* نساء اخترن طريق الدعارة مقابل أقل من 5 دولارات لتوفير حاجياتهن المعيشية أو لإبعاد الشبهة الداعشية عنهن،
* المخيم الأميركي الموجود بحمام العليل جنوب مدينة الموصل هو لعوائل داعش، وهم مضطرون أن يبقوا بالمخيم فليس لديهم مكان آخر
* كثير من النازحين غير مسجلين، حتى الجهات الدولية لا تحصيهم أو عجزت عن إحصائهم، نحن بحاجة إلى فكر يحارب الفكر الداعشي
* كثيرون يرون أن الحكومة الاتحادية والمنظمات الدولية مسؤولة عن استمرار المعاناة في المخيمات لأنهم يستثمرون الأموال الطائلة الممنوحة لإغاثة النازحين لزيادة أرصدتهم المالية الشخصية
* لو كانت الحكومة تسعى فعليا لإنهاء المأساة لقامت بتحويل أموال الإغاثة إلى تعويضات للمتضررين، وعزلت عائلات داعش المشبوهة في مخيم واحد، وسمحت للمواطنين العاديين بالمساهمة في إعادة الاستقرار من خلال العودة إلى المدن وبناء منازلهم.
* هيومان رايتس وتش: حبس العوائل العراقية بتهمة العلاقة مع داعش غير قانوني... واقتراح الحكومة العراقية بحبس عائلات أعضاء داعش لا ينتهك القانون الدولي فحسب، بل يتعارض مع هدف الحكومة المُعلن المُتمثل في تحقيق المصالحة بين السكان ما بعد داعش
* احتجاز العائلات غير المتهمة بارتكاب أي جرائم هو شكل من أشكال العقاب الجماعي الذي يغذي النقمة ويعلّق حياة الآلاف من المواطنين إلى ما لا نهاية
* ما بقي في عموم العراق من المخيمات هو 94 مخيماً، فيها قرابة 600 ألف نسمة يعتقد أن بينهم 184 ألفاً هم من عوائل داعش، وهناك نازحون منعوا من عودتهم لمناطقهم
* سوف تلعب النساء دوراً مهماً في الحفاظ على إرث التنظيم حتى بعد سقوطه، خاصة أن كل المؤشرات تؤكد أن 25 % من مقاتلي التنظيم كانوا من النساء
* يمكن اعتبار أن النساء هن التحدي الأهم والأبرز والأكبر في مواجهة داعش حتى بعد سقوط دولته، وغياب رؤية للمواجهة ربما يضع احتمالية عودة التنظيم من خلال المرأة
أربيل: الطفل الفلاني يتهم الطفل الآخر ويقول له: «أنت أبوك مرتد قتل أبي لأنه كان مجاهداً في سبيل الله»، الآخر يرد عليه غاضباً: «أنا أبي شرطي وأبوك كان إرهابياً يقتل الناس والحكومة قتلته»...
المشهد من إحدى أسواق الموصل، والطفلان موصليان لا يتجاوز عمراهما التاسعة، هذا المشهد يعكس حال المدينة التي تحررت عسكرياً ولكنها لحد الآن محتلة من قبل مشاعر الانتقام والانكسار... محتلة من قبل العوز والفقر من التحولات الخطيرة... تركة داعش ثقيلة لا يمكن لحكومة كحكومتنا تحملها، والكلام للصحافي الموصلي أحمد محمد.
ويقول أحمد محمد من الموصل لـ«المجلة»: «المدينة تائهة، هكذا أشعر، الشارع كان حديثه سابقا عن أوكار وأنفاق ومضافات ومعسكرات داعش، نحن اليوم مستمرون بالحديث عن داعش لكن عن مخيمات النازحين ومخيمات العزل، عن أطفالهم الذين تحولوا إلى متسولين ونسائهم اللواتي يتم استغلالهن جنسيا مكرهات أو طوعا».
الدعارة سبيلا لإبعاد الشبهة
ويوضح: «هناك مخيمات بجنوب الموصل هي مخيمات الحاج علي والقيارة وحمام العليل ويطلقون عليه المخيم الأميركي أو المخيم القديم، وهي ممنوع الدخول إليها إلا بموافقات أمنية... المخيم الأميركي الموجود بحمام العليل جنوب مدينة الموصل هو لعوائل داعش، وهم مضطرون أن يبقوا بالمخيم فليس لديهم مكان آخر، كثير من النساء لا يستقبلهن ذووهن»، مشيرا إلى «وجود حالات لاستغلال جنسي وغدت حديث الشارع والذي يكون إما من منتسبي الحشد الشعبي أو العشائري مقابل حمايتهن من الضغوطات الاجتماعية والملاحقات الأمنية أو من منتسبي الشرطة التي تسيطر على المخيمات، وهناك حالات لنساء اخترن طريق الدعارة إما لإبعاد الشبهة الداعشية عنهن وإما لتوفير حاجياتهن المعيشية، يمارسن الدعارة مقابل مبالغ بسيطة ومستلزمات بسيطة متعلقة بالمخيم من سلال غذائية أو الانتقال لخيام أفضل نوعا ما، مقابل 6 آلاف دينار أي أقل من 5 دولارات».
أحمد الذي التقى عددا من النساء، واطلع على عدة حالات لاستغلال أبناء وبنات عوائل تورطوا مع التنظيم، يؤكد أن «نساء من المخيمات ممن كان زوجها داعشيا أو كان أخوها داعشيا وتورط بجرائم، يعملن بالدعارة مقابل الحماية من الملاحقة الأمنية أو لتأمين قوت يومهن، وصولا إلى استخدام الأطفال في التسول، إلا أن الجهات المسؤولة في الموصل تتكتم عليها لاعتبارات اجتماعية وأمنية».
ويشير أحمد محمد إلى أن «نسبة التسول في ازدياد وهناك أرقام مخيفة... الحكومة المحلية والاتحادية لا تهتم بمستقبل هؤلاء الأطفال الذين ينتظرهم مستقبل معتم، وهناك عصابات منظمة تقوم بإجبارهم ونقلهم بسيارات إلى داخل الموصل، لغرض التسول في شوارع المدينة، وبعد حلول الليل تتم إعادة الأطفال إلى المخيمات مع سحب الأموال التي حصلوا عليها».
ويكشف أحمد محمد عن فساد حتى في المؤسسات الحكومية فيما يتعلق بتزوير المستمسكات لأناس كانوا ضمن تنظيم داعش، ويقول بهذا الخصوص: «هناك عصابات قامت بتزوير المستمسكات الرسمية لدواعش، وهم الآن يعيشون في كركوك أو بغداد أو حتى إقليم كردستان، وعدة مرات كنا نسمع عن ضبط مزورين أصدروا هويات أحوال مدنية لدواعش في نينوى وشهادات جنسية لدواعش منهم موجودين خارج البلاد مثلا في تركيا مقابل مبالغ مالية كبيرة بالتواطؤ مع ضباط ومنتسبين في دائرة أحوال الموصل».
