* مشروع المملكة يتأسس على المكانة وينسجم مع مقتضيات الريادة، والسلام الذي يتطلب قوة تحميه وتضمنه
* تتجه إيران نحو مشروعها النووي، بيد أن عثراتها تتفاقم، بعد رحيل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وانسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي
* المملكة نجحت في تحويل ملف تعزيز قدراتها النووية إلى مصلحة للقوى الدولية، على نحو دفع واشنطن إلى تبني نهجٍ يتصف بالمرونة في التعاطي مع برنامج الطاقة النووية السعودي
* يعد مشروع تعدين اليورانيوم أحد مكونات المشروع الوطني للطاقة الذرية لتوفير متطلبات التنمية الوطنية المستدامة الذي طُرح في رؤية «السعودية 2030»
* تختلف الاستراتيجية الإيرانية عن السياسات السعودية في ذلك، بحسبان أن طهران أقامت منشآت طرد مركزي من أجل تصنيع قنبلة نووية، فيما تتجه المملكة لامتلاك قدرات نووية «مدنية» معلنة
* يبلغ عدد الدول النامية التي تستخدم الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء نحو 12 دولة
أنقرة: خطوات إيران كثيرة نحو الحروب والصراعات. وخطى المملكة العربية السعودية في المقابل لا تنقطع نحو السلم والأمن. سعي إيران يدفعها إلى محاولة اتباع استراتيجيات متنوعة لشراء الوقت من أجل اكتساب قدرات نووية عسكرية. هذا في وقت تسعى المملكة فيه إلى تعزيز قدراتها القتالية وإمكانياتها التكنولوجية على نحو غير مسبوق، بما يشمله ذلك من ضرورة تملك تكنولوجيا نووية «مدنية»، تجعلها دولة «عتبة نووية». مشروع المملكة يتأسس على المكانة وينسجم مع مقتضيات الريادة، والسلام الذي يتطلب قوة تحميه وتضمنه، على العكس من طهران التي تمتلك أجندة لأدوار إقليمية تقوم على توظيف القدرات العسكرية على ساحات دول الجوار، بما يدعم النفوذ ويعزز المصالح القائمة على تعزيز النزاعات ومراكمة التوترات على مسارح الشرق الأوسط المختلفة.
تتجه إيران نحو مشروعها النووي، بيد أن عثراتها تتفاقم، بعد رحيل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وقيام الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض حزمتي عقوبات على الاقتصاد الإيراني. هذا في وقت تقتني فيه المملكة العربية السعودية أحدث منظومات التسلح، وتضاعف من قدراتها التكنولوجية والقتالية، على نحو تجلى مؤخرا في كثير من التقارير الدولية التي أشارت إلى خطى متسارعة وإجراءات عملية تبنتها المملكة ويشرف عليها ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، لتسخير التكنولوجيا النووية لخدمة المملكة، عبر الأبواب الشرعية وبالتعاون مع القوى المعنية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
أشارت في هذا السبيل تقديرات أمنية إلى أن المملكة نجحت في تحويل ملف تعزيز قدراتها النووية إلى مصلحة للقوى الدولية، على نحو دفع واشنطن إلى تبني نهجٍ يتصف بالمرونة في التعاطي مع برنامج الطاقة النووية السعودي، ويقضي بالسماح للقيام بأنشطة مختلفة، مثل تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي المستنفذ، وهذه الأنشطة ليست إلا مدخلا لتوفير المواد اللازمة لتطوير برامج تجعل المملكة تمتلك برامج وقدرات نووية «مدنية»، وتكنولوجية تجعلها دولة «عتبة نووية»، ويأتي ذلك في إطار سعي مركّب يستهدف من ناحية تعزيز القدرات السلمية، ومن ناحية أخرى مراكمة المؤهلات والتقنيات اللازمة لتعديل أي خلل في التوازنات الاستراتيجية، في أسرع وقت ممكن، إذا ما تطلب ذلك أمن المملكة واستقرار الإقليم.
