، إن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يعمل على الصعيد الخارجي بالتنسيق مع وزارة الاستخبارات (اطلاعات) ومن أهم مهام فيلق القدس، النشاط في دول الجوار خاصة دول الخليج والعراق بتشكيل شبكات تجسس.
مهام الاستخبارات التقليدية
من دون شك، أن مهام، أجهزة الاستخبارات الإيرانية، تكون معنية بالخدمة الخارجية، وبمتابعة، رصد وفحص منتسبيها العاملين في الخارج أو المبعوثين ضمن الوفود الرسمية أو غير الرسمية. الاستخبارات الإيرانية كانت وراء الكشف عن تعاون أصفهاني، عضو فريق التفاوض النووي الإيراني في أكتوبر 2017. والذي اعتقل من قبل مخابرات الحرس الثوري بدلا من الاستخبارات الإيرانية مباشرة، ما آثار بعض الخلاف بين أجهزة الاستخبارات الإيرانية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تعدد الأجهزة الاستخبارية في الدولة الواحدة، يمكن أن تكون مصدر قوة ويمكن أن تكون العكس، وهذا يعتمد على توزيع المهام والصلاحيات، وعدم وجود تقاطع بينها، وعلى أن تخضع جميعها إلى مجلس الأمن القومي، غير ذلك تأتي بنتائج سلبية.
مراكز أنشطة أجهزة الاستخبارات في الخارج
تعتبر السفارات الإيرانية وقنصلياتها وبعثاتها الحكومية في الخارج، مراكز أنشطة لأجهزة الاستخبارات، وهذا أمر طبيعي لدى جميع الدول، لذا يمكن أن نطلق تسمية على محطات أجهزة الاستخبارات في الخارج والتي تتخذ من السفارات والهيئات الرسمية مقرا لها بـ«المحطات الشرعية»، أي شرعنة التجسس تحت غطاء دبلوماسي أو حكومي. وتدير محطات وزارة المخابرات في الخارج، مجموعة من شبكات التجسس تحت غطاء مراسلين أو لاجئين أو أعضاء سابقين للفصائل المعارضة في الخارج.
استخباريا أصبح من المتعارف عليه أيضا تسمية محطات غير شرعية، وهي جميع المقرات التي تتخذها الحكوما للتجسس وجمع المعلومات في الخارج من دون غطاء رسمي، أي لا تكون تحت غطاء رسمي حكومي، لكن بالتأكيد في عمل الاستخبارات لا يوجد نشاط استخباري من دون «غطاء شرعي»، فكثيرا ما يكون العمل الاستخباري في الخارج وحتى في الداخل خلف واجهات، منها شركات تجارية، أو أعمال حرة، إلى جانب مهمة الصحافة والإعلام التي أصبحت من أكثر الأغطية مناسبةً لأجهزة الاستخبارات، خاصة الاستخبارات الغربية.
وأهم ما يميز أجهزة الاستخبارات الإيرانية، أنها دائما تحاول نقل المواجهة خارج أراضيها، وهذا ما يجعل دول وسط آسيا وأوراسيا، ربما من أفضل الدول لأنشطة أجهزة الاستخبارات الإيرانية، إلى جانب ثقلها الاستخباري والسياسي والاقتصادي في العراق. وصعدت إيران وتيرة دعمها العسكري والمالي واللوجستي لميليشيات الحوثي في اليمن وميليشيات «حزب الله» في لبنان المنتشرة في سوريا وكذلك في العراق.
وتعتمد الاستخبارات الإيرانية من خلال المتابعة والرصد لأنشطتها، خاصة في الخارج، على النشاط بالوكالة، باستخدام الميليشيات أو عناصر تم تجنيدها من جنسيات أخرى، أكثر من تنفيذ تلك العمليات مباشرة من قبل عناصر أجهزتها الاستخبارية، لكن هذه المعادلة تغيرت كثيرا منذ عام 2018. مع تصعيد العقوبات الأميركية ضد إيران وكذلك تشديد الرقابة على نشاط الاستخبارات الإيرانية في أوروبا، وهذا ما كان سببا في وضع دول أوروبا، أجهزة الاستخبارات الإيرانية، ومن ضمنها الحرس الثوري، على قائمة الإرهاب، بعد أن تورطت سفارات إيران بتنفيذ عمليات تجسس واغتيالات ضد المعارضة الإيرانية خلال عام 2018.
مهام الاستخبارات الإيرانية لمواجهة العقوبات الأميركية
في وقت الأزمات والحروب، تعيد أجهزة الاستخبارات جدولة أعمالها وأولوياتها، وفقا لحاجات الأمن القومي، وهذا يعني أنها يمكن أن تتخلى عن أنشطتها التقليدية وتعيد تنظيم خطتها من جديد، وهذا ما يستدعي أيضا استحداث مديريات ووحدات وشعب جديدة تتماشى مع التحديات.
وهنا يبرز العامل الاقتصادي، رغم وجود الاقتصاد والتكنولوجيا ضمن مهمة الاستخبارات، واشتهرت به الاستخبارات الصينية، وحتى دول أوروبا التي تعمل ضمن سقف الاتحاد الأوروبي، فهي تتجسس بعضها على بعض للحصول على التكنولوجيا والابتكارات.
وفي العودة إلى الاستخبارات الإيرانية، فإن المهام الافتراضية، يعني أنها تقوم بما يلي:
ـ تسويق النفط الخام بشكل غير شرعي عن طريق التهريب
ـ شراء التقنيات الحديثة بما يتعلق بالملف النووي وتخصيب اليورانيوم
ـ الحصول على قطع الغيار، ذات الاستخدامات المزدوجة، لصناعة الصواريخ والأسلحة
ـ إنشاء شركات جديدة خارج إيران مهمتها الحصول على العملة الصعبة، هذه الشركات في الغالب تدار من قبل ضباط مخابراتها مباشرة أو من خلال عملاء يعملون إلى إيران، وفي الغالب يكونون من الجنسية الإيرانية أكثر من جنسية دولة ثالثة.
ـ إيجاد قنوات اتصال سرية مع الولايات المتحدة خصوصا، على المستوى السياسي، دائما يكلف بها السفراء والدبلوماسيون، يستغلون المناسبات العامة في الخارج والأعياد الوطنية، إلى جانب أنشطة محطة الاستخبارات بالتقرب من شخصيات أميركية، محاولة من إيران بإيجاد قنوات اتصال مع الولايات المتحدة.
ـ تكثيف جهود الاستخبارات بتنفيذ عمليات إرهابية ضد المصالح الأميركية وحلفائها.
الخلاصة
تعتمد الاستخبارات الإيرانية، دائما، على تعدد أذرعها، وبالتالي هي تراهن، على الجماعات المسلحة، والميليشيات الموالية لها، في تنفيذ عمليات إرهابية ضد المصالح الأميركية وحليفاتها، وليس من المستبعد أن تجلس إيران حول طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، في أعقاب ترجيح خسارتها الرهان على دول أوروبا.