* القانون الدولي كفل الحماية لمنظمات الإغاثة الدولية في الحروب لكنه يحتاج إلى تحديثات
* تواجه المنظمات الدولية معضلة مهنية تتعلق بعدم قدرة طواقمها على التمييز بين المدنيين الذين ينتقلون من وسط مناطق العمليات العسكرية وبين الإرهابيين الفارين
القاهرة: تواجه منظمات الإغاثة الطبية الدولية العاملة في مناطق النزاعات المسلحة بمنطقة الشرق الأوسط تحديات جديدة تختلف عن مخزون خبراتهم المتراكمة طوال سنوات عملهم في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة أو كوارث طبيعية، إذ إن طبيعة المشهد في بؤر النزاع العربي تضع تعقيدات إضافية أمام الطواقم الطبية للمنظمات، نتيجة اختلاف القيم والوسائل العسكرية في الحرب على الإرهاب عن تلك المتبعة في الحروب العسكرية التقليدية، وأيضا تعدد أطراف النزاع المحلية والإقليمية والدولية، مما يجعل منظمات على غرار اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود تقف عاجزة أمام التحديات التي لا تقف عند حد اختطاف طواقمها من قبل ميليشيات مسلحة والتنظيمات الإرهابية، بل تمتد إلى اتهامات بتنفيذ أجندات سياسية لدول كبرى، فيما يرى خبراء أن القانون الدولي يحتاج إلى تحديثات تتناسب مع الطبيعة المختلفة للحرب على الإرهاب لضمان سلامة الطواقم الطبية، خاصة أنه من البديهي أن لا تلتزم الجماعات الإرهابية بالقواعد والقوانين التي تحكم الحروب التقليدية.
ويعد قتل واختطاف الطواقم الطبية والموظفين والعمال من قبل الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية لإجبارهم على العمل لديهم والاستفادة من خبراتهم الطبية أكثر التحديات التي تواجه منظمات الإغاثة الدولية.
ووجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نداء في 14 أبريل (نيسان) 2019 عبر حسابها الرسمي على الإنترنت، ناشدت فيه كل من لديه معلومات عن ثلاثة من موظفيها اختطفوا في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، وهم: لويزا كافي - مواطنة نيوزيلاندية كانت تعمل ممرضة في سوريا حتى تاريخ اختطافها، بالإضافة إلى علاء رجب ونبيل بقدونس، وهما مواطنان سوريان كانا يعملان سائقين لدى اللجنة، وتمثلت مهمتهما في إيصال المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق المنكوبة في سوريا.
وتابعت اللجنة في بيانها أن: «لويزا كانت رهينة لدى تنظيم داعش خلال السنوات الماضية، وكانت على قيد الحياة حتى أواخر عام 2018. ولم تتمكن اللجنة الدولية من معرفة المزيد من المعلومات عن علاء ونبيل ولا يزال مصيرهما مجهولا».
وقال دومينيك شتيلهارت، مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تصريحات صحافية: «بعد سقوط آخر منطقة يسيطر عليها التنظيم، نخشى من تضاعف خطر فقدان أثر لويزا.. كنا نأمل معرفة المزيد عن مكان وجودها وسلامتها».
وتابع: «نحن نعيد إلى أذهان الجميع أن لويزا ضحية عملية اختطاف، ولأكثر من خمس سنوات أخذها خاطفوها رهينة، وإذا كان زملاؤنا لا يزالون محتجزين، فإننا ندعو إلى إطلاق سراحهم فورا وبشكل غير مشروط».
وتواجه المنظمات الدولية معضلة مهنية تتعلق بعدم قدرة طواقمها على التمييز بين المواطنين المدنيين الذين ينتقلون من وسط مناطق العمليات العسكرية إلى مخيمات اللاجئين وبين الإرهابيين الفارين، فخلال القضاء على آخر معاقل داعش في سوريا اضطر كثير من المدنيين إلى الفرار إلى مخيم «الهول» شمال شرقي سوريا على الحدود العراقية بناء على اتفاق مع حكومة بغداد، غير أن المشرفين على المخيم لاحظوا وجود أعداد كبيرة من العراقيين يصلون إلى المخيم قادمين من سوريا، وهو ما رجح أن هناك مقاتلين تابعين لداعش يين الفارين.
وعلق فابريزيو كاربوني المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر على المعضلة في 12 مارس (آذار) الماضي قائلا في تصريحات صحافية: «يوجد عدد كبير من أصل عراقي بين من وصلوا إلى مخيم الهول، الأرقام ليست رسمية لكننا نتحدث على الأرجح عن نحو 20 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال».