لذلك ففي العام الذي تضاعفت فيه معاناة طهران، جراء العقوبات الدولية المتصاعدة وارتدادات العزلة الإقليمية، سيما في أعقاب انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، فإنه هو ذاته الذي شهد مقولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن السعودية ستعمل على تطوير قدراتها المتنوعة ومن ضمنها العمل على مشاريع نووية سعودية. وقد اتخذت المملكة بالفعل خطوات متسارعة وإجراءات متتابعة لامتلاك برنامج للطاقة النووية، بعد أن دشن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أول مفاعل نووي في المملكة، خلال زيارته لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
ورغم تأكيده على سلمية المشروع السعودي قال ولي العهد السعودي: «إن المملكة من حقها امتلاك أسلحة نووية، حال ما أقدمت طهران على امتلاك أسلحة نووية»، وأضاف في مقابلة أجراها من قناة «CBS» الأميركيَّة أثناء زيارته للولايات المتحدة الأميركية أن «السعودية لا تريد الحصول على قنابل نووية، غير أنها في الوقت عينه لن تسمح بحدوث خلل في توازنات القوى الإقليمية»، مؤكدا أن إيران ليست في موضع يسمح لها بمنافسة السعودية، فجيشها ليس من بين الجيوش الخمسة الأوائل في العالم الإسلامي، فضلاً عن أن الاقتصاد السعودي أكبر من الاقتصاد الإيرانيّ، هذا إضافة إلى كونها بعيدة عن أن تكون في وضع موازٍ أو مساوٍ للمملكة العربية السعودية بثقلها السياسي وقدراتها العسكرية وإمكانياتها الاقتصادية».
هذا وكان وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، المهندس خالد الفالح، قد كشف أن المملكة تسعى إلى العمل عن كثب مع الولايات المتحدة الأميركية لبناء قدرات لتوليد الطاقة النووية في السعودية، وأنها تريد أن تكون واشنطن جزءًا لا يتجزأ من البرنامج النووي السعودي الذي سيكون للأغراض السلمية بالكامل. وقالت وكالة الأنباء السعودية إن ولي العهد وضع حجر الأساس لـ7 مشروعات استراتيجية في مجالات الطاقة المتجددة والذرية، وتحلية المياه، والطب الجيني، وصناعة الطائرات. كما أعلنت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة (KACARE) مؤخرًا، عن إطلاق برنامج تطوير الكوادر السعودية في مجال استخراج اليورانيوم. والبرنامج السعودي منضوٍ تحت مظلة مشروع تعدين اليورانيوم.
ويعد مشروع تعدين اليورانيوم أحد مكونات المشروع الوطني للطاقة الذرية لتوفير متطلبات التنمية الوطنية المستدامة الذي طُرح في رؤية «السعودية 2030». والذي سوف يعزز زيادة المحتوى المحلي في سلاسل القيمة الصناعية والخدمية، وتوطين المعرفة الفنية في تقنيات الطاقة الذرية واستثمارها تجاريًا.
برنامج المملكة «المدني» وبرامج طهران غير السلمية
ثمة فارق بين سياسات الوضوح النووي التي اتبعتها المملكة العربية السعودية بشأن التوجهات الخاصة بامتلاك تكنولوجيا الطاقة النووية للأغراض السلمية وسياسات «الغموض الهدام» التي انتهجتها طهران بشأن برامج التسلح النووي. فالمملكة تعتمد على خبرات دولية ووفق أطر شرعية تقوم على تدشين مفاعلات نووية وليس منشآت نووية سرية لأغراض عسكرية. وتقوم المقاربة السعودية على تأكيد أن خطى المملكة النووية تستهدف تعزيز القدرات الاقتصادية ومراكمة المعرفة التقنية، آخذا في الاعتبار الحسابات العلمية التي تشير بوضوح إلى أنه ليس ثمة آلية مباشرة للتحول سريعا إلى إنتاج سلاح نووي.
