* نعمل بكافة أجهزته على محاصرة الفكر المتطرف المؤدي لارتكاب الأعمال التي تهدف إلى إرهاب الشعوب مثل عمليات العاصمة السريلانكية... و مكافحة الفقر والظلم والجهل والتمييز تسهم في تحقيق السلام
* ذهبت إلى نيوزيلاندا بعد ارتكاب الحادث الإرهابي في المسجدين، ويمكنني القول إن بشاعة هذه الجريمة أدت إلى تلاحم صفوف النيوزيلانديين حكومة وشعباً وتوافق رغبتهم على بذل كل ما لديهم من جهد لمكافحة هذه الأفكار المتطرفة.
* المجلس العالمي للتسامح والسلام في بداية نشأته أطلق برنامج زرع السلام، وهو برنامج يترجم فهمنا وتحليلنا لأصل المشكلات التي تعاني منها البشرية اليوم.
*الأمم المتحدة مجرد كيان معنوي يعكس الإرادة الدولية، فإن كانت هناك بعض الإخفاقات في تحقيق أهداف المنظمة فيجب أن نتفهم أن سبب ذلك هو عدم توافق إرادة الدول على أساليب معالجة القضايا التي استهدفتها المنظمة.
* صدام الحضارات هو صدام محتمل لن يتحقق إلا إذا أخفقنا في نشر قيم التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي بين البشر
أبوظبي: يشهد العالم غرباً وشرقاً تصعيداً غير مسبوق، في الأعمال الإرهابيّة التي تستهدف المدنيين الأبرياء، ومؤخرا استهدفت المصلين، بين مساجد نيوزيلاندا وكنائس سريلانكا... وأودت هذه الأعمال بأرواح المئات، لأسباب متنوعة لكن جمعها عامل الإرهاب والتطرّف بمختلف توجّهاته. وفسّرت أغلب الأعمال الإرهابية في العالم على أنها تعود لقناعات فكريّة تقوم على رفض الآخر ولا تؤمن بالسلام.
مجلة «المجلة» أجرت حوارا حول هذه القضايا وغيرها مع رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام، الدكتور أحمد بن محمد الجروان، وهو دبلوماسي سابق، وشغل منصب رئيس البرلمان العربي، ويرأس حالياً المجلس العالمي للتسامح والسلام...
وإليكم نص الحوار:
* شهدت العاصمة السريلانكية ومدن مجاورة لها الأحد الماضي انفجارات استهدفت أماكن عبادة وفنادق، بالتزامن مع عيد الفصح، ما موقف المجلس العالمي للتسامح من مثل هذه الأعمال؟
- يعمل المجلس بكافة أجهزته على محاصرة الفكر المتطرف المؤدي لارتكاب مثل هذه الأعمال التي تهدف إلى إرهاب الشعوب، وإشعال نيران الفتن بين أبناء المجتمعات. ويعمل المجلس على محاصرة هذا الفكر من خلال الدور التشريعي الذي يقوم به البرلمان الدولي للتسامح والسلام عندما يناقش سبل تطوير التشريعات الوطنية ذات الصلة، إضافة إلى أن المجلس يعمل بالتعاون مع كبرى الجامعات في العالم على محاصرة هذا الفكر واستئصال جذوره من عقول الشباب، ونشر ثقافة قبول الآخر بين أجيال المستقبل.
* هل التطرف والتطرف المضاد يجعل مهمتكم في تحقيق التقارب أصعب؟
- لا يمكنني القول إن ارتكاب هذه الأعمال الإرهابية من جانب أحد المتطرفين يجعل تحقيق التقارب أصعب، فهذه الأعمال تُظهر قبح الفكر المؤدي لارتكابها، وهو ما يُنشئ حالة من التلاحم الجماهيري بين صفوف الشعوب لمواجهتها، وهو ما وجدناه في نيوزيلاندا بعد ارتكاب الحادث الإرهابي في المسجد، وقد ذهبت لنيوزيلاندا ووجدت هذا بنفسي، ويمكنني القول إن بشاعة هذه الجريمة أدت إلى تلاحم صفوف النيوزيلانديين حكومة وشعباً وتوافق رغبتهم على بذل كل ما لديهم من جهد لمكافحة هذه الأفكار المتطرفة.
* هل لديكم خطة وحلول لمعالجة أساس المشكلة، التي يربطها البعض بفكرة صدام الحضارات؟
- فيما يتعلق بفكرة صدام الحضارات، يجب علينا أن لا نفكر في أن هذا الصدام حتمي، فهناك نظريات أخرى تتحدث عن لقاء الحضارات، وكما تستند نظرية صدام الحضارات لشواهد ودلالات تاريخية، تستند نظريات لقاء الحضارات أيضاً لشواهد ودلالات تثبت صحتها، والخلاصة أن صدام الحضارات هو صدام محتمل لن يتحقق إلا إذا أخفقنا في نشر قيم التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي بين البشر.