وأضاف كاربوني: «عبرت الحكومة العراقية عن رغبتها في عودة هؤلاء، لكن من الواضح أن الوضع ينطوي على تحديات، هؤلاء الناس يعتبرون تهديدا أمنيا، وهذا بالتالي يعني أنه سيتعين عليهم المرور عبر عملية فحص».
وتتعرض أكبر منظمتين دوليتين عاملتين في مجال الإغاثة الطبية، وهما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة أطباء بلا حدود، لاتهامات تتعلق بعدم الحياد وتبني أجندات سياسية لدول كبرى.
واللافت أن الاتهامات تأتي من كافة أطراف النزاع العسكري، ففيما اتهمت المعارضة السورية اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتبني أجندة سياسية تهدف إلى دعم بقاء الرئيس السوري بشار الأسد الذي سمح لطواقم اللجنة بالتعاون مع الهلال الأحمر السوري «منظمة إغاثة محلية» والوصول إلى مناطق يصعب الوصول إليها، نشبت أزمة بين نظام الأسد ومنظمة أطباء بلا حدود التي انتقدت في مايو (أيار) 2018 تقريرا حكوميا سوريا اتهمها بعدم الحياد وتنفيذ أجندات لأجهزة مخابرات غربية، وهي نفس الاتهامات التي سبق أن عبر عنها بشار الجعفري، المندوب السوري لدى الأمم المتحدة في 17 فبراير (شباط) 2016.
وقال بيتر مورير، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي» في 30 مارس (آذار) 2018، أن «هذه المساعدات سيكون من المستحيل تسليمها دون العمل مع النظام... ونحن ندرك أن النتيجة غير كاملة... ولكن علينا أيضا أن نحترم حقائق القوة الموجودة على الأرض».
فيما فسر بينوا دي غريز، مدير عمليات منظمة أطباء بلا حدود في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مبدأ التواصل مع أطراف النزاع، قائلا في تصريحات صحافية يوم 18 يوليو (تموز) 2018: «نتواجد في جنوب سوريا، وقمنا بالتواصل مع القوات السورية لضمان عمل مستشفياتنا وأطبائنا... ففي جميع النزاعات نقوم أولا ببناء الثقة، وثانيا نوضح عملنا، ونشرح كيفية المساعدات التي يمكن أن نقدمها».
وبدورها تقول الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة لـ«المجلة» إن «القانون الدولي كفل الحماية لمنظمات الإغاثة الدولية في الحروب التقليدية، لكنه يحتاج إلى تحديثات تتناسب مع المتغيرات التي فرضتها الحرب على الإرهاب، لأنها تختلف في أدواتها وآلياتها عن الحروب التقليدية، فالمواجهة مع عدو هو بالأساس خارج سياق القانون الدولي ومن الصعب محاسبته، وهو ما يجعل الوضع فوضويا بالنسبة للمنظمات الدولية التي تضطر للتواصل مع أطراف النزاع لضمان وصول طواقمها إلى المدنيين الذي يحتاجون إلى إغاثة».
وتمثل الألغام أحد المعوقات الرئيسية لعمل المنظمات الدولية، خاصة أن التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة تقوم بزرعها بشكل عشوائي ولا توجد خرائط لمساعدة الطواقم الطبية على تفاديها.
وتضطر المنظمات إلى سحب طواقمها من بعض المناطق نتيجة التهديدات التي تتعرض لها من أطراف النزاع، ففي 14 يناير (كانون الثاني) الماضي سحبت منظمة أطباء بلا حدود طواقمها الطبية من المشفى الوطني بمدينة الحسكة السورية، وربط مراقبون بين القرار وبين عبارات كتبها عناصر من تنظيم داعش على جدران المتاجر تتوعد فيها قوات سوريا الديمقراطية بالانتقام وتوجيه ضربات للمتعاونين معهم.
ويقول نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم الجهاد لـ«المجلة» إن «استهداف طواقم المنظمات الدولية ليس أمرا مستحدثا من تنظيم داعش، إذ إن تنظيم القاعدة كان يتبع نفس النهج في أفغانستان، حيث يؤمن التنظيمان بأن هذه المنظمات تعمل لصالح أجهزة مخابرات غربية وأن أعضاءها جواسيس، كما يعتقد التنظيمان أن أجهزة المخابرات الغربية تقوم باستخدام السيارات الطبية التابعة لهذه المنظمات في نقل الأسلحة لأطراف الصراع، وتلجأ بعض التنظيمات إلى اختطاف سيارات المنظمات الدولية لاستخدامها في نقل الأسلحة، وكان تنظيم القاعدة يقوم باختطاف الطواقم الطبية ويبادلها بعد ذلك بمقاتليه الذي تم القبض عليهم».