ذلك أن هناك متطلبات إضافية لامتلاك القدرة على إنتاج «دورة الوقود النووي» حتى يمكن من خلالها استكمال حيازة المواد النووية التي تمكن بدورها من صنع السلاح النووي «الانشطاري»، وهي تتمثل في حيازة البلوتونيوم 239، واليورانيوم 235 المخصب بدرجة 90 في المائة على الأقل. وهناك طريقتان لصنع الأسلحة النووية، الأولى تعتمد على فصل البلوتونيوم الناتج عن احتراق اليورانيوم الطبيعي بعد تخصيبه في مفاعل نووي. وهذا يتطلب مفاعلا نوويا (ماء ثقيل) بقدرة تدور حول 20 ميغاواط تقريبا، وهذه الطريقة التي أنتجت بها قنبلة ناجازاكي، واتبعتها فيما بعد أغلب الدول المالكة للأسلحة النووية، ومنها إسرائيل.
الطريقة الثانية تعتمد على رفع نسبة نظير اليورانيوم 235، الموجود في اليورانيوم الطبيعي لاستخدامه كمادة انشطارية لصناعة قنبلة نووية. وتعتبر طريقة تخصيب اليورانيوم تلك أصعب العمليات في مجال التكنولوجيا النووية، بحسبانها معقدة ومكلفة للغاية، ولا تتطلب مفاعلا بل منشآت نووية للتخصيب بأسلوب الانشطار الغازي أو الطرد المركزي، وهي الطريقة التي أنتجت وفقا لها قنبلة هيروشيما، واتبعتها الصين في إنتاج السلاح النووي، واعتمدت عليها بالكامل باكستان، وهي أيضا الطريقة التي حاولت طهران من خلالها امتلاك أسلحة نووية.
وتختلف الاستراتيجية الإيرانية عن السياسات السعودية في ذلك، بحسبان أن طهران أقامت منشآت طرد مركزي من أجل تصنيع قنبلة نووية، فيما تتجه المملكة لامتلاك قدرات نووية «مدنية» معلنة، تتأسس على أطر تعاون دولية مع قوى تمتلك قدرات ضخمة في هذا المجال. وتعي المملكة أنها حينما تتحرك في هذا المجال فإن الخبرات الدولية تدعم جهودها، سيما أن الخبرات التي تراكمها القوى التي تمتلك برامج نووية مدنية لا تدفعها إلى التحول لامتلاك أسلحة نووية. فلم تقم أي من دول العالم التي امتلكت برامج سلمية بتحويل أغراضها وتوظيفها كإجراء لامتلاك أسلحة نووية، بما يؤكد صدقية توجه المملكة السلمي، والرغبة في امتلاك القدرة والتكنولوجيا وليس السلاح النووي.
المقاربة السعودية، تستند أيضا في هذا السياق، إلى طبيعة المعطيات التي تشير إلى أنه يتم الاعتماد على الطاقة النووية لإنتاج نحو 20 في المائة من الطاقة الكهربائية، كأحد استخداماتها في العالم، وتعتمد كثير من دول العالم بشكل كبير على المفاعلات النووية للحصول على الطاقة. ففرنسا تحصل على أكثر من 76 في المائة من احتياجاتها من الكهرباء من مفاعلات القوى النووية، وتبلغ هذه النسبة نحو 46 في المائة في بلجيكا والسويد. وقد تجاوز عدد المفاعلات النووية نحو 450 مفاعلا، بالإضافة إلى عشرات المفاعلات تحت الإنشاء، وتمتلك الولايات المتحدة وحدها من هذا العدد 104 مفاعلات بنسبة 25 في المائة من المفاعلات النووية عبر العالم.
