* سارة ساندرز: لقد استشار الرئيس الأميركي فريق الأمن القومي وقادة المنطقة الذين يشاطرونه قلقه حيال الجماعة، التي يجري تصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية وفق قوانين وآليات العمل الداخلي.
* السياسات الأميركية لم تعد تنفصل عن تصاعد نفوذ قوى عربية لدى واشنطن، في وقت تشهد فيه علاقات البيت الأبيض بتركيا توترات تتصاعد مظاهرها وتتعدد ملفاتها
* المستوى المنخفض للتعليق التركي على القرار الأميركي، ارتبط بإدراك أن آليات أنقرة للتحرك تقوم على ضرورة التنسيق مع بعض عناصر البيروقراطية الأميركية المتحفظة على توقيت القرار الأميركي
* تتعدد محركات التخوف التركي من ارتدادات القرار الأميركي، إذ إنه سيشكل نقطة تحول كبرى في تاريخ النظام التركي القائم على دعم الجماعات الإرهابية والمتبني لـ«الآيديولوجيا الإخوانية»
* التوجهات الأميركية بتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية سيراكم الارتدادات السلبية على الدولة التركية ويعظم من المشكلات والتحديات التي تجابهها قياداتها السياسية على الساحتين المحلية والدولية
أنقرة: تطورات متسارعة تشهدها أنماط السياسة الخارجية الأميركية، على نحو بات ينعكس على كثير من قضايا الشرق الأوسط الرئيسية، ومن ضمنها قضية الجماعات الراديكالية النشطة على مسرح عمليات الإقليم، وذلك في ظل توجه إدارة الرئيس دونالد ترامب لوضع جماعة الإخوان المسلمين ضمن لائحة الجماعات الإرهابية عبر العالم، وذلك بعد ممانعة الإدارات الأميركية السابقة، إذ قالت سارة ساندرز، السكرتيرة الصحافية بالبيت الأبيض: «لقد استشار الرئيس الأميركي فريق الأمن القومي وقادة المنطقة الذين يشاطرونه قلقه حيال الجماعة، التي يجري تصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية وفق قوانين وآليات العمل الداخلي».
الإعلان الأميركي لم يكن الأول من نوعه، ولكنه بدا الأجرأ والأكثر جدية من حيث إجراءاته، إذ جاء في إطار توافق ثلاثي بين أجهزة الأمن القومي والخارجية والبيت الأبيض، وذلك على نحو بدا مرتباً ومنسقاً، بما أثار قلق الإخوان ومعتنقي آيديولوجيتهم ومناصريهم من الفواعل الرئيسية على مسرح الإقليم، وفي المقدمة منهم تركيا، التي أعربت، وفق صياغة مضطربة حملت تهديدات مبطنة عن قلقها إزاء ارتدادات الموقف الأميركي، ليحذر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، من أن «الخطوة الأميركية من شأنها المساعدة في تزايد أعداد التنظيمات الإرهابية على نحو خفي».
كشف الموقف التركي المتوتر والذي بدأ من حيث المستوى المنخفض للتعليق على الحدث رغم أهميته، أن ثمة تخوفات تركية من التورط في قضية غير معلوم أبعادها، سيما أن أنقرة كانت قد استضافت قبل أيام معدودة مؤتمرا إقليميا لقيادات الجماعة لإحياء ذكرى تأسيسها، وهو ما قد يعني أن القيادة التركية قد تتكبد تكلفة باهظة لمواقفها وسياساتها الإقليمية، وذلك في ظل ما يحمله الموقف الأميركي في طياته من إمكانية فرض عقوبات اقتصادية على دول، ومنع قيادات سياسية من السفر، وفرض قيود واسعة النطاق حيال شركات ومجموعات من الأفراد الذين يتعاملون مع الجماعة الإرهابية.
