* يجب على المجتمع الدولي البدء في مواجهة إيران ووكلائها، انطلاقًا من نقاط ضعفهم ويعني هذا إيجاد بدائل اقتصادية واجتماعية وتمكين المعارضة وكشف زيف آيديولوجيا الاستراتيجية الإيرانية داخل إيران وفي المنطقة
* بدأ كثير من الإيرانيين والشيعة العرب إدراك نقاط ضعف إيران وخداعها. وبينما يبحثون عن خطاب وقيادات بديلة، لا يبدو المشهد الإقليمي المناهض لإيران قويًا بما يكفي لإنتاج مثل هذه البدائل
لم يعد موضوع تأثر إيران بسياسة الضغط الشديد التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد النظام الإيراني ووكلائه الإقليميين قابلاً للنقاش. وصنفت الإدارة الأميركية الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية مباشرة قبل إلغاء واشنطن الإعفاءات الممنوحة للدول الثماني المتبقية التي تشتري النفط الخام الإيراني. وستكشف الولايات المتحدة قريبًا عن المزيد من العقوبات التي ستضاف إلى تلك التي فرضتها العام الماضي بعد انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني. وتتسبب هذه العقوبات بانهيار النمو الاقتصادي الإيراني. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، دخلت إيران في ركود عميق مع ارتفاع التضخم بنسبة 40في المائة.
ويتأذى أيضًا وكلاء إيران الإقليميون نتيجة لهذه العقوبات إذ يواجه «حزب الله» في لبنان أزمة مالية خطيرة وبدأ قادتها بالفعل تنفيذ تدابير تقشفية جديدة قاسية ستزداد قسوة مع مرور الوقت.
وهنا يكمن سؤال ذو شقين: كيف سترد إيران على الحملة الأميركية؟ أو بشكلٍ أدق، هل ستستطيع إيران الرد؟ وما الأدوات التي يمكن للنظام الإيراني استخدامها في حال قرر الرد والانتقام؟
تصاعد التوتر
وفي خطوة مفاجئة، ولكن ليست غير متوقعة كثيرًا، هذا الأسبوع، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون يوم الأحد إن الولايات المتحدة أرسلت حاملة الطائرات «يو إس إس إبراهام لينكولن» وقوة من القاذفات إلى منطقة الشرق الأوسط «كي تبعث برسالة واضحة لإيران، مفادها أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها سيقابل بقوة شديدة». وأضاف أنه تم اتخاذ هذا القرار «ردًا على عددٍ من المؤشرات والتحذيرات المتصاعدة والمثيرة للقلق» ولكنه لم يوضح.
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» في وقتٍ سابق أن الولايات المتحدة قررت القيام بهذه الخطوة بناء على معلوماتٍ استخباراتية جديدة تشير إلى أن مصالح الحلفاء والقوات الأميركية معرضة للتهديد.
وردًا على ذلك، كررت إيران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، وهو ممر رئيسي لصادرات النفط في العالم. ومع ذلك، لم تقم إيران بهذه الخطوة من قبل ويرى كثير من المراقبين أن قيامهم بها أمرٌ غير مرجح.
وأفادت وكالة «إرنا» الإيرانية الرسمية، يوم الاثنين، بأن طهران ستستأنف برنامجها النووي المتوقف، في رد أكثر واقعية من إغلاق مضيق هرمز، ولكنها لن تنسحب من الاتفاق. ومن المقرر أن يرسل حسن روحاني رسالة يبلغ فيها الدول المتبقية في الاتفاق– وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا- بقرار إيران.
ما خيارات إيران؟
مع تصاعد التوتر إلى نقطة اللاعودة، تشعر الإدارة الأميركية أن سياسة العقوبات التي اتبعتها قد نجحت في إضعاف الاقتصاد الإيراني وفي احتواء قدراته الانتقامية أيضًا. صحيح أن لدى إيران خيارات قليلة جدّا مطروحة على الطاولة، ولا تتضمن شن أي مواجهة عسكرية، ولكن لديها أيضًا استراتيجية طويلة الأجل للتعامل مع العقوبات. وعلى الرغم من أن العقوبات هذه المرة تؤثر سلبًا بشكلٍ أكبر على إيران، إلا أنها لا تزال تمتلك بعض الخيارات.
أولاً، يمكن لإيران العودة إلى طاولة الحوار ومناقشة اتفاق جديد مع الولايات المتحدة، وهو ما تسعى الإدارة الأميركية إلى تحقيقه ليكون بمثابة فوز كبير لإدارة ترامب. والسؤال في هذه الحالة يصب حول تفاصيل هذا الاتفاق المتوقع. تريد الولايات المتحدة أن يكون أي اتفاق في المستقبل مفصّلاً أكثر، ليشمل- إلى جانب البرنامج النووي- برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية وعمليات إيران الإقليمية.