وثمة تيار رئيسي في التحليلات الدولية يشير إلى مخاطر تكنولوجيا الطاقة النووية، بحسبانها تعزز القدرة على امتلاك أسلحة نووية، سيما مع تزايد أدوار التكنولوجيا «مزدوجة الاستخدام»، ذلك أن القدرات النووية ليست مجرد قدرات ذات مضامين تكنولوجية – اقتصادية، وإنما هي قدرات ذات أبعاد استراتيجية تتصل بما تمثله من «خيارات عسكرية» تتيح للدولة المالكة لها، وفق محددات معينة، أن تتجه نحو إنتاج أسلحة نووية.
يرتبط ذلك بأن ثمة علاقة تقنية مباشرة بين المشاريع النووية السلمية والبرامج النووية العسكرية، إذ إن الجانبين يعتمدان تقريبا على نفس المنشآت والتكنولوجيا والمواد، وبناء على ذلك ترددت كثيرا عبارة أنه لا توجد طاقة نووية للاستخدامات السلمية وطاقة نووية للاستخدامات العسكرية وإنما توجد طاقة نووية واحدة. لذلك، فإن جوهر المسألة يرتبط بسياسات الدولة التي توضح طبيعة الهدف الحقيقي من مشروعها النووي.
سياسات القوى الإقليمية لامتلاك برامج نووية سلمية
اتخذت مشكلة الانتشار النووي Nuclear Proferation مظاهر خلال مرحلة 1991 – 2005 بفعل عوامل مختلفة كانهيار الاتحاد السوفياتي وظهور دول نووية جديدة من ورثة ترسانته، واكتشاف عدة برامج نووية سرية عام 1991. وقيام جنوب أفريقيا بإزالة أسلحتها النووية في عام 1993. ثم قيام الهند وباكستان بالإعلان عن امتلاك أسلحة نووية في عام 1998، وتصدع نظام منع الانتشار النووي، وصولا إلى اكتشاف برنامج اليورانيوم 235، لدى إيران.
بيد أن أحد أهم العوامل التي أدت إلى تصاعد مشكلة الانتشار النووي ارتبطت بالتوسع في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، فهناك نحو 60 دولة في العالم تمتلك برامج نووية مدنية. هذا إضافة إلى توافر مخزون هائل من المواد النووية المتخلفة عن تشغيل المرافق النووية وتفكيك الأسلحة النووية، فضلا عن اتساع نطاق «السوق السوداء» لتجارة المواد والمعدات النووية في العالم بفعل تقلص السيطرة على المنشآت النووية في دول الكومنولث.
ويبلغ عدد الدول النامية التي تستخدم الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء نحو 12 دولة. ففي كوريا الجنوبية، يبلغ نسبة إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة نحو 44 في المائة وفي الأرجنتين 11.4 في المائة، وفي جنوب أفريقيا 6.5 في المائة، وفي الهند 2.3 في المائة، وفي باكستان 0.6 في المائة، يضاف ذلك إلى كون 50 في المائة من المفاعلات قيد التشييد عبر العالم يتم تدشينها في الدول النامية.
لذلك، فقد كان من المنطقي تزايد الرغبة لدى دول الشرق الأوسط في الولوج إلى النادي النووي سواء لأغراض التعامل مع معضلة الطاقة، أو لاعتبارات اقتصادية وبيئية، أو حتى لحسابات جيو - استراتيجية تنطلق من الرغبة في «التحرك الوقائي» لإنهاء أي فجوة محتملة على مستوى الإقليم.
وتمثل البرامج النووية الحالية تحولا هاما في تاريخ النشاطات النووية بالمنطقة، بحسبانها تحمل منذ البداية ملامح «سلمية بالكامل»، بعكس برامج إيران النووية ومن قبلها العراق وليبيا. وشهدت الفترة الماضية ملامح بداية موجة من «الانتشار النووي المدني» في الإقليم، بخلاف ما حدث في كل الحالات السابقة، التي أقيمت البرامج في إطارها سرا أو ظهرت فجأة، بما في ذلك البرامج البحثية، وبالتالي، ستؤدي الطريقة التي ستتعامل بها كثير من قوى الإقليم – كما سبقت الإشارة - مع ما تطرحه تلك المشكلات عمليا، إلى تشكيل مساحة كبيرة من ملامح الواقع النووي الجديد في الإقليم، وهو وضع تشير أغلب التقديرات إلى أن أدوار القيادة فيه تضطلع بها المملكة العربية السعودية، بالنظر إلى جدية التوجه وطبيعة السياسات وأنماط الإجراءات السريعة بالمقارنة بمختلف المشاريع المماثلة على مسرح عمليات الإقليم.