داعش والأساليب الخبيثة
إذن أشبال داعش بعد التحرير يتحولون إلى متسولين، ومنذ بروز داعش في العراق في يونيو (حزيران) 2014. أظهر التنظيم وبشكل بارز الأطفال في دعاياته، ففي الفترة 2015-2016، وهي ذورة تجنيد الأطفال، ظهروا في 254 مناسبة ودعاية للتنظيم، من لم يقتل منهم أو يغادر إلى خارج العراق تجده اليوم في المخيمات أو على الطرقات يتسول، ولكن لا يجب أن ننسى أن الأطفال تغذوا على الفكر الداعشي فهم متشدّدون أيضاً، كثير منهم يمتلك القدرة على القتل والتحول إلى انتحاريين، وكانت المعسكرات في مدن العراق المحتلة من التنظيم، تعلّم الأطفال ما بين سن 6 و16 عاماً حمل السلاح وتنفيذ الإعدامات، والتي تقدر أعدادهم بالآلاف ــ من الأيتام أو المخطوفين أو من قيادات الصفين الأول والثاني في تنظيم داعش، وكان إلى جانب تعليمهم القتال، يتعلمون كيف يطيعون الأوامر في عملية غسل للدماغ ممنهج.
وكما القيادات الداعشية، فقد ذاب الأطفال ونساء الحسبة وكتائب الخنساء بعد عمليات التحرير بين النازحين وداخل بعض المدن، فيما قتل وهرب آخرون إلى سوريا أو دول أخرى رغم خطورة إهمال تلك الشريحة، بخاصة الأطفال والنساء الذين فقدوا ذويهم في المعارك وعزلوا في مخيمات خاصة، من التحول إلى أعداء للدولة والمجتمع.
لا قوائم رسمية تحدد الساكنين في داخل المخيمات ويمكن لأي عائلة أن تخرج أو تدخل من المخيم من دون متابعة، وأن عوائل داعش هي الأكثر انتشاراً في مخيمات جنوب الموصل، والقيارة، وحمام العليل.
واجهنا أحد المسؤولين عن المخيمات في الموصل بما يتم تداوله، وهو مدير دائرة الهجرة والمهجرين فرع نينوى خالد عبد الكريم، الذي خلال حوار «المجلة» معه يسهب في شرح الخدمات التي تقدمها مديريته للمخيمات، في حين يعتبر أن «قضية الاستغلال الجنسبي وممارسة الدعارة حالات فردية».
رسمياً... لا مشكلة
ويقول عبد الكريم من الموصل: «نحن في محافظة نينوى لدينا 14 مخيما تمتد من ناحية القيارة، والمدرج، والحاج علي، وناحية النمرود، وهي مخيمات النمرود والسلامية، والقسم الثاني ناحية الحمام وفيه مخيم حمام الأول والثاني، إضافة إلى مخيم جبل سنجار الواقع في قضاء سنجار»، مضيفا أن «أعداد العوائل حاليا أكثر من 39 ألف عائلة موجودة في عموم مخيمات الموصل أي ما يعادل 200 ألف نسمة»، نافيا وجود ما يسمى مخيمات العزل، قائلا: «نحن نتعامل بكل إنسانية مع العوائل الموجودة بالمخيمات التي نزحت خلال عمليات التحرير، وتم تدقيقها أمنيا ودخولها إلى المخيمات».
أما بخصوص حفظ الأمن الداخلي والخارجي في المخيمات، فيشير إلى أن «مسؤولية الأمن تنقسم إلى قسمين، قسم يتعلق بالأمن خارج المخيم وهي من مسؤولية وزارة الداخلية المتمثلة بمديرية شرطة محافظة نينوى عن طريق أفواجها المنتشرة في القيارة، أو في مخيم حاج علي أو النمرود أو مخيم الحمام، أما بخصوص الأمن الداخلي، فهناك نوعان من الأمن الداخلي، هناك بعض مخيمات خاضعة للأمن الوطني ومخيمات أخرى يتحمل مسؤوليتها الأمنية الأمن الوطني وإدارة المخيم».
ويضيف: «عموم المخيمات تتم إدارتها من قبل منظمات أممية دولية أو محلية، ولكن الغالبية العظمى هي دولية وكذلك منظمة الهجرة الدولية التي تدير مخيم الحاج علي ومنظمات أخرى تدير منظمات العليل والسلامية إضافة إلى منظمة محلية تدير مخيم جبل سنجار، فيما وزارة الهجرة والمهجرين هي المشرفة، لكن السلطة الإدارية والقانونية هي تابعة للحكومة المحلية والمتمثلة في إداراتها المحلية سواء كان في ناحية النمرود أو السمام أو القيارة أو قضاء سنجار».
وعن المساعدات يقول: «لدينا توزيعات تكون على شاكلتين، فإما أن تكون توزيعات موسمية شتوية أو صيفية، والتوزيعات المنتظمة كالمساعدات الإغاثية المنتظمة متمثلة بالسلال الغذائية والسلات الصحية وكذلك توزيع مادة النفط والغاز للطبخ والتدفئة».
ولدى سؤالنا عن حالات استغلال النساء داخل المخيمات، يؤكد على أنه «لا معلومات مؤكدة عن وجود مساومات حول الجنس مقابل الإغاثة في مخيمات نينوى الـ14، وهناك تقارير دولية، لكن في الحقيقة لم نجد شيئا على أرض الواقع، مستدركاً: «لكننا نعرف جيداً أن هناك أناساً تتراوح نسبهم بين 3 إلى 4 في المائة، وبرغبتهم قد يبيعون أنفسهم أو يدفعون بأطفالهم للتسول».
ويضيف: «كما أننا لا نمنع الناس من الدخول والخروج من المخيم، ولديهم حرية كاملة، لأنهم ليسوا محتجزين، والهجرة تتعامل مع النازحين وفق النظم الدولية وهي المعاملة الإنسانية، لذلك لا نسأل عن موقفهم الاجتماعي أو السياسي، ويقتصر على الموقف الأمني حتى لا يؤثروا على استقرار المخيمات والمحافظة».
ويتابع: «هناك تهويل لموضوع الاستغلال الجنسي في المخيمات من قبل الإعلام، والاستغلال الجنسي مقابل السلال الغذائية هي حالات فردية، أما موضوع الدعارة فلا ننسى أن المخيم بالنهاية هو مجموعة مجتمعات منتشرة وكل مجتمع لديه مشاكل، سواء التحرش أو الدعارة أو مشاكل أخرى».