ارتبط بذلك التخوف التركي وعززه أن السياسات الأميركية لم تعد تنفصل عن تصاعد نفوذ قوى عربية لدى واشنطن، هذا في وقت تشهد فيه علاقات البيت الأبيض بتركيا توترات تتصاعد مظاهرها وتتعدد ملفاتها. وعلى جانب آخر، فإن المستوى المنخفض للتعليق التركي على القرار الأميركي، ارتبط بإدراك أن آليات أنقرة للتحرك تقوم على ضرورة التنسيق مع بعض عناصر البيروقراطية الأميركية المتحفظة على توقيت القرار الأميركي، ذلك أنه بينما يعتبر الرئيس دونالد ترامب أن الإخوان منظمة إرهابية تحمل سياساتها وآيديولوجيتها مخاطر جمة على الأمن القومي الأميركي وحلفاء واشنطن في الإقليم، ويدعمه في ذلك وزير الخارجية، مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، فثمة قوى بيروقراطية داخل وزارة الخارجية وبعض مراكز الأبحاث تخشى من أثر التعجيل بالقرار على علاقات واشنطن مع المؤسسات التركية، بما يستدعي بحث أطر بديله تحمل ذات المضمون ليدفع النظام التركي الذي يتبنى ذات الآيديولوجيا الإخوانية «ثمن التطرف».
ارتدادات القرار الأميركي على تركيا
تتباين وتتعدد محركات التخوف التركي من ارتدادات القرار الأميركي، إذ إنه سيشكل نقطة تحول كبرى في تاريخ النظام التركي القائم على دعم الجماعات الإرهابية والمتبني لـ«الآيديولوجيا الإخوانية»، والمرتبط بالجماعة وعناصرها عبر أطر تتجاوز العمل السياسي إلى نسق من الروابط الشخصية وعلاقات النسب تعددت وامتدت منذ عقود خلت.
فأنماط العلاقة بين تركيا وجماعة الإخوان تقوم ليس وحسب على الروابط العملية التي تجمع النخبة السياسية الحاكمة في تركيا مع مختلف جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، وإنما تتأسس أيضا على ذلك النمط من الروابط التي تتجاوز الإطار السياسي إلى النسق الآيديولوجي الذي يجعل الجانبين ينتميان لتيار عقائدي واحد، وذلك منذ أن أقدم نجم الدين أربكان على تأسيس حركة «المللي جورش» في ستينات القرن الماضي، والتي تمثل الجناح التركي لجماعة الإخوان. ومن رحم هذه الحركة خرج كثير من الأحزاب السياسية، من ضمنها العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، رغم أنه مثّل التيار التجديدي الذي انقلب على تيار أربكان داخل حزب الفضيلة عام 2001. لذلك فإن القرار الأميركي موجه لتركيا وقيادتها وأنماط تحالفاتها ومريدها من الجماعات الإسلامية على نحو قد يستجلب مجموعة متنوعة من المخاطر.
نزع «شرعية» النظام التركي
تأسس الحزب الحاكم في تركيا من قبل قطاع محافظ ينتمي للتيار الإسلامي التركي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، كما أنه قدم نفسه للغرب باعتباره ممثلهم عبر الإقليم ولعب أدوارا رئيسية في التقارب الذي جمع بين الإدارة الأميركية السابقة وبعض فروع الجماعة عبر الإقليم، وذلك في محاولة لتسويقهم بحسبانهم نسخا محلية من «العدالة والتنمية» التركي، بما يعني أن إصدار قرار بوضع الجماعة الإخوانية على لائحة الإرهاب، ينسحب مضمونا على القيادة التركية التي قدَمت نفسها دوليا، في مرحلة من المراحل، بحسبانها ممثلتهم، وبحسبانهم وكلاءها على ساحة الإقليم.
