* خبراء: طهران ستلجأ إلى طريقتها التقليدية المعروفة في التعامل مع التصعيد الأميركي من خلال قيام ميليشيا فيلق القدس بتنفيذ عمليات عسكرية محدودة تستهدف المصالح والمنشآت الأميركية بالمنطقة
* تسعى طهران إلى رأب الصدع الداخلي الآخذ في التفاقم على خلفية الانقسامات البنيوية الحادة بين أطراف صنع القرار في البلاد من خلال تصوير الصراع مع واشنطن باعتباره صراعاً دينياً وليس سياسياً
القاهرة: التطورات المتلاحقة للتصعيد الأميركي الإيراني المتبادل سلطت الضوء على دور فليق القدس «الذراع العسكرية الخارجية للحرس الثوري الإيراني» في إشعال الموقف من خلال عملياته التخريبية التي تعد أحد أبرز مهامه خلال السنوات الماضية، وحذر خبراء من قيام الميليشيات الإيرانية بعمليات عسكرية في بعض عواصم منطقة الشرق الأوسط بهدف إيصال رسالة للإدارة الأميركية كجزء من التصعيد المتبادل، وحذرت دراسة حديثة من قيام ميليشيات الحرس الثوري بتوجيه ضربات استباقية في شكل عمليات عسكرية محدودة ضد القوات أو المنشآت الأميركية بالمنطقة لإعطاء البنتاغون ذريعة للضغط على البيت الأبيض للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وسط محاولات طهران مواجهة خطر انقسام الجبهة الداخلية، ورأب الصدع الداخلي الآخذ في التفاقم على خلفية الانقسامات البنوية الحادة بين أطراف صنع القرار في البلاد.
ويرى خبراء أن طهران ستلجأ إلى طريقتها التقليدية المعروفة في التعامل مع التصعيد الأميركي من خلال قيام ميليشيا فيلق القدس بتنفيذ عمليات عسكرية محدودة تستهدف المصالح والمنشآت الأميركية بالمنطقة.
ووفقا لدراسة أصدرها المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية (مقره مصر)، فإن أبرز سيناريوهات التصعيد المتبادل بين طهران وواشنطن يتمثل في «إمكانية تفكير قادة الأفرع الرئيسية في مؤسسة الحرس الثوري في تنفيذ عملية عسكرية محدودة ضد أي من المصالح الأميركية في المنطقة وخاصة القوات والقواعد المنتشرة على الضفة الغربية للخليج العربي بهدف إعطاء مسوغ للبنتاغون للضغط على البيت الأبيض والبدء العملي في الانسحاب من المنطقة برمتها».
وقالت الدراسة التي حصلت «المجلة» على نسخة منها أن «هذا السيناريو تتداوله بعض الأوساط الفكرية في مجتمع تحليل السياسات بالولايات المتحدة الأميركية، على أساس أن عملية عسكرية محدودة ضد أميركا هي إحدى أفضليات وخيارات بعض أفراد الحرس الثوري، بحيث يُرى أن أنسب حل للرد على سياسة العقوبات الأميركية المتصاعدة هو رد الضربة للولايات المتحدة بالطريقة الإيرانية التقليدية».
وتستند التحليلات التي تعزز فرضية قيام طهران بعمليات عسكرية محدودة ضد مصالح أميركية بالمنطقة إلى تراث تراكمي لعمليات عسكرية كثيرة نفذها فيلق القدس، ففي العام 1983 نفذت الميليشات الإيرانية هجوما مسلحا على ثكنة مشاة البحرية الأميركية في العاصمة اللبنانية بيروت، وفي عام 1996 قامت بتفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية، وحاولت عرقلة بعض القطع البحرية الأميركية في مياة الخليج العربي في أغسطس (آب) 1987.
وعلى الرغم من التهديدات الإيرانية بإعاقة الملاحة التجارية وإغلاق مضيق هرمز، إلا أن مراقبين استبعدوا لجوء طهران إلى هذا الخيار تجنبا للرد الأميركي، ووصفت الدراسة التلويح بإغلاق مضيق هرمز أو إعادة تشغيل البرنامج النووي الإيراني ولو جزئيا بأنهما «خطأين استراتيجيين لا يمكن لطهران اقترافهما».
وعلى الرغم من استبعاد الدراسة فرضية تطور التصعيد الأميركي الإيراني إلى حرب عسكرية شاملة، إلا أن الدكتور محمد محسن أبو النور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية قال لـ«المجلة» إن «الدراسة استندت إلى تحليل المعطيات الحالية التي تستبعد تطور المواجهة إلى حرب عسكرية شاملة، لكن التطور المتلاحق للأزمة قد يجعل الموقف يتأزم على نحو مفاجئ ويتطور إلى مواجهة عسكرية مباشرة، خاصة أن أطرافا كثيرة في الإدارتين الأميركية والإيرانية يتبنون نهجا يميل إلى الحل العسكري».
ويضيف أبو النور: «إن إرسال قطع عسكرية أميركية ووصول حاملة طائرات أميركية إلى المنطقة هو قرار عسكري له دلالاته التي تفتح الباب لاحتمالية المواجهة العسكرية، وبرغم أن أحد سيناريوهات التصعيد الإيراني المحسوب هو اللجوء لاستراتيجية العمليات العسكرية المحدودة التي يمكن أن ينفذها فيلق القدس وأفرع أخرى من أفرع الحرس الثوري ضد أماكن تمركز القوات الأميركية في المنطقة خاصة في سوريا وشمال العراق، إلا أن هذه العمليات ستكون محدودة ومحسوبة جيدا تجنبا لاستفزاز الولايات المتحدة الأميركية».