ويختم حديثه معنا قائلا: «لدينا أكثر من 13 ألف منزل مهدم في المدينة بحاجة إلى أموال طائلة لإعادة الحياة مرة أخرى، البنى التحتية تم تدميرها خلال عمليات التحرير، والكثير من النازحين غير مسجلين، حتى الجهات الدولية لا تحصيهم أو عجزت عن إحصائهم، نحن بحاجة إلى فكر يحارب الفكر الداعشي».
الحكومة غير مهتمة
من جهتها، تكشف رئيسة لجنة الرعاية الاجتماعية والمرأة في مجلس محافظة نينوى، هيام إلهام، لـ«المجلة» عن عدم وجود «إحصائية معينة عن الأطفال المتسولين، مشيرة إلى أن «التقارير الصحافية والمنظمات تتحدث عن عمليات اغتصاب أو ممارسات جنسية إجبارية، وفي حقيقة الأمر لا توجد أي بلاغات رسمية من العائلات»، مستدركة: «لكن واقع المخيمات يشير إلى صعوبة العيش داخل الخيام، وقد يُضطر المواطنون فعلياً لبيع أنفسهم مقابل الطعام، لأفراد وليس لجهات منظمة».
وتضيف: «ليس هناك اهتمام بهذا الموضوع حتى إننا في لجنة الرعاية الاجتماعية عندما كانت لدينا تقارير تخص تسرب الأطفال من المدارس كان يتم التعامل معها بشكل سطحي، رغم أنه موضوع خطير جدا على المجتمع، لأن الأعداد تتزايد يوما بعد يوم وذلك بسبب سوء الأوضاع المادية للمواطنين، وكذلك بسبب عدم الاهتمام بمجال التعليم»، متابعة: «اليوم كثير من الأطفال هم متسربون من المدارس، وهناك أعداد كبيرة من المتسربين بسبب فارق السن، فخلال 5 سنوات لم تكن العوائل ترسل أطفالها إلى المدارس بالموصل بسبب الخوف من أفكار داعش لذا اضطروا إلى قطعهم عن الدوام ولكن بعد العودة وتحرير الموصل أصبح الطفل فوق السن القانونية التي لا تسمح له بالدراسة في الدوام الصباحي للمرحلة الابتدائية ولم تجد وزارة التربية حلولا لكثير من المشاكل المشابهة».
بخصوص مخيمات العزل والأطفال المشبعين بفكر داعش وإعادة دمجهم في المجتمع، تشير إلى أن «المشكلة ليست فقط أطفال المخيمات أو أطفال داعش ولكن لحد الآن مدارس الجانب الأيمن من الموصل لم يتم افتتاحها، وهناك أعداد هائلة من الأطفال المحرومين من الدراسة، وحتى التدريس داخل المخيمات كان يقتصر على تدريس مواد بسيطة وليس جميع المواد المقررة، وهو ما يتم فقط لإلهاء الأطفال خلال ساعات قليلة، ولكننا نحتاج دراسة شاملة كاملة واهتماما جديا».
وحول استغلال النساء في المخيمات، تقول: «لم تردنا شكاوى رسمية ولكنني أسمع، وكذلك اطلعت على تقارير، ولكن لم تسجل لدي أي شكوى رسمية» مضيفة: «التحديات كبيرة كانت أربع سنوات دمار وخراب لا يمكن اجتيازها بين ليلة وضحاها، كنا ندرك أنها بعد التحرير ستكون أصعب عما قبل التحرير».
أممية غائبة
الكثير يرى أن الحكومة الاتحادية والمنظمات الدولية مسؤولة عن استمرار المعاناة في المخيمات لأنهم يستثمرون الأموال الطائلة الممنوحة لإغاثة النازحين لزيادة أرصدتهم المالية الشخصية، ولو كانت فعلياً تسعى لإنهاء المأساة لكانت قد حولت أموال الإغاثة إلى تعويضات للمتضررين، وعزلت عائلات داعش المشبوهة في مخيم واحد، وسمحت للمواطنين العاديين بالمساهمة في إعادة الاستقرار من خلال العودة إلى المدن وبناء منازلهم.
وفي السياق، خرجت «هيومان رايتس وتش» بمجموعة تقارير كان آخرها قبل أيام، حيث وصفت فيه حبس العوائل العراقية بتهمة العلاقة مع داعش بأنه غير قانوني. وقالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، لُمى فقيه، في بيان نشرته المنظمة، إن «اقتراح الحكومة العراقية بحبس عائلات أعضاء داعش لا ينتهك القانون الدولي فحسب، بل يتعارض مع هدف الحكومة المُعلن المُتمثل في تحقيق المصالحة بين السكان ما بعد داعش» مبينة أن «احتجاز العائلات غير المتهمة بارتكاب أي جرائم هو شكل من أشكال العقاب الجماعي الذي يغذي النقمة ويعلّق حياة الآلاف من المواطنين إلى ما لا نهاية».
وتحظى الموصل بنصيب الأسد من تلك العوائل، باعتبارها من أكبر وأهم معاقل التنظيم السابقة وعاصمة الخلافة المزعومة لـداعش، تأتي بعدها الأنبار ثم الحويجة كأكبر منطقتين في البلاد جرى فيهما عزل واضح لذوي التنظيم، حيث تم إبعادهم في مخيمات محددة.
وقد يقفز عدد العوائل التي يتهم بعض أفرادها بالانتماء إلى التنظيم المتطرف إلى أرقام مخيفة، إذا ما اعتبرنا أن الجماعات السكانية الممنوعة من العودة إلى بعض المناطق المحررة منذ سنوات، من ذوي الدواعش.
واختلفت طريقة تعامل الحكومات المحلية والجماعات العشائرية وحتى السكان في المحافظات التي كانت تحت سيطرة داعش مع عوائل التنظيم، ففي أغسطس (آب) 2016. قرر مجلس محافظة صلاح الدين «الطرد الفوري» لأقارب عناصر داعش، لفترة تتراوح بين 10 سنوات ومدى الحياة.
وظهرت في المحافظة خلال تلك السنوات، عمليات ثأر عشائرية، وحاول زعماء القبائل تطويقها بأي شكل من الأشكال، وكان قرار إبعاد عوائل التنظيم هو الحل الأسرع.
وفي يوليو (تموز) 2017، قرر مجلس قضاء الموصل ترحيل عائلات عناصر تنظيم داعش من المدينة وإسكانهم في مخيمات خاصة بهم بحجة أن أفرادها بحاجة لإعادة تأهيلهم نفسيا وفكريا.
وشهدت مدينتا حمام العليل والقيارة وقرى جنوب الموصل عمليات انتقام واسعة النطاق، حيث أقدم محتجون غاضبون من ذوي ضحايا تنظيم داعش على مهاجمة الدور السكنية لعائلات عناصر داعش وأضرموا النيران في بعضها.