وأنا مع وصفك لتطور الصراعات من قومية وسياسية واقتصادية إلى صراعات ثقافية وعرقية وأخيراً ظهر على سطح المشهد النزاعات الدينية، وهي حقائق يرصدها التاريخ، ويثبتها الواقع الذي نعيشه اليوم، ولكن يجب أن لا ننسى أن البشرية شهدت أعنف الصراعات الدينية في أوروبا في القرن السادس عشر بين الطوائف المسيحية واستطاع فلاسفة التنوير خلال هذه الفترة أن يواجهوا تلك الصراعات بأفكار خلاقة قضت على مواطن الخلاف خلال تلك الفترة، ولذا نجد بعض المحللين، وأنا أميل لرأيهم، يقولون إننا في حالة من الارتداد للماضي، ويجب علينا أن نستفيد من خبرات الماضي وتجاربه التي تثبت أن مواجهة الفكر لا تكون إلا بالفكر، ولذا أعتقد أننا لن نستطيع مواجهة الأفكار الدينية المتطرفة إلا بإحياء روح التسامح التي تضمنتها مختلف الديانات السماوية.
وأما عن تساؤلك عما إذا كانت لدينا خطة وحلول تناسب أصل المشكلة، فإن المجلس العالمي للتسامح والسلام في بداية نشأته أطلق برنامج زرع السلام، وهو برنامج يترجم فهمنا وتحليلنا لأصل المشكلات التي تعاني منها البشرية اليوم، وهي أننا نشأنا في ظل ثقافات مختلفة وديانات متعددة ولم نستطع تدعيم نقاط التلاقي بين تلك الديانات والثقافات وهو ما نسعى لتحقيقه من خلال برنامج زرع السلام، حيث نسعى من خلاله لوضع مقرر دراسي عن التسامح يتضمن نقاط التقاء ثقافات العالم ودياناته، وسنترجم هذا المقرر الدراسي لكل لغات العالم وسنعمل على تدريسه في المدارس والجامعات في مختلف دول العالم، وأعتقد أن نجاح هذا البرنامج من شأنه تقديم معالجات حقيقية للكثير من المشكلات التي تعانيها مجتمعاتنا.
* يرى البعض أن الأمم المتحدة أخفقت في حفظ السلم والأمن في العالم، فهل حان وقت تغيير الأمم المتحدة كليا، أم الأجدى تغيير أسلوب عملها بالتعاون ودعم منظمات دولية مثل المجلس العالمي للتسامح والسلام بوصفها أجنحة داعمة للأمم المتحدة؟
- لا يمكننا القول إنه قد حان الوقت لتغيير المؤسسة كلياً لعدم قيامها بدورها في حفظ سلام وأمن الشعوب، وذلك لأكثر من سبب، السبب الأول هو أن حفظ سلام وأمن الشعوب أمر نسبي، فحقيقي أن المنظمة أخفقت في حماية الكثير من الدول من الانزلاق في دوائر الصراع والعنف، ولكن على الجانب الآخر، هناك الكثير من الدول الأخرى استطاعت أن تحقق التنمية وتضمن مستوى عاليا من الرفاهية لشعوبها في ظل نظام الأمم المتحدة، والسبب الثاني هو أن الأمم المتحدة مجرد كيان معنوي يعكس الإرادة الدولية، فإن كانت هناك بعض الإخفاقات في تحقيق أهداف المنظمة فيجب أن نتفهم أن سبب ذلك هو عدم توافق إرادة الدول على أساليب معالجة القضايا التي استهدفتها المنظمة، ويرجع ذلك إلى غلبة الاعتبارات السياسية ورغبة بعض الدول في السيطرة على النظام الدولي وتوسيع نطاق نفوذها بشكل أثر سلباً على قدرة المنظمة على تحقيق أهدافها، والسبب الثالث هو أن المنظمة تسعى جاهدة لتطوير برامج عملها لتناسب معطيات الصراعات الدولية المعاصرة وطبيعتها، وهي حقيقة يجب أن نعترف بها، والشاهد على ذلك برامج بناء السلام التي تعمل من خلالها المنظمة حالياً على استعادة حالة السلم في الدول التي مرت بنزاعات داخلية، وأما عن دعم المنظمة للمنظمات الدولية غير الحكومية فإنني أعتقد أن المنظمة تقدم الكثير من جوانب الدعم لهذه المنظمات، وفي هذا الشأن أذكر أن الأمم المتحدة قدمت الدعم اللازم للمجلس العالمي للتسامح والسلام في بداية نشأته وأبرم المجلس اتفاقية تعاون مع صندوق الأمم المتحدة التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة.
* التسامح والسّلام من أرقى القيم الإنسانية التي لا علاقة لها بالقانون، وهذا ما يجعل تحقيقها أكثر صعوبة، هل لديكم خطة مع شركائكم للبحث في إيجاد قوانين قد تساعد على تحقيق هذه القيم؟
- بالفعل لدينا خطط مع شركائنا لبحث سبل تطوير القوانين التي تساعد على نشر قيم التسامح بين أبناء المجتمعات، فالمجلس يسعى من خلال علاقته مع شركائه من البرلمانات لتطوير قوانين العدالة التصالحية في مختلف الأنظمة القانونية للدول بالتوازي مع تطوير أنظمة العدالة الجنائية التقليدية، وفكرة العدالة التصالحية قائمة على التسامح مع المذنبين في بعض الحالات، وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم وتأهيلهم ليكونوا مواطنين صالحين، وهناك الكثير من المراكز البحثية في العالم اليوم تسعى لتطوير النظام القانوني للعدالة التصالحية، ونحن ندعم هذا الاتجاه، وسوف نسعى لوضع الإطار القانوني المنظم لهذه العدالة ونشر ثقافتها على مستوى رجال القانون.