وثمة توجهات مصرية وإماراتية وخطى تركية تسير على نهج المملكة العربية السعودية فيما يخص تدشين برامج سلمية ترتبط بسياسات منوط بها توفير الطاقة وتحديث بنية الدولة التكنولوجية وتدعيم الكوادر وتعزيز المكانة الإقليمية. وعلى الرغم من أن كثيرا من دول الإقليم أوضحت توجهها لامتلاك برامج عسكرية حال ما تم غض الطرف عن توجهات طهران النووية أو في حال إنتاجها لأسلحة نووية، غير أن أغلب المؤشرات تشير إلى أنه لدى المملكة وشركائها من الدول العربية المعتدلة تصورات كثيرة وبدائل كبرى للتعامل مع مشكلة التسلح النووي الإقليمية.
ربما يفسر ذلك خطى المملكة السباقة والسابقة، ففي عام 2009. صدر مرسوم ملكي سعودي جاء فيه أن «تطوير الطاقة الذرية يعد أمرًا أساسيا لتلبية المتطلبات المتزايدة للمملكة للحصول على الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة وتقليل الاعتماد على استهلاك الموارد الهيدروكربونية». وفي عام 2011، تم الإعلان عن خطط لإنشاء عدد من مفاعلات للطاقة النووية على مدى العشرين عامًا المقبلة، بغرض إنتاج ما يقرب من 20 في المائة من الكهرباء في السعودية، بينما كانت ستخصص المفاعلات الأخرى - الأصغر حجمًا وطاقة - لتحلية المياه.
ووفق أحد تقديرات Institute Washington فإن الخطط النووية المدنية في المملكة العربية السعودية مماثلة في نطاقها لبرنامج الطاقة النووية الإيراني، بل تتفوق عليه. بيد أنها تتأسس على المنطق الاقتصادي - بأن توفير الطاقة الكهربائية المنتجة بواسطة الطاقة النووية يسمح بتصدير المزيد من النفط والغاز الطبيعي. وتشير اتجاهات سياسية وبحثية أميركية إلى أن علاقات واشنطن مع الرياض قد تفضي إلى تحولات مهمة على مسرح الشرق الأوسط لصالح المملكة، تأسيسا على رغبة السعودية في بناء مشاريع طاقة عملاقة، وهي الأكبر على مسرح عمليات الإقليم، بما يعني أنها ستحوذ معرفة قد تمكنها لاحقا من امتلاك قدرات عسكرية نووية، حال ما استدعت الضرورة ذلك للحفاظ على أمنها ومصالحها الإقليمية والدولية.
ويقول أولي هاينونن، خبير في «مركز بيلفر» في جامعة هارفارد، ونائب المدير العام للضمانات في «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، إن التعهدات والالتزامات الدبلوماسية الحالية ذات الصلة بمنع الانتشار النووي التي أبرمتها المملكة تتيح بعض المرونة في البحث عن استراتيجيات بديلة، وخاصة إذا ما «انتهكت إيران التزاماتها» وفقًا لـ«معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية». فقد صادقت المملكة العربية السعودية على «معاهدة حظر الانتشار النووي» في عام 1988 ولكنها أبرمت «اتفاقية الضمانات الشاملة» مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في عام 2009. بيد أنها لم توافق بعد على «بروتوكول الكميات الصغيرة» المعدل الذي اعتمده «مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية» في عام 2005. بالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة العربية السعودية، مثلها مثل إيران، لم توقع حتى الآن على «البروتوكول الإضافي» الذي يسمح بعمليات تفتيش أكثر صرامة. كما لم توقع على «معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية»، على الرغم من أنها دعمت باستمرار إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وأشارت جريدة New York Times الأميركية إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تخطط للتعاون مع القيادة السعودية الراغبة في تدشين مفاعلات نووية تتيح كافة الخيارات أمام المملكة في المستقبل. وأشارت الصحيفة في تقرير لنيكولاس كريستوف، إلى أن غاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأميركي، بحث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، البرنامج النووي للمملكة، ودور أميركا في تقديم المساعدة بهذا المجال.