أقفاص لأسر دواعش
الباحث في سؤون المجموعات المتطرفة هشام الهاشمي يقول في حوار لـ«المجلة»: «ما بقي في عموم العراق من المخيمات هي 94 مخيما، فيها قرابة 600 ألف نسمة يعتقد أن بينهم 184 ألفا هم من عوائل داعش، وهناك نازحون منعوا من عودتهم لمناطقهممثل: البيجي، وجرف الصخر، وبعض مناطق يثرب مثل قرى الرياضية، وبعض القرى المحيطة بسنجار، والقرى الموجودة بديالى. أما أماكن توزع المخيمات التي تضم عوائل داعش فموجودة بالأنبار وموجودة في نينوى في الغالب».
ويضيف الهاشمي: «عوائل داعش الموجودون في المخيمات يمكن تقسيمهم لعدة فئات: فئة عوائل داعش الذين يخشون من عمليات الثأر، وفئة أخرى هم من الممنوعين من العودة لعدم امتلاكهم وثائق ولم يتم التحقق من سلامة موقفهم الأمني، وفئة ثالثة ممن تهدمت بيوتهم وليس لهم مأوى، وفئة رابعة وهؤلاء ضمن مناطق تسمى المناطق التي لا يسمح لهم بالعودة متل سليمان بيك، وجرف الصخر، ويثرب، ومناطق أخرى، وبيجي، والصينية».
ويوضح قائلا: «إنأسباب المنع ثلاثة أسباب في الغالب: دينية، وقومية، واقتصادية...والحكومة العراقية لا تريد إرجاعهم، لأنها لا تستطيع أن تحافظ عليهم، هي تستطيع أن تفرض عوتهم لكنها لا تستطيع أن تضمن سلامتهم بعد العودة»، منوها: «لا ننسى العراقيين الموجودين بسوريا، خاصة مخيم الهول، فهناك قرابة 29 ألف عراقي، 20 ألفا منهم من العوائل التي هربت من داعش بين مارس (آذار) 2015 ومارس (آذار) 2019. وهؤلاء العراقيون هربوا من معارك القوات الأمنية ضد داعش، والفئة الثانية 27 ألفا تقريبا وهم من عوائل داعش الذين التحقوا بمخيم الهول بعد معارك شرق الفرات، ويمكن تقسيمهم إلى قسمين، فيهم 502 مقاتل داعشي تنفيذي هؤلاء تم تسليمهم إلى العراق، وفيهم 959 عنصر يشتيه في أنهم كانوا لوجستيين في داعش، وهؤلاء لا يزالون في مخيم الهول، لكن ضمن الطوق الأمني»، كاشفاً أن «من تم الحديث عن إعادتهم هم من الفئة الأولى الـ20 ألف عائلة التي هربت من الحرب ضد داعش ولحد الآن العراق استقبل 5.948 عائلة».
الهاشمي يعتبر أن «المخيمات أشبه ما تكون بأقفاص لحيوانات بائسة، ويقول في هذا الصدد: «أنا زرت كثيرا من هذه المخيمات التي هي غالبا للنساء والأطفال والشيوخ، ليس فيها شباب غالبا، النساء اللواتي لم يتم تصنيفهن على أنهن لوجستيات في داعش وهن بالأصل لديهن بيعة ومنضمات لكتيبة الخنساء هؤلاء يشكلن خطرا كبيرا أخطر من الرجال... التقيت بهن في الجدعة في مخيمات الكيلو 90 والكيلو 18 في الأنبار والجدعة بالموصل... كل واحدة منهن تمثل مكتبة من الكراهية والحقد والأفكار السلبية».
ينتقد الهاشمي الحكومة التي، حسب قناعته، لم تتحمل مسؤوليتها، ويقول: «هؤلاء متروكون كأنهم في أقفاص حيوانات متوحشة مع حيوانات أخرى تخشاها... الجميع معا في تلك الأقفاص يرمون لهم الأكل ولا يسمح لأي أحد منهم بالخروج أو مشاهدة التلفاز أو حتى استخدام المحمول، ليس هناك فرز لهم على أساس القناعة والخطورة والإجرام والمشكلة الآن أنه من الممنوع حتى دخول المنظمات الدولية إلى تلك المخيمات، أي مخيمات العزل التي يعيش فيها عائلات داعش».
ويشير إلى «وجود فساد كبير في تلك المخيمات، فساد مالي، فساد أخلاقي، استغلال للنساء مقابل السماح لهن بالخروج، أو من تختار منهن أن ينخرط في الدعارة طوعاً، هناك استغلال للأطفال على سبيل المثال بالقيارة تجدين العشرات من الأطفال يتسولون بالشوارع وهم ممن يعيشون بالمخيمات».
هشام الهاشمي، الذي كان يرأس فريقا بحثيا لتقصي حالات الزواج لدى الدواعش وحسب الوثائق التي تركها التنظيم يصنف وجود 4 حالات للزواج من عناصر داعش أثناء سيطرته على الموصل ومناطق أخرى، الأولى زواج المرأة من عنصر داعشي برضا وعلم أهلها وأولياء أمرها، والثانية الزواج بإكراه تتعرض له الفتاة من أولياء الأمور، مثل الأب أو الأخ، والثالثة هي الزواج من دون علم أولياء الأمور؛ لأنهم غادروا هربا من داعش خوفا على حياتهم من بطشه؛ لأنهم عملوا في صفوف الشرطة أو غيرها.
أما الحالة الرابعة فهي النساء المتزوجات من مقاتلين أجانب، والأخير كان من أكثر أنواع الزواج تعقيداً لصعوبة إثبات هوية الأب.
وبحسب الهاشمي عناصر من 68 جنسية أجنبية انضمت للقتال مع داعش في العراق، وأكثر الزيجات من الأجانب حدثت في غرب الموصل ومدينة تلعفر ذات الأغلبية التركمانية، وأغلب عمليات الزواج حدثت مع العناصر الأذربيجانية باعتبار أصولهم التركمانية.
وحتى فترة قريبة كانت أكبر المشكلات التي تواجه القضاء العراقي هي المتعلقة بالزواج من عناصر داعش، من الأجانب، وعجز السلطات العراقية عن إثبات نسب الأطفال إلى آبائهم بحكم مغادرتهم للعراق أو قتلهم، وعدم وجود وثائق ومستمسكات رسمية، الأمر الذي اضطر الدولة إلى إحالة الأطفال إلى قانون التعامل مع اللقطاء، ومن ثم تم تخصيص محاكم خاصة لحل هذه المعضلة التي لازمت العراق منذ حقبة تنظيم القاعدة، إلى أن تم التعامل مع أغلب حالات الزواج من عناصر داعش من وجهة نظر قانونية، زيجات شرعية، بمجرد وجود ورقة من المحكمة الشرعية لداعش، وهي تكفي لتحويلها إلى عقد قانوني ورسمي حكومي، وإن تعذر وجود ذلك، فيتوجب على المرأة الإتيان بشاهدين يؤكدان صحة الزواج.
