* رغم أن كازاخستان دولة ديمقراطية وفقاً لدستورها، فإن الحكومة مستمرة في قمع المعارضة، وتعزز سلطتها عن طريق سلسلة من الإجراءات غير الديمقراطية
* يعد اندلاع الاحتجاجات ضد تغيير اسم عاصمة الدولة تذكرة بأن المعارضة لم تمت بالكامل في كازاخستان
في التاسع عشر من مارس (آذار)، أعلن نور سلطان نزارباييف رئيس كازاخستان استقالته بعد أن قضى نحو 30 عاماً في قيادة الدولة. عمل نزارباييف في البداية في ظل الحكم السوفياتي رئيساً لمجلس وزراء كازاخستان من عام 1984 إلى 1989. ثم عُين كأول أمين عام للحزب الشيوعي في جمهورية كازاخستان السوفياتية الاشتراكية. وفي عام 1990. أصبح رئيساً للجمهورية وبمجرد تفكك الاتحاد السوفياتي، أصبح أول رئيس لكازاخستان المستقلة في عام 1991.
كانت كازاخستان من بين الدول القليلة التي عارضت تفكك الاتحاد السوفياتي، وكانت من آخر الدول المغادرة للاتحاد. وعلى الرغم من ثرائها بموارد الطاقة، اعتمدت البلاد بشدة على موسكو في معالجة وتوزيع نفطها الخام، واستمرت هذه الاعتمادية لفترة بعد أعوام ما بعد الاتحاد السوفياتي.
وفي ظل حكم نزارباييف، دائما ما كانت كازاخستان ضمن صفوف الدول الشمولية، على الرغم من الحداثة الكبيرة التي شهدتها البلاد على مدار العقود الأخيرة والتي يرجع الفضل فيها غالباً إلى ثروتها النفطية. أثارت استقالة نزارباييف غير المتوقعة أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات عن مستقبل البلاد، ويستحق الموقف مراقبة عن كثب حيث تبدأ خطط خلافته في الظهور.
على الرغم من أن نزارباييف لم يعد رئيساً، فإنه لا يزال في السلطة طبقاً لأغلب المقاييس. يرجع هذا في الغالب إلى الخطوات الكثيرة التي اتخذها لوضع جميع السلطات التنفيذية ليس بالضرورة في يد الرئيس ولكن في يده شخصياً. وهناك أربعة مناصب مهمة، بعضها مناصب مدى الحياة، لا يزال يشغلها، مما يمنح الرئيس السابق البالغ من العمر 79 عاماً نفوذاً يمكن أن يوصف بأنه غير محدود.
في مايو (أيار) 2010، أعطى البرلمان نزارباييف لقب «زعيم الأمة». وهو لقب يمنحه حصانة تحميه من أي تحقيق جنائي أو قضائي بالإضافة إلى أي نقد إعلامي أو شعبي، ويضمن حماية أرصدته. وسوف يحتفظ نزارباييف بلقب «زعيم الأمة» في المستقبل.
في مايو عام 2018، مرر البرلمان قانونا يسمح لنزارباييف بالاحتفاظ برئاسته لمجلس الأمن الوطني الكازاخستاني مدى الحياة. كما أعطى البرلمان صلاحية أكبر كثيراً للمجلس. ومجلس الأمن الوطني مسؤول عن «ضمان الأمن الوطني والقدرات الدفاعية لجمهورية كازاخستان من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي الداخلي وحماية النظام الدستوري واستقلال الدولة ووحدة أراضيها ومصالح كازاخستان الوطنية»، بالإضافة إلى «تقييم تنفيذ التوجيهات الأساسية لسياسة الدولة فيما يتعلق بحماية الأمن الوطني وتعزيز قدرات الدولة العسكرية والحفاظ على القانون والنظام».
سوف يظل نزارباييف كذلك رئيساً لحزب نور أتان الحاكم في كازاخستان، والذي يحتل في الوقت الحالي 84 من 107 مقاعد في البرلمان. ومن المتوقع أيضاً أن يحتفظ برئاسته لصندوق الثروة الوطني سامروك-كازينا. وتعد دولة كازاخستان هي حامل الأسهم الوحيد في هذا الصندوق للثروة السيادية، والذي يمتلك عدداً من الشركات الكبرى في الدولة، منها السكة الحديد الوطنية وخدمة البريد وطيران آستانه وشركات الطاقة الكبرى: الشركة الحكومية للنفط والغاز (كاز-موناي-غاز) وشركة اليورانيوم الحكومية (كازاتومبروم).
