* إيران تستطيع أن تراوغ سنتين لحين انتظار نتائج الانتخابات الأميركية ولها أن تحلم بأن يدخل رئيس ديمقراطي للبيت الأبيض، فيغير من سياسات ترامب تجاهها وينعش مجددا توجهات الرئيس السابق أوباما في دعم إيران وسياساتها التوسعية على حساب جيرانها
بعد أن حصلت إيران على اتفاق نووي أعادها إلى حضن الشرعية الدولية من دون أن تدفع ثمنا لإرهابها، واستمتعت بسنوات من «الرخاء» بموافقة ومساندة الرئيس السابق أوباما ودول أوروبا، وتوسعت شمالا وشرقا، وسلّحت ودعمت جماعاتها في كل من اليمن والعراق ولبنان وغزة، وحاربت مع الحوثيين في اليمن ومع بشّار الأسد في سوريا ومع العبادي في الموصل ومع «حزب الله» في لبنان، وحماس في غزة، وفرضت نفسها لاعبا أساسيا في أربع عواصم عربية تراها اليوم تعاني مع إدارة أميركية صلبة كل همّها تقويضها.
مع الرئيس ترامب عادت الأمور إلى طبيعتها. إيران عدو. أما المملكة العربية السعودية ودول الخليج وإسرائيل فهم حلفاء الولايات المتحدة الأميركية. وكل السياسات الخارجية الأميركية باتت تخضع لتلك المعادلة. من هنا كان انسحاب تلك الإدارة من الاتفاق النووي مع إيران لاعتبارها أنه اتفاق سيئ جدا ويشكل خطرا على الأمن القومي للبلاد.
الذين يعملون في البيت الأبيض أو يدورون في فلكه، يؤكدون أن كل السياسات الخاصة بالشرق الأوسط تتمحور حول مواجهة و«تركيع» إيران.
من هذا المنطلق أعادت إدارة ترامب العقوبات القاسية على نظام الملالي، وهي تسعى إلى منع إيران من بيع برميل واحد من النفط وتحض الدول الثمانية التي سمحت لهم حتى اللحظة باستيراد النفط الإيراني بالتوقف نهائيا عن التعامل مع إيران، واستجابت دولتان مع الرغبة الأميركية.
كل المحاولات لثني إدارة ترامب عن المضي قدما في مواجهة إيران إن كان في الداخل من قبل الديمقراطيين الذين وقعوا على الاتفاق النووي الذي يتيح الفرصة لإيران، ليس فقط من الحصول على القنبلة النووية بل أيضاً من استكمال سياساتها التوسعية في المنطقة على حساب شعوب تلك المنطقة وبلدانها، أو كان حتى من الدول الغربية التي حاولت الالتفاف على العقوبات الأميركية من خلال خلق آلية مصرفية تتيح لتلك الدول التعامل مع إيران مالياً، كل هذه المحاولات فشلت.
تقول مصادر البيت الأبيض إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ألّح على الرئيس ترامب في آخر لقاء لهما تصنيف الحرس الثوري الإيراني من قبل الخارجية الأميركية منظمة إرهابية مع كل ما يترتب عليه هذا التصنيف قانونيا. وقد استجاب الرئيس الأميركي لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي تماشيا مع سياسة البيت الأبيض التي أعلنت على لسان مستشار الرئيس للأمن القومي بولتون أن المطلوب هو تغيير سلوك إيران.
ماذا يعني تصريح بولتون عمليا؟
تغيير سلوك إيران يعني أولا الانسحاب من سوريا وبالتالي التخلي عن دعم الرئيس بشار الأسد بالسلاح والمقاتلين. تغيير سلوك إيران يعني أيضا التخلي عن دعم الحوثيين في اليمن، والامتناع عن إرسال الخبراء لهم ومدّهم بالسلاح أيضا. كما يعني التوقف عن دعم «حزب الله» ورعايته، كما يعني تصريح بولتون امتناع إيران عن التدخل في الشؤون العراقية.
أكثر ما تخشاه إدارة ترامب والدول العربية أيضا، خاصة المملكة العربية السعودية وإسرائيل، أن ترى إيران ترعى أحزابا مسلحة تسعى للسيطرة على البلدان التي تنشأ فيها على غرار «حزب الله» في لبنان مما يشكل خطرا على دول الجوار.
هذا الأمر عملت عليه إيران في اليمن مثلا مع الحوثيين وفي العراق مع الحشد الشعبي وهما مصدران للخطر على دول الخليج وأمنهم الاقتصادي. أما في سوريا فتسعى إيران إلى إنشاء «حزب الله» سوري يهدد أمن إسرائيل.
ليس لدى إيران أمام هذا التغيير في السياسة الأميركية خيارات كثيرة. حتى مغامرة من نوع حرب يوليو (تموز) ستكون نتائجها كارثية على إيران، لأنها في حال استعملت ساحات غزة أو لبنان أو سوريا للضغط على الولايات الأميركية من خلال العدوان على إسرائيل، أو تجرأت وهاجمت القوات الأميركية الموجودة في العراق مثلا أو في أي من الدول العربية، فالرد سيشمل كل تلك البلدان التي توجد فيها إيران أو تدعم فيها جهود ميليشياتها وستعتبر ساعتئذ طهران نفسها هدفا شرعيا لكل من إسرائيل أو أميركا، وسينتهي كل ما حققته إيران من مكاسب في هذه البلدان أي لبنان والعراق ومدينة غزة، لا سيما في تطوير البنى العسكرية لتلك الجماعات على مدى أعوام.
إيران تستطيع أن تراوغ سنتين لحين انتظار نتائج الانتخابات الأميركية ولها أن تحلم بأن يدخل رئيس ديمقراطي للبيت الأبيض، فيغير من سياسات ترامب تجاهها وينعش مجددا توجهات الرئيس السابق أوباما في دعم إيران وسياساتها التوسعية على حساب جيرانها. ولكن كل المؤشرات حتى الساعة تدل على فوز ترامب بولاية ثانية؟ فماذا ستفعل إيران عندها؟