جيل رابع من نسل التطرف
كانت أجزاء واسعة من محافظات الأنبار وديالى ونينوى وصلاح الدين، بين عامي 2004 و2009. خاضعة لسيطرة «الدولة الإسلامية» أي القاعدة، إذ فرض وقتها قوانينه عبر محاكم شرعية وذراع عسكرية ضم آلاف المقاتلين الذين قتلوا أو اعتقلوا أو رحلوا بعد سنوات تاركين خلفهم أطفالا بلا هوية، ونساء يائسات بلا معيل، يشكلون نواة الجيل الثالث والأكثر خطورة من مقاتلي تنظيم القاعدة لينشأ منهم فيما بعد تنظيم داعش.
إذن يبدو أن الربط بين الأمس واليوم هيناً، في الأمس كان التحذير من ظهور أجيال جديدة أكثر تطرفاً من مقاتلي القاعدة يصنفهم بالجيل الثالث بعد جيلي أمير التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في يونيو (حزيران) عام 2006، والجيل الذي تلاه من قادة ميدانيين عراقيين وأشقائهم وأبنائهم الكبار الذين بحثوا عن الانتقام، من أبو بكر البغدادي واليوم سيكون الحديث عن جيل رابع أخطر على الإطلاق.
والمشهد يتكرر، والكلام عينه، في الحالتين، سيكون أبناء المقاتلين المنبوذين في المجتمع جيلا أشد تطرفا، فالأمر يتجاوز حرمان أطفال من حقوقهم في الجنسية والتعليم والرعاية الصحية، إلى مجال حساس يتعلق بالوضع الاجتماعي لهم كأطفال ضمن دائرة الثأر العشائري، هذه مسألة في غاية الخطورة في المجتمع العراقي، رغم أن العراق استطاع شرعنة وجودهم وتجاوز الأشكال قانونيا.
غالبية الأزواج هربوا أو اعتقلوا أو قتلوا خلال العمليات المسلحة، فيما بقيت الزوجات مع أطفال صغار، دون أوراق رسمية تثبت وقوع الزواج وتبين اسم الأب وكنيته، خلفوا وراءهم نساء مع أطفال منبوذين.
شرعنة النسل
بعد أن كانت الإجراءات المطلوبة لتثبيت الزواج والنسب مستحيلة التطبيق في معظم حالات أطفال المقاتلين العرب في تنظيم القاعدة، فالزوج غائب والشهود تفرقوا ولا أوراق رسمية تثبت اسم وهوية الزوج وعنوانه حتى يتم من خلاله تبليغه بالحضور إلى المحكمة والإقرار بحصول الزواج من عدمه إذا كان حيا، ولا دليل على الوفاة إذا كان ميتا.
كما أن المسلحين كانوا يحملون ألقابا ولا يكشفون أسماءهم الحقيقية، وكانوا يتجنبون الزواج في المحاكم ليس لعدم اعترافهم بها فقط بل لتخوفهم من تسجيل أسمائهم التي يمكن من خلالها للسلطات تعقبهم واعتقالهم.
ويؤكد الخبير القانوني طارق حرب أن القانون العراقي استطاع أن يخطو خطوات كبيرة في اتجاه حل الإشكاليات القانونية التي أفرزتها حقبة داعش وقبلها القاعدة في العراق، معتبرا أن القانون العراقي «مرن، وهو متقدم، مقارنة بقوانين الدول المجاورة في جزئية منح جنسية الأم للطفل مما سمح بتجاوز الكثير من العقبات القانونية».
ويقول حرب في حوار مع «المجلة» إن «تسجيل الزواج وتثبيت نسب الأطفال أمر ممكن إذا كان هناك ما يثبت هوية الزوج، فتسجيل عقد الزواج في المحكمة ودائرة الأحوال المدنية، ليس شرطاً لتحقيق الزواج وإثبات النسب، وقانون الأحوال الشخصية لم يجعل التسجيل شرطا للزواج، إنما هو شرط شكلي»، مبينا أن «الزوجة بإمكانها إقامة دعوى قضائية على زوجها المختفي أو المتوفى لإثبات الزواج ونسب الأطفال».
ويوضح حرب أنه «لم يكن متاحا قبل ذلك إثبات واقعة الزواج أو نسب الأطفال، إذا كانت هوية الزوج غير معروفة حتى بوجود الشهود، فكان على الزوجة أن تثبت في طلبها المقدم إلى المحكمة بأنها تزوجت من شخص معروف بذاته وتقدم شهودا على ذلك، وأن تقدم أدلتها، واسم الزوج كان يعتبر من البيانات الجوهرية ولا غنى عنه مطلقاً، ودونها تبطل عريضة الدعوى، اليوم تغير هذا الشيء إذ لا توجد أي مشكلة قانونية في حالات هؤلاء النسوة وأطفالهن».
وينطلق حل هذه المشكلة من جوهر الدستور والقانون العراقي الذي يعطي حق الجنسية العراقية لأي طفل يولد من أم عراقية.
ويقول حرب إن «من حق أبناء العراقية من زوج أجنبي... الحصول على الجنسية، إذ إن الدستور والقانون العراقي يمنح الأم الحق في إعطاء جنسيتها لأولادها وينطبق على الجميع حتى على الآباء من مقاتلي داعش الأجانب، لكن يتعين على الأم تصديق زواجها بالمحاكم الرسمية أولا ومن ثم إثبات نسب الطفل».
ويوضح أن «من حق الزوجة رفع دعوى بالمحاكم العراقية للمطالبة بتسجيل وثيقة زواجها من زوجها الداعشي (العراقي أو الأجنبي)، حتى وإن كانت صادرة مما يسمى محاكم داعش، في حال لم تتوفر هذه الوثيقة، فيمكن اللجوء لشهادة شاهدين يقرون أمام القاضي بوقوع واقعة زواج الطرفين بتاريخ معين، وأن الطفل أو الأطفال المعنيين هم ثمرة هذا الزواج وأن الأب مات أو فقد أو رحل لجهة مجهولة».
