* بدأت محاولات أيمن الظواهري للعودة إلى صدارة المشهد بإصدار مجلة «أمة واحدة» وبعد أيام من الإعلان عن هزيمة داعش عسكرياً في سوريا
* مرصد الإفتاء المصرية: هزيمة داعش لا تعني نهاية الإرهاب، بل إن داعش لم يكن سوى حلقة في سلسلة متصلة من الإرهاب العالمي
القاهرة: هزيمة داعش عسكريا وانسحابه من آخر معاقله في سوريا، مثّل للعالم انتصاراً إنسانياً وحلقة هامة في سلسلة طويلة من الحرب على الإرهاب، غير أنه بالنسبة لتنظيم القاعدة مثّل فرصة لاستعادة مكانته وملء الفراغ الذي نتج عن هزيمة أكثر التنظيمات الإرهابية وحشية، وشهدت الفترة الأخيرة تحركات مكثفة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في محاولة لإعادة التنظيم إلى واجهة المشهد.
بدأت محاولات أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة للعودة إلى صدارة المشهد مجدداً بإصدار التنظيم مجلة «أمة واحدة» التي صدر العدد الأول منها في أبريل (نيسان) الجاري وبعد أيام من الإعلان عن هزيمة داعش عسكريا في سوريا.
واعتبر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية أن «توقيت إصدار المجلة يأتي في ظل سياق متشابك، حيث تراجع وانحسار تنظيم داعش وأذرعه الإعلامية، ولم يعد للتنظيم الإرهابي منابر إعلامية كما كانت عليه بعد 2014. وهو ما يحاول تنظيم القاعدة استغلاله، بإعادة شغل الفراغ الإعلامي الإرهابي والاستحواذ على مساحة الضوء والتأثير من خلال تنويع منصاته الإعلامية وإصداراته المرئية والمسموعة والمقروءة».
ويؤكد المرصد في تقرير حصلت «المجلة» على نسخة منه أن «القراءة الأولى للعدد الأول من مجلة التنظيم (أمة واحدة) تشير إلى عدة دلائل تؤكد نهج التنظيم العنيف خلال المرحلة القادمة، حيث إن التنظيم يسعى بشكل أساسي إلى إعادة تنظيم مساراته بحيث يكتسب حاضنة شعبية، كما تؤكد افتتاحية العدد، ولهذا يستمر التنظيم في رسم خطوطه العامة في التحريض على قتال (العدو البعيد) وقتال الولايات المتحدة الأميركية وضرب اقتصادها، كما يستمر التنظيم في التحريض ضد بعض الدول العربية بهدف استقطاب وتجنيد الشباب المتشددين المعارضين لحكوماتهم».
ويرى خبراء في التنظيمات الأصولية أن أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة يسعى إلى العودة إلى صدارة المشهد وإعادة تنظيمه إلى واجهة خريطة الإرهاب الدولية من خلال محورين رئيسيين، أولهما ما وصفوه بـ«لم شمل» المقاتلين واستعادة أعداد كبيرة من شباب التنظيم ومقاتليه الذين انتقلوا للانضمام لصفوف داعش عقب إعلانه عن دولة الخلافة «المزعومة»، ويتمثل المحور الثاني في وراثة إمبراطورية داعش الإعلامية والاستفادة منها بملء الفراغ الإعلامي الإرهابي.
وبحسب مراقبين، يواجه الظواهري تحديات تتعلق بوجود صراعات داخلية ومحاولات عدد من القيادات تنصيب حمزة بن لادن «نجل مؤسس التنظيم أسامة بن لادن» زعيما للتنظيم.
وتطرق العدد الأول من مجلة تنظيم القاعدة إلى أزمة الصراع الداخلي في أكثر من مقال، والتأكيد على مبدأ السمع والطاعة وخطورة الاقتتال الداخلي وعدم طاعة القادة، وكتب الظواهري في المقال الافتتاحي مخاطبا أنصاره: «إذا زعمنا أننا ندافع عن حرمات المسلمين فيجب أن لا نعتدي عليها ولا على إخواننا المسلمين المجاهدين»، وتابع: «وإذا دعونا للوحدة فعلينا أن لا نتمرد على أمرائنا، وإذا دعونا للسمع والطاعة فعلينا أن نضرب القدوة فيها».
وركزت مقالات كثيرة على فكرة السمع والطاعة، وتضمنت مقولات لقادة ومؤسسي التنظيم التي تدعو إلى الوحدة وطاعة الأمراء، ومنها مقولات لأسامة بن لادن، وعبد الله عزام، وكبار منظري التنظيم، للتأكيد على أن التنظيم لم يخرج عن النهج الذي رسمه مؤسسه بن لادن الذي قتل عام 2011.