مخاطر البرنامج النووي الإيراني
تتبني المملكة بناء على المعطيات السابقة موقفا وسطيا يقوم على تبني مشروعات عملاقة لإنتاج الطاقة عبر المفاعلات النووية، وتدفع المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته حيال مخاطر التوجهات الإيرانية، وفي ذات الوقت تطرح رؤية تقوم على الاستعداد إلى اتباع كافة الخيارات حال ما اقتضت الضرورة ذلك لضمان أمن المملكة واستقرار الإقليم الذي تضطلع فيه بمسؤولية القيادة، خصوصا أن أكبر تهديد لهذا الإقليم يتعلق بسياسات إيران النووية.
الموقف السعودي يتأسس على الكثير من المعطيات، ومن ضمنها طول مدة الخلاف الدولي مع إيران بشأن برنامجها النووي، من دون الوصول لحل حاسم يتجاوز «ثنائيات تخفيف - تغليظ العقوبات» طيلة السنوات الماضية. فقد تفجر نزاع إيران مع المجتمع الدولي حول ملفها النووي منذ عام 2002. عندما قامت مجموعات المعارضة الإيرانية في الخارج بإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن الحكومة الإيرانية قامت ببناء مفاعلين نوويين في كل من ناتانز (Natanz) وأراك (Arak)، وهو ما لم تكن إيران قد أبلغت به الوكالة.
وقد تأخر زخم تقدم البرنامج الإيراني في أعقاب عقوبات متفاوتة وسياسات غربية متباينة حيال مخاطر السياسات الإيرانية المتزامنة مع توجهات استهدفت حيازة أسلحة نووية. ومنذ عام 2003 بدأت مفاوضات مع إيران إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين إيران ومجموعة (5+1) (الدول النووية الخمس المعرف بها وهي الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا) والاتحاد الأوروبي، في 14 يوليو (تموز) 2015 في فيينا، أطلق عليه خطة العمل المشتركة الشاملة Joint Comprehensive Plan of Action (JCPOA)، وذلك بعد اتفاق مؤقت بين الطرفين وقع في 24 نوفمبر 2013 في جنيف.
وقد توصل الطرفان إلى اتفاق إطاري في 2 أبريل (نيسان) 2015 في لوزان، وهو الاتفاق الذي استندت عليه خطة العمل المشترك (JCPOA). وصفت هذه «الصفقة» بالتاريخية، وحاولت إدارة الرئيس الأميركي السابق، اعتبارها نصرا للدبلوماسية الأميركية، بعد أن جنبت إيران حربا دولية، اعتبرتها مؤسسات غربية، أنها كانت وشيكة. ويقع الاتفاق في 159 صفحة، منها 18 صفحة تتعلق بطبيعة «الصفقة الأميركية»، فيما 141 صفحة من الاتفاق ضمت خمسة ملاحق. وقد أعلن الغرب أن الهدف من الاتفاق الحيلولة دون قدرة البرامج النووية الإيرانية على إنتاج أسلحة نووية تهدد السلم والأمن الدوليين.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية قد انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني، إلا أن الكثير من التقديرات الغربية قد أشارت، في مراحل مبكرة، بعد توقيع الاتفاق، إلى أن «صفقة» إيران النووية لها صبغة سياسية أكثر منها تقنية، وأنه قد يكون من شأنها محض تأخير حيازة طهران لأسلحة نووية دون أن تحول دون استغلال «اتفاق سيئ» مليء بالثغرات. تأسس ذلك على أنه وفقا لبنود الاتفاق، احتفظت إيران بقدرات تخصيب اليورانيوم، التي كانت قد اكتسبتها بالمخالفة لالتزاماتها بموجب معاهدة منع الانتشار وقرارات مجلس الأمن.