ويتابع حرب أنه «بعد استخراج وثيقة الزواج، من حق الزوجة رفع دعوى ثانية لإثبات نسب طفلها أو أطفالها وبالتالي منحهم الجنسية، والقضاء العراقي مرن ويتفهم الظروف المحيطة بهذه الزيجات، ويتعامل معها بقدر كبير من اليسر والمسؤولية، ونساء كثيرات من محافظة ديالى كسبن هكذا دعاوى، ومحاكم الأحوال الشخصية في محافظة ديالى صدقت على الزواج وأقرت النسب في تلك الحالات وفي الأنبار وصلاح الدين وبقي في نينوى أعداد قليلة بمحافظة نينوى لأن الضرر الذي لحق بمحافظة نينوى كبير جدا».
ويوضح: «بالنسبة لأطفال عناصر داعش هناك توجهان، إما تسجيلهم على نسب أمهاتهم أو الاعتماد على وثائق الزواج المصدقة رسميا والمثبتة فيها الأسماء الصريحة للأزواج»، مستدركا لكن «هناك أشكالية تتعلق بالأطفال نتيجة اغتصاب الإيزيديات».
ويتابع أن «قانون الأحوال الشخصية العراقي لا يؤمن بالتبني ولكن يؤمن بالضم والضم أشبه بالتبني بكافة جزئياته، فأي شخص بإمكانه أن ينسب له شخصا معينا ويسجله باسمه ويعتبره بمثابة ابنه، ويعطيه القانون حتى من التركة، أي عندما يتوفى الأب الضام يعطى ثلث التركة لهذا الابن ويتم ذلك عن طريق محكمة الأحوال الشخصية فلا مانع قانونيا إطلاقا من تبني هؤلاء الأطفال لا سيما أن القانون العراقي كغيره من القوانين الأخرى أنه لا يعاقب على أي جريمة ترتكب قبل سن التسع سنوات فلا يجرم الطفل».
وفيما يخص موضوع الدين الذي يشكل حساسية عند الإيزيديين فماذا ستكون ديانة الطفل من أم إيزيدية وأب داعشي يقول: «إذا كان الأب مجهولا فسيحمل دين أمه لأننا لا نعرف من الذي أوقع الفعل بهذه المرأة وترتب على هذا الفعل هذه الولادة».
ويؤكد على أن «القانون لا يمنع ذلك ما دام ليس هناك شيء رسمي يثبت أنه مسلم أو مسيحي أو شيعي أو سني أو يهودي أو صابئي... بوذي هندوسي... ليس هناك مستمسك بثبت ديانة من قام بالفعل ولكن هناك إثبات أن ديانة الأم إيزيدية فيمكن تسجيل الطفل إيزيديا، لا مانع إطلاقا أن يسجل على ديانة الأم ما دام الأب مجهول النسب»... وختم مؤكدا على أن «موضوع المنع متعلق بالديانة الإيزيدية نفسها». إلا أن كلام حرب لم يقنع المجلس الروحاني الإيزيدي.
الإيزيديون: لا لأطفال نتيجة الاغتصاب
فإذا أرادت الإيزيديات المختطفات العودة إلى عائلاتهن في سنجار بالعراق، فيجب عليهن التخلي عن أطفالهن من آباء الدواعش، بحسب فتوى المجلس الروحاني الإيزيدي الذي صدر مؤخرا وأثير حوله جدل واسع بين الإيزيديين.
أبو شجاع دنائي، الرجل الذي لطالما كان يتكرر اسمه مع ذكر قصص المختطفات والشخص الوحيد من الناشطين الإيزيديين الذي قبل أن يتحدث عن الموضوع فيما فضلت الغالبية عدم التعليق على القرار لحساسية القضية.
ويقول أبو شجاع لـ«المجلة»: «هناك كثير من المختطفات الإيزيديات ما زلن في مخيمات، منها الهول بالحسكة، ضمن مناطق شمال وشرق الفرات بسوريا»، مضيفا: «هناك أيضا مختطفات في المناطق التي تسمى في سوريا بمناطق درع الفرات والتي تسيطر عليها الفصائل الموالية لتركيا من الفصائل التركمانية والجيش الحر وأيضا هن موجودات في إدلب السورية والتي تسيطر عليها جبهة النصرة وغيرها من الفصائل».
ويلفت إلى أن «المختطفات موجودات أيضا في تركيا وبالتحديد سمعنا عن وجودهن وتواصلن مع بعضهن بالمناطق المحيطة بأنقرة واقسرا وحتى في إسطنبول».
وحول البيان يقول الناشط الإيزيدي: «البيان صدر أول مرة ولكن كان عليه غبار، أي لم يكن واضحا، ظن كثيرون أن البيان يسمح بعودة الأطفال نتيجة الاغتصاب بمعنى قبول أطفال الناجيات من نسل الدواعش»، مستدركا «إلا أنه تم إصدار توضيح يصحح الغلط الذي تسبب به البيان الأول».
ولدى سؤالنا عن ذنب الأطفال، أجاب قائلا: «الموضوع جد معقد ومأساوي فحالات الحمل قبل الأسر أي قبل يوم 3 أغسطس 2014، ليس هناك أي مشكلة، حتى إن ولد الطفل عند الدواعش ولكن الأب إيزيدي، أما الأطفال نتيجة اغتصاب المختطفات فلا يمكن قبولهم من قبل عائلات الناجيات لعدة أسباب ولحساسية الموضوع».
ويكشف أبو شجاع أنه تواصل مع إحدى المختطفات الإيزيديات بسوريا وطرح عليها تحريرها وأنها كانت لدى داعشي أصيب خلال المعارك إلا أنها رفضت ترك طفلها وبقيت مع الداعشي الذي انضم فيما بعد إلى الجيش الحر وحاليا هي في مناطق درع الفرات وترفض العودة».
ويصف أبو شجاع حالات المختطفات قائلا «تجديهن تائهات ضائعات، والكثير منهن تم غسل أدمغتهن، والكثير منهن مصابات بأمراض نفسية، ما عدا العاهات الجسدية نتيجة جميع أنواع العنف، ورغم كل ما تعرضن له لا يستطعن اتخاذ قرار الانفكاك من هؤلاء المجرمين، والكثيرات لا يعرفن ماذا يجري في الخارج، مفصولات تماما عن العالم الخارجي».
وكان المجلس قد أصدر قرارا، قضى «بقبول جميع الناجين» من قبضة داعش، و«اعتبار ما تعرضوا له خارجا عن إرادتهم».
وقال إنه أوفد وفدا من رجال الدين إلى سوريا «لمتابعة موضوع المخطوفين والمخطوفات» بهدف «البحث عنهم وإعادتهم».
لكنه عاد وأصدر، بعد عدة أيام، توضيحا أكد فيه أن قرار قبول الناجيات وأطفالهن «لم يكن يعني بتاتا الأطفال الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب، بل إن المعنيين هم الأطفال المولودون من أبوين إيزيديين والذين تم اختطافهم إبان غزو داعش لمدينة سنجار».