وقد شاع في أوساط الإخوان، وعبر وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها، وصف إردوغان بـ«الخليفة». عبر عن ذلك، على سبيل المثال، يوسف القرضاوي، الزعيم الروحي للإخوان المسلمين، الذي قال إن إردوغان يمثل الخليفة والممثل لنموذج الحكم الإسلامي في العصر الحديث، وإنه هو الذي سيفرض الإسلام في كل أنحاء العالم. مضيفًا: «اتحاد فقهاء الإسلام أعلن أن الخلافة يجب أن تتشكل في إسطنبول لأنها عاصمة الخلافة... تركيا الجديدة هي التي تدمج بين الدين والدولة، القديم والجديد، العربي وغير العربي وتوحد الأمة في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، والولايات المتحدة، وكل مكان. الشخص الذي أحدث ذلك في تركيا هو رجب طيب إردوغان... هو القائد الذي يعرف الله، ويعرف نفسه، ويعرف شعبه، ويعرف الأمة، ويعرف العالم. عليكم الوقوف إلى جانب هذا الشخص وتقديم الولاء له والقول له: سر إلى الأمام».
وعلى الرغم من أن الرئيس التركي لا يعبر عن ذاته بحسبانه مرشد الجماعة أو خليفة المسلمين، غير أن تصريحاته ومواقفه حيال كثير من التطورات تشير ضمنيا إلى أنه يعتبر نفسه المرشد لجماعات الإخوان عبر الإقليم. وثمة كثير من الأدبيات التي تشير إلى أن ذلك لا ينسجم مع آيديولوجيا الحكم التركي وحسب، وإنما يجسد أيضا فكرة أن هذه الجماعة تحولت خلال العقد الأخير لتغدو إحدى أدوات تركيا لشرعنة دورها كدولة قائد لدول العالم الإسلامي. ولعل هذه الرسالة قد أكدتها القيادة التركية عبر كثير من المواقف خلال السنوات الماضية، ومن ضمنها التأكيد على أن حزب تركيا الحاكم ليس ببعيد عن مبادئ تنظيم الإخوان، الذي درج على الاحتفال المبالغ فيه سنويا بذكرى تأسيسه في مدينة إسطنبول، بمشاركة «العشرات» من قياداته وعناصره عبر الإقليم.
إسقاط مشروع تركيا الإقليمي
وظفت تركيا قضايا جماعة الإخوان لاستنساخ استراتيجية طهران في رعاية التنظيمات الشيعية، حزبية كانت أو عسكرية، من أجل خدمة نفوذها الإقليمي، وتمدد قواتها العسكرية خارج حدودها الجغرافية. لذلك لجأت إلى استخدام قدراتها المالية وإمكانياتها الإعلامية لخدمة مشروع الإخوان في مصر القائم على استهداف الدولة في المنطقة العربية، والعمل على عدم استقرارها سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وجرى استنساخ ذلك على مختلف الساحات الإقليمية، وفق مشروع تركي يرعاه إردوغان ويوظف الإخوان في إطاره، سيما أنهم بحاجة للملاذ الآمن الذي يؤمن لهم القاعدة للانطلاق في تطبيق أفكارهم، واللجوء إلى العنف المسلح لضرب الدولة الوطنية والانقضاض عليها بعد ذلك.
وفي هذا السياق، تشير بعض الأدبيات التركية إلى أن الطريقة المثلى لفهم سياسة تركيا الخارجية ترتبط بالنظر إليها باعتبارها «عثمانية جديدة»، فتاريخ تركيا وقوتها العسكرية يتناسبان مع رواية الإخوان المسلمين، التي تهدف إلى أن تكون حركة عابرة للحدود، لذلك يعتبر مفكرو الإخوان تركيا دولة ذات أفضلية تحتل أولوية فوق غيرها. ويمثل هذا الإدراك، وفق رؤية الرئيس التركي سلاحا لا يجب التخلى عنه، على الرغم من الضغوط الغربية، إذ إنه يعطيه نفوذًا واسع النطاق في أنحاء الشرق الأوسط.
