* بومبيو: الولايات المتحدة لن تتحمل استمرار صعود «حزب الله» في لبنان
* علي بزّي: هذا الكلام لا يعوّل عليه ولا يمكن وضعه إلا في خانة التمنيات
* مصادر قيادية في التيار الوطني: لبنان يستخدم كساحة لتوجيه رسائل... لكن التنفيذ في مكان آخر
* سامي نادر: هناك توجه أميركي نحو توسيع نطاق العقوبات إلى حدّ عزل «حزب الله» عما يسمى ببيئته الحاضنة
* راشد فايد: مسألة العقوبات مخطط لها وتندرج في إطار ما يحضر للمنطقة
بيروت: عاد شبح العقوبات الأميركية ليخيم على الأجواء اللبنانية مجددا مع الأخبار التي أشيعت عن خططٍ لدى الإدارة الأميركية لفرض عقوبات على حركة أمل ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بسبب علاقته مع «حزب الله» وإيران، وبحسب ما ذكرت صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية، فإن «زيارة الوفد البرلماني وممثلين عن بري إلى واشنطن يوم الأحد الفائت كانت لإجراء محادثات مع المسؤولين هناك تستغرق أيامًا عدّة بهدف التخفيف من حدّة العقوبات».
هذه الأنباء كانت كفيلة بإثارة حالة من الذعر في الداخل اللبناني، لا سيما أنها تزامنت مع التصعيد الأميركي ضد إيران، عبر إدراج الرئيس دونالد ترامب «الحرس الثوري» الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية وردّ طهران بالمثل. إضافة إلى تزامن هذه الأنباء مع زيارة وفد برلماني لبناني إلى واشنطن للمشاركة في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، علماً بأن أوساط الرئيس بري نفت أن يكون الأخير وحزبه عرضةً لأي عقوبات أميركية، إذ قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النائب ياسين جابر الذي كان ضمن الوفد الذي زار واشنطن، إن «هذا الكلام موضوع في إطار الإشاعات والأخبار الصحافية ولا شيء رسميا بعد والتقينا مقرر لجنة القوات المسلحة الأميركية وكان اجتماعاً جيدًا ولدينا لقاءات أخرى في واشنطن». إلا أن تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الاثنين الفائت، تركت باب التكهنات مفتوحا على مصراعيه إثر إعلانه خلال مؤتمر صحافي عقده في واشنطن أنه خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت أوضح للمسؤولين اللبنانيين، ومن بينهم الرئيس بري، أن بلاده لن تتحمل استمرار صعود «حزب الله» في لبنان، وأن «عليهم أن يواجهوا هذا الحزب الذي يعمل مع إيران، وهو ليس حركة سياسية؛ بل جماعة مسلحة».
وردًا على سؤال حول فرض عقوبات على بري، لفت بومبيو: «إننا أوضحنا أننا سنقيّم العقوبات على كل أولئك المرتبطين بـ(حزب الله)».
عبارة بومبيو ساهمت في طرح علامات استفهام عدّة حول الجهات التي قصدها بومبيو وما إن كانت العقوبات ستشمل الحلفاء المحليين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. ما يعني أن لبنان إن صدقت الإدارة الأميركية سيكون في عين العاصفة اقتصاديا وسياسيا، ولكن يبقى السؤال: هل الإدارة الأميركية سوف تقدم فعلا على هذه الخطوة؟ ومن قصد بومبيو؟ وأي سيناريو ينتظر لبنان؟ وهل فعلا زيارة الوفد البرلماني اللبناني إلى واشنطن كانت تأتي في هذا السياق؟
صحيح أنه ليس بجديد تسريب معلومات عن نيّة لدى الإدارة الأميركية بتوسيع أفق العقوبات على «حزب الله»، لتشمل حلفاءه المحليين، وعام 2017 عند مناقشة قانون العقوبات الأميركي على «حزب الله» في الكونغرس تردد أن العقوبات سوف تشمل سياسيين داعمين للحزب، من «أمل» و«الوطني الحر» وغيرهما، وحينها قيل إنّ اتصالات رفيعة المستوى جرت بين لبنان وواشنطن، أدّت إلى صرف النظر عن توجّهٍ كان أكثر من جدّي. إلا أن هذه المرة الكلام لم يأت على شكل تسريبات صحافية إنما جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي الذي لم يمض شهر واحد على مغادرته بيروت لا سيما في حال صح ما تردد عن أن الأخير لم يسمع من المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته إلى لبنان ما يرضي إدارته بشكلٍ أو بآخر، وهو ما جعل بدوره مسألة اتساع العقوبات تكتسب طابعاً جديّاً.