ويكمن التحدي في جعل إيران تتفاوض حول هذه القضايا الثلاث، مع العلم أنها لن تتمكن من تصدير ثورتها في حال فقدت هيمنتها الإقليمية، وبالتالي تفقد جوهر وجودها.
ثانيًا: تستطيع إيران الانتظار حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020وتأمل أن تأتي إدارة ديمقراطية جديدة لتعود بالتالي إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وتخفف العقوبات عليها. والمشكلة بالنسبة لإيران أن انتظار انتهاء مدة ولاية ترامب دون القيام بأي شيء قد يؤدي إلى نتائج عكسية. فهناك احتمال أن تدرك الإدارة التالية– ديمقراطية كانت أو جمهوريّة- أن إيران تشكل تهديدًا أقل دون الاتفاق وتقرر حينها مواصلة العقوبات المفروضة.
أخيرًا وليس آخرًا، يمكن لإيران أن تصعد. وإذا قررت استئناف جزءٍ من برنامجها النووي، ستعتبر الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل هذه الخطوة تصعيدًا خطيرًا سيؤدي إلى طرح إمكانية جادة لشن هجوم عسكري على منشآتها النووية. ويمكن أن تقترن سياسة عقوبات ترامب بمواجهة على الأرض ضد إيران.
أما بالنسبة لأوروبا، التي لا تزال تحاول إنقاذ الاتفاق النووي وإيجاد طرق لإبقاء إيران ملتزمة بالاتفاقية، فستعتبر خطوة إيران تصعيدًا وعدم استعداد لمواصلة التعاون مع أوروبا. وفي هذه الحالة، قد تبدأ الدول الأوروبية بفرض المزيد من العقوبات على إيران، وبالتالي تحدي اقتصادها بشكل أكبر.
إيران غير قادرة على التصرف بحرية
في حين تدرس إيران كل هذه الخيارات، يبقى نظامها قادرًا على إلحاق الضرر بالولايات المتحدة في المنطقة عن طريق وكلائه. ويمكن للمرشد الأعلى علي خامنئي أن يفوض قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني لتفعيل وكلاء إيران الإقليميين للقيام بعمليات ضد حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط. لقد فعلت إيران ذلك من قبل ولم يتحمل النظام سوى عواقب قليلة للغاية. فعادة ما يتحمل وكلاؤها اللوم ويدفعون الثمن.
ولكن تغيرت الأمور، فعندما وصلت تحذيرات إيران إلى الولايات المتحدة، ظهرت ردود الفعل بشكلٍ واضح للغاية. وغرد عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الجمهوري ماركو روبيو على حسابه الرسمي على موقع «تويتر»، قائلاً: «لن تقوم الميليشيات الشيعية في العراق بشن هجمات واسعة ضد القوات الأميركية في البلاد ما لم يأمرها قائد فيلق القدس قاسم سليماني بذلك. وبالتالي، فإن استخدام وكلائها لن يعفي إيران أو سليماني من المسؤولية وسيتحملونها مباشرة في حال حدوث مثل هذه الهجمات».
ثم أضاف أن «الولايات المتحدة لا تتطلع لبدء حربٍ مع إيران. ولكن أي جهود من جانب إيران لتهديد الشحن في مضيق هرمز و/ أو لاستهداف السفن البحرية الأميركية أو سفن الشحن التجارية، سيُواجه بردٍ سريعٍ ومدمِّر ومبرَّر».
لم تعد إيران قادرة على الاختباء خلف وكلائها وتحميلهم اللوم والمسؤولية وحدهم. ولم تعد إيران قادرة على التصعيد دون عواقب. ولا تستطيع إيران فرض قواعدها الخاصة ولا يمكنها القيام بأي شيء. وخلاصة القول، بغض النظر عما تفعله إيران أو لا تفعله، فإنها لن تفوز بهذه الجولة.
وتوجد فرصة هنا لترجمة النجاح الناجم عن هذه السياسة إلى استراتيجيات طويلة الأجل، من شأنها ضمان عدم عودة إيران إلى موقفها المتشدد السابق. ويجب على المجتمع الدولي البدء في مواجهة إيران ووكلائها، انطلاقًا من نقاط ضعفهم ويعني هذا إيجاد بدائل اقتصادية واجتماعية وتمكين المعارضة وكشف زيف آيديولوجيا الاستراتيجية الإيرانية داخل إيران وفي المنطقة. وبدأ الكثير من الإيرانيين والشيعة العرب إدراك نقاط ضعف إيران وخداعها. وبينما يبحثون عن خطاب وقيادات بديلة، لا يبدو المشهد الإقليمي المناهض لإيران قويًا بما يكفي لإنتاج مثل هذه البدائل. ولذلك، لدى المجتمع الدولي دور يلعبه في هذا الصدد.
* حنين غدار: هي زميلة زائرة في زمالة فريدمان الافتتاحية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.