* عضوة رابطة السوريات في مصر لـ«المجلة»: طرح ملف عودة اللاجئين أصاب الكثيرين بارتباك شديد وأعاد ذكريات الحرب
* أستاذة علوم سياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة لـ«المجلة»: شرط العودة الرئيسي أن تصبح البلد كلها آمنة بشكل كافٍ
* رئيس مجلس أعيان الجالية اليمنية في مصر لـ«المجلة»: اللاجئون بشكل عام يتعاملون مع فكرة العودة لوطنهم طبقاً لظروف كل منهم
القاهرة: الإعلان عن هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا فتح الباب لنقاشات موسعة حول ملف عودة اللاجئين إلى بلادهم في بؤر الصراع العربي، مع ما يواجهه الملف من إشكاليات تتداخل مع قضايا كثيرة يتعلق جانب منها بالانتقال من الحرب إلى السلم وما يتبعه من تعقيدات بين الجماعات السياسية المختلفة والقوى الإقليمية والدولية صاحبة المصالح في المنطقة، غير أن الجانب الأكثر تعقيدا وتشابكا يتعلق بمدى قدرة بلاد الصراع على التخلص من آثار الحرب خلال مرحلة ما بعد التحول إلى السلم وإعادة البناء، ومعالجة التأثيرات الناجمة عن هذه الحروب على الصعيد المجتمعي، أو ما يطلق عليه «ترميم الذاكرة الجماعية».
النقاشات حول العودة فرضت نفسها بقوة في أوساط وتجمعات اللاجئين في دول كثيرة، خاصة هؤلاء الذين أسسوا حياة جديدة في دول اللجوء، أو الذين ينتظرون «إعادة التوطين» في بلد ثالث عن طريق الطلبات التي تقدموا بها إلى مفوضية اللاجئين، إذ يتحمل هؤلاء الحياة في مخيمات أملا في تحقيق حلمهم بالتوطين في بلد أوروبي.
تقول تهاني الهندي، عضو رابطة سوريات في مصر لـ«المجلة»: «إن طرح ملف عودة اللاجئين أصاب الكثيرين بارتباك شديد وأعاد ذكريات الحرب، ولعل أكثر الأسئلة التي يطرحها الكثير من اللاجئين تتعلق بما إذا كان الإعلان عن هزيمة تنظيم داعش الإرهابي كافيا لإقناع الناس بالعودة؟ أم سيكون الوضع غير آمن ونعلق مرة أخرى وسط الصراع سواء كان عسكريا أم صراعا سياسيا على السلطة».
وتضيف الهندي: «أوضاع اللاجئين تختلف من شخص إلى آخر وأيضا حسب البلد الذي يعيش فيه، فالذين يعيشون في مخيمات سيكون خيار العودة منطقيا عندما يكون الوضع في سوريا يسمح بذلك، وبالنسبة للذين ينتظرون التوطين في بلد أوروبي حتى لو كانوا يعيشون بمخيمات مؤقتة سيتسبب فتح باب العودة في ارتباك حياتهم وتبخر حلمهم بالعيش في أوروبا، وفي بلاد كثيرة ومنها مصر على سبيل المثال أسس الكثير من اللاجئين حياة جديدة وحقق معظمهم نجاحا لافتا في مهن مختلفة أو مشروعات تجارية بدأوها من الصفر، وهؤلاء سيفضلون البقاء في مصر».
وتشكل الحالة السورية نموذجا معبرا عن الإشكاليات المتعلقة بالتحولات السياسية التي تعقب صمت المدافع في دول الصراع العربي مثل ليبيا والعراق واليمن، ففي سوريا تتعدد أطراف العملية السياسية، وهو ما يجعل التوصل لمصالحة سياسية أو تفاهمات ما بعد الحرب أمرا بالغ الصعوبة، خاصة أن كل جماعة سياسية لديها رؤية مختلفة لمفهوم التحول السياسي، كما أن لكل طرف حساباته وتوازناته السياسية التي ترتبط في أحيان كثيرة بعلاقته مع قوى إقليمية أو دولية تحرص على التواجد بقوة في المشهد السياسي مثلما ظلت موجودة في مشهد المواجهة العسكرية.
وتقول الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالعاصمة المصرية القاهرة لـ«المجلة» إن: «عودة اللاجئين إلى بلادهم عقب انتهاء الحرب يتوقف على عوامل كثيرة، منها ما تمثله الحالة السورية في الوقت الراهن عقب إعلان هزيمة «داعش»، حيث توجد مناطق سورية آمنة وأخرى غير آمنة، لذلك فإن شرط العودة الرئيسي أن تصبح البلد كلها آمنة بشكل كاف، وبالطبع يمكن أن تتسبب عملية التحول السياسي وما يمكن أن تشهده من خلافات بين أطراف العملية السياسية في عرقلة عودة اللاجئين».