أمل تنفي: هذا الكلام لا يعوّل عليه!
في هذا السياق، أكّد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي بزّي، لمجلة «المجلة» أن لا صحة لما يحكى عن توجه أميركي لفرض عقوبات على حركة أمل، مشيرا إلى أن «هذا الكلام لا يعوّل عليه ولا يمكن وضعه إلا في خانة التمنيات لدى بعض الكتاب».
كما شدّد بزّي على أن «الوفد البرلماني زار واشنطن لحضور اجتماعات البنك الدولي ولم تكن هذه الزيارة لهدف آخر»، مشيرا إلى أن «الوفد كانت لديه سلسلة لقاءات والأجواء كانت إيجابية على عكس الأجواء التي أشيعت».
التيار الوطني: لبنان يستخدم كساحة لتوجيه رسائل إنما التنفيذ في مكان آخر
مصادر قيادية بارزة في التيار الوطني الحرّ رأت في حديث لـ«المجلة» أن «ثمة أبواقاً عميلة عملت على إثارة نوع من الترهيب والتخويف في صفوف الشعب اللبناني»، مشيرة إلى أن «السفير اللبناني في واشنطن أكّد أن لا صحة لهذه الأخبار ولا وجود لعقوبات على أي طرف»، وتابعت هذه المصادر: «فرضا ثمة عقوبات، فإن وحدتنا الوطنية أقوى من كل العقوبات ولا أحد يستطيع التغلب علينا بوجود هذه الوحدة، وهذا موقف التيار الوطني بكل وضوح».
إلى ذلك، شدّدت المصادر على أن «مبادئ الرئيس عون لا تتبدل بأي موقع كان، وهو ثابت على موقفه بأن مائة حرب من الخارج ولا صفعة واحدة في الداخل».
كما استبعدت المصادر احتمال فرض أي عقوبات، وقالت: «ثمة تهويل ولبنان يستخدم كساحة لتوجيه رسائل إنما التنفيذ يكون في مكان آخر».
وخلصت المصادر بالقول: «لبنان بدأ بمسار إصلاحي لتحسين الوضع الاقتصادي وتخفيض العجز وبالتالي هذا الكلام من شأنه إحباط العزيمة وتهريب المستثمرين».
العقوبات الأميركية على حلفاء «حزب الله» تهويل أم واقع؟!
مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتجية الدكتور سامي نادر، أكّد في حديث لـ«المجلة» أن «الإدارة الأميركية لم تعودنا يوما على التهويل، فلطالما كان هناك ارتفاع بالنبرة وتهديد ومن ثم تنفيذ، بدليل جميع القرارات ومنها القاسية التي تم اتخاذها والتي كانت مستبعدة كالقرارات المتعلقة بكوريا الشمالية، الجولان، وأوروبا، والضغط على تركيا في الناتو، وغيرها... لذا لا يمكن القول إن ما نراه من قبل هذه الإدارة يأتي في إطار الكلام والتهويل فقط».
إلى ذلك، أشار نادر إلى أن «التعبير الذي استخدمه بومبيو بفرض العقوبات على مساندي (حزب الله) يفتح بابا واسعا من الاستنتاجات»، مؤكدا على أن «لبنان متجه نحو مزيد من العقوبات إلا أنها ستكون شديدة، كلفتها أكبر وواسعة الإطار». ورأى أن «العقوبات سوف تطال أشخاصا وكيانات على علاقة مع (حزب الله) بصفة (الداعم) كما ذُكِر بتصريح بومبيو وليس فقط الجهات التي لديها ارتباط مادي بالحزب».
وعن تسلسل العقوبات على «حزب الله»، قال نادر إن «العقوبات الأميركية بدأت عبر تصنيف الحزب على أنه منظمة إرهابية منذ خمس سنوات، تلتها عقوبات على أفراد في الحزب ومن ثم على كيانات ثم على مؤسسات مالية أميركية تتعاطى مع هذا الحزب، ثم شملت مؤسسات عالمية تتعامل معه، ثم تم تصنيف (حزب الله) على أنه منظمة إجرامية وليس فقط منظمة إرهابية، وأخيرا شملت العقوبات كيانات كتلفزيون (المنار) التابع للحزب ومؤسسة جهاد البناء وغيرها». وعلى المستوى الدبلوماسي تابع نادر أنه «تمّ دفع دول الخليج إلى تصنيف (حزب الله) منظمة إرهابية وكذلك على الأوروبيين في مؤتمر وارسو، إذ تم إيقاف التمييز بين جناح سياسي وعسكري لدى الحزب».