ويقول الدكتور خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الجماعات الجهادية لـ«المجلة»: «إن داعش خطف الأضواء من تنظيم القاعدة واستقطب معظم شبابها، وبعد هزيمتها عسكريا سيعود كثير من الشباب إلى تنظيمهم الأول، وربما يعود بعض القيادات الكبيرة والقيادات الوسطى إلى القاعدة، لكن هذا على عكس الشباب سيتطلب وقتا، حيث ستوجد دائما أزمة عدم ثقة ومخاوف من أن تكون هذه القيادات تم تجنيدها من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات، وسيسعى تنظيم القاعدة إلى الاستفادة من هزيمة داعش إلى أقصى درجة وستستعيد حيويتها وتحاول القيام بعمليات إرهابية كبيرة للعودة إلى الأضواء مرة أخرى».
وفي تحليله لمضمون العدد الأول للمجلة القاعدية الجديدة، يشير مرصد الفتاوى التكفيرية إلى أن «تنظيم القاعدة يسعى إلى كسب حاضنة شعبية من خلال تضليل العقول والزعم بأن نشاطه الإرهابي والعنيف لا يستهدف سفك دماء المسلمين ولا يخوض في أعراضهم، ولكن يستهدف فقط من وصفهم بـ(هُبل العصر وحلفاؤه في المنطقة) في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية».
وحذر تقرير المرصد من أن «هزيمة داعش لا تعني نهاية الإرهاب، بل إن داعش لم يكن سوى حلقة في سلسلة متصلة من الإرهاب العالمي، لذا لا بد من ضرورة إيجاد حلول فاعلة في تحجيم نشاط تنظيم القاعدة على مستوى الميدان في كثير من الساحات سواء باليمن أو غرب ووسط أفريقيا، وضرورة الاستفادة من حالة الاحتقان الداخلي التي يعيشها التنظيم والتناحر على الزعامة، وتنسيق الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب الإعلامي للتنظيمات الإرهابية، وإيجاد حلول سريعة تمنع نشر وتداول المواد الإعلامية لتلك الجماعات».
وأفرد العدد الأول من المجلة مساحة واسعة للحديث عن الأسرة المسلمة والأطفال، وتضمن مقالين موسعين عن أسس التربية في المجتمع والأسرة، ومهاجمة قواعد ترتيب الأسرة المعاصرة خاصة فيما يتعلق بدور المرأة، وهاجمت بعض المقالات الأسس التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة.
ومن جانبه، يقول نبيل نعيم، القيادي السابق بتنظيم الجهاد لـ«المجلة»: «القاعدة تنظيم سري يعتمد على الخلايا النائمة، وهذه الخلايا هي التي استفادت من داعش، إذ إنه فور إعلان داعش عن دولة الخلافة الإسلامية المزعومة لها حدود وشعب ونظام إسلامي بحسب وجهة نظرهم، سارع شباب القاعدة إلى الانضمام للتنظيم الجديد لأن هدف القتال بالنسبة لهم هو إقامة دولة الخلافة، وطالما أن تنظيما ما قد فعلها فعليهم أن يقاتلوا دفاعا عنها وعن حلمهم، وبالطبع سيعود هؤلاء الشباب إلى القاعدة وكذلك الخلايا النائمة، وسيسعى التنظيم إلى العودة لصدارة المشهد ويستعيد حيويته ومكانته وملء الفراغ الذي خلفته هزيمة داعش، ويستعيد أيضا تركته الإرهابية المتمثلة في المقاتلين الذين انتقلوا لداعش، وسيرث المنصات الإعلامية ويحاول تطويرها».
وقلل نعيم من تأثير الخلافات الداخلية في التنظيم، مستبعدا إمكانية الإطاحة بزعيمه أيمن الظواهري، مشيرا إلى أن «دور حمزة بن لادن يقتصر على التمويل فقط، كما أن الظواهري شخصية قوية يحكم قبضته على التنظيم، وقد تعرض لكثير من الأزمات والمواجهات السابقة مع عدد من القيادات، لكنه استطاع التغلب عليها، وهو يستخدم تعبير (الوحدة) طوال الوقت منذ سنوات، ومن بين المعارك الداخلية التي خاضها الظواهري، عندما أعلن تأييده لجماعة الإخوان المسلمين في مصر خلال الانتخابات الرئاسية عام 2012 التي فاز فيها القيادي بالجماعة محمد مرسي، وقتها تعرض الظواهري لانتقادات واسعة، وأصدر عدد من قيادات تنظيم القاعدة بيانا هاجموه فيه واتهموه بالخروج عن ثوابت التنظيم التي لا تؤمن بفكرة الديمقراطية والانتخابات، وقتها استطاع الظواهري مواجهة العاصفة من دون خسائر».