كما ترى اتجاهات أكاديمية رائجة، أن تركيا لا تستطيع أن تصبح صانع قرار سياسي في الإقليم من دون الدور الذي يلعبه الإخوان المسلمون لتعظيم سطوتها. لذلك تحولت منذ صعود العدالة والتنمية إلى السلطة إلى نقطة انطلاق لأنشطة التنظيم الدولي للإخوان. وفي هذا الإطار عقد التنظيم الدولي عددا كبيرا من الاجتماعات بعضها تم بشكل سري ومن وراء ستار والآخر كان بدعم من حكومة العدالة والتنمية، وتم افتتاح الكثير من هذه المؤتمرات من قبل قيادات الصف الأول في الحكومة التركية، ومن بين الجهات المنظمة للمؤتمرات، منتدى المفكرين الإسلاميين وبرلمانيون من أجل الشفافية، وهما واجهتان للجهاز السياسي في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وتؤكد استضافة تركيا لمؤتمرات جماعة الإخوان، إصرار حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ 2002. على عدم الاكتراث بالأمن العربي وعزمه استخدام هذه الجماعة، التي تدرس دولا غربية عدة إدراجها على القوائم السوداء.
لذلك، فإن تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية من شأنه أن ينزع كامل الشرعية عن أدوار تركيا الإقليمية التي نظرت للجماعة بحسبانها أحد أدوات التوسع في المنطقة وضرب استقرارها. وقد قال في هذا الصدد ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي: «إن إسقاط الخلافة تسبب في فراغ سياسي في المنطقة، وقد سعى تنظيم الإخوان لأن يكون ممثلا سياسيا في العالم نيابة عن الأمة، البعض منا استخف بقوة الإخوان، لكن جميع الحركات الإسلامية ولدت من رحم الإخوان».
وأضاف أن جماعة الإخوان تمثل اليوم ذراعًا للقوة الناعمة لتركيا في العالم العربي، فهذه الجماعة ترحب بالدور التركي في المنطقة، وتنظر لتركيا بحسبانها «عنوان الخلافة». وربما تشكل مثل هذه التصريحات المسوغ لملاحقة كثير من أعضاء الحكم التركي بحسبانهم داعمين وأعضاء في جماعات إرهابية.
تراجع محور تركيا – قطر
تأسست ركائز التحالف التركي – القطرى على مشتركين رئيسيين اثنين أولهما يتعلق بدعم الدولتين لجماعات الإسلام السياسي، وفي المقدمة منها جماعة الإخوان المسلمين. وثانيهما ارتبط بتنسيق الجانبين مع الإدارة الأميركية السابقة من أجل تمكين جماعات الإخوان من الحكم في عدد من البلدان العربية، وفيما رحلت إدارة أوباما، فإن توجهات إدارة ترامب حيال الإخوان وحلفائها تُضعف ركائز التحالف التركي – القطري، القائم على دعم الحركات الإرهابية عبر الإقليم لزعزعة استقرار الدول وأنظمة الحكم فيها.
وقد يتحول كل طرف إلى عبء على الآخر، فالأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا قد تحد من القدرة على المناورة، كما أن استمرار الدولتين في ترحيل قيادات الإخوان من أنقرة إلى الدوحة والعكس قد لا ينطلي على المجتمع الدولي، ولن ينسجم أيضا مع طبيعة المواقف الأميركية الأخيرة، والتي قد تنتقل من حيز التصريح والتلويح بالعقوبات إلى فرض حزم عقوبات مباشرة، سيما بعد سلسلة العقوبات التي فرضت على طهران، وسياسات واشنطن إزاء الاتفاقيات الاقتصادية مع تركيا وتجميد تسليم طائرات F-35 لتركيا، بما يؤشر إلى أن ثمة حزما قد يجابه أي اختراقات للقرارات الأميركية، وربما ذلك يفسر تراجع الخطاب التركي حيال الموقف الأميركي من جماعة الإخوان.