وهنا قال نادر إنه «يمكن الاستنتاج بأن العقوبات على (حزب الله) تتجه تصاعديا ويتسع نطاقها وتكبر كلفتها بشكل تدريجي»، وتابع: «الخطوة المرتقبة في حال استمرت الأمور على هذا النحو هي توسيع نطاقها إلى حدّ محاولة عزل (حزب الله) عما يسمى ببيئته الحاضنة».
كما أكّد نادر على أن «لربما الأعذار والحجج اللبنانية بأن الحزب هو مكون أساسي في المجتمع اللبناني تتفهمها إدارة أوباما وأيضا الملك عبد الله إلا أن هذه الحجج لم تعد تقنع الإدارة الأميركية الجديدة ودول الخليج»، مشيرا إلى أنه «بعد حرب اليمن تغير المنطق في الخليج ولم يعودوا يتفهمون هذه الخصوصية اللبنانية».
ختاماً، دعا نادر إلى «إيجاد منطق ومقاربة أخرى لمواجهة هذا الضغط»، مؤكدا أن «أفضل الطرق هو الالتزام بسياسة النأي بالنفس بشكل فعلي».
السيناريو المرتقب في لبنان
الصحافي والمحلل السياسي راشد فايد، قال لـ«المجلة» إن التلميحات الأميركية أكدها كلام المعنيين بالعقوبات ومحيط الرئيس بري تحديدا من خلال ردودهم حول هذا الأمر كما وكأنهم يؤكدون صحتها»، مشيرا إلى أن «وسائل الإعلام التي تدور في فلكهم أيضا لم تخف الأمر إضافة إلى أنها تناولت زيارة الوفد البرلماني الذي توجه إلى واشنطن وكأنه ذهب لمناقشة ملف العقوبات».
إلى ذلك تأسف فايد، لجهة الكلام «العنتري» الذي صدر من قبل بعض الجهات والذي لا يؤدي إلى نتيجة، بالإشارة إلى البيان الذي صدر ونسب لحركة أمل وتضمن أن الأخيرة ستتخذ الإجراءات اللازمة وبأنها ستطالب الدولة اللبنانية بالتعامل مع هذا الأمر.
كذلك رأى فايد أن «واقع الحياة الدولية الحالية يشير إلى أن لبنان لن يستطيع مواجهة العقوبات لا سيما أن دولا أخرى كبرى لم تستطع التصدّي لها بدليل أن كوريا الشمالية انتهت إلى محاولة إيجاد ودّ مع الولايات المتحدة لأن العقوبات أدّت إلى تدهور الوضع في كوريا ولم يكن لديها خيار سوى إيجاد مخرج للعقوبات عبر التفاهم مع أميركا حول تسلّحها النووي». وتابع: «بالتالي المطلوب عمل ذكي ومنطقي للتعامل مع هذه العقوبات في حال وقوعها». مشيرا إلى أن «حزب الله مرغم على التعامل مع هذه العقوبات لأن فرض عقوبات على حلفائه يعني عقوبات على جزء كبير من اللبنانيين».
وفيما يتعلّق بإمكانية شمول العقوبات رئاسة الجمهورية والتيار الوطني، قال فايد: «حتى الآن لم تصدر إشارة واضحة في هذا السياق من الجانب الأميركي، حتى إنه لا وجود لكلام أميركي رسمي عن شمول الرئيس بري بالعقوبات، إلا أنه من الواضح أن ثمة معطيات تؤكد أن العقوبات آتية».
كما شدّد فايد على أن «الإدارة الأميركية لا تتخذ قراراتها على الطريقة اللبنانية ولا العربية حتى وبالتالي مسألة العقوبات مخطط لها وتندرج في إطار ما يحضر للمنطقة».
ختاما أكّد فايد أن السيناريو الذي ينتظر لبنان ليس بالسهل على الإطلاق في حال تم فعلا تطبيق هذه العقوبات، وفي سؤالنا عما إذا كانت الساحة اللبنانية سوف تشهد سيناريو إيراني-كوري قال فايد: «ليس إلى هذا الحدّ لأن أوروبا حريصة على حماية لبنان وحريصة على أن لا تدخل مع الأميركيين في خطوة من هذا النوع».