ويعد فيلق القدس أحد الأفرع الخمسة للحرس الثوري الإيراني وذراعه العسكرية المسؤولة عن كافة العمليات الخارجية، وتأسس في ثمانينات القرن الماضي خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) بهدف القيام بعمليات عسكرية سرية داخل حدود العراق، غير أن الوحدة سرعان ما وسعت أنشطتها لتشمل بلدانا أخرى ذات أولوية في مجال السياسة الخارجية، فقد تمثلت إحدى أولى المهام الإقليمية ذات الأهمية بالمساعدة على إنشاء «حزب الله» في لبنان عام 1982. وتنامى دور الفيلق ليصبح مسؤولا عن كافة العمليات العسكرية السرية التي تنفذها إيران عبر العالم، حيث قام بتنفيذ عمليات إرهابية وتخريبية في عواصم مختلفة، وعند اندلاع الحرب الأفغانية في ثمانينات القرن الماضي قامت إيران من خلال الفيلق بدعم حزب الوحدة الإسلامي الشيعي، الذي لم ينجح في القيام بدور فعال على الساحة الأفغانية، وعقب ظهور حركة طالبان نقل الفيلق دعمه إلى مجموعة من الميليشيات في الشمال الأفغاني لمنع طالبان من اكتساب المزيد من النفوذ.
ويقول الدكتور وليد قزيحة، أستاذ العام السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة لـ«المجلة» إن «إيران قد تقدم على تنفيذ عمليات عسكرية بالمنطقة لاستهداف المصالح الأميركية من خلال ميليشياتها، لكنها ستكون عمليات محدودة خوفا من الرد الأميركي، وقد تستخدم طهران حلفاءها الإقليميين في سوريا والعراق ولبنان لإثارة القلاقل بالمنطقة وخلق مشكلات كبيرة تطغى على حالة التصعيد الراهنة مع الولايات المتحدة الأميركية».
واتخذت إيران خلال الفترة الماضية كثيرا من التحركات الاستباقية لمواجهة خطر انقسام الجبهة الداخلية تأثرا بالتصعيد المتبادل مع الولايات المتحدة الأميركية، وتسعى طهران إلى رأب الصدع الداخلي الآخذ في التفاقم على خلفية الانقسامات البنيوية الحادة بين أطراف صنع القرار في البلاد من خلال تصوير الصراع مع واشنطن باعتباره صراعا دينيا وليس سياسيا، بجانب إقناع الرأي العام الداخلي بأن العقوبات الأميركية تستهدف النيل من «العزة القومية» بهدف حشد الجماهير.
وبرزت محاولات طهران بإعطاء الصراع مع واشنطن صبغة دينية على نحو واضح في خطبة الجمعة الماضية التي ألقاها خطيب جمعة طهران المؤقت، آية الله سيد أحمد خاتمي، إذ قال نصا: «إن أميركا في طليعة الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، وإن مشكلتها الرئيسية مع إيران، آيديولوجية ودينية».
وأشارت الدراسة السابقة إلى أن الرسالة التي سعت خطبة الجمعة إلى إيصالها للجماهير مفادها أن «المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي يريد القول إنه على الأمة الإيرانية بكل تشكيلاتها وبما أن سوادها الكاسح من المسلمين، الالتفاف حول قيادتهم السياسية التي تقف بالمرصاد لمحاولات النيل من الإسلام الذي تتبناه الدولة في نظام الحكم».
ويعني لقب خطيب الجمعة المؤقت، أنه خطيب غير دائم، إذ إن المرشد الأعلى، علي خامنئي، يعين خطيبا جديدا كل أسبوع، ولا يثبت خطيبا واحدا، ولذلك يعد من يخطب الجمعة إماما مؤقتا بديلا عن الإمام علي خامنئي، لمدة خطبة واحدة فقط، وفقا لنظرية ولاية الفقيه التي يقوم عليها النظام الإيراني الحالي.
ولفتت الدراسة إلى أنه «نظرا إلى أهمية خطبة جمعة طهران في النظام السياسي الإيراني الراهن من حيث إنها مناسبة أسبوعية للحشد التوجيهي المعنوي فإنها حدث مهم لا يمكن تفويته ولا تجاوزه لمعرفة ما يريد خامنئي قوله، لأن خطيب الجمعة الذي ينوب عن المرشد الأعلى للبلاد، يحمل رسائل الولي الفقيه إلى جهات متعددة، وعليه تعتبر تلك الخطبة بمثابة صندوق رسائل بريدية إلى الداخل والخارج معا».
وتسعى إيران إلى إحياء النزعة القومية لدى المواطنين ومجتمع النخبة السياسية، وإقناع الرأي العام الداخلي بأن التصعيد الأميركي يستهدف النيل من عزة الأمة وعظمتها.
ولاحظت الدراسة خلال تحليل الخطاب السياسي للمسؤولين الإيرانيين في الأسابيع الأخيرة، أنه «يوجد تركيز كبير على إرسال رسالة مفادها أن (العقوبات الأميركية تستهدف إذلال وتركيع الأمة الإيرانية العظيمة)، ولذلك يتحدث كل المسؤولين إلى الشعب بوصفه (الأمة صاحبة التاريخ العريق الذي يجهله ترامب)».
وفي لقائه بالعمال يوم 24 أبريل (نيسان) الماضي تحدث المرشد آية الله علي خامنئي عن نفس المعنى بصيغة أخرى، وهي أن خطر الولايات المتحدة الأميركية يكمن في «تغيير المفاهيم الثقافية التاريخية للأمة الفارسية العظيمة، من خلال التأثير الثقافي التدريجي»، وأن «هذه العقوبات هي إحدى صور هذا النمط من التعامل الغربي مع إيران».