وقد ينسحب ذلك على قطر أيضا، وذلك في ظل تعدد مستويات العلاقة بين النظام الحاكم وجماعة الإخوان التي حولت الدوحة كما تركيا إلى جزيرة لشن الهجوم ودعم الإرهاب للنيل من استقرار الدول العربية. وعلاقة النظام القطري بتنظيم الإخوان وثيقة، سيما أن قطر استلهمت فكر الإخوان منذ وقت مبكر، وكانت أول من وفر لهم ملجأ آمنا بعد أن فروا من العدالة في دول عدة، وسبق ليوسف القرضاوي الذي تم تصنيفه إرهابيا من قبل كثير من الدول العربية، غير أن الأخيرة منحته الجنسية القطرية ونصبته مفتيا عاما للدولة وشرعت له منصاتها الإعلامية لنشر الفكر الإخواني.
لذلك، فإن تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، من شأنه أن ينعكس على قدرة تركيا وقطر على تسخير إمكانيات ومقدرات دولتيهما من أجل الدفاع عن هذه الجماعة عبر أطر ومستويات لم يغب عنها العمل الأمني والعسكري في كثير من الميادين والساحات الإقليمية.
نهاية «ملاذ» الإخوان الآمن
تجابه فكرة الملاذات الآمنة للإخوان عبر الإقليم تحديات غير مسبوقة، ليس وحسب بسبب التحركات الأميركية الأخيرة، التي قد تشكل عبئا من الصعب التكيف معه أو المناورة في مواجهته، وإنما باتت أيضا ترتبط بالتزامن بين القرار الأميركي، وتزايد مظاهر ضعف النظام التركي، إن بسبب أزمة تركيا الاقتصادية، وإن بفعل تنامي حضور المعارضة السياسية الرافضة لاستمرار سياسات الرئيس التركي التي سخرت مقدرات البلديات الرئيسية، سيما في إسطنبول وأنقرة، لخدمة عناصر الإخوان.
وعلى الرغم من محاولة بعض المؤسسات التركية الاضطلاع بأدوار أكثر اتزانا من خلال الدفع بتسليم بعض العناصر الإخوانية المتورطة في عمليات إرهابية، سيما في مصر، فإنها قد تغدو مدفوعة بمحركات أكبر بوقف تحركات الإخوان على نحو كامل داخل الأراضي التركية، بفعل تصاعد الرفض الشعبي لذلك، على النحو الذي عكسته نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، ومن جراء ما تفرضه الخطى الأميركية الجديدة من ضغوط دولية من شأنها أن تفضي إلى إنهاء فكرة الملاذ التركي الآمن لعناصر الإخوان، وذلك بسبب تصاعد كلفة بقاء هؤلاء العناصر داخل تركيا بحسبانها تمثل أكبر تجمع قيادات تنظيم الإخوان الفارين من العدالة حول العالم، واحتضانهم وتوفير البيئة المناسبة لهم ليتمكنوا من عقد اجتماعاتهم وندواتهم التي تحفل بها العاصمة التركية أنقرة على مدار العام.
وقد يزيد من الخناق حول الجماعة، أنها باتت بالفعل مصنفة كمنظمة إرهابية لدى كثير من دول الشرق الأوسط، وذلك على نحو من شأنه أن يفضي إلى تعزيز توجه كثير من تيارات الإسلام السياسي نحو التبرؤ من آيديولوجيا الجماعة وعناصرها الإرهابية، وقد يتضح ذلك في حالة «النهضة» في تونس، و«العدالة والتنمية» في المغرب، كما أنه قد يدفع بحدوث انشقاقات عنيفة داخل الجماعة، على نحو يضعف قدرتها على مجابهة الأزمة، ويزيد من تكلفة مناصرتها من قبل أي حليف إقليمي، سيما أن القرار الأميركي قد تلحقه قرارات مماثلة من قبل كثير من الدول الغربية.