* من أهم أهداف المجلس المعلنة هو إنشاء برلمان دولي للتسامح والسلام، وكنتم قد ترأستم البرلمان العربي سابقا، هل هناك علاقة بين الدبلوماسية والسياسة، والأعمال الإنسانية التي تخص تحقيق السّلام؟
- العمل البرلماني يزداد ارتباطاً بالسياسة الدولية وبالعمل الدبلوماسي يوماً بعد يوم، فالدبلوماسية هي أداه التواصل الدولي ووسيلة تحقيق المصالح الدولية، ومع تصاعد دور البرلمانات الدولية العالمية والإقليمية والمتخصصة ظهر على الساحة الدولية مصطلح جديد وهو الدبلوماسية البرلمانية، وهو فن تمثيل البرلمانيين لبرلماناتهم الوطنية في البرلمانات الدولية، والبعد الإنساني هو أحد الأبعاد الحاكمة والمحددة للعمل البرلماني، والتي يجب أن يلتزم بها كل برلماني في العالم، وفي هذا الشأن نقول دوماً إن وراء رعايتنا لمصالح من انتخبونا في دوائرنا الانتخابية مصالح أكبر للمجتمع البشري يجب أن نسعى لحمايتها عندما نشارك في أعمال البرلمانات الدولية، ولذلك فإن الدافع المحرك لأي برلماني يشارك في أحد البرلمانات الدولية هو العمل الإنساني الهادف إلى معالجة القضايا الإنسانية وحماية السلام العالمي.
* هل أفادكم عملكم الدبلوماسي الذي كان في السفارة الإماراتية في أميركا وتحديدا في الملحقية العسكريّة، في خوض تجربتكم الجديدة؟
- بالتأكيد، تجربتي السابقة في مجال العمل الدبلوماسي لها أثرها البالغ في عملي الآن كرئيس للمجلس العالمي للتسامح والسلام، فالعمل على المستوى الدولي له طبيعته الخاصة وسماته المميزة، ومبادئ الدبلوماسية لا تتغير وإن تغيرت أدواتها بين فترة وأخرى، ففي بداية عمل المجلس قمت بعدة زيارات لرؤساء دول وحكومات ومسؤولين رفيعي المستوى في كثير من المنظمات الدولية، واستهدفت هذه الزيارات فتح قنوات اتصال مع هذه الدول والمنظمات لتعزيز دور المجلس على المستوى الدولي، وأعتقد أن خبرتي السابقة في مجال العمل الدبلوماسي ساهمت في نجاح هذه الزيارات بشكل كبير.
* في حفل افتتاح المجلس قال رئيس وزراء مالطة جوزيف موسكت إن تحقيق السلام يتم عبر مكافحة الفقر والظلم والجهل والتمييز، فهل القضاء على هذه الظواهر كفيل بتحقيق السّلام؟
- مما لا شك فيه أن مكافحة الفقر والظلم والجهل والتمييز تسهم في تحقيق السلام، فالسلام يرتبط بهذه الظواهر بأكثر من رابط، أولاً أن الشعوب التي تعاني الجهل وتشعر بالفقر والظلم والتمييز تسعى لتغيير واقعها ومكافحة الظلم الواقع عليها والتمييز المستشري بين فئاتها وهي أهم أسباب نشوب النزاعات الداخلية في الكثير من الدول.
وثانياً يجب أن نعترف بأن الجماعات المتطرفة تتغذى على هذه الظواهر لتنمو وتوسع صفوفها بين الشعوب، فانتشار هذه الظواهر في أي دولة يجعل من شبابها فريسه سهلة لهذه الجماعات المتطرفة، فهذه الجماعات تجذب الشباب الذي يعاني الفقر ويشعر بالظلم والتمييز وتعدهم بمعالجة هذه القضايا والدفاع عن حقوقهم إذا انضموا لصفوفها. بالإضافة لما سبق، فإن انتشار هذه الظواهر يجعل ممارسات من يعانون منها أكثر عنفاً تجاه مجتمعاتهم وتجاه الشعوب الأخرى أيضاً، والشاهد على ذلك أن الكثير من الدراسات التي أجريت على المراحل الزمنية السابقة على الحروب العالمية التي شهدتها البشرية أثبتت أن انتشار هذه الظواهر تمثل سببا رئيسياً لسرعة اشتعال نيران الحروب ووحشية الجرائم التي ترتكب خلالها، ولذا فـإن مكافحة هذه الظواهر من شأنه المساهمة الحقيقية في تحقيق السلام.