وتضيف بكر: «قد يختار بعض اللاجئين عدم العودة، خاصة الذين تم توطينهم في بلاد أوروبية مثل ألمانيا وهي بلد لا ينمو ديموغرافيا حيث يقوم باستقبال اللاجئين وتجنيسهم ودمجهم في المجتمع ويعتمد عليهم كمواطنين في بناء اقتصاده، ويوجد الكثير من اللاجئين أسسوا حياة جديدة في بلاد كثيرة وحققوا نجاحا في العمل أو المشروعات الخاصة، ومن الطبيعي أن يرفضوا العودة».
وتكمل: «السيناريوهات المرتبكة في ملف عودة اللاجئين تجاوزت الحالة السورية، إذ فرضت النقاشات نفسها على تجمعات اللاجئين بشكل عام، وعلى الرغم من الاختلاف النسبي في التركيبة السياسية لكل بلد من بلدان النزاع العربي، إلا أن الحرب على الإرهاب والصراع العسكري خلق نوعا من التشابه في رؤية اللاجئين لمعايير ومحددات عودتهم إلى بلادهم».
ومن جانبه يقول فهد العريقي، رئيس مجلس أعيان الجالية اليمنية في مصر لـ«المجلة»: «اللاجئون بشكل عام يتعاملون مع فكرة العودة لوطنهم طبقا لظروف كل منهم، فمعظم اليمنيين يرغبون في العودة إلى بلدهم حتى في ظل استمرار الحرب، وما يمنعهم من ذلك إغلاق المطارات، لكن يوجد فئات كثيرة قد لا ترغب في العودة، فالذين أسسوا حياة جديدة في دول أوروبية يكون من الصعب التخلي عما حققوه، وكذلك الذين أنشأوا مشروعات خاصة وأنشطة تجارية في دول مختلفة مثل مصر سيكون أيضا من الصعب عودتهم بشكل كامل، أي إنهم قد يلجأون إلى التنقل بين بلدهم وبين الدولة التي أسسوا فيها أنشطتهم».
ووفقا لأدبيات علم النفس السياسي، تعاني المجتمعات التي تنتقل من الحرب إلى السلم من أمراض كثيرة تتطلب رؤية متكاملة كي يتمكن المجتمع من التعافي، من بين أبرز هذه الأمراض مرض «هايبرسيميثيا» الذي يطلق عليه «متلازمة فرط التذكر» والذي يصنف علميا بأنه أحد الاضطرابات العصبية النادرة، ويطلق عليه أيضا «الذاكرة الذاتية بالغة القوة»، وهو مرض يجعل الشخص المصاب به يتذكر أدق تفاصيل حياته من دون نسيان أي تجربة أو موقف مؤلم مر به، مما يسبب له الكثير من مظاهر القلق والتوتر، وتزداد حدة المرض في حال معايشة الصراعات والحروب، إذ يفقد الموطنون القدرة على تجاوز الذاكرة المريرة للمشاهد التي عايشوها.
وتقول الدكتورة سوسن الفايد، أستاذ علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر لـ«المجلة»: «ترميم الذاكرة الجماعية بعد الحرب يتطلب أولا إدراكا من متخذي القرار السياسي لأهمية وخطورة إعادة تأهيل المجتمع، فحتى الذين شاهدوا صور الحرب على شاشات التلفاز قد يصابون بنفس الأمراض نتيجة تذكر الصور التي ترتبط لدى الشخص بالفزع والألم، ويتصور طوال الوقت أن الأمر يحدث معه وأنه أحد ضحايا هذه المشاهد المرعبة».
وتضيف الفايد: «حددت البرامج العلمية وسائل مختلفة لمرحلة الشفاء من أمراض الحروب والكوارث، حيث يجب أن يتم تشكيل طواقم طبية متنوعة من اختصاصيين نفسيين واجتماعيين وغيرهم لفرز الحالات وتصنيفها، ويعقب ذلك تنظيم جلسات علاج جماعي لكل مجموعة من التصنيفات، وخلال تلك الفترة يجب أن تقوم الدولة بتلبية كافة احتياجات المواطنين من مسكن وملبس وغيرها من الأمور الأساسية من دون عناء كي يشعر الشخص ببعض الأمل، ويجب أن تسعى كافة أجهزة الدولة بما فيها وسائل الإعلام إلى تبني سياسات وخطاب يبث الأمل لدى المواطنين وتعزز شعورهم بالأمان، إذ إن صناعة الأمل هي إحدى الركائز الأساسية للعلاج، كما يجب أن تبذل الدولة جهدا كبيرا في إعادة ثقة المواطنين في قادتهم السياسيين بغض النظر عما تشهده مرحلة التحول السياسي من مشاحنات وتنافس ومواجهات».