ويذكر أن الأطفال الذين أنجبتهم إيزيديات اغتصبن من مقاتلين في داعش، غير مسجلين لدى السلطات العراقية.
ولا توجد حتى الآن أرقام رسمية عن عدد أطفال الإيزيديات، أو عن عدد الأطفال غير المسجلين في الدوائر الحكومية العراقية منذ عام 2014.
وبحسب آخر إحصاء للمديرية العامة للشؤون الإيزيدية في وزارة أوقاف إقليم كردستان العراق، فإن عدد المخطوفين الإيزيديين بلغ 6417. نجا منهم 3425 شخصا، بعضهم عاد إلى العراق بعد سقوط آخر جيب للتنظيم المتطرف في منطقة الباغوز في شرق سوريا. ولا يزال مصير الباقين مجهولا.
وبحسب مراد إسماعيل، مدير منظمة يزدي لحقوق الإنسان فقد كتب على حسابه على «تويتر»، أن «ضخامة جرائم داعش تجعل من الصعب للغاية على كثير من الناس قبول تربيه الأطفال المرتبطين بتنظيم داعش وما زلت أعتقد أن أفضل طريقة هي استعادة هؤلاء النساء والأطفال ونقلهم إلى المقاطعة التي ستوفر السلامة لهؤلاء الضحايا.
وأشار إلى أنه «قد تبين أن البيان الأخير الصادر عن المجلس الروحي اليزيدي بشأن الأطفال المولودين من الاغتصاب مثير للجدل. وعارض الكثير من الأحزاب السياسية اليزيدية والكثير من المجموعات والأشخاص هذه الخطوة بشده. ونتيجة لذلك، أصدر المجلس اليوم بيانا آخر يلغي آخرها».
وأضاف: «نعتقد أن أكثر من 2700 من النساء والأطفال لا يزالون في عداد المفقودين، ويعتقد أن معظمهم في المناطق المحررة في سوريا. ونامل أن يكون هناك الآن مزيد من التنسيق لجلب كل فرد منهم إلى الوطن».
من جهتها، علقت الحائزة على جائزة نوبل نادية مراد على موضوع بيان المجلس الروحاني الإيزيدي وطالبت عبر صفحتها عل «فيسبوك» بأن يكون القرار عائدا إلى المختطفات أنفسهن وعائلاتهن، وقالت: «رسالتي حول موضوع الناجيات الإيزيديات اللواتي يعشن في المعاناة منذ خمس سنوات مع أطفالهن»، مضيفة «أنا دائما أقول القرار الأول والأخير يعود إلى الناجيات وعوائلهن وليس لأحد الحق في منعهن في اتخاذ أي خطوة تخصهن، وإذا قررن العودة مع أطفالهن فإننا كمجتمع يجب أن نحترم قرارهن ونرحب بهن ونقدّم لهن المساعدات الممكنة».
من جهتها، قالت النائبة السابقة فيان دخيل، إن العالم كله يدرك أن الناجيات الإيزيديات هن ضحايا الخطف والسبي، وغالبيتهن المطلقة تعرضن للاغتصاب خارج إرادتهن، وبالتالي فإن هؤلاء الأطفال هم أطفال لآباء دواعش من مجهولي النسب، وقانونيا تتم تسميتهم باللقطاء ولا نعتقد أن هنالك أي مجتمع شرقي يقبل بتربية أو احتضان هذه الشريحة التي لا نعرف أعدادهم، لكنهم قد يكونون بالعشرات أو أكثر من ذلك بقليل».
وتابعت دخيل: «نعتقد أنه يتوجب على المجتمع الدولي أن يدعم الموقف الإيزيدي بقضية أطفال داعش من الناجيات الإيزيديات، وأن يراعي أيضا الثقافة الشرقية في التعامل مع هكذا مشكلة، علما بأننا نرى أن الأفضل هو أن يتم تخيير الناجية الإيزيدية بين الاحتفاظ بطفلها من داعش مع نقلها إلى إحدى دول اللجوء الغربية، أو أن تتخلى عنه لصالح إحدى دور الأيتام في العراق».
وبينت أن «هؤلاء الأطفال هم ضحايا لأفعال آبائهم الدواعش، ولا ذنب لهم، لكن على الحكومة العراقية بشقيها التنفيذي والتشريعي أن تكون أكثر جرأة في التعامل مع هذا الملف الشائك والحساس، لأنها تمثل محنة إنسانية للناجيات الإيزيديات ولأطفالهن من الآباء الدواعش ومجهولي النسب، كما لا بد أن نشيد بحكمة وشجاعة المجلس الروحاني في تصديه لهذا الأمر رغم درايته بردود الأفعال العنيفة من بعض النشطاء الإيزيديين، ونرى أن الحديث عن هذا الموضوع هو بالون اختبار، وربما ستسفر المناقشات حوله للوصول إلى قرار أكثر حكمة ينصف الجميع ويراعي الموروثات الثقافية الشرقية وبضمنها الثقافة الإيزيدية
وبين مؤيد للقرار ورافض له تبقى الإيزيديات المختطفات حائرات حتى إن كان القانون العراقي لا يمنع فإن القانون الديني يمنع ليبقى مصيرهن والأطفال معلق بمطالبات تخطي التباوهات في حالتهن.
نساء بأجساد داعشية
يبقى أن حالات الزواج لدى تنظيم القاعدة سابقا، وداعش لاحقا، لم تكن لمجرد إشباع حاجة غريزية أو بناء أسرة أو تطبيق واجب شرعي، بل كان لها هدف تنظيمي أيضا يتعلق بتجنيد النساء في العمل، عبر استغلالهن في نقل الرسائل والمتفجرات وحتى تنفيذ عمليات انتحارية، مع حقيقة قيام نساء بتنفيذ 37 هجوما انتحاريا بأحزمة ناسفة في ديالى بين 2007 و2009. استهدفت قيادات في الصحوة ومراكز أمنية والمسلسل عينه والأجندة عينها لدى داعش في استغلال النساء.
وأيضا مما لا شك فيه أن وجود أبو بكر البغدادي قرابة 5 سنوات من معركة القضاء على داعش يدل على أنها لم تنته بعد، وأن التنظيم ما زال الرابح فيها، فما الفائدة من الحديث عن هزيمة لتنظيم داعش بينما قادته ما زالوا ملء السمع والبصر، يخرجون على الناس برسائلهم وتسجيلاتهم الصوتية والمرئية، والأكثر من ذلك يخطط لمعارك في المناطق والعواصم والولايات، يتساءل الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، والذي يرى أن ظهور «البغدادي».. بعد معارك ما بعد هزيمة داعش... ما يجعل أنصاره قابلين للانتعاش ويحمل دلالات بالنسبة لهم، وهي أن التنظيم لم يسقط بعد وأنه ما زال بقوته بدليل وجود زعيمه، وهو ما يرجح عودته للمشهد.