سوف يجعل الجمع بين هذه المناصب نزارباييف في مقعد القيادة، على الأقل في المستقبل القريب. علاوة على ذلك، سوف يمارس نفوذاً سياسياً هائلاً في الفترة المؤدية إلى الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في أبريل (نيسان) 2020، إذ اختار بالفعل خلفاءه المؤقتين. اختار نزارباييف رئيس مجلس الشيوخ وصديقه المخلص قاسم جومارت توكاييف رئيساً جديداً، والذي أدى اليمين الدستورية سريعاً. وسوف تحل داريغا نزارباييف محل توكاييف في رئاسة مجلس الشيوخ.
بعد توليه الرئاسة على الفور، اقترح الرئيس توكاييف تغيير اسم آستانه عاصمة كازاخستان تكريماً للرئيس السابق. وسريعاً ما وافق البرلمان على القرار، وأصبحت آستانه الآن تسمى نور سلطان، الاسم الأول لنزارباييف. وكانت المدينة قد أعيدت تسميتها عدة مرات في الماضي، حيث كانت تسمى أكمولنسك، قبل تسميتها تسلينوغراد في عام 1961، ثم أكمولا في عام 1991. ثم تغير اسمها إلى آستانه عام 1997 وحتى الآن.
خرجت احتجاجات حاشدة في أعقاب استقالة نزارباييف في آستانه وألماتي. ووفقاً لتقارير إذاعة «أوروبا الحرة»، خرجت حشود «نظمها على الإنترنت زعيم حركة الخيار الديمقراطي المحظورة في كازاخستان مختار أبليازوف، وهو أحد أشد معارضي نزارباييف وحكومته، والذي يعيش في منفاه الاختياري في فرنسا». وضمن أمور أخرى، عارض المتظاهرون خطة الحكومة بإعادة تسمية آستانه. واعتقل عشرات المتظاهرين في 22 مارس، في حين احتفل آخرون بعيد النوروز في شوارع المدينة.
بينما تبدو استقالة نزارباييف صورية إلى حد كبير ويتوقع أغلب المراقبين عدم تغير الوضع في كازاخستان– أي عدم حدوث انفراجة أو إصلاحات ديمقراطية– لا تزال هناك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات. كما أشارت تغطية (بي إم بي روسيا) لكازاخستان: «من الواضح أن (نزارباييف) يستوحي من نموذج لي كوان يو الانتقالي في سنغافورة، لذا من الصعب توقع إمكانية حدوث أي شيء دون مباركته. ولكن هذا سوف يترك مساحة للخلافات الداخلية التي يمكن أن تجبره على الانحياز إلى أحد الأطراف للحفاظ على التوازن السياسي للسلطة. والأهم من ذلك، سوف يكون على الرئيس القادم أن يستمر بكفاءة في تحقيق توازن بين روسيا والصين والغرب فيما يتعلق بتوجهات سياسة خارجية أوسع بالإضافة إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة».
وحتى إن استطاع نزارباييف الحفاظ على هذا الوضع الراهن إلى ما بعد 2020، لن يسمح له عمره المتقدم بالبقاء في السلطة على المدى البعيد. ولا بد أن تتضمن خطة خلافته سمتين أساسيتين: إبقاء عائلة نزارباييف في حكم البلاد، وتعزيز اسمه في تاريخ كازاخستان بصفته القائد الأعظم في البلاد. ومن المحتمل استمراريته فيما بين منصب ابنته في رئاسة مجلس الشيوخ، ونفوذ دائرة مقربيه في كازاخستان.
وعلى أي حال، لم يحدث من قبل أن أجريت انتخابات حرة أو عادلة في كازاخستان، إذ إن النظام الديمقراطي الزائف موضوع للتلاعب بسهولة. بيد أن مصير إرث نزارباييف ليس مؤكداً. فعلى الرغم من أن كازاخستان دولة ديمقراطية وفقاً لدستورها، تستمر الحكومة في قمع المعارضة، وتعزز سلطتها عن طريق سلسلة من الإجراءات غير الديمقراطية. وتتخلص فعلياً من أي معارضة سياسية. ويعد اندلاع الاحتجاجات ضد تغيير اسم عاصمة الدولة تذكرة بأن المعارضة لم تمت بالكامل في كازاخستان، وأنه على المدى البعيد، سيظل إرث نزارباييف – ومتى وكيف سيذكر اسمه – في يد شعب كازاخستان.