وعلى خلاف تفسير إدارة أوباما لأحكام معاهدة منع الانتشار النووي التي تنص مادتها الرابعة على حق الدول التي كانت تمتلك أسلحة نووية في استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية مقابل التزامها بعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية واحترام التزاماتها بموجب ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن المعاهدة ذاتها لم تنص صراحة على منح أو إنكار حقوق التخصيب وعمليات الوقود المستنفذ. وكانت إيران قد تمسكت بعملية الاستمرار في التخصيب، بما أوضح لمختلف الجهات المعنية، أن ثمة نوايا واضحة في تعزيز توجهاتها الخاصة ببناء برامج نووية عسكرية، وأن الاتفاق مع المجموعة الدولية محض تكتيك لـ«شراء الوقت»، بدعوى تغطية احتياجاتها العملية Practical needs اللازمة لأنشطتها النووية المدنية.
المملكة تقود الإقليم نحو تكنولوجيا الطاقة النووية
ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأت منذ 2017 بإجراء مباحثات مع حكومة المملكة العربية السعودية حول تنفيذ شركة «ويستينغ هاوس» المشروع النووي السعودي بعد أن يتوصل الجانبان لتوقيع عقد بهذا الشأن. سياسات المملكة فتحت طريقا لتحرك قوى عربية أخرى في ذات السبيل، حيث اتفقت القاهرة مع موسكو على تنفيذ المشروع النووي المصري، فقد وقع الجانبان الروسي والمصري خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين للقاهرة في ديسمبر (كانون الأول) 2018 على اتفاق لتنفيذ مشروع المحطة النووية في منطقة «الضبعة»، وسيتم بموجب هذه الوثيقة تزويد الجانب الروسي مصر بالوقود النووي على أن تشمل المرحلة الأولى إنشاء محطة تضم 4 مفاعلات، ومن المتوقع أن تبدأ هذه المحطة التي يقدر عمرها الافتراضي بـ60 عاما بإنتاج الطاقة الكهربائية عام 2026.
هذا فيما قالت الجهة المنظمة لقطاع الطاقة النووية في الإمارات، إن بدء تشغيل أول مفاعل نووي إماراتي ينتظر نتيجة مراجعات جديدة للمشروع. وتتكلف محطة براكة للطاقة النووية 24.4 مليار دولار. وتبلغ قدرة توليد الكهرباء في المحطة التي تضم أربعة مفاعلات 5600 ميغاواط. وتبني مؤسسة الطاقة الكهربية الكورية (كيبكو) المفاعلات الأربعة للمحطة في آن واحد.
يوضح جملة ذلك أن ثمة تهديدا إيرانيا ربما حتى لا يقتصر على مشاريع إيران النووية، إذ يشمل أيضا برامج إيران الصاروخية، وفي مقابل ذلك هناك مشاريع طموحة تقودها المملكة العربية السعودية مع عدد من حلفائها من الدول العربية من خلال الشروع في امتلاك قدرات نووية سلمية في الوقت الذي توفر فيه الطاقة وتفضي إلى تحقق عوائد اقتصادية ضخمة فإنها تمنح القدرة على مراكمة المعرفة واكتساب خبرة إدارة المفاعلات النووية، مع إتاحة كافة الخيارات المستقبلية حال ما اقتضت الضرورات الاستراتيجية والأمنية.
=====
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يتابع آخر قطعة للقمر الصناعي السعودي الأول للاتصالات والذي تم تصنيعه بمشاركة مهندسين سعوديين في شركة لوكهيد مارتن.