ويرى أديب أن رسائل كثيرة يمكن قراءتها من اختفاء أبو بكر البغدادي ومن ظهوره أيضاً، وقد يكون العامل المشترك بين الحالتين أن التنظيم ما زال حياً وما زال قادراً على التجنيد والتعبئة والقتال.
ولكن ما يهمنا في رؤية الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي هو ما يتعلق بنساء وأطفال داعش، ويقول في حوار مع «المجلة» لقد «لعبت النساء وما زلن دوراً حيوياً سواء في قيام دولة تنظيم داعش في 29 يونيو عام 2014 أو التمهيد لقيام هذه الدولة، ولعبنا أدواراً أخرى حتى بعد سقوطها في 22 مارس (آذار) من عام 2019. فدورهن كان وما زال بجانب المقاتلين الرجال في ساحات الحرب، وأكثر ما تم استخدامهن في الأعمال الاستخباراتية، فقد نجحن في جمع المعلومات، كما كان لهن دور كبير في تجنيد عشرات الآلاف من الشباب سواء بإيقاعهن في حب وغرام التنظيم فيهجرن أوطانهن بحثاً عن مدينة داعش الفاضلة أو الوقوع في غرام هؤلاء النساء».
ويضيف أديب: «لم يقتصر دور النساء فقط على بعض الأدوار العسكرية، وإنما كنّ بمثابة ضرورة ترفيهية للمقاتلين أيضاً، وهنا كان المقاتلون يصطحبون زوجاتهم لمناطق الصراع والقتال، فضلاً عمن كان يكتب عليهن من الأسرى وبخاصة الإيزيديات وما أطلق عليهن سبايا التنظيم، ولم يقتصر دور هؤلاء النساء على الجزء الترفيهي في العلاقة بجسد المرأة، فقد شاركت الرجل في مسؤوليات القتال والإنجاب حتى يعطوا هؤلاء شكلا لدولتهم من خلال إقامة أسر كاملة والعيش تحت ظلال رماحهم التي تقتل وتذبح الآخرين».
ويشير إلى أن «دور المرأة كان محورياً منذ بداية قيام ما يسمى بالدولة الإسلامية، فكثير من الشباب الذين تم التغرير بهم من خلال النساء، وهنا كان دوراً تبادلياً، أي إن النساء تم التغرير بهن من قبل مقاتلي داعش، فبعضهن أعجبن بتجربة السفر إلى أوطان اعتقدوا أنها ناشئة، والرابط هنا العلاقة الجنسية، التي كان يداعب بها كل طرف الآخر، حتى تم تجنيد مئات الآلاف بهذه الطريقة، وهو ما مثل تحدياً فيما بعد سقوط داعش، حيث مئات الآلاف من العوائل والزوجات والأطفال، ولا توجد رؤية جادة للتعامل معهم».
ويتابع: «في هذه الأثناء قامت النساء بدور كبير إزاء العمل الاستخباراتي ونقل المعلومات، فكان من السهل على المرأة التحرك بأريحية شديدة بخلاف المقاتلين من الرجال، وبالتالي ساعدت في نقل المعلومات إلى مقاتلي داعش، ولعلها استخدمت جسدها أو التغرير به من أجل الحصول على المعلومة، فقتل وذبح مئات عشرات الآلاف بعد أن وقعوا فريسة هؤلاء النساء واعترفوا على أنفسهم».
ويلفت إلى أن «المرأة الداعشية سخرت جسدها من أجل خدمة تنظيم داعش، تارة بالارتباط بزوج داعشي وقد ارتبط بعضهن بأكثر من ثلاثين زوجاً خلال الـ4 سنوات التي سيطر فيها التنظيم، فكلما يموت لها زوج تبحث عن آخر، وهنا بدت العلاقة جنسية وإحساسهن بأنهن يقمن بدور ديني من وراء الارتباط بعيداً عن المشاعر التي قد تكون حاكمة لعلاقة الزواج والارتباط».
ويضيف: «هناك صورة أخرى سخرت فيها المرأة جسدها، عندما سقطت دولة داعش أرادت الكثير من السيدات أن يهربن من فكرة العقوبة التي قد تقع عليهن بسبب ارتباطهن السابق بـداعش، وهو ما دفع بعضهن إلى العمل في الدعارة أو إقامة علاقات غير شرعية مع بعض الرجال، من باب الحاجة التي تعودت عليها حتى مع وجود التنظيم وقبل أن يسقط، والأمر الثاني أنها تقوم بممارسة العمل الداعر مع رجال الأمن في مخيماتهن هرباً من احتمالية توقيع عقوبة الإرهاب عليهن»، وهو ما يؤكد أن «المرأة تحولت عند داعش إلى جسد وسلعة، في البدء تم استخدامه في العمل الاستخباراتي والزيجات المتكررة، والأمر الثاني عمل بعضهن في الأعمال المنافية للأدب، وهذا لم يكن بعيداً عن سياق رؤية داعش للمرأة عموماً أو رؤية التنظيمات التكفيرية للمرأة والتي تختصرها في علاقة عابرة، فحتى العلاقات الدائمة يتم اختصار المرأة في بضعها موضع العفة»، مضيفا: «تم استخدام المرأة فيما أطلق عليه الإرهاب العائلي، فقد لعبن دوراً واضحاً في التفجير، خاصة أنها لم تكن مثار شك كما الرجل الداعشي وسهولة تحركها بخلاف المقاتلين، ولذلك ليس عجيباً أن نقول إن داعش من أكثر التنظيمات الإرهابية التي استغلت العنصر النسائي حتى عبر منصات التواصل الاجتماعي».
ويختم قائلا إلى أن «يمكن اختصار هذا الدور في استغلال المرأة لنشر الآيديولوجيا الفكرية بين النساء، والتنظيم يعتقد من هذا المنطلق أن الجهاد ضد النساء واجب، بل ويعتبره فرض عين، وكما هو معروف أن للنساء قدرة على الجذب والتأثير على الشباب وضمهم للتنظيم، وفي هذا السياق أيضاً تم تدريب النساء للتعامل مع المتفجرات»، مضيفا: «لذلك سوف تلعب النساء دوراً مهماً في الحفاظ على إرث التنظيم حتى بعد سقوطه، خاصة أن كل المؤشرات تؤكد أن 25 في المائة من مقاتلي التنظيم كانوا من النساء، وهنا يمكن اعتبار أن النساء هن التحدي الأهم والأبرز والأكبر في مواجهة داعش حتى بعد سقوط دولته، وغياب رؤية للمواجهة ربما يضع احتمالية عودة التنظيم من خلال المرأة».