ومن شأن ذلك أن يضاعف من الضغوط على تركيا لمراجعة سياساتها فيما يخص منح الجنسية للعناصر الإرهابية، سيما بعد أن شهدت الشهور الأخرى تقديم المئات من الطلبات من قبل عناصر الإخوان وعدد من قياداتهم للحصول على الجنسية التركية. ووفق تصريحات عوض الحطاب، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، فإن هناك عددا كبيرا من قيادات الجماعة الإسلامية الذين هربوا إلى تركيا، وبعضهم ممن صدر ضده حكم بالإعدام تقدموا بالفعل بطلبات للحصول على الجنسية التركية، خاصة بعد أن تأكدوا بأنه لم تعد لهم فرصة للعودة إلى مصر بعد الأحكام التي صدرت ضدهم.
الداخل التركي وتداعيات القرار الأميركي
ربما يشكل أهم ارتدادات القرار الأميركي، حال صدوره، بشأن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وفق القوانين الأميركية، أنه سيشكل ضربة موجعة إلى النظام التركي، الذي سيتحمل تكلفة خياراته على نحو قد يدفع بحدوث انشقاقات عنيفة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، كما أنه قد يفضي إلى تجرؤ «قيادات وسيطة» على إعلان انفصالها عن الحزب وانضمامها لحزب جديد، قد تسرع التوجهات الأميركية حيال الإخوان من تحقيقه، سيما بعدما اكتسبت هذه التوجهات قوة دفع هائلة بعد نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، وبفعل تصاعد مظاهر أزمة تركيا الاقتصادية.
على جانب آخر، فمن شأن ذلك أن يسقط من يد الرئيس التركي ورقة طالما وظفها لشرعنة سياساته على الساحة المحلية، كما يزيد ذلك من شعبية المعارضة التركية التي تتهم الرئيس إردوغان بتسخير ميزانيات البلديات المحلية في أنقرة وإسطنبول لخدمة جماعات إرهابية أضرت بمصالح تركيا وهويتها وصورتها على الساحة الدولية. هذا إضافة إلى أن المعارضة التركية قد تتبنى خيار الضغط من أجل التطبيع مع المجتمع الدولي بترحيل وتسليم القيادات الإرهابية، حتى تسقط عن تركيا تهمة التورط في دعم جماعات جهادية.
وقد يدفع ذلك بمراجعة كثير من دول العالم سياساتها حيال المطالب التركية الخاصة بتسليم معارضي إردوغان بدعوى تورطهم في دعم الإرهاب، على نحو قد يتيح للمعارضة التركية حرية حركة غير مسبوقة على الساحة الدولية، بما من شأنه أن يُعقد من علاقات تركيا مع كثير من الدول الغربية، ويزيد من الأعباء التي أثقلت بها القيادة السياسية كاهل الدولة التركية، سيما إذا ما توجهت الإدارة الأميركية إلى التلويح بفرض عقوبات مباشرة على الدول إلى تؤوي الجماعة الإخوانية، وهي تحولات ستكون لها تداعيات مباشرة على الداخل التركي على المستويات السياسية والاقتصادية.
وقد يعني ذلك في مجمله أن التوجهات الأميركية بتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية سيراكم الارتدادات السلبية على الدولة التركية ويعظم من المشكلات والتحديات التي تجابهها قياداتها السياسية على الساحتين المحلية والدولية، وذلك على نحو من شأنه أن يدفع بحدوث أحد سيناريوهين. فإما أن يُعيد صوغ توجهات تركيا الخارجية حيال الجماعات الإرهابية، على نحو يقطع الصلة بالماضي، وإما أن تكون له تداعيات مباشرة على مجمل التفاعلات السياسية المحلية وعلاقات تركيا الخارجية، على نحو قد يهدم سلطة الحكم الإردوغانية الداعمة للجماعات والتنظيمات الإخوانية.